تضحيات الشهداء وأثرها في واقع الحياة
الشهادة هي منحة إلهية عظيمة لا تساويها أي نعمة مادية في هذا الوجود فهي أقصى ما تمناه الأنبياء والصالحون من عباد الله سبحانه وتعالى ومنهم رسول الهدى وإمام الأنبياء محمد صلوات الله عليه وعلى آله رجل الجهاد القائل: ((وددت أني قتلت في سبيل الله ثم عدت ثم قتلت ثم عدت ألف مرة)) رغم جهاده العظيم وثباته واستبساله وهو يقود الجيش الإسلامي من معركة إلى أخرى في مواجهة مشركي العرب وكفار أهل الكتاب من اليهود والنصارى حتى طهر الجزيرة العربية، وبنى دولة إسلامية قوية ظهر للحق فيها كيانه، وللعدل سلطانه وللمستضعفين وجودهم.
ومع كل ذلك الجهاد الطويل والجهد الجهيد كان يرى الشهادة عظمة وأمنية يتمناها لما يعلمه من عظمة الشهادة عند الله وما يسديه الشهيد للناس من خدمات جليلة وعظيمة وقيمة.
ونحن عندما ننظر إلى ثمار تلك التضحيات في واقعنا نراها تفوق بحق تصورات الكثير منا إذ من الإنصاف في القول أن كل ما بين أيدينا وما حصلنا عليه وما تحقق في واقعنا وما سوف يتحقق في مستقبل الأيام كله بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل تلك التضحيات ومن بركاتها وهنا نستذكر بعضا من ثمار تضحيات شهدائنا الأبرار في بعض الجوانب والمجالات ومنها:
الجانب الفكري والتوعوي
لم نكن في هذا المجال بأحسن حال من بقية الأقطار العربية فقد سادنا الركود الفكري والثقافي مثلنا مثل أي قطر عربي واعترتنا البلادة الفكرية والثقافية وصرنا كغيرنا نؤمن بما يمليه علينا الآخرون ونتقبل منهم الغث والسمين من دون أي تدقيق ولا تمييز فعاثت فينا الأفكار الضالة والثقافات الهدامة وحسَبنا ذلك بحساب التطور والتجديد تلك الأكذوبة التي خدعونا بها، فبلغنا من السخافة الفكرية والسذاجة الثقافية مبلغا عظيما جعلتنا ندير ظهورنا لمصدر ثقافتنا الحقيقي [القرآن الكريم والرسول العظيم] ونتنكر لمثقفينا الحقيقيين من أعلام الهدى من أهل بيت النبوة مع أن رسول صلوات الله عليه وعلى آله يقول لنا(إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)
ولأننا وبجريرة الماضين افترقنا عن كتاب الله وأعلام الهدى فضللنا وتهنا وخبطنا خبط عشواء حتى استنقذنا الله بعلم الهدى الشهيد القائد -رضوان الله عليه-الذي بذل حياته وقدم نفسه قربانا لله في سبيل تصحيح مسارنا وتحريرنا من ربق الضلالة والثقافات المغلوطة وقدم هو والصادقين معه أرواحهم في سبيل نشر تلك الثقافة القرآنية العظيمة والتي حاول أرجاس البشرية وأدها في المهد حتى لا يستفيد منها أحد، تلك الثقافة التصحيحية التنويرية المتحررة من أغلال التعصب المذهبي الذي لعب دورا سلبيا في ضلالنا الفكري والثقافي.
وقد قدم الشهيد القائد -رضوان الله عليه- فكرا نيرا ورؤى حكيمة من منظور قرآني سليم وبيّن وصحح كثيراً من الأخطاء وكشف القناع عن كثير من المعتقدات الباطلة التي أصبحت دينا نتعبد به، وحينها تحررنا من كثير من الأفكار والمعتقدات الباطلة وتفتحت أذهاننا واستنارت بصائرنا وشعرنا فعلا بعظمة كتاب الله وانتعشت حركة ثقافية وتوعوية عظيمة قلما وجدت في كثير من عصور الأمة وبلدانها وأصبح لدينا اليوم والحمد لله الكثير من المجالس والهيئات والبرامج الثقافية التي تُعْنى بالتوعية والتنوير الفكري والثقافي وفق رؤية قرآنية مرتبطة بالواقع تهتم بكلا النوعين رجالا ونساءً فصار الكثير منا يملك رؤى صحيحة ونظرة قرآنية ثاقبة.
