برنامج الأغذية العالمي في اليمن.. إنسانيةٌ منتهية الصلاحية
|| صحافة ||
تسلُكُ الأممُ المتحدةُ ومنظماتُها طريقَ العدوان الأمريكي السعوديّ في معاقبة الشعب اليمني؛ بهَدفِ الضغط عليه للاستسلام وتقديم المزيد من التنازلات ولا سيَّما في الجانب العسكري، ويتضح ذلك من خلال الخطوات التي تلجأ إليها هذه المنظمات في التعاطي مع الشعب اليمني.
وعلى سبيل المثال لجأ برنامجُ الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قبل أَيَّـام إلى الإعلان بأنه سيضطرُّ إلى تقديمِ حِصَصٍ مخفَّضة لثمانية ملايين شخص في اليمن ابتداءً من الشهر المقبل؛ بسَببِ ما سماه نقصَ التمويل، بينما تواجه بلادنا عدواناً وحصاراً غاشماً للعام السابع على التوالي، أوصلته إلى حافةِ المجاعة، بحسب تقارير الأمم المتحدة ذاتها.
وحذّر البرنامج في بيان من “نفاد الأموال” لمواصلة تقديم المساعدات الغذائية التي يمنحها لـ 13 مليون شخص، مُضيفاً أنه “اعتباراً من شهر كانون الثاني/يناير، سيحصل ثمانية ملايين شخص على حصص غذائية مخفضة، بينما الخمسة ملايين شخص المعرِّضون لخطر الانزلاق في ظروف شبيهة بالمجاعة، سيظلون يحصلون على حصص كاملة”.
ويتزامن هذا الإعلانُ مع التصعيد الكبير للعدوان الأمريكي في الميدان، وغاراتٌ عنيفة على العاصمة صنعاءَ وبقية المحافظات اليمنية “الحرة”، في خطوةٍ لا يُفهَمُ منها سوى الضغط على صنعاء لتقديم المزيد من التنازلات وإيقاف محاولة تحرير مدينة مأرب.
وبحسب التقارير الأممية ذاتها، فَـإنَّ تخفيضَ الدعم عن اليمنيين يدفعُ بحدوث مجاعة، غير أن الأمم المتحدة لا يهمها في الأمر سوى جني المزيد من الأموال، حتى وإن كانت من القاتل ذاته.
ويأتي قرارُ برنامج الأغذية تقليل الدعم في وقت صعّد طيران العدوان الأمريكي السعوديّ من غاراته على صنعاء، وتحديداً مطار صنعاء الدولي، حَيثُ يعتبر المطار بأجوائه وبحركة الإقلاع منه والهبوط فيه، ممّراً رئيسياً للمساعدات.
فضائحُ بالجملة
ويدّعي برنامج الأغذية العالمي أن سببَ تقليص المساعدات نقصٌ في التمويل، لكن ثمة حقائقَ كثيرةً تكشفُ عن مغالطات جسيمة وتلاعب واضح من قبل هذه المنظمة، وعدم تعاملها بجدية مع المأساة الإنسانية في اليمن، وأن البرنامج لو اشتغل وفق الإمْكَانات المادية المتاحة لديه، لكان وضعُ اليمنيين في أحسن حال مما هو عليه اليوم، ولما اضطر على الإطلاق إلى تخفيض مساعداته إلى النصف.
وفي تقرير صادم، كشف المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشئون الإنسانية والتعاون الدولي، عن إجمالي التمويل المقدم لبرنامج الأغذية العالمي حتى نوفمبر 2021 لتنفيذ أعمال الإغاثة الإنسانية في اليمن، والبالغ (1177048828) ملياراً ومِئة وسبعةً وسبعين مليوناً وثمانيةً وأربعين ألفاً وثمانمِئة وثمانية وعشرين دولاراً، الأمر الذي يحتِّمُ على أي إنسان عاقل في هذا الكون بطرح تساؤلات حول مصير ذلك المبلغ الضخم، ولماذا ارتفع معدل الأمن الغذائي وزادت حالات الفقر والمجاعة وسوء التغذية في البلد المنكوب جراء استمرار العدوان والحصار منذ 7 سنوات.
وفي صورة من صور فساد برنامج الغذاء العالمي واستهتارها وعدم اكتراثها لحياة المواطنين في اليمن، أشار تقريرُ مجلس الشئون الإنسانية، حصلت صحيفة “المسيرة” على نسخة منه، إلى كمياتٍ كبيرةٍ من أطنان الغذاء التابعة للمنظمة الأممية غير الإنسانية، تم إتلافها وإعادتها؛ بسَببِ انتهاء صلاحيتها وفساد محتواها وعدم مطابقتها للمواصفات والمقاييس، حَيثُ بلغ إجمالي الزيت النباتي الذي تم إعادة تصدير الشحنة خلال العام الجاري 2021 ما يقارب 2557952 طناً، كما بلغ إجمالي البقوليات المنتهية صلاحيتها ورفض دخولها في نفس العام الجاري 93563 طناً، وَ369 حاوية، بالإضافة إلى 362880 طناً و59040 كرتوناً من المكملات الغذائية، و27416 طناً من البازلاء.
