لننظر إلى نعم الله باعتبارها اختباراً لنا

 

فالإنسان أيضاً إذا لم ينظر إلى نعم الله “سبحانه وتعالى” أنها في إطار الاختبار له، هل سيشكر؟ فهو في هذه الحالة سيتعامل بمسؤولية؛ أمَّا إذا لم ينظر إلى المسألة باعتبارها اختباراً، وهل سيشكر؟ وهل سيتعامل بمسؤولية فيما مكَّنه الله فيه، وأنعم به عليه؟ فسيتعامل بطريقة أخرى مختلفة.

يقول الله “سبحانه وتعالى”: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}[الفجر: الآية15]، يتوقف عند هذا الحد: {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}، وينسى أنَّ الله أكرمه ونعَّمه ابتلاءً، اختباراً له، وأنَّ النعم تقترن بها مسؤوليات، والاختبار له: هل سيفي بمسؤولياته هذه، المترتبة على ما أكرمه الله به، ونعَّمه به، فعندما ينظر إلى المسألة أنها هكذا: مجرد نعمة، وليست اختباراً، ولا يقترن بها مسؤوليات؛ فهنا يتجه بشكلٍ خاطئ للتمتع بهذه النعم، والاستغلال لها بطريقة خاطئة، فيصل إلى درجة أن يكون غير شاكرٍ للنعمة، وأن يعصي الله بما أنعم به عليه، وفي هذا إساءة إلى الله “سبحانه وتعالى”، إساءة إلى ربنا المنعم الكريم، {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}، لا يقول: [ربي أكرمن ليختبرني، أكرمني ليختبرني، هل سأشكر، أم سأكفر النعمة؟ هل سأفي بالتزاماتي؟ هل سأقوم بمسؤولياتي على أساس ما أنعم به عليَّ أم لا؟]، ينسى ذلك، ينسى جانب المسؤولية والشكر.

{وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}[الفجر: الآية16]، وهنا كذلك بدلاً من أن يصبر يتذمر، ولا يسعى إلى أسباب الخير، أسباب السَّعة في الرزق، أسباب النعمة؛ إنما يتذمر أكثر فأكثر، ويتعقد، ولا يصبر، وقد يدفعه هذا أيضاً إلى المعصية، قد يدفعه هذا إلى أن يسعى للسعة بوسائل محرَّمة، فيها ظلم، أو فيها جرائم، أو فيها سرقة، أو نهب، أو تصرفات سيئة جدًّا.

{كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}[الفجر: 17-20]، تنشأ هذه الظواهر السلبية، عندما لا يكون الفقير صابراً، ولا الغني شاكراً، تحصل هذه الظواهر السلبية:

ظلم الأيتام.

وعدم الإكرام لهم.

ولا الاهتمام بأمرهم.

ولا المبالاة بالمساكين.

السعي للحصول على الثروة والمال وتوفير متطلبات الحياة بأي طريقة، حتى بالحرام، الذي قد يصل بالإنسان إلى أن يظلم حتى قريبه، حتى شريكه في الإرث، وبالذات النساء يتعرضن لظلمٍ كبير فيما يتعلق بالإرث.

{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا}، أكلاً يجمع بين الحرام والحلال، لا يتجه إلى الحلال والاقتصار على الحلال.

{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}، حباً كبيراً، كثيراً، يسيطر عليكم، يؤثِّر على استقامتكم، يدفعكم إلى المعصية، يدفعكم إلى الحرام، مسألة خطيرة جدًّا، عندما يكبر حب المال، ويكثر في نفس الإنسان، فيسيطر على مشاعره، على اهتماماته، على توجهاته؛ وبالتالي في دوافعه العملية، وفي تصرفاته وممارساته وأعماله.

 

يوميات من هدي القرآن

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

سلسلة المحاضرات الرمضانية: المحاضرة الثامنة عشر 1442هـ

مع الوصايا العشر من سورة الأنعام (7)

 

 

قد يعجبك ايضا