التوحيد عنوان كل الرسالات الإلهية
يقول الله -سبحانه وتعالى-: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً}، التوحيد لله -سبحانه وتعالى- هو الأساس والركن الكبير الذي يقوم عليه الدين الإسلامي بكله في كل تفاصيله وتشريعاته وتوجيهاته، وهو أيضاً الركن والأساس في كل رسالات الله إلى أنبيائه على مرِّ التاريخ، والله -سبحانه وتعالى- في كل توجيهاته مع أنبيائه، وفي أساس رسالاتهم ودعوتهم للبشرية كان العنوان الأول والعنوان الرئيسي هو التوحيد لله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه الأساس الذي إن آمن به الإنسان والتزم به الإنسان؛ تستقيم عليه حياته في شتى المجالات، على أساسٍ من توجيهات الله وهدي الله وتعليمات الله -سبحانه وتعالى- كما أنَّ الإخلال به يترتب عليه الانحراف، ويتبعه الانحراف في كل مجالات وشؤون الحياة، ويتجه الإنسان في حياته على نحوٍ منحرف، حتى يصل إلى سخط الله -والعياذ بالله-.
{لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ}، الحقيقة الكبرى في هذا الكون وفي هذا الوجود أنه لا إله إلا الله، لا إله بالفعل إلهاً حقيقياً، له الكمال المطلق، تأله إليه البشرية، تأله إليه المخلوقات، هو رب السماوات والأرض، هو رب الكون، رب العالمين، وهو المدبر لشؤون السماوات والأرض، وهو الذي يربي هذه المخلوقات ويدير شؤونها، لا إله إلا الله -سبحانه وتعالى- فإذا عمل الإنسان واتجه في حياته إلى أن يؤله شيئاً آخر غير الله -سبحانه وتعالى- شيئاً آخر من الجمادات، كالأصنام الحجرية ونحوها، أو من الحيوانات الأخرى، أو من الكائنات الأخرى… فهو يرتكب أكبر خطأٍ ويتنكر لأكبر حقيقة، وهو يمارس عمليةً منحرفةً، وزيغاً كبيراً وضلالاً كبيراً، ونكراناً وجحوداً لأعظم حقيقة، ويظلم نفسه بهذا، ويخالف الحق والعدل، عندما تؤلِّه غير الله -سبحانه وتعالى- ويفعل هذا الكثير من البشر، الأغلبية من البشر اتخذوا آلهةً أخرى، ولجئوا إليها كآلهة، وهي ليست- في واقع الحالة- آلهة، في كثيرٍ من الحالات- على مرِّ التاريخ- اتجه الكثير من الناس، من الأمم والأقوام إلى عبادة أصنام حجرية، واعتبروها آلهةً شريكةً مع الله -سبحانه وتعالى- أشركوا بها مع الله، وهي كما هي حجر لا تضر ولا تنفع، يأتون إلى منحوتات من الصخر، أو منحوتات من جمادات أخرى، أو من الأشجار، يصنعونها، أو يشترونها ممن صنعها، ثم يجعلون منها آلهةً ينشدون منها، ويطلبون منها النصر، والخير، والنفع، ودفع الضر… وما إلى ذلك، ويعتقدونها آلهة، عندما اتخذوها آلهة هي لا تتحول- بالفعل- إلى آلهة، هي لا تتحول- بالفعل- إلى مصدر لجلب الخير ودفع الضر، أو توفير النصر، أو الرعاية لهذا الإنسان. |لا| يبقى ذلك الصنم الحجري على حاله، لا يعطيهم شيئاً، لا عبادتهم له ولا اتخاذهم له آلهة يحوله- بالفعل- إلى مصدر رعاية لهم، ومصدر نصر لهم، ومصدر خير لهم، ومصدر لدفع الشر والضر عنهم. |لا|.
البعض أيضاً اتخذوا آلهةً أخرى، وجعلوا آلهةً أخرى، إما من الملائكة، وهذا حال بعض الأقوام عبدوا الملائكة، وعبدوا بعضاً من الملائكة، وجعلوا منهم آلهة، والحال نفسه كذلك لا يجعل منهم في الواقع آلهة، الملائكة بأنفسهم عبيدٌ لله -سبحانه وتعالى- يعبِّدون أنفسهم تعبيداً تاماً لله -سبحانه وتعالى- وهم أرقى المخلوقات في عبوديتها لله -جلَّ شأنه- ولا يتعامل معهم الملائكة على أساس أنهم جعلوا منهم آلهة، بل يمقتونهم ويكرهونهم، ويتبرؤون منهم، ويتبرؤون من شركهم بهم.
البعض جعلوا آلهةً من الأنبياء، كما هو حال من جعلوا من نبي الله عيسى -عليه السلام- إلهاً ورباً، وهو كذلك يعبِّد نفسه لله، ويعتبر نفسه عبداً لله، ويؤكِّد على ذلك، وكانت أول عبارة نطق بها: الدعوة إلى عبادة الله، والتأكيد على أنه عبدٌ لله: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم: من الآية30]، وكان كل اهتمامه في حركته بالرسالة الإلهية: الدعوة إلى العبادة لله -سبحانه وتعالى- وتعبيد الناس لله -جلَّ شأنه- البعض جعلوا من بعض الكواكب والنجوم آلهة، والبعض جعلوا من الشمس آلهة، البعض جعلوا من كائنات وجمادات أخرى، أو حيوانات أخرى آلهة، والضلال في واقع البشر في هذا الجانب ضلال كبير جدًّا.
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الرمضانية الثامنة 1440 هـ