مركز بريطاني لعمليات التجسس الخاصة في اليمن… أنشطة استخبارية وتدريبات عسكرية للقوات السعودية

|| صحافة ||

على عكس الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الأوروبيين، فإن سياسات الحكومة البريطانية، التي يتم اتباعها دائمًا من خلال التضخيم الإعلامي والدعائي واستخدام العنف والتدخل العسكري في الغالب في البلدان، لها طبقات ومستويات أعمق وتستخدم عنصر النعومة والهدوء والصبر الاستراتيجي.

بريطانيا، التي زعمت أنها أوقفت 40 في المئة من مبيعاتها من الأسلحة إلى السعودية خلال العامين الماضيين، في إطار معارضتها لجرائم الحرب التي يرتكبها النظام السعودي في اليمن واغتيال الصحفي السعودي الناقد جمال خاشجي في تركيا، شعرت بجرس الإنذار في التطورات في اليمن بعد الإنجازات الأخيرة التي حققها الجيش اليمني واللجان الشعبية في محافظة البيضاء ومأرب والسيطرة على محافظة شبوة الغنية بالنفط، وهي تحاول بدء جولة جديدة من مشاركتها في هذه الحرب.

لم يقتصر الأمر على عدم وفاء البريطانيين بوعدهم الدعائي بوقف مبيعات الأسلحة للسعودية، بل بذلوا أيضًا جهودًا مكثفةً لتوحيد مواقف الدول الأوروبية بشأن الأزمة اليمنية، وضغطوا على مدى العامين الماضيين على الدول التي توقفت عن بيع الأسلحة والذخيرة للسعودية نتيجة اغتيال الصحفي السعودي الناقد جمال خاشجي، للتراجع عن موقفها.

في كتابه “شبكة الخداع”، كتب مارك كيرتس، المحلل والخبير البريطاني، أن الحكومة البريطانية انتهكت باستمرار حقوق الإنسان، ويُنظر إليها كحليف رئيسي للأنظمة القمعية في جميع أنحاء العالم.

في الوقت نفسه، تحاول بريطانيا خداع الرأي العام باتباعها سياسة النفاق بالتهرب من مسؤوليتها في المشاركة في الحرب اليمنية. ويمكن رؤية ذلك هذه الأيام في الدعم البريطاني للتحالف السعودي الغازي.

وبالإضافة إلى الدفاع العلني عن القوات المعتدية وتقديم الدعم اللوجستي لها، فقد قامت أيضًا بأنشطة أعمق، من بينها التجسس على شبكات الاتصالات اليمنية، بعد هزيمة التدخل العنيف للتحالف السعودي الإماراتي ضد قوات اللجان الشعبية اليمنية.

 

تفاصيل أنشطة التجسس البريطاني في اليمن

دخل البريطانيون محافظة المهرة منذ الشهر الماضي، بحجة ملاحقة المهاجمين على السفينة الإسرائيلية “ميرسر ستريت”، وشرعوا على الفور في نشاطهم التجسسي بتشكيل مجموعات استخباراتية في المحافظة، وتحويل بعض المناطق الساحلية بالمحافظة إلى مناطق عسكرية مغلقة، ومنع الناس من المرور عبر هذه المناطق.

وبينما تحدث مساعد محافظ المهرة السابق عن أنشطة التجسس البريطاني في المحافظة، قالت مصادر مقربة من أنصار الله لصحيفة “الأخبار”، إن لديهم معلومات دقيقة تشير إلى أن القوات البريطانية أقامت غرفة عمليات تجسس في مطار “الغيضة”، ومن خلال هذه الغرفة يديرون عملية التجسس على شبكة الاتصالات اليمنية باستخدام بعض سفنهم على الشواطئ أمام مدينة الغيضة.

إن صغر حجم هذا المطار، الذي لا يتجاوز 8 كيلومترات مربعة، يظهر أن بريطانيا لا تبحث عن استخدامات عسكرية، بل قامت بتفعيل غرفة عمليات التجسس ضد نظام الاتصالات اليمني، والتنصت على جميع المكالمات الواردة والصادرة في مختلف أنحاء اليمن.

لقد سلم أهالي المنطقة وكبار قبائلها عام 2017 مطار الغيضة إلى التحالف السعودي الغازي والمحتل بشرط عدم استخدامه لأغراض عسكرية، وعدم تحوُّل المطار إلی قاعدة عسكرية.

لكن الحكومة السعودية لم تفي بهذا الوعد وسلمت المطار للبريطانيين، الذين وقعوا اتفاقيةً مع السعوديين في وقت سابق من هذا العام، لتعزيز الأنشطة الأمنية في المطار وتعزيز أمن وسلامة الشحن الدولي ومكافحة تهريب المخدرات والأسلحة.

