ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي والتنمية الزراعية الغذائي للأمة
للزراعة أهمية بالغة في حياة الأمم والشعوب، ذلك لأنها تعد اليد الطولى في تمتين الاكتفاء الذاتي، وتحقيق الأمن الغذائي، فمن ملك غذاءه ملك حريته، ومن ملك غذائه سَلِمَ أمن قراره من الوصاية والتدخلات في الشأن الداخلي للبلاد، فالدولة التي لا تزرع هي دولة اشبه بالميتة إن لم تكن حقيقة ميّتة تمد يدها للغير في اتجاه تأمين غذائها سواء في حالة الحرب أم في حالة السلم.
وتعد التنمية الزراعية المُقدمة الضرورية لتحقيق التنمية الشاملة، ويقصد بالتنمية الزراعية بأنها: عملية تحسين الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً لتحقيق الأمن الغذائي، وتقليل الاعتماد عل الاستيراد، إذ إن من أهم أهداف التنمية الزراعية تعظيم مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، وتامين احتياجات المجتمع من الغذاء بدلاً من الاستيراد من الدول الأخرى، وتحقيق الأمن الغذائي.
مفهوم التنمية الزراعية:
من خلال التشخيص والتقييم الدقيق الذي يقدمه الشهيد القائد/ السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” لواقع الزراعة؛ يمكن أن نستشف توضيح الشهيد القائد لمفهوم التنمية الزراعية، والتي تعني توفير القوت الضروري للأمة، حيث يحدد ويشخص مفهوم التنمية الحقيقية في تساؤله بأنها تلك التي تجعل الأمة قادرة على أن تقف على قدميها في مواجهة أعدائها، يقول:“… أين البناء الاقتصادي، والتنمية الحقيقية التي تجعلنا أمة تستطيع أن تقف على قدميها؟ …” (لَتَحْذُنّ حَذْوَ بني إسرائيل).
وفي سياق تقديمه للتشخيص والتقييم الحقيقي لواقع اليمن من الناحية الزراعية والاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، يشير الشهيد القائد إلى غياب التنمية الزراعية في اليمن، حيث يقول: “عد إلى واقع الحياة، أين التنمية الزراعية، أين الزراعة؟ أين قوت الناس الضروري؟ ألم يكن قد غاب؟ ألم يغب نهائياً؟ لقد غاب فعلاً، هل يملك اليمن الآن ما يكفيه شهراً واحداً من إنتاج أرضه، من قوته من الحبوب؟ لا يوجد”(في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني).
ويُشير الى بيان أن الأمة متى ما اتجهت إلى الزراعة فإنها ستملك قوتها الضروري، إلا أنه اتضح جلياً أن الأمة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها وهي ما تزال فاقدة لقوتها الضروري الذي الزراعة أساسه يقول: “… لأنه اتضح جليا أن الأمة لا تستطيع أن تدافع عن دينها، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها وهي ما تزال فاقدة لقوتها الضروري الذي الزراعة أساسه، وليس الاستيراد” (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني).
تشخيص واقع الزراعة في اليمن:
يقدم الشهيد القائد التشخيص الدقيق لواقع الزراعة في اليمن، حيث يتساءل في درس (في ضلال مكارم الأخلاق، الدرس الثاني):
- “الزراعة.. هل هناك في اليمن شيء من الزراعة؟ هل هناك ما يكفي اليمن ولو شهرا واحدا؟.
- “هل هناك اهتمام بالجانب الزراعي؟ ليس هناك أي اهتمام بالجانب الزراعي إطلاقا…”
وفي ضل غياب الدعم الحكومي بالجانب الزراعي وزراعة الحبوب تحديداً، لاسيمّا وأن الأراضي الزراعية الواسعة لا تستثمر بالشكل الصحيح بسبب عدم اهتمام الدولة بالمجال الزراعي، وغياب السياسات الزراعية الفعالة، يشير الشهيد القائد الى أن هناك ساحات واسعة صالحة للزراعة مهملة، يقول: “وجدنا كيف أنفسنا أراضي كثيرة مهملة، ساحات واسعة صالحة للزراعة مهملة، ونستورد، نستورد كل شيء …”، ويتساءل:“ هل يملك اليمن الآن ما يكفيه شهراً واحداً من إنتاج أرضه، من قوته من الحبوب؟ لا يوجد. “(اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً).
وتّعد قضية التنمية الزراعية وحصول الامة على الاكتفاء الذاتي الغذائي مطلب مُلح في ضل الهيمنة الاقتصادية على هذه الامة من قبل اعدائها من اليهود والنصارى الذي تجلى بوضوح في وعود وهمية وتحت عناوين كاذبة بمشاريع التنمية، يقول الشهيد القائد: “… ولهذه الأمة التي تهدد كل يوم الآن تهدد، وتهدد من قبل من؟ تهدد من قبل من قوتها من تحت أقدامهم، من فتات موائدهم. لا بد لها من الاهتمام بجانب الزراعة، لا بد أن تحصل على الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بحاجياتها الضرورية” (في ضلال دعاء مكارم الاخلاق، الدرس الثاني).
