من يبتعدون عن سبيل الله لا سيتفيدون من المقدرات الضخمة والثروات الهائلة التي يمتلكونها
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
فهؤلاء من يصبح للأشياء البسيطة فاعلية، وأثر كبير، هم من يربط الله على قلوبهم {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَها} معظم العرب الآن متجهين إلى أمريكا، وكأنها إله، ويطيعونها فيما تريد، ولتعمل ما تريد، وتنفذ ما تشاء، وتفعل ما تشاء، ولا تسأل عما تفعل، هكذا يتعاملون معها فعلًا، كما لو كانت إلهًا!
فالذين ينطلقون في وجهها، معناه: لن ندعو من دون الله إلها آخر كمثلكم، وفعلًا قالوا: هناك حديث – أنا ما قد اطلعت عليه – هناك حديث، أنه (لا تقوم الساعة حتى يعبد العرب بيتًا غير الكعبة) واحد نشره، وأظن بأنه أضافه إلى [كنز العمال]، وحلل هذا الحديث قال: إنه فعلًا يبدو من وضعية العرب الآن متجهين للبيت الأبيض، لم يعودوا يتجهون لبيت الله، المعبر عن ألوهية الله، وملك الله، وتوحيد الله؛ لأن الله جعل البيت مثابة للناس: مرجع، ومن خلاله يكشفون أنهم عبيد لله، وأنهم مربوبين بالله، ومملوكين لله، وأنهم يجب أن يألهوا إلى الله، وهكذا.
{هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} (الكهف15) وهكذا وضع العرب، ما هم بالشكل هذا؟ تراهم اتخذوا من دون الله أمريكا فعلًا، يطيعوها، ويخضعوا لها، ويمكنوها من أبنائهم يثقفوهم كما تريد، ومن مساجدهم، ومن خطبائهم.
يعني: أمريكا متجهة الآن بأن تتكلم عن طريق المنهج، عن طريق الإذاعة، عن طريق التلفزيون، عن طريق الصحافة، وتسكِّت عن طريق المسجد، تسكِّت الخطيب لا يتعرض لآيات من هذه، حول جهاد، حول فضح لبني إسرائيل، لا يتحدث مع الناس يذكِّرهم بخطورة القضية، ومسؤوليتهم أمام الله؛ ليسكت هؤلاء حتى تتكلم أمريكا فقط، من خلال المنهج، ومن خلال الصحفيين، والكتاب، والإذاعات، والتلفزيونات، وغيرهم.
إذا لم تصل إلى أن يكون هناك خطباء فعلًا، يكون أسلوبهم بالشكل الذي يهيئ قابلية لأمريكا. ما هذا الذي يحصل؛ لأن مجرد تسكيت الخطباء عن أن يتحدثوا عن القضايا هذه هو يعتبر خدمة أمريكية فعلًا، والدول العربية تتجه لهذا، الدول العربية تتجه إلى هذه فيما ما يتعلق بخطباء المساجد.
ومن العجيب أن العرب الآن لا يأخذون العبرة من بعضهم بعض، تجد أنهم عندنا في اليمن متجهين إلى الفكرة هذه، لا يأخذون عبرة من السعودية أنها أزالت كم من الخطباء، وكم أئمة مساجد، وما فرع فيها من أمريكا.
هذا هو العمى، والدبور الذي ما بعده إلا عقوبة شديدة، وتسليط عظيم، متجهين أنه يجي لهم خطباء مصريين، ويتجهوا إلى أنه يعلموا خطباءنا ما يتعرضوا للقضايا هذه نهائيًا، ويخطبوا في مواضيع معينة قد بعضها فعلًا مما يريد الأمريكيون ترسيخه في المجتمع.
فهل أنت متجه لهذا من أجل زعم أمريكا ترضى عنك؟! لماذا لا تأخذ عبرة من السعودية التي أزالت حوالي ألف خطيب، وما فرع فيها من أمريكا!