وبحسب التقارير، فإن البريطانيين يتجسسون على الاتصالات اليمنية عبر وحدة إلكترونية متخصصة، دخلت المحافظة بناءً على طلب السعوديين مطلع الشهر الماضي.

ويقال إن هناك حالياً أكثر من 230 عنصر من قوات المخابرات البريطانية في هذا المطار، يعملون على مساعدة السعوديين في جمع المعلومات الاستخباراتية والعسكرية. كما أن هذه القوات مكلفة أيضًا بتوفير التدريب العسكري والدعم اللوجستي للمعتدين السعوديين أو مرتزقتهم.

کذلك، يری النشطاء القانونيون اليمنيون أن الانقطاعات المتكررة للإنترنت في الأسابيع الأخيرة ناجمة عن الإجراءات البريطانية الجديدة، وأكدوا أن الحكومة العميلة للسعودية في المنطقة، حولت شبكة الاتصالات اليمنية إلى أداة حرب ضد حركة أنصار الله في السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من دعم هذه الأنشطة من قبل رئيس الوزراء اليمني المستقيل والهارب عبد المنصور هادي، إلا أن الشعب اليمني يعتبرها انتهاكًا لوحدة أراضي اليمن، وبما أن مصدر هذه الأحداث هو المناطق الجنوبية، فإن اللوم يقع على منصور هادي في هذا المجال أيضًا.

الوجود العسكري البريطاني في اليمن والأهداف الخفية التي تقف خلف ذلك

يواصل البريطانيون تواجدهم العسكري في اليمن بحجة منع التهريب بين اليمن وسلطنة عمان، وذلك في إطار ما يسمى بنهج مكافحة الإرهاب.

والإجراءات الأمنية المشددة التي يتم اتخاذها في المطار ووجود أفراد الجيش والمخابرات البريطانيين فيه، هي بحيث أنه حتى الأشخاص القلائل الذين يُسمح لهم بدخول المنطقة لا يمكنهم امتلاك هاتف محمول. ولهذا لم يتم نشر صورة للقوات العسكرية المتمركزة في المطار حتی الآن.

وفي هذا السياق، كشف علي سالم الحزيري، أحد شيوخ عشائر محافظة المهرة، الذي نفذ العديد من الأنشطة المناهضة للمحتلين، مؤخرًا أن القوات السعودية والغربية قامت ببناء أكثر من 100 غرفة تحت الأرض في المنطقة، وهي تستخدمها في إطار التحقيقات والاعتقالات لمختلف الأفراد والمهام الأخرى.

وذكر أيضاً أن البريطانيين يدربون مرتزقةً لاستخدامهم في سياق اغتيال أعضاء من قبائل مختلفة. کما أوضح أيضًا أنه بالإضافة إلى الضباط والقوات البريطانية، يوجد أيضًا عدد من الضباط الإسرائيليين في المطار.

الهدف من هذه الأنشطة هو تعزيز مكانة بريطانيا في الهيمنة على صنع القرار الاستراتيجي في اليمن، لمنع انتهاء هذه الحرب والهزيمة النهائية للتحالف المعتدي، وكذلك التأثير على أنشطة شواطئ اليمن الحيوية والممرات المائية، لمنع تعرض مصالحها للخطر في حالة نشوب حرب.

بريطانيا، مثل الولايات المتحدة، لديها أطماع في موارد اليمن الطبيعية والنفط والغاز، حتى تتمكن من التصرف بشكل مباشر إذا كان المعتدون السعوديون غير قادرين على خدمة المصالح الأمريكية والغربية، وکذلك السيطرة على النهج السياسي اليمني بحجة إنهاء الصراع العسكري في هذا البلد.

تشير التقارير الحالية إلى أن هناك حاليًا 6300 خبير ووکيل فني بريطاني يشاركون في دعم السعودية في الحرب اليمنية، وإدارة العمليات المتعلقة بهذه الدولة وغرف التجسس. في الإطار نفسه، أكدت لندن عدد هذه القوات البريطانية في اليمن ومهماتها، لكنها تزعم أنها تعمل في إطار شركات أمنية خاصة.

لندن، التي حصلت على مزيد من الفسحة والحرية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وسعت إلى الاقتراب أكثر من الولايات المتحدة والکيان الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة، تسعی إلى بناء تحالف تحت ذريعة حماية الممرات المائية الحيوية في الشرق الأوسط.

يحاول صناع السياسة في لندن تحقيق أهدافهم من خلال أدواتهم السرية وبمساعدة التجسس والاستخبارات بأدوات سعودية، لكن إذا تأکدت هزيمة التحالف المعتدي في اليمن، فإن دخول الولايات المتحدة وبريطانيا إلى اليمن بحجة إنهاء الحرب والسيطرة على الشرايين الحيوية لهذا البلد، أمر محتمل تمامًا.

 

 

الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا