بالقرآن والرسول أتم الله النعمة وأكمل الحجة

 

فرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله- بما منحه الله تعالى من الكمال الإنساني والأخلاقي، وبما حمله من المبادئ والقيم، وبما علمه من الهدى، وبما حظي به من اتصالٍ مباشرٍ عبر الوحي بتعليمات الله قد حاز مرتبة القيادة والقدوة للناس كافة، وللأمم والأجيال منذ عصره إلى القيامة قاطبة، ومنحه الله تعالى وأرفق معه أعظم وأوسع وأهدى مصدرٍ للهداية والمعرفة، ذلكم هو القرآن الكريم، المعجزة الخالدة الذي قال الله -جلَّ شأنه- فيه معبرًا عن سعة معارفه وواسع هدية: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: من الآية27]، وقال معبرًا عن عظمته وإعجازه: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: الآية88]، وحفظه الله تعالى للأجيال المتعاقبة، فلم يتمكن الضالون المضلون من تحريف نصه ولا من إضاعته، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: الآية9].

 

وبذلك أتم الله النعمة، وأكمل الحجة على عباده، فإلى جانب التسخير المادي، والنعم العظيمة، والتمكين الكبير الذي بلغ فيه المجتمع البشري تقدمًا متصاعدًا ومتسارعًا، وإلى جانب واقع الحياة الذي اتسع كثيرًا، وإلى جانب التحديات والمخاطر الأكبر؛ كان هدى الله- متمثلًا في كتابه ورسوله- أوسع وأعظم، وكفيلًا بتحقيق الرشد اللازم، والهداية الكافية للسير بالإنسان بشكلٍ صحيح، ولإدارة المجتمع الإنساني بشكلٍ سليم، ولبناء الحياة بشكلٍ أفضل،

وبما يجنِّب البشر الكثير والكثير من المشاكل والأزمات، وبما يدفع عنهم الكثير من المخاطر، وقد أثبتت التجربة العملية في حركة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالقرآن الكريم، وبعثته بالرسالة مصداقية ذلك، فقد تحرك في أوساط المجتمع الجاهلي، في البيئة العربية التي كانت تعاني من الجهل، والتخلف، والأمِّيَّة، والعصبية العمياء، وتعيش حالةً مأساوية من الفوضى والانفلات والضياع؛

فتحرك -صلوات الله عليه وعلى آله- بالرسالة الإلهية وفق الطريقة التي رسمها الله له، وكانت أول نواةٍ ومجموعةٍ انضوت تحت راية الإسلام مكونةً من ثلاثة أشخاص: رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله-، وزوجته الصدّيقة السابقة خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وواصل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حركته بالرسالة، مواجهةً كل التحديات، ومتصديًا لكل الصعوبات، برعاية الله ونصره، ووفق تعليماته وتوجيهاته، فاتسعت تلك الدائرة حتى عمَّ نور الإسلام في الجزيرة العربية،

وأما تأثيره فامتد إلى كافة أنحاء المعمورة بمستوياتٍ مختلفة، وكانت النقلة بالواقع العربي نقلةً كبيرة، من حالة: الأمِّيَّة، والجهل، والخرافة، والكفر، والفجور، والفسق، والظلم… إلى نور الإسلام وهدايته، والاعتصام بحبل الله تعالى، وتغيير الواقع إلى واقعٍ يسوده الحق، والخير، والنور، والعدل، ومكارم الأخلاق، كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الجمعة:2-4].

 

السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي

خطاب المولد النبوي الشريف 1440 هـ

قد يعجبك ايضا