ومن طور إلى طور أخذ الفكر النير والثقافة الواعية تنمو بين أوساط مجتمعاتنا يغذيها قائد الثورة السيد المجاهد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله الذي ما فتئ يوجهنا ويرشدنا ويعلمنا ويفهمنا ويأخذ بأيدينا نحو الرقي الفكري والثقافي والتوعوي والتعبوي ويبنينا ثقافيا وفكريا كي نكسب الفكر السليم والثقافة الصحيحة التي تحمينا من الاختراق والضلال.
ولأن الثقافة القرآنية ثقافة حركية وحيوية تنعش الوجود والوجدان فقد أحييت الأمة من ركودها الفكري والثقافي وصنعت ثورة ثقافية فكرية إيمانية تصحيحية واقعية عملت على تغيير الواقع نحو الأفضل ولمسنا جميعا تحسناً كبيراً في مجالات ثقافية عديدة منها على سبيل المثال:
المجال الأدبي بشقيه الشعري والنثري وما يتبعهما من فروع أخرى حيث أفاد منها الخطباء والشعراء وتجلت صور الإبداع الشعري والإنشادي والخطابي وكذلك المجال العلمي والإبداعي حيث برز إلى الساحة كثير من العقول اليمنية الفذة بتشجيع كبير ورعاية فائقة من قائد الثورة ورئيس الدولة وصرنا شعباً يُنظر إلينا بإجلال في هذا المقام وكل هذا لم نكن لنوفق إليه ولا لنصل إليه لولا تضحيات شهدائنا الأجلاء والكرماء ولولا ما تحملوه من معاناة في سبيل أن نبقى أحرارا وتبقى لنا كرامتنا ولعاد الوضع كسابق عهده يتربص شرا بكل المبدعين والمبتكرين اليمنيين و لبلينا بهجرة الأدمغة من جديد.
الجانب العسكري
إن ما تحقق في الجانب العسكري لا يقل شأنا عما تحقق في الجانب الفكري والثقافي حيث يعتبر من أبرز الجوانب التي نمت وتحسن حالها عن ذي قبل وهذا بفضل الله وبفضل دماء الشهداء الأبرار.
والمعروف هو حال هذا الجانب قبل المسيرة القرآنية وكيف تحول من جانب عام إلى ملكية خاصة للنافذين في السلطة فقط بالإضافة إلى فساد مؤسساته ومكوناته ومن تلك الهوة السحيقة تم استنقاذ الجيش اليمني وبناء قدراته في شتى الجوانب وأبرزها جانب التسليح والتصنيع وامتلاك الخبرات والقدرات التي أهلته اليوم ليكون في الصفوف الأولى بين جيوش المنطقة المقتدرة والمؤهلة.
أضف إلى ذلك ما كسبه من معنويات عالية حيث رد له اعتباره وشعوره بالعزة والفخر أنه أضحى جيشاً يضحي ويدافع عن وطن وأمة يقدر الجميع تضحياته المثمرة عزا ونصرا وليس عن شخصيات انتهازية قذرة لا همّ لها إلا توطيد سلطتها وحماية مقتنياها ومحيطها الأسري فقط وهي مع كل التضحيات في سبيلها لا تعيره أية تقدير ولا احترام وكأن هذا الجيش خلق خادما لها فحسب.
كما أنه صُحِّحَ كثيرٌ من الأخطاء في عقيدته القتالية وبات الجهاد في سبيل الله بمفهومه الصحيح هو ما يوجه على أساسه ويبنى عليه تلك العقيدة فقد أصبح الجندي والقائد سواء في ميدان المواجهة تسودهم الأخوة الإيمانية أفضلهم أكثرهم إخلاصا لله ولأمته وشعبه فبات الجندي مطمئن البال مرتاح الضمير أن تضحيته لها ثمارها العظيمة في واقعه وواقع أمته ودينه وأنه بطل يدافع عن أمة ودين وليس عن حزب أو مذهب أو أسرة أو شخصية معينة.
