هدية البريطانيين للكيان الصهيوني في ذكرى وعد بلفور.. تصنيفُ حماس “منظمةً إرهابيةً”

|| صحافة ||

بالتوازي مع ذكرى وعد بلفور المشؤوم 2 نوفمبر من كُـلّ عام، جَدَّدَ الفلسطينيون مطالبتَهم لبريطانيا بالاعتذار عن جريمتها التاريخية وتعويضهم عما لحقهم من أضرار؛ بسَببِ هذا الوعد الذي قطعه وزير خارجية بريطانيا للحركة الصهيونية عام 1917م، وهو القرار الذي ما كانت تقوم دولة الكيان الصهيوني بدونه، لكن الحكومة البريطانية جابهت هذه المطالب بالحديث عن تصنيف حركة حماس “منظمة إرهابية”.

وأعلنت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، أنها تقدمت بمشروع قرار للبرلمان لتصنيف حركة “حماس” كحركة إرهابية؛ بذريعة أن الحركة تعادي الساميةَ وتهدّد سلامة اليهود في بريطانيا، حَيثُ يعد البرلمان صاحب القرار.

وَ”باتيل” هذه هي من أشد الداعمين لدولة الاحتلال، وفي 2017 أُجبرت على الاستقالة من حكومة “تيريزا ماي” بعد عقدها اجتماعاتٍ سريةً مع الحكومة “الإسرائيلية”، لمناقشة منح أموال المساعدات الخارجية البريطانية للجيش “الإسرائيلي”، لكن جونسون عيّنها وزيرة للداخلية عندما خلفَ “ماي” في رئاسة الوزراء، وتعد من أشد المقربين منه.

وبحسب لُغة المصالح المشتركة بين بريطانيا، الأب الشرعي للمشروع الصهيوني، ودولة الاحتلال بحكومتها اليمينية اليوم، يقول المحلل السياسي، الدكتور أنيس الأصبحي: إن الأمر ليس مفاجئاً؛ لأَنَّ تصريحات وزيرة الداخلية البريطانية بشأن تصنيف حماس جاءت بعد أَيَّـام قليلة من طلب تقدم به رئيس وزراء الاحتلال “نفتالي بينيت” لنظيره البريطاني بوريس جونسون خلال قمة المناخ في غلاسكو بهذا الخصوص.

ويؤكّـد الدكتور الأصبحي أن هذا القرار ضد حماس لن يؤثر في مشروعية المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ لأَنَّها مشروعة وفق القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، ومن يجب وضعه على قوائم الإرهاب هو العدوّ الإسرائيلي وقياداته التي ترتكبُ المجازر بحق الشعب الفلسطيني وحصاره، وهذه الخطوة البريطانية لن ترهب الفلسطينيين أَو تخيفهم.

ويرى الدكتور الأصبحي أنه يتطلب من جميع الفلسطينيين مراجعةُ استراتيجية شاملة تؤدي للوحدة الوطنية؛ لأَنَّه لا مبرّر للانقسام والاختلاف حول نهج المنظمة السلمي ونهج حماس المقاوِم؛ لأَنَّ إسرائيل وحلفاءها لا يريدون أن يستعيد الفلسطينيون حقوقهم لا عن طريق المفاوضات والتسوية السياسية ولا عن طريق المقاومة، والقادم من الأيّام لا يبشر بالخير، مُشيراً إلى أن النصوص والأعراف الدولية والإنسانية وأحكام الشريعة الإسلامية تؤكّـد التباين بين المقاومة والجهاد من جهة، والإرهاب من جهة ثانية، وذلك في مختلف الجوانب القانونية والسياسية والاجتماعية، وبالوسائل التي تستخدم في الحالين والأهداف المرجوَّة.

 

قراراتٌ وتوصيات

ولأَنَّ جُهُودَ المجتمع الدولي بشأن تحديدِ مفهومِ الإرهاب أسفرت منذ أن طُرِحَ الموضوع أمام “عُصبة الأمم” عام 1937 وما تلاها من جهود، إلى استنتاج أن الاستعمار هو أحد أهم دوافع أعمال المقاومة التي يسميها المستعمرون والمحتلّون بالإرهاب، تشير مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة طوال عقد السبعينيات إلى أن من أهم الأسباب الجوهرية لاستخدام العنف استمرار الاستعمار في السيطرة والهيمنة على الأقاليم التي كانت خاضعة له يوماً ما، وإنكار حق الشعوب في تقرير مصيرها، وبهذا تكون الأمم المتحدة قد قدمت فهماً معيارياً وموضوعياً برد الظاهرة إلى دوافعها وأسبابها، وقد ميزت بين الإرهاب بوصفه جريمةً دوليةً، وبين الكفاح المسلح بوصفه نشاطاً من أنشطة حركات التحرّر الوطني المشروعة، وهو بلا شك اختلاف جوهري في الطبيعة والمقاصد.

