الصبر على الموقف الحق وقيمته في العاجل والآجل

 

من الأشياء المهمة التي ينبغي أن نستذكرها في مسألة الصبر: النتائج الخطيرة والعواقب الخطيرة إذا فرَّطنا في تلك الأعمال المهمة، في ذلك الموقف الحق فلن نصبر، يعني: قد يكون البعض يتصور أنَّ المشاق مثلاً، أو التضحيات، أو المتاعب لا تأتي إلَّا في طريق الحق، هي تحصل في طريق الحق ولها ثمرة، ولها نتيجة، وجزءٌ منها قد يكون عائداً إلى نقص أو قصور في الأداء العملي؛ أمَّا إذا تركنا الموقف الحق، إذا تنصَّلنا عن المسؤوليات الحق، إذا فرَّطنا في المسؤوليات هذه، النتيجة الخطيرة هي بما يحصل إذا غاب هذا الحق،

 إذا ترك هذا الموقف الحق، ما الذي يأتي؟ الخسران الحتمي، في الدنيا إذا فرَّطت الأمة في المواقف والمسؤوليات الحق تهان، تذل، تقهر، تظلم، تضطهد، تتكبد الخسائر الهائلة جدًّا في كل واقعها: في أمنها، في استقرارها، في اقتصادها، خسارات رهيبة جدًّا وبدون مقابل، بدون إيجابية، بدون نتيجة مرجوة للخلاص من ذلك الواقع، وهذا مؤكدٌ في واقع الأمة الإسلامية، في كثيرٍ من الأقطار كم حصلت من مآسٍ رهيبة جدًّا نتيجة التفريط في مسؤوليات معينة؟ كم كان الثمن باهضاً جدًّا عندما تمكَّن الأعداء؟

وتمكُّن الأعداء يعني: تمكنهم بشرهم، بفسادهم، بظلمهم، بإجرامهم، بطغيانهم، يعني: أن تتاح لهم فرصة أكثر لارتكاب الجرائم، لممارسة الظلم، لما يحصل على الأمة وفي واقعها من الفساد… أمور رهيبة جدًّا، الكلفة هائلة جدًّا جدًّا، ووراءها جهنم والعياذ بالله، جهنم.

والحالة تلك حتى لو صبر الناس عليها، لن يكون صبراً مثمراً، ولا مجدياً، الصبر على تمكُّن الطغاة، والمجرمين، والظالمين، والمفسدين، والأشرار، الصبر على تمكينهم بدلاً من التصدي لهم وفق المسؤوليات والمواقف الحق، الصبر حينها لن يكون مثمراً أبداً، لن يدفع شيئاً، لن يوقف ظلمهم، لن يوقف شرهم، لن يوقف طغيانهم، لن يدفع عن الأمة ذلك الواقع السلبي والمأساوي والكارثي والخطير الذي يسوده الباطل، والفساد، والطغيان، والإجرام، والظلم، لن يفيد بشيء، حينها ستكون الحالة: اصبروا أو لا تصبروا سواءٌ عليكم.

أيضاً من نتائج التفريط في الصبر على الحق، وفي الصبر على الالتزام بالحق، وفي الصبر على الالتزام بالمواقف الحق، من نتائج هذا التفريط هو دخول النار، في النار في ذلك الكرب الرهيب، في ذلك العذاب الأليم، في تلك الحياة البئيسة جدًّا، في ذلك العذاب الرهيب جدًّا، لن يفيدك الصبر،

هناك يقول الله: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ}[الطور: من الآية 16]، بل أهل النار يقولون: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}[إبراهيم: من الآية 21]، حينها ستصل إلى كربٍ رهيب، عذابٍ أليم، تعبٍ حقيقي، حزنٍ شديد، ندمٍ عظيم، كل ما يمكن أن تترك الصبر من أجله في الدنيا من متاعب أو مشاق، يأتي بترك الصبر في الحق ما هو أشد من ذلك، وأقسى من ذلك، وأصعب من ذلك بكثير وبما لا يقارن، بما لا يقارن في الدنيا ثم في الآخرة؛ ولذلك قيمة هذا الص

بر حميدة في الإطار العملي، في إطار الالتزام بالحق، في التمسك بالحق، قيمة هذا الصبر قيمة عظيمة جدًّا في الدنيا: فلاحاً، وفوزاً، ونصراً، وعزاً، وخيراً، وفي الآخرة: رضوان الله والجنة.

إنَّ لحظةً واحدة في الجنة في نعيمها العظيم يمكن أن تكون كافية لأن ينسى الإنسان كل ما قد كابده في هذه الحياة من مشاق، ومتاعب، ومعاناة، وأحزان، وآلام. وإنَّ لحظةً واحدةً في النار كفيلة بأن ينسى الإنسان كل نعيمٍ قد عاشه في هذه الدنيا، وأن يستشعر تلك اللحظة أكثر عناءً ومشقةً وألماً نفسياً وجسدياً من كل ما قد عاناه في هذه الدنيا بكله؛

لذلك قيمة الصبر قيمة عظيمة، وقيمة مهمة، وبدلاً من التواصي بالتذمر، وبدلاً من التواصي بالضعف، وبدلاً من التواصي بالتنصل عن المسؤولية، وبدلاً من التواصي بالتفريط والتقصير، يجب أن يسود فيما بيننا التواصي بالصبر، والتذكير على أساس الاستفادة من القرآن الكريم بقيمة هذا الصبر، وما يترتب عليه، وما له من مكاسب مهمة: نفسية، وتربوية، وعملية، وواقعية، وفي النتائج، وفي الآخرة عند الله -سبحانه وتعالى-، مع الالتجاء إلى الله -سبحانه وتعالى-.

تجتمع في هذه السورة هذه العناصر الأربعة: {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، لتكون مجتمعةً ومع بعضها البعض الطريق الحصري الاستثنائي للنجاة من الخسارة الحتمية لكل إنسان، تلك الخسارة التي أقسم الله عليها في القرآن الكريم؛ ليؤكِّدها لنا، حتى لو لم تصدق هذا القسم من الله -سبحانه وتعالى-، إنما تورِّط نفسك وتوقعها في تلك الخسارة الرهيبة والحتمية.

إذاً هذا مقياس، وبعناوين واضحة جدًّا، وجلية، ومختصرة، ومقارَبة؛ لتعرف هل أنت رابحٌ أم خاسر؟ معيار حقيقي للربح والخسارة، طريق الربح، طريق الفوز العظيم هي طريق واضحة، وهي أسهل من طريق الباطل، وهي أشرف، وهي أفضل، وفيها الخير لك، هي فوز بكل ما تعنيه العبارة، وفوزٌ عظيم.

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الرمضانية الـ12 لعام 1441 هـ  

قد يعجبك ايضا