وبيّن التقرير أن المئات من أطنان المواد الغذائية التي تم إتلافها بمحاضر رسمية؛ بسَببِ التخزين السيء للمواد الغذائية في مخازن برنامج الأغذية؛ باعتبَارها غيرَ مؤهلة ولا تتوفر فيها الاشتراطات الصحية والفنية، ناهيك عن المواد التي يتم تزوير تاريخ وانتهاء الصلاحية.
ونوّه المجلسُ الأعلى للشئون الإنسانية إلى أن تقليص المساعدات الغذائية وعدم صرفها بشكل شهري، فاقمت من المعاناة الإنسانية وأدت إلى الانزلاق إلى مستويات خطيرة من المجاعة، وشكلت ازدياد في عدد حالات سوء التغذية الحاد عند الأطفال دون سن الخامسة، كما وصلت الأزمة الإنسانية إلى مستويات خطيرة في مراحل المجاعة التي اجتاحت البلاد وارتفاع حالات سوء التغذية، مبينًا أن تدهورَ الوضع الإنساني ينذر بوقوع مجاعة قد تتسبب بموت ملايين اليمنيين؛ بسَببِ استمرار العدوان والحصار وتقليص المساعدات الإنسانية.
وَأَضَـافَ المجلس أن الوضعَ المعيشي الكارثي فاقم من حالة الجوع في البلاد الواقع تحت العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ الإماراتي الممتد منذ 7 سنوات، إضافة إلى احتياج قرابة نحو 16.2 مليون إلى مساعدات غذائية طارئة، ناهيك عن احتياج ما يقارب 12 مليوناً إلى مساعدات غذائية عاجلة، كما يحتاج 4 ملايين و500 ألف يمني نازح إلى مساعدات متنوعة، بالإضافة إلى وجود أكثر من 2.5 مليون طفل يعانون من سوء التغذية، فيما تعاني أكثر من 1.5 مليون مرضعة من سوء التغذية الحاد.
ولفت مجلسُ الشئون الإنسانية إلى أن تقليصَ المساعدات وعدم صرفها بشكل مُستمرّ فاقم من الوضع الإنساني وارتفاع معدل انعدام الأمن الغذائي، موضحًا أن ملايين النازحين الذين نزحوا من جميع محافظات الجمهورية بحاجة إلى تلبية أدنى الاحتياجات الأَسَاسية من المواد الغذائية والمتنوعة، كما أن انقطاع مرتبات موظفي الدولة، جراء نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن المحتلّة والحرب الاقتصادية على البلاد، أَدَّى إلى وضع معيشي مأساوي لملايين اليمنيين والتي كانت مصدر الرزق الرئيسي لهم.
ارتفاعٌ في معدلات سوء التغذية
وسجّلت اليمنُ خلال سنوات العدوان الأمريكي السعوديّ أعلى معدلات سوء التغذية في أوساط الأطفال والنساء، على مستوى العالم، فالأطفال والنساء في اليمن يصارعون؛ مِن أجلِ البقاء على قيد الحياة بشهادة الأمم المتحدة، لكنها لم تفعل شيئاً؛ مِن أجلِ إبقائهم على قيد الحياة، ولا حتى مُجَـرّد إدانة لجرائم تحالف الأعراب بحقهم، خوفاً من انقطاع تمويل دهاقنة العدوان.
ويعاني أكثر من 2 – 2.3 مليون طفل يمني دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، وهم لا يحصلون على الكمية الكافية من الأغذية، منهم 358 – 360 ألفاً يعانون من سوء التغذية الحاد جداً/ الوخيم، وهذا رقم مرشح للارتفاع، وذلك بزيادة 16 % عن العام 2020، وهم يصارعون؛ مِن أجلِ البقاء على قيد الحياة، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الأغذية العالمي ووزارة التخطيط بصنعاء، إبريل 2019 – 10 فبراير 2021.
وسجَّل العامُ الجاري 2021 ارتفاعاً في معدلات سوء التغذية الحاد والحاد الوخيم بمقدار 16 % و22 % على التوالي بين الأطفال تحت سِنِّ الخامسة عن العام 2020، وفقاً للمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، “ديفيد بيزلي”، وهذه الأرقامُ من بين أعلى معدلات سوء التغذية الحاد الوخيم المُسجلة في اليمن منذ عام 2015، وفقاً لمنظمات “الفاو” و”اليونيسف” وبرنامج الأغذية العالمي.
صحيفة المسيرة