لأهمية السابقين والمبادرين ميزهم الله دون سواهم من المؤمنين

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

{وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} (الواقعة7) في يوم القيامة تكونون ثلاثة أصناف، الناس يكونون إجمالًا ثلاثة أصناف، والناس كل الناس، كنتم أنتم أيها المخاطبون من البشر، لا يتحدث فقط عمن كانوا في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، كنتم أنتم أيها الناس في أي زمان كنتم؛ لأن المسيرة واحدة، الذين كانوا في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ونزل القرآن في أيامهم، ويسمعونه وهو يقول: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً}، المسيرة واحدة، ما هم ساروا هم إلى الآخرة؟ ماتوا، من في القرن الثاني ماتوا، من في القرن الثالث ماتوا.

وهكذا مسيرة البشرية جيل بعد جيل رائحين إلى حيث سيكونون أزواجًا ثلاثة، يعني أصنافًا ثلاثة، يتحدث عن هذه الأصناف الثلاثة: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} (الواقعة8) مثلما نقول: باهرين، وعظماء، وجيِّدين، أصحاب الميمنة، اليُمْن، أصحاب اليمين واليُمن، {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}! هذا من الصنف الجيد، من الصنف الذي يكون آمنا يوم القيامة، ويكون مصيرهم الجنة.

وهي عبارة تعظيم {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}، عبارة تعظيم، لكن ما يزال هناك أعظم من هؤلاء، الصنف الثالث وهم: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}، وقبل هذا قال: {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} (الواقعة9) أصحاب المشأمة، أصحاب الشمال، أصحاب الشؤم، الشقاء، الذين هم يعدون أشقياء، ويعتبرون أشقياء، هم كذلك، تهويل لموقفهم، تهويل لما سيلاقون من العذاب ومن سوء الحساب.

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} هذا الصنف الثالث: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} هؤلاء السبَّاقون إلى الخير، السبَّاقين إلى طاعة الله، السبَّاقين إلى رضوان الله، السبَّاقين إلى الاستجابة لله ورسوله، السبَّاقين إلى العمل بكتابه. هذه الصفة مهمة، وأثنى عليهم بخصوصهم فقال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} (الواقعة11) المقربون عند الله.

أصحاب الميمنة ناجون، ناجون لكن عاد هناك صنف آخر هم المقربون، أرفع درجة، أعلى مقامًا، عظماء جدًا عند الله سبحانه وتعالى.

السابقون هم السابقون إلى الخير، المبادرون، لا يكونون مثلًا مثلنا يكون آخر من يتحرك، آخر من يستجيب، آخر من ينطلق، آخر من يسمع، آخر من يفهم! لا.

السابقون بطبيعتهم عندهم روح المبادرة، وعندهم حرص على رضوان الله سبحانه وتعالى، يحرص على أن يحظى برضوان الله فيكون مبادرًا إلى أي عمل يحتمل أن فيه رضوان الله، خلي عنك نوعيتنا الذي يحاول مثلًا يسمع عن عمل فيه رضى لله، بل هو واجب عليه وما زال محاول أن لا يتحرك، يكون محاول أن لا يكون ملزمًا بأن يتحرك فيه، هؤلاء ليسوا سباقين، هذه النوعية قد يكونون في الأخير من أصحاب الشمال.

فالإنسان المؤمن هو مطلوب منه أن يكون سبَّاقًا، والسبق نفسه هو يشكل ضمانة كبيرة بالنسبة لك، مثلًا السباقين حتى ولو كانت نسب أعمالهم الشخصية أقل من أصحاب الميمنة سيكونون أعظم، قد يكون من أصحاب الميمنة مثلًا ناس لهم أعمال كثيرة لكن هي عادة من الأعمال التي لا تتجاوز حدود شخصيته، كثير التسبيح، كثير الصلاة، كثير الصيام، كثير تلاوة القرآن الكريم، كثير من الأعمال التي هي أعمال في حدود شخصيته، استجابة لكن استجابة مثل باقي الناس، مثل أطرف الناس.

بينما السبَّاقون هم من بين يشغِّلوا الآخرين كلهم معهم، فبدل ما تكون أنت فقط تسجَّل لك الحسنات التي تنطلق منك أنت، وأنت سبَّاق ستشغِّل كل الناس حتى بعد موتك معك، تكون شريكًا لهم في الطاعة، تكون شريكًا لهم في الأعمال التي ينطلقون فيها وأنت مؤسس فيها، أنت مؤسس فيها.

لك سبق مثلًا في بناء مدرسة علمية، لك سبق في حركة ضد أعداء الله، لك سبق في نشر العلم، لك سبق في محاربة أعداء الله، لك سبق في الميادين التي تكون في هداية الناس، هي ميادين يستمر العمل فيها حتى بعد موتك، هنا أنت تشغِّل المجتمع كله يشتغل معك [أوتماتيكيًا]، فتكون شريكًا في أعمال الناس، العشرات من الناس، بل ربما يطلع أشخاص أعظم منك باعتبار مؤهلاتهم، باعتبار كفاءاتهم، فيكون ذلك كله إنما هو ثمرة من ثمار جهودك.

فالسابقون هم من يحوزون على أجر عظيم، وعلى مقام عالي؛ لأنهم كانوا من يبادرون، والمبادرة في حد ذاتها هي تكشف عن أنهم في نفوسهم يعيشون حالة التقوى لله سبحانه وتعالى، حالة التقوى، يعني هو دائمًا يقضٌٌ، دائمًا يستشعر المسؤولية، دائمًا يفكر فيما هو العمل الذي يقربنا إلى الله، فإما أن ينطلق منه العمل أو سيكون سريع الإستجابة لأي عمل يطلب منه، يكون من الأوائل.