لا ينبغي اطلاقاً توسم الخير من دول الخارج:
إن واقع الحال في ضل استمرار العدوان الأمريكي السعودي والحصار الغاشم على اليمن يُجبر الدولة على اتخاذ عددٍ من التدابير العاجلة والكفيلة بالسعي نحو التنمية الزراعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في القوت الضروري، والذي يكفل الاستقلال عن الواردات الخارجية، والاعتماد على الإنتاج المحلّي لتغطية الاحتياجات الأساسيَّة للاستهلاك قدر الإمكان.
ولا ينبغي اطلاقاً توسم الخير من دول الخارج من أجل أن يمدِّوا بما تحتاجه اليمن من الواردات لسدّ الاحتياجات الأساسية المتزايدة، أو غيرها، فالمشكلة الاستراتيجية التي تعانيها اليمن اليوم جرَّاء والعدوان الظالم، والحِصار الجائِر؛ يُمكنها أن تتكرر في أي وقتٍ من الأوقات وفي سيناريوهات متوقعة مستقبلاً في ضل هيمنة قوى الاستكبار وسعيهم الدؤوب للهيمنة على اليمن ارضاً وانسانا، وسلب قرارها الوطني، وهذا ما يوجب علينا التأمل في حديث الشهيد القائد حين يقول: “إذاً فنحن مهددون أليس كذلك؟ صريحا من قبل أعداء؟ ماذا تعمل هذه الدولة لنا نحن اليمنيين حتى نكون قادرين على أقل تقدير أن نتحمل الضربة؟ أصبحت القضية إلى هذا النحو” (يوم القدس العالمي).
ويضيف: “أولسنا نسمع بأن اليمن مهدد؟ أن اليمن أيضا يقال عنه كما يقال عن العراق وعن إيران؟ وأن المسئول الأمريكي الذي زار اليمن لم يفصح عندما سئل: هل ما يزال اليمن ضمن قائمة الدول التي احتمال أن تتلقى ضربة؟ لم يفصح بذلك”(في ضلال دعاء مكارم الاخلاق، الدرس الثاني).
ويجسد الشهيد القائد الوضعية الخطيرة التي يعيشها الشعب اليمني، وأنه يعيش ألماً شديداً يتمثل في نقص في الكرامة والعزة، وفي الحياة الكريمة، ويبين أن توفير الغذاء هو العلاج الحقيقي، يقول: “أين البناء الاقتصادي، والتنمية الحقيقية التي تجعلنا أمة تستطيع أن تقف على قدميها؟ إننا نعيش الألم النفسي، نعيش ألماً شديداً ليس من نقص في الفيتامينات إنما من نقص في الكرامة وفي العزة، نقص في الحياة الكريمة التي أراد ديننا أن تتوفر لنا، نعيش الألم فأين هو العلاج؟ نعيش الجوع الذي سيجعلنا مستسلمين أمام أعدائنا فأين هو الغذاء من أوطاننا؟ هذا هو العلاج الحقيقي، هذا هو العلاج الحقيقي.. هل هناك عمل على توفيره؟ لا يوجد” (لَتَحْذُنّ حَذْوَ بني إسرائيل).
الاكتفاء الذاتي غاية التنمية الزراعية
يعد الاكتفاء الذاتي غاية التنمية الزراعية بشكل خاص، والتنمية الشاملة بشكل عام، التي تكفل الحياة الكريمة لكافة أفراد المجتمع، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي للأمة.
وبالحديث عن الاكتفاء الذاتي فهو القدرة على إنتاج جميع الاحتياجات الغذائية محلياً من خلال الاعتماد الكامل على الموارد والإمكانات الذاتية، والاستغناء كلياً عن استيراد الأغذية من الخارج لتلبية هذه الاحتياجات.
ويقصد الاكتفاء الذاتي أن يعتمد بلد ما على إمكانياته الخاصة للحصول على احتياجاته من السلع الاستهلاكية والاستثمارية، بهدف التقليل من مستوى التبعية السياسية والاقتصادية للدول الأخرى وبالتالي تحقيق درجة أعلى من الاستقلالية في قراراته ومواقفه الداخلية والدولية، ويؤدي هذا الوضع الجديد إلى ارتفاع مستوى الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام.
والاكتفاء الذاتي هو عبارة عن اعتماد الكائن الحي على نفسه فقط في مواجهة المشاكل، حيث تعتمد الدولة على إمكانيتها للحصول على سلع استثمارية واستهلاكية، وذلك لتقلل من التبعية الاقتصادية والسياسية لدولة أخرى، والهدف من ذلك تحقيق الاستقلالية التامة في القرارات الداخلية والدولية، فهناك اكتفاء ذاتي في المجالات الاقتصادية حيث تتبع الدولة سياسة معينة حتى تستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي عن طريق الاعتماد على مواردها فقط، بحيث تعيش الدولة على المنتجات المحلية التي تنتجها بنفسها ولا تعتمد على أي دولة أخرى.
وفي هذا الصدد، يقول الشهيد القائد في الدرس الثالث من دروس سورة آل عمران: “إن من المعروف أن نقول للآخرين: إن عليكم أن تهتموا بالجانب الاقتصادي فتجعلوا الشعوب قادرة على أن تقف على أقدامها مكتفية بذاتها فيما يتعلق بقوتها الضروري؛ لتستطيع أن تقف في مواجهة أهل الكتاب، أليس هذا من المعروف؟”.