ما بعد إعصار اليمن.. العُمقُ الإماراتي يتهاوى
|| صحافة ||
دخل التصعيدُ الأمريكيُّ السعوديُّ الإماراتي منعطفاً خطيراً، الأمرُ الذي يجعل تداعياتِه كبيرةً، لا سِـيَّـما وأن الصبر اليماني قد نفد، وأن الرد في العمق الإماراتي بات وارداً في أية لحظة.
وعلى الرغم من التحذيرات المتكرّرة التي أطلقها قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- والقيادة السياسية والعسكرية لدويلة الإمارات بعدم التمادي إلَّا أنها لم تستوعب الدرس، ولهذا سرعان ما ترجمت هذه التهديدات على أرض الواقع، وذلك بتلقي العمق الإماراتي عمليتين نوعيتين خلال أسبوع، “عملية إعصار اليمن الأولى” وَ”عملية إعصار اليمن الثانية”، واللتين سببتا حالة من الإرباك والتوقف لحركة الملاحة الجوية في مطار أبوظبي، بالإضافة إلى انخفاض الأسهم في بورصة أبوظبي، لتصبح الإمارات بعد ذلك دويلة غير آمنة.
ومن خلال تقييم واقع العملية العسكرية “إعصار اليمن الأولى” التي ضربت مطار أبوظبي ومحطة النفط “أدنوك” في العمق الإماراتي، يقول الخبير والمحلل العسكري زين العابدين عثمان: إن العملية العسكرية وبكل أبعادها وتداعياتها فَـإنَّها رسالة ودرساً كافياً للعدوان الإماراتي بأن يتدارك نفسه وأن يتعاطى مع الوضع بجدية وبما يوقف تصعيده وغطرسته غير المحسوبة في اليمن؛ لأَنَّ المنطق العسكري والاستراتيجي يفرض عليه المسارعة في إيقاف عجلة التصعيد والخروج من المغامرات الغبية والعدوانية وإيقاف كُـلّ أشكال الاستفزازات التي على رأسها التطبيع مع كيان العدوّ الإسرائيلي ومساعدته للاستيطان على جزيرتي سقطرى وميون والسواحل الشرقية والجنوبية.
ويرى عثمان أن الموازين العسكرية لم تعد في صالح دولة العدوان الإماراتي حتى تخوض أكثر في التصعيد، لافتاً إلى أنها أصبحت في دائرة الاستهداف الاستراتيجي لقواتنا المسلحة، وأنها إذَا لم توقف عدوانها على اليمن، فسوف تصبح في خطر كارثي وحقيقي يطيح بأمنها واقتصادها، موضحًا أن عملية “إعصار اليمن” التي نفذتها القوات المسلحة هي رسالة أولى فقط من الرد المرسوم الذي سيأخذ مساراً تصاعدياً في مستوى زخم العمليات والاستهداف والذي سيكون مركَّزاً على تدمير المنطقة الحيوية في العمق الإماراتي “أبوظبي ودبي” وتحييد كُـلّ الركائز الاقتصادية والأمنية بما فيها محطات النفط والمطارات والمدن العسكرية والصناعية.
ووفق المعطيات على رغم قسوة تداعيات العملية التي ضربت أبوظبي، وفشل دفاعاتها الجوية في إيقاف الطائرات المسيَّرة والصواريخ البالستية التي استهدفت مطار أبوظبي ومصفاة المصفح التابعة لشركة أدنوك أكبر الشركات النفطية الإماراتية، وكذلك قاعدة “الظفرة” الجوية إلَّا أنه لم يتوقف عن التصعيد، بحسب الخبير العسكري عثمان، والذي يؤكّـد أن النظام الإماراتي يريد هذه الفترة خوض جولة جديدة تلبية لرغبات وأجندات الثنائي الأمريكي الإسرائيلي الذي تدفعه لمواصلة العمليات مهما بلغت ردة الفعل الانتقامية اليمنية، وهذا شيء واضح من خلال عودته لقصف العاصمة صنعاء وارتكابه المجازر بحق المدنيين بتلك الطريقة الوحشية، ومن تلك المجازر الإجرامية التي ارتكبها طيران العدوان مجزرة الحي الليبي بصنعاء، بالإضافة إلى المجزرة التي ارتكبها في محافظة الحديدة، وكذلك المجزرة التي ارتكبها باستهدافه السجن الاحتياطي في محافظة صعدة.