وفي إطار هذا المفهوم يقول المحلل السياسي الدكتور أنيس الأصبحي: إن الجمعيةَ العامة للأمم المتحدة عقدت ثلاثَ عشرةَ اتّفاقيةً دوليةً، واستندت في موقفها هذا إلى العديد من القرارات والتوصيات الصادرة عنها، ولعل أولها توصيتها رقم (1514) لسنة 1960 الخَاصَّة بمنح البلدان والشعوب المُستعمَرة استقلالها، والتي اشتَهرت فيما بعد بقرار “تصفية الاستعمار”، وكذلك توصيتها رقم (3103) لسنة 1973 بشأن المبادئ المتعلقة بالمركز القانوني للمقاتلين الذين يكافحون ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي والنظم العنصرية، لا بإضفاء المشروعية على عملهم فحسب، وإنما بشمول هؤلاء المقاتلين أَيْـضاً بقواعد القانون الدولي المعمول به في النزاعات المسلحة مثل اتّفاقيات جنيف لعام 1949 الخَاصَّة بجرحى الحرب وأسراهم، وحماية المدنيين، مؤكّـداً أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعترفت مراراً بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، كما أن القانون الدولي، ومنذ قيام الأمم المتحدة، قد حظر اللجوء إلى القوة المسلحة أَو التهديد بها في إطار العلاقات الدولية، غير أنه أجاز اللجوء إلى القوة بأشكالها المختلفة في حالات الدفاع الشرعي ضد الاحتلال، بوصفها وسيلة لممارسة حق تقرير المصير، والوُصول إلى الاستقلال الوطني.

 

صناعة بريطانية

ويتناول الباحث والكاتب السياسي الدكتور حبيب الرميمة، القرارَ البريطاني بمحاولة تصنيف حركة حماسة “منظمة إرهابية” من زاوية سياسية، قائلاً إنه يمكن قراءتُه من جانبين:

الأول يتمثل في تنكر بريطانيا بشكل واضح وصريح لكافة مبادئ الدبلوماسية السياسية والتي ظلت بريطانيا تمارسها منذ إعلانها لوعد بلفور 1917م، بالتزامها بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، مُرورًا بتسهيلات الهجرة لهم تنفيذاً لهذا الوعد بعد انتدابها على فلسطين في عشرينيات القرن الماضي، وُصُـولاً إلى تقديمها القرار (١٨١) لسنة ١٩٤٧م، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى ثلاث كيانات شريطة إنهاء بريطانيا انتدابها على فلسطين، ومن ثَم خلق الكيان الصهيوني الطارئ داخل الأراضي الفلسطينية، بصناعة بريطانية وإكسابه شرعية زائفة لا تتوافق مع الحالة الطبيعية لنشأة الدولة بعناصرها الثلاثة المعروفة وفقاً لقواعد القانون الدولي، وما تسبب به هذا القرار من معاناة وتهجير وحرمان شعب أصيل من العيش في أرضه، ومن ثَمَّ انطلاق المقاومة الفلسطينية المشروعة للاحتلال.

ويضيف الدكتور الرميمة لصحيفة “المسيرة” أنه ومع ذلك حاولت بريطانيا في جميع المراحل السابقة أن تظهرَ دبلوماسياً بدور المتقيِّد بمبادئ حق تقرير المصير، والحق الطبيعي والمشروع في مقاومة الاحتلال، إلا أنها كشفت عن وجهها القبيح في تصنيفها الأخير لحركة المقاومة الإسلامية حماس كمنظمة إرهابية، والتي تعد من الحركات الرئيسية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يجعل بريطانيا تتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية تجاه الاضطهاد والقتل والتشريد للشعب الفلسطيني، والتنكر لحقه المشروع في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن أثبتت حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية بامتلاك القوة التسليحية الرادعة والتنسيق المتكامل مع بقية الفصائل في وجه العدوّ الصهيوني، والالتفاف الشعبي الكبير للشعب الفلسطيني حولها، بما يجعل المقاومة الفلسطينية المسلحة وعلى رأسها حماس ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.

ويزيد قائلاً: وهذا ما أثبتته عملية “سيف القدس” وكذا العدوان الأخير على غزة والضفة الغربية.

أما الجانب الثاني بحسب الدكتور الرميمة، فهو أن إدراج بريطانيا لحركة حماس في ظل الاصطفاف الواضح الذي تشهده المنطقة إلى محورين، هو شهادةُ فخر واعتزاز لحركة حماس، كحركة تندرج ضمن محور المقاومة لمشروع الهيمنة الصهيونية على المنطقة بشكل عام وفلسطين بشكل خاص، إذَا ما أخذنا بالحُسبان أن المقرَّ العالمي لحركة الإخوان المسلمين يتواجد داخلَ بريطانيا، وهذا الأمرُ يتطلَّبُ موقفاً صريحاً من حركة الإخوان المسلمين تجاه القرار البريطاني.

 

صحيفة المسيرة

 

قد يعجبك ايضا