الجانب الأمني
ما من شيء أكثر حساسية وأشد خطورة على استقرار المجتمعات والشعوب من غياب الأمن فمتى ضعف هذا الجانب ألقى بظلال ضعفه على بقية الجوانب الأخرى إذ لا يمكن أن تتحرك عجلة التنمية في كل المجالات لا اقتصاديا ولا تعليميا ولا في أي مجال آخر في ظل غياب الأمن والاستقرار وشواهد ذلك كثيرة وجلية في واقع الحياة.
وحينما ننظر لماضي شعبنا في العقود السابقة نرى فاجعة كبرى فالحروب البينية والفتن الداخلية والثارات والقطاعات والمشاكل الأسرية والقبلية قائمة على قدم وساق تشجعها وتغذيها الخلافات الحزبية والمكايدات السياسية والتفرقة المذهبية والعدو المتربص في الخلف والذي يشرف عليها وينمّيها ويشجعها ويدفع بهذا الشعب نحو مزالق الانهيار والتلاشي.
لكن بعد أن منّ الله علينا بالمسيرة القرآنية وبما تحمله من قيم ومبادئ إيمانية وبما تتبعه من سياسة التسامح والإخوة وبما تؤمن به من ضرورة تطبيق واتباع توجيهات الله ومنها التعاون على البر والتقوى والاعتصام بحبل الله جميعا وبما يملكه المنتمون إليها -وخاصة المنتسبين إلى هذا الجانب والعاملين فيه- من توجه إيماني بضرورة حماية الناس وحراستهم والسهر على أمنهم واستقرارهم
وبسبب توجه القيادة الحكيمة الممثلة بقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله نحو تصحيح الواقع الأمني والعمل على حل مشاكل الناس وما توليه هذه القيادة الحكيمة من اهتمام جاد وفعلي لبناء واقع أمني قوي ومتين غير قابل للاختراق والخلخلة لاحظنا تغيرا كبيرا وتحسنا ممتازا في هذا الجانب سواء من حيث رقي الحس الأمني لدى العاملين أو من حيث حسن المعاملة مع الناس أو من حيث الخبرة في التعاطي مع الأحداث والمستجدات بحكمة وحزم أو من حيث الحالة الأمنية القائمة والممتازة التي تسود كل المحافظات المحررة من دنس المحتلين وتهور الفاسدين وتعدي المجرمين وحينما نقارن بين الحالة الأمنية التي تنعم بها العاصمة صنعاء وبقية المحافظات المحررة وبين التدهور الأمني الذي تعاني منه المحافظات الواقعة تحت نير الاحتلال نجد الفارق كبيرا جدا ففي عدن مثلا تتصاعد وتيرة التفجيرات وتكثر الاغتيالات وتهدر أرواح الكثير من الأبرياء وتنهب أموالهم وتهتك أعراضهم ويعم الخوف ويعشعش الرعب في قلوب أبناء تلك المحافظة وغيرها من المحافظات المحتلة باستمرار بينما صنعاء وبقية المحافظات المحررة تنعم بالسلام والأمن والأمان، كل الكرامات والممتلكات والحقوق مصانة لا وجود فيها للمفجرين ولا المعتدين ولا الباغين الظالمين.
والفضل في هذا كله يحسب بعد الله سبحانه وتعالى لشهدائنا الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم من أجل تحقيق السعادة المجتمعية وفي مقدمتهم المنتمين لهذه المؤسسة الأمنية العظيمة.
الجانب الاجتماعي
لقد مثلت المسيرة ملتقى هاماً للتعارف والتقارب بين أبناء الشعب اليمني، وساهمت بشكل كبير في بناء جسر من الأخوة الإيمانية متينٍ لا انفصام له كما أن وحدة القضية، والهدف، والمصير، دفعت بأبناء هذا الشعب للتعاون والتفاهم، وانعكست تلك الأخوة الإيمانية على واقع المجتمع اليمني، فازداد تقاربا وتآلفا، وتكافلا وتسامحا، وتعاونا في التصدي للعدوان ومواجهته في دعم الجبهات ورفدها بقوافل الغذاء و الرجال و المال وبشكل يومي مع التنافس والتسابق في ذلك، وهذا كله ببركة دماء الشهداء وصبرهم، وصمودهم، وثباتهم وتضحياتهم العظيمة والجسيمة.
