هل يقترب سلوك السعودية من الدولة المارقة بنص القانون؟
موقع أنصار الله || مقالات ||أ. د. عبد العزيز صالح بن حبتور*
السعودية مُدانة من أكثر من جهة في العالم، ومن أكثر من شخصية برلمانية في الغرب الليبرالي الاستعماري، لكنها تُغطي على جرائمها بصرف الأموال للدول النافذة.
لماذا يُوضع السؤال على هذا النحو المباشر؟!
ما هي مناسبة أن يُوضَع سؤال مباشر وجريء كهذا، والذي حوَّلته أنا إلى عنوان لمقالي الجديد؟! ولماذا وجَّهه إليّ عدد من الآباء والأُسَر لعددٍ من الشهداء اليمنيين الذين ضحّوا بأرواحهم فداءً للدفاع عن كرامة الشعب اليمني وتراب اليمن الطاهر؟
ولماذا يُوضَع السؤال على هذا النحو المباشر؟ وكلّ تلك الأُسر كانت تطرح عليّ الأسئلة بشيءٍ من الثبات والقوة والصمود والاعتزاز بكل تلك التضحيات الجسيمة، كأنَّ لسان حالها يقول: نحن، أهل اليمن، في معركتنا المقدَّسة القائمة الآن مع المملكة السعودية، وبعد أن استشهد مِنَّا كثيرون في مواجهة دول العُدوان، وبعد أن دمَّر العُدوان مُدننا وقُرانا ومصانعنا ومدارسنا ومطاراتنا مع البنية التحتية للوطن، وآخرها تدمير جسر ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، يقولون لي: هل سلوك المملكة السعودية هو سلوك سويٌّ وطبيعي؟ أم أنّه سلوك وتصرفات لعصاباتٍ مارقةٍ عبثت كل ذلك العبث باليمن العظيم، وهي خارجة على القانون الإنساني والقانون الدولي معاً؟
وتكرَّر ذلك السؤال مراتٍ متعددةً وأنا أتجوّل بين خيام الشهداء وساحاتهم، وكنت أستمع إلى الملحوظات والتساؤلات لعدد من أقرباء الشهداء في ميدان السبعين، وضريح الرئيس الشهيد صالح الصمّاد، وفي رياض الشهداء، وساحات قصر الشباب، والذين بلغوا عشرات الآلاف من الشهداء، رحمة الله عليهم.
في أثناء التجوال والسير في ازدحام الزُّوّار والفضوليين، يصعب أن تُجيب عن كل تلك التساؤلات، لكنني كنت مندهشاً جداً من تعامل الأُسَرِ والأقرباء مع حدثٍ ضخمٍ، كالشهادة والتضحية ومفارقة الأحبّاء، ومعظمهم من الشبّان، إلى درجة التباهي والافتخار بعدد الشهداء من كُل أُسرة وقبيلة ومحافظة، كأنَّه سِباقٌ شعبيّ حقيقي في تقديم كل تلك التضحيات التي يعتزون بها ويتفاخرون بتقديمها.
الشهداء ينحدرون من جميع مناطق اليمن، ومن جميع قبائله ونواحيه وفئاته. لذلك، لم تعُد التضحية محصورة في أُسَر بعينها، أو في قبائل بذاتها، أو في محافظاتٍ معينة. وهذه هي ظاهرة التلاحم القبلي البيِّن والجليّ عبر إقدام اليمانيين على الاستشهاد والتضحية، لأنَّ العدو السعودي – الإماراتي – الأمريكي – الصهيوني، وحَّد صفوف اليمنيين، ووثَّق دماءهُم الزكية برباطٍ مُقدَّس، هو الدفاع عن حياض الوطن والأمة اليمنية العظيمة.
دعونا نسترسلْ ونتقصَّ عدداً من فصول العُدوان السعودي – الإماراتي، مُنذ أول صاروخٍ أُطلِق على العاصمة صنعاء في صبيحة يوم الخميس، الموافق فيه الـ 26 من آذار/مارس 2015م، حتى آخر صاروخٍ.
أولاً: تعمَّدت دول العُدوان أن تقصف صالات الأفراح (زواج آل السنباني في محافظة ذمار)، والمآتم (مأتم آل الرويشان وخولان كلها) في الصالة الكبرى، وراح ضحيتها المئات من الحضور، بمن فيهم أطفال من أقرباء أهل الحدث (والشف)، وهذه جريمة يعاقب عليها القانون الدولي والقانون المحلي، باعتبارها اعتداءً على مواطنين مدنيين مسالمين.
ثانياً: قصف الأسواق الشعبية وتدميرها في عددٍ من المحافظات، وأبرزها ما حدث في السوق الشعبية في محافظة لحج، وسوق «مُستباء» في محافظة حجَّة، وراح ضحية ذلك العشرات من المواطنين الأبرياء.. هذه الجغرافيا هي بعيدة كلياً عن جبهات المواجهة العسكرية، وبالتالي، وجب على القانون الدولي محاكمة القيادات السياسية والعسكرية لدول العُدوان.
