الضوابط الإيمانية في العلاقات والاتّباع والطاعة
نجد فيما مرَّ بنا من الآيات المباركة: خطورة الشرك في المقام العملي، من خلال الإتِّباع الأعمى، والطاعة في معصية الله “سبحانه وتعالى”، والطاعة في المخالفة لمنهج الله “جلَّ شأنه”، من مثل ما ورد في قول الله “سبحانه وتعالى”: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}[البقرة: من الآية165].
فنلاحظ أنَّ علاقة العبد مع العباد، علاقتك مع الناس، يجب أن يكون لها سقف محدد، سقف معين، ألَّا تصل إلى هذا المستوى: إلى مستوى أن تحب أحداً كما ينبغي أن تحب الله، وأن تطيعه في معصية الله، وأن تمنحه ما لا ينبغي أن تقدِّمه إلَّا لله “سبحانه وتعالى”، تبقى علاقتك مع الناس، في كل أصنافهم، وفئاتهم، ومستوياتهم، تبقى هذه العلاقة تحت سقف علاقة العبد مع العبد، في إطار طاعة الله “سبحانه وتعالى”، في إطار السير على هدي الله “سبحانه وتعالى”، لا أن تصل وأن تتجاوز هذا الحد، وهذا السقف، هذه حالة خطيرة جدًّا.
وعلى هذا الحال الكثير من الناس، الذين انحرفوا عن منهج الله “سبحانه وتعالى”، وانحرفت بهم مثل هذه الارتباطات: ارتباطات بغير الله “سبحانه وتعالى”، ارتباطات مع أحدٍ من الناس بأي صفة، ثم تصل إلى مستوى الطاعة في المعصية، أو المخالفة لمنهج الله “سبحانه وتعالى” بناءً على ذلك، أو الخلل فيما يتعلق أيضاً بمسألة التشريع، والارتباط التشريعي بهم، بعيداً عن شرع الله ومنهج الله “سبحانه وتعالى”.
ولأن المسألة هنا مسألة إتِّباع، وليست في سياق الحديث عن أنهم اعتقدوهم آلهة، بمعنى: أنَّ هذا هو في إطار الشرك العملي، الشرك العملي، الذي هو ذنب خطير جدًّا، وإن كان في حالاتٍ منه لا يُخرِج من الملة، لكن هنا خطورته: أنك تعتبر نفسك مسلماً، وتنتمي للإسلام، وتقرُّ بمبدأ التوحيد، ولكنك في واقعك تعاني من هذا الخلل الخطير، الذي يمثِّل ضربةً قاضية لاتجاهك العملي، لاستقامتك العملية، لسيرك وفق هدي الله “سبحانه وتعالى”، ولأن السياق سياق عملي، قال في نفس الآية المباركة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}[البقرة: 165-166].
ولذلك من المهم لكل مسلم، لكل إنسان، أن يلحظ طريقة إتِّباعه، مسألة إتِّباعه، من يتَّبع؟ وعلى ماذا يتَّبع؟ وعلى أي أساسٍ يتَّبع؟ والحدود في علاقة الإتِّباع كيف تكون؟ وأنه يجب عليك أن تتبع ما أنزل الله، وأن تتبع سبيل من أناب إلى الله، وأن تكون مسألة الإتِّباع منضبطة بهذا الضابط الإيماني: وفق هدي الله، وفق منهج الله “سبحانه وتعالى”، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}[البقرة: الآية166].
يقول القرآن الكريم أيضاً، وهو يتحدث عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}[التوبة: من الآية31]، وطبعاً بالنسبة لأهل الكتاب، حصل عندهم شرك في شقيه: يعني:
في الشق الاعتقادي: عندما اعتقدوا المسيح عيسى بن مريم إلهاً ورباً، وأشركوا به مع الله “سبحانه وتعالى”، هذا شرك عقائدي.
ولكن أيضاً على المستوى العملي، في الجانب التشريعي: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ}، يعني: علماءهم، {وَرُهْبَانَهُمْ}، يعني: عبَّادهم، {أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}، وورد الحديث عن النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” يوضح هذه المسألة كيف هي، وكيف تمت، وكيف كانت، فإذا هي من خلال هذا الارتباط التشريعي: أن يحرِّموا عليهم ما أحلَّ الله، فيحرِّموه، وأن يحلوا لهم ما حرَّم الله، فيستحلوه، فكانت قضيةً خطيرةً جدًّا.
يوميات من هدي القرآن
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الثانية عشر 1442هـ
مع الوصايا العشر من سورة الأنعام (2)
مبدأ التوحيد وثماره.. ومساوئ الشرك وأخطاره