هي مرحلة كان لو كان عاد عندهم بصيرة، هي مرحلة أن يكون الخطباء في كل جامع يتحدثون مع الناس، يحرضونهم على الجهاد، يذكرونهم بالمسؤولية، يبينون لهم خطورة هذه الوضعية، يبينون لهم أمريكا، ومؤامراتها، كيدها، أهدافها.
ما كان هذا هو المفترض: أن يحرضوا الناس. ما هو يحاولوا يسكتوهم، ولا كلمة، ولو تأتي تسألهم هل سينفع هذا؟ أمريكا سترضى عنكم؟ سيقولون لك: لا، هذا هو العمى فعلًا نعوذ بالله من العمى. {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج46) أما عيونهم فأنت تراها بعضهم مثل عيون الثور، كبار، لكن بصائرهم قد عميت.
أصحاب الكهف هم قالوا: {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} الله سبحانه وتعالى قال، أو كأنها حكاية لحال القضية، ما كأنه وحي، أي: كأنه قال هكذا سأجعل {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} (الكهف16) لماذا نقول بأن هذا لا يمكن أن يكون من شخص منهم يدعو به، ولا يبدو أنه وحي؛ لأنه ما أحد منهم كان نبيًا، كما هو معروض في [قصة أصحاب الكهف] أنه يوحى إليه. إن الكلمة هذه دقيقة جدًا لا يمكن أن تأتي إلا من جانب الله، لا يمكن أن أحدًا يعملها في دعاء، ولا يتذكرها في دعاء.
{ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقا} الارتفاق معناه فيما يتعلق بالجانب الأمني، والجانب الغذائي، يعني سأجعل لكم من واقعكم، ومن هيئتكم، ومن وضعيتكم، ما تستغنون به عن الغذاء، وما يحقق لكم الأمن.
أصحاب الكهف، عندما اتجهوا إلى الكهف، الوضعية التي كانوا فيها وضعية يبدو مجتمعهم، بسلطتهم بكلها، اتجاههم آخر.
هم مجموعة محدودة، ومن الطبيعي أن يحصل في تاريخ الأنبياء، في تاريخ الأولياء، أن يكونوا قليلًا بهذا الشكل محدودين، سيتجهون إلى مكان ليفكروا أين يتحركوا بعد، وأين يتجهوا ليعملوا على مواصلة نشاطهم، ما هو هروب، ليست مسألة أنه هروب، أنهم قد قالوا تلك الكلمة وهربوا وانتهى الموضوع؛ لأن الكهف نفسه لا يمكن أن يكون مقرًا لمن هو هارب من أمر، وسيجلس فيه وما له حاجة، أليس هكذا؟
وإنما ماذا؟ مرحلة يقضّوا فيه فترة، يتجهون إلى الكهف، يقضوا فيه فترة، ويفكروا أين يتجهوا، أو كيف يتواصلون مع الآخرين لمواصلة نشاطهم، يعني ليس هروبًا.
الله سبحانه وتعالى بين هنا بشكل عجيب؛ ولهذا قال: {كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} كيف أنهم قد لجأوا إلى كهف، ولا طعام، ولا شراب، وفي وضع خطير، قد يمكن أن يلحق بهم أحد. كيف هيأ الله أن يكونوا على وضعية يستغنون بها عن الطعام والشراب، وتحقق لهم أمنًا، بحيث أنه ما أحد يدخل عليهم، لا حيوان، ولا إنسان، ولا شيء.
كذلك رعاية أنه يحرك الشمس، يغير مجراها، كل يوم يغير مجراها في لحظة معينة عندما تطلع وعندما تغرب، كل يوم على مدى ثلاث مائة سنة، وتسع سنين.
فمن يحرك الفلك لمجموعة أشخاص راقدين في كهف من أوليائه ألا يستطيع يصنع كثيرًا من التغيرات في هذا العالم ليهيئ أمام من يتحركون في سبيله، وعلى سبيل هديه؟ هذا مثل للناس.