لاحظ مثلًا بعض الناس، عندما يكون هناك مصلحة عامة، تقول له ساهم، سيحاول يحاول أن يكون الأخير، ويحاول إذا ما أحد انتبه له أنه لا يقدم شيئًا، ويعتبر نفسه ذكيًا أنه ما قدم شيئًا، يعتبر نفسه ذكيًا، وأن المشروع هذا سيقوم، وسيستفيد منه مثل الناس، وأنه أما هو ما دفع شيء! هذا ليس ذكاء، هذا غباء، يعتبر غباء.

فالإنسان المؤمن يكون سباقًا بطبيعته؛ لأنه يَقِضْ؛ لأنه يعرف أن هناك أهوالًا شديدة أمامه، هناك القيامة التي تحدث الله عنها في القرآن الكريم في أكثر من سورة بالعبارات المخيفة: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا} (الزلزلة1)، يتحدث عن السماء عندما تنشق، يتحدث عن الجبال وهي تندك، يتحدث عن القبور وهي تبعثر، يتحدث عن البحار وهي تُسجَّر،تحترق البحار.

يوم شديد الأهوال، شديد الأهوال، أهول منه وأشد من هذا موقف الحساب؛ لأنه في موقف الحساب، في ساحة الحشر تكون جهنم بارزة، جهنم أمام الناس لها تغيض وزفير، تغيض: احتراق، التهاب داخلي، داخل جهنم احتراق شديد. لاحظ عندما تأتي تطرح من الأشجار التي تعطيك صورة عن إحتراق النار السريع مثل [الكَفَوْ] أو [الهَطَشْ] هذه الأعواد تسمع النار فيها عندما تحترق كيف لها صوت وتَحْطُمُ الحطب.

 

جهنم لشدة احتراقها، لشدة التهابها، ليست نارًا راكدة، تحترق هي، ولها زفير، الزفير هو صوت الهواء وأنت تخرجه بصوت، أو ترد الهواء بصوت إلى داخل، هذا شهيق، لها زفير ولها شهيق، صوت مزعج، حتى صوت جهنم هو في حد ذاته عذاب، تكون أنت وأنت تطالع صحيفة أعمالك من أول ما يعطوك بشمالك تعتبر هذا الموقف أشد من كل دكات الجبال، وزلزلة الأرض، ومن هذه الأهوال كلها.

موقف شديد؛ لأنك داري أن هذه هي اللحظة الأخيرة والحاسمة ما عاد يمكن وساطات، ما عاد يمكن ثاني ميعاد، ما عاد يمكن إنك تقدم رشوة، ما عاد يمكن تقول: هم هؤلاء ناس كثير سأهرب من هنا! لا يوجد شيء، ما هناك مجال إطلاقًا لأي شيء تفكر فيه، إلا تتحسر، تتألم وأنت تسمع جهنم وهي تتغيظ، وتزفر بصوتها المزعج، وأنت هكذا تبكِّت على أعمالك، وتتحسر على أعمالك، حسرات نعوذ بالله منها، عذاب نفسي شديد، شديد لا يستطيع الإنسان أن يتصوره إلا إذا تأمل في الآيات القرآنية التي تتحدث عن من يكون مصيرهم سيئًا، كيف العبارات التي تكشف عن حسرات شديدة وندامة شديدة؛ وأنهم يعيشون هولًا شديدًا، يعيشون هولًا شديدًا.

لأن القضية ليست قضية [ياذه ربما عسى أنهم ربما يحطوك في مكان كذا] مثل إذا قال واحد، إذا أخذوا مثلًا مجموعة إلى سجن كيف يكون تفكير الواحد منهم؟ يقول: عسى أنه سيصادف أنهم سيحبسونا في عنبر كبير نكون نجلس جمعيًا، عسى أنه سيكون معنا مكان نظيف، عسى كذا، ما واحد قد يقول هكذا؟ لكن لم يعد هناك في الحشر عسى من هذه، قد مصيرك أمامك، جهنم تراها بزفيرها، بشهيقها، بتغيظها، بصوتها الموحش.

لم يعد أمامك أي تفكير يطمئِن نفسك قليل، ما عاد بقي تفكير تقول: [عسى يمكن سيدخلونا إما في طرف منها أو حولها لما يجي أحد، أو عسى با يجي أحد يتابع بعدنا، سيأتي محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أو سيأتي ربما الشيخ الفلاني، أو المسؤول الفلاني الذي كان احنا معه، عسى با يجي يتابع بعدنا ويخرجنا] ما عاد هناك شيء.

إذا واحد في الدنيا قادوه إلى السجن يكون ما تزال معه آمال كثيرة [ربما با جوه سجن عادي وعسى إن ما باجوه إلا أسبوع أو ثلاثة أيام وسيطلع فلان أو فلان ويتابع] وقد يقول لنفسه [هي قضية فلوس ستقدم خمسة آلاف، عشرة آلاف وخرجت]!.

ما بعضهم يطلع الطقم هو؟ يطلع الطقم بدون أخذ ولا رد؛ لأنه عنده من هذه الآمال، أما في الآخرة فلا يمكن يقول واحد أنه [عسى يا ذه با تهب فلوس وسيخرجوك، أو عسى أن جهنم هذه با جو هناك مملصة من بين أي الشعوب وستخرج].

 

 [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

آيات من سورة الواقعة

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 10 رمضان 1423هـ

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا