المعنى الصحيح للشهادة
عندما نأتي إلى القرآن الكريم، نجد التعبيرات القرآنية تعبيرات حكيمة وهادية، وتقدم لنا- كذلك- المدلول الصحيح والتعريف الصحيح، ومع إحاطة المسألة هذه بالتعظيم والتقديس والتبجيل الكبير، يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}[البقرة من الآية154]، ويقول -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران من الآية: 169-171].
الشهادة الحقة، الشهادة التي ارتبط بها الوعد الإلهي بالحياة الكريمة عند الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- والزلفى لديه، وأن يحظى الإنسان في تلك الحياة برعاية إلهية خاصة وعظيمة، حيث يحلُّ الإنسان الشهيد ضيفاً في رعاية الله، في كرامة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- محفوفاً بهذه العناية الإلهية، في ظل انتقالٍ إلى حياة حقيقية مؤكدة، أُكِدَّت في النصين القرآنيين، وإن كانت غير الحياة المألوفة في واقعنا، ولا نعرف التفاصيل الكثيرة عن هذه الحياة إلا بحدود ما قُدِّمَ في القرآن الكريم، أو أُثِر عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- هذه الحياة ينتقل الإنسان فيها إلى حالةٍ من الاطمئنان التام، والأمن، والاستقرار النفسي، والاستبشار بجنة الخلد التي هي ما بعد مرحلة القيامة والحساب، يعني: ليست الحالة انتقال إلى جنة الخلد، ينتقل الشهيد إليها مثلاً، التي يمكن أو يفترض الانتقال إليها بالنسبة للمؤمنين والموعودين بها، ممن يرضى الله سعيهم في هذه الحياة، ويرضى عملهم، ويتقبل إيمانهم، والتي هي ما بعد قيام القيامة، هذه مسألة أخرى، الشهيد يحظى ما قبل ذلك بحياة لها شكلها الآخر في ظل رعاية إلهية مؤكدة عظيمة، في ظل ضيافة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- مستبشراً وفرحاً برزق الله، {بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، يتنعمون حقيقةً، الله أعلم عن تفاصيل هذا النعيم، عن تفاصيل هذه الحياة، عن كيفية هذه الحياة.
النص القرآني يؤكد أنها حياة حقيقية؛ لأن البعض- كذلك- يستبعدونها، ويتصورون المسألة- وفق تأويلاتهم- مسألة تحكي عن المستقبل البعيد، أو مستقبل ما بعد القيامة، فيما هي تأكيدات، وتطمينات…الخ. لكن |لا|، النص القرآني يؤكد- بما لا يدع مجالاً للشك- أنها حياة حقيقية، وفيها النعيم، وفيها الرزق، وفيها الاستبشار بالمستقبل الموعود العظيم، وفيها الاستبشار بمن خلفهم، ممن هم في نفس الطريق، في نفس النهج، في نفس المشوار، في نفس المبادئ، في نفس التوجه، في نفس الالتزام، في نفس الهدف… فالقرآن يؤكد هذا، هؤلاء الذين يحظون بهذا الشرف العظيم، برضى الله عنهم، بتقديره العظيم لعطائهم ولتضحياتهم، لدرجة أن يخلّدهم في حياةٍ أبدية، وأن لا يذهبوا إلى الفناء والانعدام للحياة إلى يوم القيامة، بل يحظوا حتى من بعد لحظات شهادتهم ومرحلة شهادتهم إلى قيام الساعة بهذه الحياة، بهذه الضيافة الإلهية، هذا تقدير كبير لعطائهم، وتمجيد وشكر لسعيهم ولعطائهم، يعني مكافأة إلهية عظيمة، تعبِّر عن عظمة هذا العطاء، وعن التقدير الإلهي والتثمين الإلهي والرضى الإلهي عن هذا العطاء، رضىً من الله، وقابل عطاءهم وتضحياتهم بحياتهم بهذا العطاء العظيم.
فالشهيد يرى نفسه ما بعد الشهادة، مع فارق لحظة السقوط في حالة الشهادة، يرى نفسه بعد ذلك في ذلك العالم، الله أعلم أين! وقد صار في ظل تلك الحياة في كل أجوائها، في ظل تلك الضيافة والرعاية الإلهية الكريمة والعظيمة.
الله أكبر
الموت لأمريكا
المت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد في الذكرى السنوية للشهيد 1439هـ