التلازم التام بين الرسول والقرآن وخطورة الفصل بينها

كانت عملية الفصل بين الرسول والقرآن منفذًا لبعض المضلين والمبطلين في تحريفهم للإسلام ومفاهيمه، تحريفهم لمفاهيم الإسلام وافتراءاتهم على الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- فاختلقوا بعضًا من الروايات المكذوبة وغير الصحيحة، افتروها واختلقوها كذبًا وزورًا ونسبوها إلى رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وقدَّموا من خلالها ما يخالف القرآن: مفاهيم مخالفة للقرآن، أحكامًا وتشريعات مخالفة للقرآن، عقائد مخالفة للقرآن، ثقافات مخالفة للقرآن، أعمالًا وممارسات يدفعون الناس إليها تخالف القرآن الكريم؛

 لأنه افترضوا أنَّ الرسول هناك لوحده مشتغل، ويتحرك في اتجاه والقرآن في اتجاهٍ آخر، لم تكن المسألة على هذا النحو: أن الرسول كان يتحرك في مسارٍ لحاله، في اتجاهٍ هناك والقرآن في اتجاهٍ آخر. |لا|، كان هناك تلازمٌ تام ما بين الرسول والقرآن، وحركة الرسول في إطار هذا القرآن، وعندما يتجه في الواقع التفصيلي والعملي فهو يتجه بوحيٍ من الله، وبأسس ثابتة وموجودة في هذا القرآن، يعني: ليس هناك في حركة الرسول، ولا في إرشاداته، ولا في توجيهاته، ولا في سيرته العملية، ولا في أقواله ما يمكن أن يصح عنه ويخالف القرآن الكريم؛

 لأن الرسول كان ملازمًا للقرآن، التفاصيل العملية التي تحرك فيها أساسها في القرآن، أصلها في القرآن الكريم، ولم يكن يتجه بعيدًا عن هذا القرآن، وتجد في القرآن الكريم هذا الربط بشكلٍ كبير جدًّا، يقول: {لِتُنذِرَ بِهِ} [الأعراف: من الآية2]، {وَأَنذِرْ بِهِ} [الأنعام: من الآية51]، يعني: القرآن، وهكذا في التذكير، وهكذا نصوص كثيرة جدًّا تؤكِّد على هذا التلازم، وهذا الارتباط الوثيق ما بين الرسول – صلوات الله عليه وعلى آله- وما بين القرآن، فالرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- من موقعه في الرسالة والنبوة، من موقعه في القيادة والقدوة تحرك -صلوات الله عليه وعلى آله- يهدي بهذا القرآن، يتحرك على أساس توجيهات الله -سبحانه وتعالى- وأوامره في هذا القرآن،

 يعطي لهذا القرآن حيوية وفاعلية في الواقع، يعني: لم تكن عملية تعليم وفق الحالة الروتينية السائدة في واقعنا، بل عملية تعليم ارتبط بها عمل، ارتبط بها واقع، ارتبط بها حركة في الساحة، ارتبط بها نشاط عملي، ارتبطت بها مواقف، آية تتضمن موقفًا معينًا يتم اتخاذ هذا الموقف في الواقع العملي، لا يتم- مثلًا- تعليم الآيات عن الجهاد  لتحفظ فحسب, ثم تتلى في مناسبات، وتقدَّم عليها جوائز وانتهى الأمر، بل يبنى عليها موقف عملي في الساحة، جهاد وحركة، عندما نزلت آية الله -سبحانه وتعالى- في قول الله -جلَّ شأنه-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: من الآية60]،

 لم تكن كل اهتمامات الرسول منصبة في أن تحفظ هذه الآية كنص قرآني فقط، ثم أن يتقن قارؤها أحكام التجويد فيها، ثم الذي يكون على مستوى أكثر وأكبر، الذي يحفظها عن ظهر قلب (غيبًا)، ثم ذلك الذي يمتاز أكثر يضيف إلى ذلك تفسير المفردات… وهكذا، بل كان يتجه إلى الواقع ليربي من ينطلق معه على هذا الأساس ليعد ما استطاع من قوة، ليكون هذا توجهًا عمليًا، كل مسلم مأمور بأن يعد ما يستطيع من القوة للتصدي للأعداء، ثقافة قائمة، توجه قائم، وضمن مسار عملي واسع ترتبط به إجراءات كثيرة، اهتمامات واسعة، وعي كبير، إحساس عالٍ بالمسؤولية.

 

فهكذا نفهم أنَّ الحكمة في حركة الرسول، والحكمة التي أودعها الله في القرآن هي مستمدةٌ من حكمة الله، ولن نكون حكماء في أي موقف، أو توجه، أو تصرف، أو عمل، أو قول، أو فعل، أو مسار، أو سياسة تخالف هذه الحكمة التي أودعها الله في كتابه.

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الثالثة من محاضرات المولد النبوي الشريف 1440 هـ

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com