النبي الخاتم.. لمحة عن المولد والنشأة
في ذلك العام (عام الفيل) ولد رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، يتصل نسبه بنبي الله إسماعيل بن نبي الله وخليله إبراهيم -عليهما السلام- ولد في مكة المكرمة، ونشأ يتيماً، حيث توفي والده مبِّكراً، ثم توفيت والدته وهو- كما يقال- في السنة السادسة من عمره، فآواه الله، وكفله جده عبد المطلب، ثم توفي جده عبد المطلب وهو- كما يقال- في السنة الثامنة من عمره، فكفله عمه أبو طالب بقية طفولته، ووقف معه في بقية المرحلة المكية، وناصره منذ بعثته بالرسالة إلى أن توفي أبو طالب قبل هجرة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- إلى المدينة بزمنٍ يسير.
كانت نشأة النبي محمد -صلى الله عليه وعلى آله- نشأةً مباركة، وأنبته الله نباتاً حسناً، وحظي بالإعداد والرعاية الإلهية التي تهيئه لمسؤوليته الكبيرة ودوره العظيم في حمل الرسالة الإلهية والإنقاذ للبشرية؛ فلم يتأثر بالواقع الذي كان يعيش فيه، ولم يتدنس بدنس الجاهلية، بل نشأ نشأةً فريدةً ومتميزة، فنمت بنموه وكبرت معه مكارم الأخلاق والرشد والحكمة.
وفي الأربعين من عمره بعثه الله برسالته إلى الناس كافة رحمةً للعالمين، ليبدأ بحركته بها ضمن الخطة الإلهية الحكيمة من مكة، حيث يتهيأ له كمركزٍ ديني يقصده الناس للحج انتشار صدى الإسلام وخبر الرسالة إلى سائر البلدان، وسعى رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- إلى تكوين أمةٍ تحمل هذه الرسالة إيماناً بها، والتزاماً بها، وثباتاً عليها، تتسع دائرتها يوماً بعد يوم، فكان أول نواةٍ لهذه الأمة رسول الله محمد -صلى الله عليه وعلى آله- وزوجته الصديقة الطاهرة خديجة بنت خويلد، والصدّيق الأكبر السابق إلى الإسلام علي بن أبي طالبٍ -عليه السلام- ثم اتسعت هذه الدائرة.
إنَّ الدروس التي تستفيدها الأمة اليوم عن السيرة النبوية في حركة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله- في تلك الظروف، وما حققه الله على يديه من نتائج، هي في غاية الأهمية، والنجاح الذي تحقق، ومستوى التغيير الذي امتد في أنحاء المعمورة، والتطورات الكبيرة المتلاحقة التي سقطت بها امبراطوريات ودول كبرى آنذاك، كل ذلك يمثِّل درساً مهماً جدًّا وكبيراً يجب استيعابه والاستفادة منه.
لقد كانت البداية صعبة، وواجه فيها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله- التحديات الكبيرة، بدءاً من مجتمع مكة، وقد انزعج الملأ والمستكبرون من الإسلام، وعملوا بكل جهدهم للتصدي للرسالة الإلهية وبكل إمكاناتهم، فكانت الحرب الإعلامية والدعائية، والاضطهاد والصد والعداء الشديد في المرحلة المكية.
ثم بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى المدينة وما شهدته تلك المرحلة من حروبٍ عسكرية واقتصادية، ومن تحالفاتٍ معاديةٍ للرسول والمسلمين، لقد اشترك في العداء والحرب على الإسلام ورسوله والمسلمين- آنذاك- العرب واليهود وإمبراطورية الروم، التي كانت- آنذاك- في مستوى نفوذها وقوتها أكبر دولةٍ في ذلك العصر، ولم يكن لدى رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- الإمكانيات المادية الكبيرة التي يعتمد عليها في مواجهة تلك التحديات، بل كان التمويل يعتمد على إنفاق المؤمنين، وهم قلةٌ قليلة، وإمكانياتهم محدودة،
وأكثرهم كانوا من الفقراء والمستضعفين، وبتلك القلة القليلة من المسلمين الذين كانوا بالعشرات، ثم بالمئات، ثم بالآلاف، ومن منطقةٍ صغيرة احتضنت هذا المشروع الإلهي، هي المدينة المنورة، بعد هجرة النبي إليها انتصر الإسلام، واتسعت رقعته، وأحدث تغييراً كبيراً وتحولاً هائلاً في الواقع، ولم يكن مجرد انتصارٍ عسكري، وأحدث نقلةً كبيرةً في واقع المسلمين من أمةٍ مستضعفةٍ صغيرةٍ، إلى أمةٍ في المرتبة الأولى في الواقع البشري، بعد أن تهاوت أمامها الإمبراطوريات، وكبريات الدول والكيانات الأخرى، وأصبحت الأمة الإسلامية يومئذٍ هي الأقوى حضوراً وتأثيراً وقوةً في الساحة العالمية، وكل هذا في غضون سنواتٍ معدودة، فلماذا؟ ما هو سِرُّ قوة هذه الرسالة، وسِرُّ نجاحها، وسِرُّ نجاح الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- في إحداث كل هذا التغيير والتحول؟
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
الخطاب الجماهيري للمولد النبوي الشريف 1441هـ