ثالثاً: ضرب مدارس البنات في صنعاء، ومشهد جثمان الشهيدة الطاهرة التلميذة المُلقاة بالقرب من مدرستها وفي زيِّها المدرسي، وهي حاملة الحقيبة المدرسية المُهداة إليها من منظمة «اليونيسف الدولية»، وكما هو كذلك مشهد الحافلة الناقلة للتلاميذ في منطقة «ضحيان» في محافظة صعدة، فهو الآخر شاهد حي على فداحة جريمة قتل الأطفال بالجُملة في اليمن. وبالتالي، فإنَّ القانون الدولي الإنساني، ومجلس حقوق الإنسان، وضعا حكومة المملكة السعودية في القائمة السوداء لقتلها الأطفال في اليمن.
رابعاً: تعمَّدت قوى العدوان أن تشُنّ غاراتها على منازل المواطنين الآمنين في سُكناهم، ويتذكّر الرأي العام العالمي قصة إبادة أسرةٍ بكاملها في أحد أحياء العاصمة صنعاء، وبقيت الطفلة (بُثينة الريمية) شاهدةً حية وحيدة كي تسرد قصة جريمة آل سعود وآل نهيان وقتلهم أهلها في صنعاء.
خامساً: تعمَّدت قوى العدوان قصف السجون والإصلاحيات وتدميرها في أوقات نوم السجناء مساءً من أجل ضمان حصد أكبر عددٍ من الأرواح في عدد من الإصلاحيات في محافظات حجَّة والحديدة وذمار وصعدة وتعز. وخلَّفت تلك الغارات عدداً من الضحايا، وهم محكومون بأحكامٍ قضائيةٍ جنائيةٍ باعتبارهم مواطنين مدنيين، وهُنا تكون جريمة دول العُدوان مضاعَفةً من النواحي الأخلاقية والقانونية والإنسانية.
سادساً: في الحروب والمواجهات بين أطراف النزاع، هناك ضوابط قانونية وأخلاقية أقرَّتها الأمم المتحدة بين المُتحاربين، ومنها كيفية التعامل مع الأسرى، لكن تمَّ ضبط تجاوزات وخروقات إجرامية في التعامل غير الأخلاقي مع أسرى الجيش اليمني واللجان الشعبية في أكثر من جبهة، في الساحل الغربي والضالع وعدن وأبين، وبالتالي تُعدُّ هذه الممارسات جرائم حرب بامتياز، ويُعاقَبُ عليها المارقون من القيادات السياسية والعسكرية لدول العُدوان.
سابعاً: تعمَّدت دول العُدوان أن تُضْعِف القطاعات التربوية والثقافية والاقتصادية، الأمر الذي أثَّر في مستوى معيشة المواطنين اليمنيين، لكنّ الأكثر إجراماً وإيلاماً لليمانيين هو ما أصاب القطاع الصحي الحكومي، الذي تهالك كثيراً، ولم يستطع أن يفي بالاحتياج الإنساني الصحي العام. والأخطر من ذلك هو ازدياد أعداد موت الأجِنَّة والأطفال والمولودين في الولادات المُتعسّرة والقُصّر، إذ يُقدّر عدد الضحايا من الأجِنَّة والأطفال في شهرهم الأول ما يقارب 270 طفلاً وجنيناً يومياً، فتخيَّلوا أنَّ هذا العدد من الأطفال يموت يومياً (ورد في تقارير الإحصاءات المقدَّمة من وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء)، وهذه جريمة إنسانية مُركَّبة يقوم بها أعداء اليمن بحق الطفولة واليمنيين، وهو عمل ممنهَج من أجل أن يُعرِّض قطاعاً واسعاً من الأُسر اليمنية للانقراض النهائي.
الخلاصة:
نعود إلى سؤال أهالي الشهداء اليمنيين:
هل أفعال المملكة السعودية وممارساتها ترقى من الناحية القانونية إلى ممارساتٍ إجراميةٍ تقود إلى جعلِها ضمن الحكومات المارقة والخارجة عن القانون الإنساني والقانون الدولي؟
السعودية مُدانة من أكثر من جهة في العالم، ومن أكثر من شخصية برلمانية في الغرب الليبرالي الاستعماري، لكنها تحمي ذاتها وشخوصها وقياداتها، وتُغطي على جرائمها بصرف الأموال السائبة للدول النافذة في العالم، بأرقامٍ فلكيةٍ وخياليةٍ، كي تُسكت وتُخرس أيّ موقفٍ سياسي وحتى أي إعلاميٍ يُثار ضدَّها، ولنا مثال في القرار الصادم للأمين العام للأمم المتحدة، والمتمثّل بإخراج السعودية من قائمة العار (القائمة السوداء لقتلها أطفال اليمن)، وكذلك في جريمة اغتيال الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، وتقطيعه بالمنشار، لأنَّ القانون الدولي لم ينشأ على قواعد أخلاقية، ولا على أُسس إنسانية بحتة، أو حتى قانونية، بحيث تُعاقَب الحكومات ويُعاقَب القادة المذنبون وفقاً لنصوص القانون الدولي وبنوده، وبحسب ما اقترفوا من جُنحة وجُرم، لأنَّ كُل تلك القوانين يستطيع قادة الدول المُتنفّذون في العالم تكييفَها ومواءمتَها بحسب مصالحهم الاقتصادية، وأحياناً بحسب أهوائهم وأمزجتهم، لكن هذه الدول هي- في نص القانون و نظر المجتمع- دولٌ مارقة، وقادتها هم مارقون وخارجون عن القانون.
«وفوق كُلْ ذي عِلْمٍ عَلِيم»
*رئيس مجلس الوزراء