ويرى عثمان أن مسألة استمرار تصعيد العدوّ الإماراتي لن تتوقف؛ لأَنَّها تأتي بدافع أمريكي إسرائيلي لمواصلة الضغط على اليمن ومحاولة تركيعه واستنزافه، مبينًا أنه مقابل ذلك التصعيد ستعمل القوات المسلحة على رفع الجاهزية لتنفيذ عمليات هجومية جديدة بإذن الله تعالى، ترسخ مفهوم توازن القوة الاستراتيجية أي “التصعيد بالتصعيد” حتى يتم إرغام العدوّ الإماراتي ومن يقف خلفه لإيقاف التصعيد والعمليات العدائية والحصار على اليمن وإعادة النظر في هذه الحسابات.
توجيهٌ إسرائيلي
وفيما يخص التصعيد الإماراتي الهستيري غير المسبوق والذي تجلى اليوم بشكل واضح، وجاء بعد أكثر من ادِّعاء العدوان الإماراتي بالانسحاب من اليمن وبعدم المشاركة المباشرة، أَو غير المباشرة من خلال دعمه لمرتزِقته، يقول الخبير العسكري العقيد مجيب شمسان: إن التصعيد الهستيري من قبل دولة العدوان الإماراتي، جاء بعد إيعاز إسرائيلي نتيجة المعطيات الميدانية سواء ما حصل في محافظة مأرب وما تحدثت عنه الكثير من قيادات الكيان الصهيوني من اعتبار عملية تحرير مأرب بأنها تشكل حجر تهديد الأَسَاس بالنسبة لأمريكا والكيان الصهيوني.
ويوضح العقيد شمسان في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أنه بعد تلك الأحداث كان هناك حراك إسرائيلي بريطاني خليجي إماراتي مكثّـف، حَيثُ جاء بعدها التصعيد الإماراتي سواء ما حصل في الساحل الغربي، أَو ما حصل في محافظة شبوة.
وانطلاقاً من ذلك التصعيد، يؤكّـد شمسان أن الرد اليماني جاء بتنفيذ عملية نوعية كبرى في العمق الإماراتي سميت بإعصار اليمن، وهي كانت بمثابة رسالة تحذير أولية لهذا النظام الإماراتي، وفي حالة استمر العدوان الإماراتي فَـإنَّ العمليات اليمنية تستمر، ولكن ما لوحظ من خلال هذا التصعيد ويدرك الإمارات بأنها لم تكن قادرة على تحمل ضربات موجعة مثل الذي تلقتها، وأنها لم تكن قادرة على التصدي للصواريخ والطائرات المسيَّرة اليمنية، كما بات واضحًا خلال العملية التي نفذت في عمقها، إلَّا أنها رغم ذلك تمارس التصعيد، وفي ذلك دلالة واضحة بأنها لا تملك قرار التصعيد، وإلا لو كانت تملك القرار لما صعدت؛ كون الرسالة اليمنية والتحذيرات المُستمرّة تم تصديقها من خلال تنفيذ عملية واسعة في العمق الإماراتي وعجزت بكل منظوماتها الدفاعية أن تحمي تلك المنشآت.
وما يمكن قراءته من خلال هذه الأحداث واستمرار هذا التصعيد، يبين شمسان بأن التصعيد توجيهٌ إسرائيلي لأدواته في المنطقة باستمرار التصعيد والعدوان؛ كون ذلك يخدم المشاريع والأهداف الإسرائيلية في المنطقة اليمنية؛ لأَنَّ ذلك التصعيد في اعتقاد الكيان الصهيوني يؤثر على تطور القدرات اليمنية التي سببت رعباً للعالم، بالإضافة إلى أن تصعيد العدوان بعد العملية له هدف آخر وهو محاولة إشغال الشعب اليمني حتى يصل العدوّ الإسرائيلي إلى بعض الترتيبات التي يريدها سواء ما يتعلق بالساحل الغربي، أَو بالأهداف الإسرائيلية العامة.
لذلك ما هو متوقع من خلال المؤشرات سواء ما يتعلق باستمرار التصعيد، وارتكاب المجازر، أَو من خلال إدراك الإمارات بأنها لم تكن قادرة على تلقي الضربات، أن دولة العدوان الإماراتي تنفذ التعليمات الإسرائيلية والأمريكية، وهذا ما بات ملحوظاً بعد تلك العملية من خلال ارتكاب عدد من المجازر منها ما تم في صنعاء، أَو الحديدة، أَو المجزرة التي ارتكبها طيران العدوان الإماراتي بحق المدنيين في السجن الاحتياطي في محافظة صعدة.
وأمام هذه المؤشرات يؤكّـد الخبير العسكري العقيد مجيب شمسان أن دولة العدوان الإماراتي ماضية في عملية التصعيد؛ لأَنَّها مدفوعة من الكيان الصهيوني الذي لا يأبه بنصر أدواته المنبطحة، مؤكّـداً أن القوات المسلحة مستعدة للرد وبشكل أوسع داخل هذه الدويلة المتصهينة التي تتحول اليوم إلى دويلة غير آمنة وبيئة طاردة للاستثمارات وكل رؤوس الأموال التي تعتمد عليها في إمبراطورتيها الاقتصادية.
وبطبيعة الحال لا شك بأن الشركات ورؤوس الأموال الأجنبية، تدرك اليوم بعد تناول مختلف الصحف العالمية عملية إعصار اليمن الأولى والثانية التي نفذتها القوات المسلحة في العمق الإماراتي، بأنها تتراجع وتنسحب من الإمارات، استجابة للتهديد الذي أطلق من قبل القوت المسلحة والتي دعت كُـلّ رؤوس الأموال والشركات إلى مغادرة الإمارات؛ كونها أصبحت دويلة غير آمنة، وتحت طائلة قصف الصواريخ والطائرات اليمنية، ومعرضة للاستهداف في أية لحظة في حال إذَا استمرت في التصعيد ولم تتلق الرسائل التي وصلت إليها من قبل القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيَّر بشكل جيد.
انعكاسات سلبية
وحول الآثار الاقتصادية التي ستلحق أبو ظبي نتيجة الضربات اليمانية المسددة، بعد أن كانت تعتمد الإمارات في ناتجها المحلي الإجمالي على تقديم نفسها كبيئة استثمارية جاذبة.
وفقاً لوزارة الاقتصاد الإماراتية، أطلقت الإمارات في العام 2020 الخطة الاقتصادية الخمسين، تماشياً مع أهداف مئوية الإمارات 2071، لتعزيز الاقتصاد الوطني، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتطوير بيئة الأعمال المحلية، وتعزيز مكانة الشركات الإماراتية على مستوى العالم، ومنح المستثمرين القدرة على الوصول إلى الأسواق في جميع أنحاء العالم.
وتؤكّـد التقارير الاقتصادية أن البيئة الاستثمارية في الإمارات مهدّدة بعمليات الأخذ والرد في إطار مشاركة الدولة في العدوان على اليمن، الأمر الذي ينعكس على أعداد الشركات المستثمرة والخدمات والتدفق المالي، ووفقاً لوكالة الشحن الدولية، فَـإنَّه في حال تعرضت موانئ دبي للقصف، فَـإنَّ حركة الشحن ربما تفضّل طرقاً أُخرى، ضماناً لأمنها من جهة، وخوفاً من تعطل رحلاتها؛ بسَببِ أية أضرار من جهة أُخرى.
أما مطار دبي الذي قُصف بصاروخ “ذو الفقار” البالستي منذ أَيَّـام، فهو يمثل أحد أكثر المطارات ازدحاماً في العالم (Travel Hub)، وتؤدي الإمارات دور الوسيط لعدد كبير من الرحلات الجوية في العالم، وهي أَيْـضاً قد تتعرّض للخسائر في حال استمرار شعور السياح والمسافرين بعدم الاستقرار فيها.
وبعد استهداف محطة تحميل المنتجات المكرّرة في منطقة مصفح في أبو ظبي، أعلنت شركة النفط الإماراتية “أدنوك” أنّها فعّلت الخطط الضرورية لاستمرار الأعمال، لضمان توفير إمدَادات موثوقة من المنتجات لعملائها في الإمارات وحول العالم؛ لأَنَّ القطاع النفطي الإماراتي يشكل أكثر من 25 % من الناتج المحلي الإجمالي للدولة بأكملها، وفي إمارة أبو ظبي، تصل النسبة إلى 41 %، الأمر الذي يعني حساسية هذا القطاع بالنسبة إلى الإمارات والتداعيات الكبيرة التي قد يتعرض لها في حال استمرار الرد اليمني في العمق الإماراتي، وتحديداً على منشآت النفط.
أنظمة فاشلة
لن يصدق توقع بنك الاستثمار بلتون في أواخر عام 2021 الذي أصدره في مذكرة بحثية، والذي كان مفاده أن يؤدي تحسن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية الإماراتية، وتحديداً الإنفاق الخاص، والناتج المحلي الإجمالي غير البترولي، وإيرادات الضرائب والسياحة، إلى تحقيق أعلى معدلات للنمو في الإمارات خلال عام 2022 بدعم من معرض إكسبو.
إن تلك التوقعات المبنية على السياحة والاستثمارات الأجنبية في الإمارات ستكون محالة التحقّق مع رصد الوضع الأمني الهش والمتوتر نتيجة تصعيد العمليات العسكرية من قبل اليمن، ردًا على العدوان الذي تشنه دول التحالف على صنعاء ومختلف المدن اليمنية.
وذلك بالعودة إلى كون العلاقة بين الأمن والاقتصاد، هي علاقة حتمية شمولية تكاملية، وعلاقة طردية في ذات الوقت، أي كلما ارتفعت نسبة الشعور بالطمأنينة والأمن كلما ساهم ذلك بالنمو الاقتصادي، ويمكن قياس نسبة الأمن في أنواع الأمن المختلفة، وحيثُ أن الاقتصاد الإماراتي هو اقتصاد ريعي خدماتي، فَـإنَّه أكثر ما يكون تأثراً بالتوترات والأزمات الأمنية، وحيث أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى عربياً والـ 17عالميًّا في صادرات الخدمات، مسجلة نمواً في قيمة صادرات الدولة من الخدمات يصل إلى 2.3 %، وهي تملك اقتصاداً يعد الأكثر انفتاحاً في العالم، وقد رسخت الدولة علاقاتها مع أكثر من 200 دولة وحد جمركي بما يشمله من مناطق حرة حول العالم، بحسب تصريحات سابقة لوزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، فَـإنَّ جميع الخبراء الاقتصاديين يقرون بحتمية التفاعل بين الاستقرار الأمني والاقتصاد الخدماتي الذي يهتز بنيانه مع أية أزمة أمنية طارئة.
ويصاحب الاعتماد على أسعار الطاقة خطر تأثر التعافي الاقتصادي سلباً بأي اضطراب في الأسعار؛ بسَببِ توترات جيوسياسية أَو تباطؤ الاقتصاد العالمي، وقال تسعة من عشرة اقتصاديين: إن أي انخفاض في أسعار النفط هو أكبر المخاطر على النمو الاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي هذا العام.
وفيما كان توقع بلتون في تحقيق تحسن في معدل النمو الاقتصادي للإمارات عند 5.3 % في 2022 بدعم من قطاع البترول بعد رفع دول أوبك بلاس الحد الأدنى للإنتاج، الذي تخفض منه الإمارات إنتاجها، إلى 3.5 مليون برميل يوميًّا وذلك اعتباراً من مايو 2022، مما سيعزز مستويات الإنتاج، فَـإنَّ الخطر المحدق بالاقتصاد الريعي المعتمد على أسعار البترول يبقى قائماً.
وقد أظهر استطلاع أجرته رويترز لآراء الاقتصاديين، أن أسعار النفط التي تعد أحد العوامل الرئيسية المحركة لاقتصاد دول الخليج قد ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ 2014 الأربعاء الماضي، تدعمها توترات سياسية عالمية متصاعدة في دول رئيسية منتجة منها الإمارات وروسيا ربما تؤدي إلى تراجع الإمدَادات.
وقال رالف ويجرت، رئيس الفريق الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في IHS ماركت: إن “نمو مجلس التعاون الخليجي يتركز كَثيراً جِـدًّا على الجانب الصعودي بالفعل.. ويستند نمو الناتج المجلي في مجلس التعاون الخليجي على افتراض الطلب العالمي القوي على النفط في 2022”.
صحيفة المسيرة