الإعداد الإلهي لحمَلة الرسالة

أولًا الرسول- وهنا يتحدث عن رسول الله محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- وهذه سنة إلهية، والرسول محمد هو آخر الرسل، خاتم النبيين، وقبله الكثير من الرسل في الحقب البشرية الماضية- أولًا الرسول يحظى بإعداد إلهي وصناعة إلهية، يصطفيه الله -سبحانه وتعالى- ويعده خصيصًا لحمل هذه المهمة، والنهوض بهذه المسؤولية، يعده على المستوى الذهني والنفسي، فيمتلك في واقعه النفسي والذهني من المؤهلات ما يجعله في مستوى هذه المسؤولية، فيكون أرقى إنسان لحمل هذه المسؤولية والنهوض بها،

على المستوى النفسي، على المستوى الذهني، القدرات الذهنية، والقدرات النفسية والملكات التي يعطيه الله -سبحانه وتعالى- ولهذا قال عن موسى -عليه السلام-: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: الآية41]، هذا الإعداد يدخل حتى في عملية الخلق والتكوين، أنه يمنح هذا المخلوق الذي يريده رسولًا مؤهلات معينة، يحتاج إليها هذا الإنسان الذي سيتحمل هذه المسؤولية؛ لأنها مسؤولية كبيرة وعظيمة ومهمة، ولها مواصفات ومؤهلات ومعايير خاصة بها، تفوق واقع أي إنسان من البشر ممن لم يخلقه الله لهذه المهمة، ولم يصطفه لهذه المهمة، ولم يعده لهذه المهمة، هذا أولًا في عملية الخلق والتكوين.

 

ثم كذلك في الاعداد والتربية الإلهية يحظى بعناية خاصة ورعاية خاصة، ولذلك عادةً ما يكون الرسل والأنبياء هم صفوة البشر، خير البشر، أزكى البشر، أطهر البشر، ويكون سجلهم في الحياة ورصيدهم السلوكي والعملي نظيفًا وطاهرًا ومتميزًا وصالحًا وسليمًا، ويحظون بالعصمة الإلهية، ويحظون بإعداد إلهي خاص، وبالتالي عندما يأتي الرسول أو يأتي النبي لا يكون في واقعه النفسي متأثرًا بما يتأثر به بقية البشر، لا يكون محكومًا بالمصالح الشخصية، ولا الاعتبارات النفسية التي يعاني منها بقية الناس، فلا ينطلق من خلال ما يتأثر به بقية الناس وهو يؤدي رسالة الله، بل يؤدي الرسالة الإلهية بتجردٍ تام،

غير خاضع أو متأثر بأي اعتبارات أخرى خارج مضمون هذه الرسالة، خارج مضمون هذا الهدى، خارج ما يدل عليه هذا الهدى، وما تحمله من مضامين وتوجيهات، بل إنه هو يكون أول من يلتزم بتلك الرسالة، من يؤمن بها، من يتأثر بها، من يتحرك من موقع القدوة في تطبيقها والالتزام بها، والتأثر بها،  والعمل بها، فيمثل هو في واقعه أرقى نموذج لحمل تلك الرسالة عقيدةً، فكرةً، روحيةً، التزامًا عمليًا وسلوكيًا…الخ. ولهذا يمتاز الرسل بما لا يوجد في غيرهم، ويمثل هذا عاملًا جاذبًا، فيفترض بنا أن ننشد إلى الرسل،

وأن ننشد إلى رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ونحن ندرك هذه الميزة التي لن نجدها في غير الرسل والأنبياء من بقية الناس، مثلًا: قد يتجه الناس إلى زعيم وطني، أو زعيم قومي، أو متفلسف، أو مفكر هنا أو هناك، في الشرق والغرب، لكن كيف كان ذلك المتفلسف، كيف كان ذلك الزعيم الوطني، ذلك الزعيم القومي، كيف كانت نفسيته، روحيته، رصيده السلوكي، اهتماماته، اتجاهاته؟ هل يمتلك ذرة من الرحمة التي تحلى بها الرسل والأنبياء، والذين هم أرحم الناس بالناس بعد الله، هل يمتلك تلك الحكمة، ذلك النقاء، ذلك الصفاء، تلك الطهارة، تلك المواصفات الكثيرة والكثيرة؟

 

فالله -سبحانه وتعالى- لم يجعل هذه المهمة الانقاذية موكوله إلى زعيم وطني، أو إلى شخصية هنا أو شخصية هناك، أو متفلسف هنا أو متفلسف هناك، كذلك لم يتركها –مثلًا– إلى حبر من الأحبار، المجتمع- آنذاك- فيه أحبار من بني إسرائيل ممن يقدمون أنفسهم على أنهم أتباع للرسالة الإلهية، أو كذلك مثلًا قساوسة من النصارى، لم يجعل المسألة الانقاذية هذه متروكة إلى قِس هناك أو إلى حَبر من أحبار بني إسرائيل هناك، فيقول: [إليك هذه المهمة]؛

لأنهم بأنفسهم من بقي من أحبار وقساوسة كانوا في واقعهم –أصلًا– قد تحولوا إلى جزء من المشكلة القائمة في الواقع البشري، أحبار سيئون، لم يعودوا هم بمستوى حمل المسؤولية ولو خارج مستوى أداء الرسل، كأتباع للرسالة الإلهية، باتوا يعيشون حالة الانحراف والتحريف، وباتوا جزءًا من المشكلة، وباتوا هم مسهمين سلبًا في ذلك الواقع، قساوسة وأحبار لم يعودوا ملتزمين بهدى الله ولا بتعليمات الله، وأصبحوا يتحركون فيها بمنطلقات، وتأقلموا مع ذلك الواقع؛ فكانوا جزءًا من مشكلته.

 

 

السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي

 

سلسلة محاضرات المولد النبوي 1440هـ (1)

قد يعجبك ايضا