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت} (الكهف17) هنا بدأ يتحدث عن ما يهيئ لكم من أمركم مرفقا. كيف أنهم عندما كانوا راقدين في كهف، وهذا الكهف بحاجة إلى شمس، إما في لحظة معينة تنزوي عنه، وفي حالة معينة تعطي جزءًا من شعاعها إلى هذا الكهف، أو إلى محيطه؛ لحاجتهم إلى هذه؛ فليحرك الفلك من أجل صحتهم، من أجل الحفاظ على صحتهم هم يحرك الشمس عن مسيرها! {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت} كل يوم {تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ}.
وهكذا تجد في المقابل؛ لأنه في نفس الوقت: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا}، في المقابل أيضًا ماذا يعمل؟ يهيئ، ويدبر، ويعمل متغيرات كثيرة، تهيئ أمام من يتحركوا في سبيله، لكن إذا كانوا على هذا النحو: فتية آمنوا بربهم، صادقين، متجهين بصدق، ومصدقين بما هم متجهين فيه، أن يكونوا مصدقين بالقرآن، وواثقين بالقرآن، القرآن فقط، لا يمكن أن نتقبل أي شيء آخر غيره، أو تهتز ثقتنا به بأنه لا يمكن أن يهدينا في كل مجال من مجالات الحياة، وفي كل موقف من مواقفنا أمام الآخرين.
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} والتركيز على هذه بخصوصها: ذلك من آيات الله للناس؛ ليعلموا كيف يصنع هو سبحانه وتعالى لمن يتجهون في سبيله، وعلى هديه، كيف يعمل أشياء رهيبة، مجموعة فتية يحرك من أجلهم الشمس كل يوم مرتين عن مسارها الطبيعي! أليس هذا لتعظم ثقة الناس بالله، يعطيك الآيات التي تجعلك تثق بالله، وتعظم ثقتك به؛ فتتحرك في سبيله، وتلتزم بدينه.
{ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} هو المهتدي حقًا {وَمَن يُضْلِلْ} ومن يضيعه {فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}. تلاحظ أن موضوع الهداية، الهداية تأتي هداية إرشادية، بقيم تتحلى بها، بأعمال تمارسها، خلال تتخلق بها، وطريقة تسير عليها.
كذلك إن الله يهدي فيما يتعلق بوضعية الناس، فيما يتعلق بوضعيتك، في الجانب الأمني، والغذائي، والجانب الصحي. {مَن يَهْدِ اللَّهُ} كلمة هدى، معنى كلمة هدى الله أن الله يهدي الإنسان في كل مجالات حياته، ويقدم ما يصل به إلى الأفضل، والأقوم في كل مجالات حياته. ألم يقل هناك: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء9).
فمن يهدي الله، من يتولى الله هدايته فهو المهتدي حقًا، {وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}، من يضيعه الله بسبب إعراضه عن هديه، بسبب إعراضه عن كتابه، فلن تجد له وليًا يرشده إلى الصواب، ويرشده إلى ما ينفعه في حياته.
فعندما يتجهون إلى الأمريكيين، عندما يتجهوا إلى البريطانيين، عندما يتجهوا إلى هؤلاء ويستوردوا خبراء من عندهم، كم يجلسوا يستنزفون من العرب! خبراء ألمان، بريطانيين، أمريكيين، كم يستنزفون من أموال في مجالات أخرى، ومع هذا ترى الناس ضالين، ضالين! أمة تائهة، أمة مستضعفة، أمة مقهورة، وهي تمتلك أضخم الثروات في العالم هذه الأمة؛ لأنه هكذا: ومن يضلل، من يضيعه الله فلن تجد له وليًا، أي ولي آخر على الإطلاق يرشده إلى الصواب، وإلى ما ينفعه.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
آيات من سورة الكهف
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 29/8/2003م
اليمن – صعدة