عملية التعليم في حركة الرسول الأكرم

{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ): كيف كانت عملية التعليم هذه من رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-؟ هل هي كالحالة الروتينية التي سرنا عليها [مدارس لتعليم القرآن الكريم وتحفيظ القرآن الكريم، يتم الاهتمام فيها بحفظ النص القرآني، أو قراءة النص القرآني، ثم المرحلة التي تلي ذلك التجويد وأحكام التجويد، فإذا تم القفز إلى مرحلة أعلى، فتلك المرحلة هي بعض المعاني للمفردات،

ويتدخل الكثير من اتجاهات المذاهب بأفكارهم، بتوجهاتهم في بعض المعاني لفرضها كمعاني للنص القرآني، مما يلائم ما هم عليه من مذاهب وأفكار واتجاهات، وتحسب على القرآن، على أنها تفسيرٌ لمعانيه وهي بعيدة]، وهذه الحالة لم تؤثر- في واقعنا البشري، في واقعنا في الساحة الإسلامية- الأثر المفترض للقرآن الكريم، الأثر العظيم الذي يصلح واقع الحياة، الذي يجعلنا أمةً مستنيرة، مبصرة، واعية، ترى الكثير ممن يتجهون هذا الاتجاه، ممن لديهم هذه المنهجية يتجهون في واقع الحياة في مواقفهم، في تصرفاتهم بعيدًا عن القرآن الكريم.

 

الرسول في عملية التعليم هذه كان ضمن مسيرة عملية ارتبط بها واقع عملي، لم يعمل له- مثلًا– مدرسة معينة ويجلس فيها ليبدأ بعملية التعليم، يُقَرِّئ من بجنبه سورةً سورة، أو صفحةً صفحة، من أول القرآن من سورة الفاتحة: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الفاتحة:1-2]،  إلى سورة الناس ويختم {مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ} [الناس: الآية6] وانتهى الموضوع، وعلَّمهم الكتاب وانتهت المسألة، عملية تعليم الكتاب كانت عمليةً مرتبطةً بواقعٍ عملي، وهذا ما يجب على الأمة أن تلحظه: كيف يعود ارتباطنا العملي بالقرآن الكريم ضمن مسيرة عملية، طيب أن يكون هناك اهتمام بتعليم القرآن، واهتمام بتحفيظ القرآن، وعناية بحفظ النص القرآني، وعناية بالقراءة للنص القرآني، هذا أمرٌ مطلوب، نحن لا نقول: أنه خطأ في نفسه بحد ذاته، الخطأ هو الاقتصار عليه، الخطأ عندما يتحول هو المفهوم عن عملية تعليم الكتاب حصرًا، الخطأ عندما يتم الاقتصار عليه كمسار يكفي في طبيعة العلاقة مع القرآن الكريم.

 

الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- تَنَزَّل عليه القرآن الكريم ضمن مسيرة الرسالة على مدى سنوات طويلة، منذ أن بُعِثَ حتى العام الذي توفي فيه، وكان القرآن يأتي ضمن واقع عملي في كثيرٍ من الحالات، وكان يقدِّم القرآن الكريم مرتبطًا بواقعٍ عملي، عندما تأتي آيات النفير للجهاد تُقرَأ على الناس، لماذا؟ ليحفظوها وينتهي الأمر عند حفظها؟! {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً}[التوبة: من الآية41]، ويهتمون فيها بأحكام التجويد والإدغام… وما إلى ذلك وانتهى الموضوع؟! أو عند حد التفسير للمفردات، ماذا تدل عليه مفردة النفير؟

كانت تأتي لتدفع الناس إلى الميدان {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً}، فيتحرك الناس، تعليم يرتبط به عمل، يرتبط به تطبيق، يرتبط به اتجاه في الحياة للالتزام بهذا الكتاب بما فيه من تعليمات، كانت تأتي آيات تصلح للناس كثيرًا من أفكارهم، تأتي إلى واقعهم في الحياة فيما فيه من مشاكل: آية تحل مشكلة، آية تدفع إلى عمل، آية لتحدد موقفًا، وعليهم أن يتبنوه، آية لتصحح مفهومًا خاطئًا ويعرف الناس أن عليهم أن يحملوا ذلك المفهوم القرآني، ولا يتشبثوا بذلك المفهوم الخاطئ الذي هو مفهوم ظلامي، وأن ينبذوه ويتركوه، آية تنهاهم عن تصرف معين، آية تحل حلالًا معينًا ليلتزم الناس به، وآية تحرم حرامًا معينًا ليتركه الناس.

 

تأتي آية: {اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: من الآية278]، تأتي آيات النهي عن الربا ليلتزم الناس فيتركوا الربا، وهكذا ارتبطت عملية التعليم بمسيرةٍ عملية، وبواقعٍ عملي، وبالتزامٍ عملي، ونزلت إلى واقع الحياة؛ لتربي، لتصلح، لتحل المشاكل، لتعالج الواقع، لتبني الحياة، لتبني الحياة، فهكذا كان يُعَلِّم، هكذا كان تعليم رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ولم يكن تعليمًا نخبويًا اقتصر على مجموعة طلاب،

وتم تسجيلهم في كشف، وأدخلوا إلى المدرسة، وحددت لهم رسوم، وانتهى الموضوع، مشروع الرسالة الإلهية يتجه إلى الناس جميعًا، إلى الجميع، يوجَه لهم الهدى، ثم تأتي الاستجابة ممن يتوفق للاستجابة، تتفاوت مستويات الاستجابة في واقع الناس بين مطيعٍ وعاصٍ، وبين مطيعٍ بشكلٍ جيد، بين مطيعٍ بشكلٍ أفضل، بين أكثر طاعة، أكثر استجابة، أكثر إيمانًا، {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ} [آل عمران: من الآية163]، كما في الآية المباركة، ولكن يكون هناك واقع هو هذا الواقع فيه أمر بمعروف، نهي عن منكر، تواصي بالحق، تواصي بالصبر، دعوة إلى الخير، دفع بالناس نحو هذا الاتجاه فيكون هو الاتجاه السائد والقائم.

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

سلسلة محاضرات المولد النبوي 1440هـ (2)

 

قد يعجبك ايضا