العلم النافع وأثره في تحمل المسؤولية واكتساب الوعي
من أهم الآثار للعلم الصحيح والمعارف الإلهية النافعة الاستشعار للمسؤولية: وهذا موضوعٌ رئيسيٌ وأساسيٌ في المعارف الإلهية، وفي الثقافة القرآنية، وفي المفاهيم القرآنية، القرآن الكريم والرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- يعلِّمنا المسؤولية، من أهم ما يعلمنا، وفي مقدِّمة ما يعلِّمنا المسؤولية، أن استشعر مسؤوليتي في هذه الحياة، مسؤوليتي في كل مجال من مجالات حياتي، بدءً من واقعي الشخصي في سلوكياتي، في تصرفاتي، ثم تجاه محيطي الأسري، ثم تجاه محيطي المجتمعي، ثم تجاه البشرية بشكلٍ عام،
وتأتي فرائض معينة، مثل: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفاهيمها الصحيحة القرآنية، التي تتجه نحو كل مجال من مجالات الحياة لتصلح فيه، لتصححه، لتبنيه على أساسٍ من المبادئ، والقيم، والأخلاق، والمصلحة العامة، والخير لهذا الإنسان. فريضة الجهاد في سبيل الله بمفهومها الصحيح البنَّاء لدفع الظلم، لدفع الطغيان، لدفع الشر، لحماية الأمة، لحماية استقلالها وكرامتها والدفاع عنها…
ثم هكذا مسؤوليات متعددة: مسؤوليات في الجانب المالي، مسؤوليات في كل المعاملات؛ حتى تكون المعاملة من أهم ما يتجسد فيه الدين، لدرجة أن يقول: (الدين المعاملة)، المسؤولية هذه التي يربينا عليها الإسلام فتجعلنا نتحرك في هذه الحياة ونحن ندرك ما علينا من مسؤوليات، ونتصرف بناءً على هذه المسؤوليات، من أهم ما في الإسلام، من أهم ما في القرآن، من أهم ما تقدِّمه المعارف الإلهية، فمن يأتي ليعلم الناس الأنانية، والجمود، والقعود، واللامسؤولية، والانفلات، واللامبالاة بالقضايا المهمة والقضايا الجامعة، هو لا يُعَلِّم الناس إلَّا المفاهيم الخاطئة، إلَّا الأفكار الظلامية الهدَّامة.
من أهم الأثر العظيم للمعارف الإلهية، للقرآن الكريم، للثقافة القرآنية، للعلم النافع هو الوعي، الوعي: هو يعلِّمك الوعي، أن تكون إنساناً يمتلك الوعي تجاه كل شؤون الحياة: الوعي بالناس، الوعي بالواقع، الوعي بالأحداث، الوعي بالفئات التي تتحرك في واقع البشر مهما كانت عناوينها التي تتحرك من خلالها، الوعي بالمسؤولية،
الوعي الذي هو نورٌ تستضيء به تجاه واقع الحياة، وهذه من أهم الثمار المجتناة، والثمار الطيبة، والثمار العظيمة للعلم النافع، للثقافة القرآنية، لهدى الله -سبحانه وتعالى- البصائر، الله يقول في كتابه الكريم: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} [الأنعام: من الآية104]، هذا الوعي الذي يحصِّن الساحة يحصِّن الأمة من كل الأفكار الظلامية، ومن كل الظلاميين الذين يأتون تحت أي عنوان، فلا يتمكنون من خداع من امتلك الوعي من خلال هدى الله، من خلال العلم النافع، لا ينخدع بأي عناوين وراءها قوى ظلامية، ووراءها مساعٍ هدَّامة وتدميرية،
يعرف أساليب أهل الباطل، أساليب أهل الضلال، الأساليب والعناوين التي يستخدمها الظلاميون من كل فئات البشر وأشكالهم؛ وبالتالي هو محصَّن بالوعي لا ينخدع، وفي نفس الوقت لا يتأثر تأثراً سيئاً لمن هبَّ ودبَّ، لا يعيش حالة الفوضى في التلقي والتأثر بكل ما سمع، ليس إنساناً فاضياً، ما سمعه تأثَّر به، البعض من الناس كما نقول: (كالصحن اللاقط)، ما وصل استقبله وتأثَّر به، قد يسمع أي كلمة من أي إنسان وتأثَّر بها، بنى عليها تصوراً، بنى عليها موقفاً.
مثل هذا الإنسان لن يكون راشداً، الوعي هو يحصِّنك من الاستغلال، الإنسان يُستَغل، الإنسان يصل إلى درجة الاستعباد إن لم يمتلك الوعي؛ لأن كل فئات الضلال تأتي تحت عناوين معينة، كل فئة ضلال لها نشاط إعلامي، لها نشاط ثقافي، لها نشاط ذو طابع فكري، تحاول من خلاله أن تدجِّن الآخرين لها، وأن تستغلهم، وأن تستعبدهم، وأن تخضعهم، وأن تهيئ الساحة لمواقفها وأهدافها وتوجهاتها، فالأمة إذا امتلكت الوعي تحصنت، لو وجَّه الآخرون إليك مليون قناة فضائية، وأتوا إليك بمليون تكفيري، وأتوا إليك بأي وسيلة وبأي عنوان؛ لن يستطيعوا أن يؤثِّروا فيك أبداً، ولا أن يغيِّروا فيك قناعةً واحدة ابتنت على يقين، على وعي، على بصيرة، بل تكون أنت محصَّناً فلا تتأثر من هنا أو هناك.
اليوم لو نأتي إلى كل فئات الاستكبار، وفي المقدِّمة الأمريكي، كل فئات الاستكبار والاستعمار والطغيان في هذا العالم لها نشاط هائل، نشاط عنوانه العام هو الحرب الناعمة، نشاط ذو طابع فكري، ذو طابع إعلامي، ذو طابع تثقيفي، وهم يتمكَّنون من التأثير على الناس من خلال هذا، ومن ثَمَّ الاستعباد للناس، والسيطرة على الناس، الإنسان إذا تمت السيطرة عليه فكرياً وثقافياً؛ أمكنت السيطرة عليه سياسياً، أمكنت السيطرة عليه والاستعباد له في واقع حياته.
ونحن في هذه المرحلة أهم ما نحتاج إليه: أن نتسلح بسلاح الوعي، وأن نتحصن بالوعي تجاه كل ما يمتلكه الأعداء من وسائل للتأثير الفكري والثقافي، ولصناعة الرأي العام، وللتأثير على البشرية في أفكارها وتوجهاتها، فمن أهم الآثار العظيمة لهدى الله وللعلم النافع الوعي: الوعي بالعدو، الوعي بالناس، الوعي بالحياة، الوعي بالواقع، الوعي بالأحداث، مفاهيم صحيحة هي تمثِّل النور تستضيء بها، وبصائر تبصر بها الواقع كما هو، الحقائق كما هي، الأحداث بخلفياتها الحقيقية، بحيثياتها الواقعية.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد بمناسبة اختتام المراكز الصيفية 3 ذو الحجة 1440هـ