الجانب الزراعي والاقتصادي
هناك جهود حثيثة وتحركات جادة وتعاون كبير بين مؤسسات الدولة وبين كافة شرائح المجتمع للاهتمام بالجانب الزراعي رغم قلة الإمكانات والظروف التي يعانيها الشعب حيث حظي هذا الجانب باهتمام بالغ من جميع الأطراف والأطياف السياسية والمجتمعية وقد تم بحمد الله الدفع بعجلة النهضة الزراعية نحو مسار التطوير والتطور وصولا إلى الاكتفاء الذاتي وقطع شوط كبير في ذلك؛ فقد استصلحت الكثير من الأراضي الزراعية وضمت أراضٍ أخرى وأقيمت الكثير من التجارب التي تتعلق بهذا الجانب وأنشئت المؤسسات ذات الصلة بهذا الموضوع واستعيدت زراعة كثير من أنواع البقوليات والحبوب وأخذ هذا الجانب يتعافى من وهنه السابق وإن كان بوتيرة محدودة إلا أنه ما زال في بداياته وما زال العمل قائماً على قدم وساق وما زال الأمل في بواكيره وسنصل بإذن الله إلى تحقيق تلك الأمنية في القريب العاجل.
ولأن الحاجة أم الاختراع فقد مثلت الأحداث والحروب المتوالية والعدوان الغاشم والحصار الجائر عاملا مساعدا في تسريع عملية التنمية الزراعية خاصة مع وجود الدافع النفسي والمعنوي للإبداع وتطوير المهارات، وصقل المواهب والقدرات، يحفها ويدفعها في ذلك السباق وجود نية صادقة وتوجه مسبق من قبل القيادة الحكيمة بدأ من عند الشهيد القائد رضوان الله عليه الذي تحدث كثيرا عن هذا الجانب وحث عليه بشكل كبير، ثم من بعده قائد الثورة حفظه الله الذي سار على منوال أخيه في صدق التوجه والاهتمام بهذا الجانب وهذا كله لم يكن ليتحقق لولا عطاء الشهداء الأبرارـ سلام الله عليهم ـ إذ لولا ذلك العطاء وتلك التضحية العظيمة لما تسنى للجميع أن يفعلوا شيئا ولا أن يكسبوا تلك الخبرات، و يصقلوا تلك المواهب والمهارات.
الجانب الحضاري
يكفينا في هذا الجانب مكسبا تصحيح مفهومنا للحضارة وتقويم نظرتنا لها إذ كان الأكثر منا ينظر لها من جانب مادي بحت وأن التقدم يعني امتلاك وسائل الحياة الراقية بينما يفهم البعض بأن التحضر هو مجاراة الغرب وتقليدهم في كل شيء ولهذا ظهرت مذاهب كثيرة تدعو للتحرر من القيم والمثل والمبادئ الإيمانية بل وصل التعنت بالبعض إلى انتقاد الدين والقرآن ووصمهما بأنهما من أسباب التخلف العربي والإسلامي وأن على العرب أن يهجروا القرآن والإسلام كي يلحقوا بركاب الغرب المتحضر وغير ذلك من المساوئ التي راودت كثيراً من الأفهام والعقول العربية واليمنية والبعض منّا ربما سمع بمثل تلك الأقاويل في السابق
لكن بعد أن نهض الشهيد القائد رضوان الله بمشروعه القرآني الحضاري الذي استطاع أن يقدم لنا مفهوما صحيحا لمعنى الحضارة وأنها تعني مجموعة من القيم والمبادئ السامية والنبيلة وأنها أخلاقية أكثر مما هي مادية عرفنا كيف نخطو أولى خطواتنا الصحيحة في ذلك المضمار ورأينا حقيقة ما وصل إليه الغرب بحضارته المادية المجردة من القيم والمثل العليا وما جنته تلك الحضارة على تلك المجتمعات حتى أصبحت نقمة عليهم وعلى العالم من حولهم أكثر مما هي نعمة.
أضف إلى ذلك أن الثقافة القرآنية العظيمة -التي انتشرت بفضل دماء الشهداء الأبرار-صححت الكثير من المفاهيم والرؤى المغلوطة، والخاطئة لدى كثير من الناس، سواء علماء أو متعلمين، فقد استضاء الجميع بنورها، فخلصتهم من ركودهم المعرفي وأعادتهم نحو المسار العلمي والمعرفي والعملي الصحيح والسليم، بما يتوافق مع كتاب الله -سبحانه وتعالى-وبما يضمن صلاح الحياة الدنيا، والفوز في الآخرة.