مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

يجب أن نبصر ونسمع في الدنيا أمام الأخطار المحدقة بنا وبديننا في الدنيا. إذا ربينا أنفسنا على هذا الشعور المهم والجيد والبناء سنقدم على الله ونحن مبصرون، سامعون في الدنيا، وسنبصر ونسمع هنا في الدنيا، ما هو نعيم، ما هو أمن، ما هو شرف لنا، ما هو نعيم دائم في الآخرة الجنة ورضوان الله سبحانه وتعالى.

أما الذي لا يبصر ولا يسمع في الدنيا فهو كما قال الله عنه: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} (طـه:125) كنت بصيرا بشؤوني الخاصة. {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} (طـه: من الآية126) كنت تتعامى عنها لا تبصر ولا تسمع.. أليس كذلك؟ {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طـه: من الآية126) وكذلك يقول في آية أخرى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} (الإسراء:72) لاحظوا كيف يأتي القرآن الكريم يربط بين الشقاء في الدنيا والشقاء في الآخرة، بين العمى في الدنيا والعمى في الآخرة.

لنفهم أنه إذا لم نبصر ونحن في الدنيا لن نبصر في الآخرة، إلا وجهنم أمام أعيننا ونقول هذا القول ونعوذ بالله من أن نكون ممن يقول هذا القول: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ}.

أليست هذه العبارة خطيرة جدا؟! كل واحد منا يتمنى ألا يقولها، ويطلب من الله ألا يكون ممن يقولها؟ شيء خطير جدا. يربط بين العمل في الدنيا وبين العمل في الآخرة بين الشقاء في الدنيا وبين الشقاء في الآخرة.

الشيء الذي يغيب عن أذهاننا كثيرا ونحن نرشد الناس، ونحن نعلم الناس ونحن نحمل اسم عالم، أو نحمل اسم عابد أو نحن نقرأ القرآن على الآخرين، أو نعلم القرآن للآخرين، لا نفهم هذا الربط المهم، الآن نحن نحاول كمسلمين أن نبصر ونسمع.. أليس كذلك؟ لنرى واقعنا نرى ما نحن عليه، نرى ما يجب أن نعمله، نرى ما ينبغي أن ننطلق فيه.. هكذا نشعر بالندم هنا في الدنيا.. أليس هؤلاء ندموا عندما قالوا: {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحا} على ماذا ندموا؟ عرفوا أن الأعمال الصالحة هي التي ضاعت فضيعوا أنفسهم بضياعها، عرفوا أن تلك الأعمال الكثيرة التي كانوا يجهدون أنفسهم فيها وهي أعمال باطلة لم يعد لها قيمة.. هي سبب الندامة.. أليسوا هنا تمنوا أعمالا صالحة؟

الأعمال الصالحة هي نجاتك في الدنيا، هي نجاتك في الآخرة، عملت صالحا لأنه يصلح حياتي ويصلح آخرتي. وسميت أعمـال صالحة، صالحة في مـاذا؟ صالحة في الحيـاة مصلحة في الحيـاة لنا، ومصلحـة في الآخرة لنا {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (الشعراء: من الآية227) وما أكثر كلمة: صالحات صالحات.

قد يكون إنفاقك مائة ريال يسمى عمل صالح.. أليس كذلك؟ وإنفاق خمسة آلاف في مجال آخر يسمى عمل باطل.. ما الفارق؟ هل مجرد العطاء هو الذي يسمى: صالحًا؟ إذًا فلتكن الخمسة الآلاف هي الصالحة والمائة الريال هي العمل الباطل. المجالات التي تتجه في أعمالك نحوها، مجالات أعمالك وإلا فكل الناس يعملون.

أليس أهل الباطل يتحركون ويسهرون ويتعبون؟ أليس أهل الباطل ينفقون الأموال الكثيرة أكثر مما ينفق أهل الحق؟ هناك إنفاق هناك ألم {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} (النساء: من الآية104) إن تكونوا تنفقون فهم ينفقون كما تنفقون، إن تكونوا تتعبون فهم يتعبون كما تتعبون.. وهكذا.. الأعمال شكليتها واحدة لكن هناك أعمال صالحة غاياتها، منطلقاتها هي التي تجعلها صالحة فيما إذا كانت تسير على هدي الله.

{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (الحج: من الآية37) أليس يتحدث عن الهدي في الحج، عمل صالح؛ لأنه في مصلحتك أنت، وكل ما تبذله من أجل نصر دينك والدفاع عن دينك إنه في مصلحتك أنت في مصلحة البشرية كلها؛ لأن صلاح البشرية صلاح الأمة كله مرتبط بالدين واستقامته، وأن تطبق أحكامه، وأن يسود هديه في هذه الدنيا. هذه هي الأعمال الصالحة، وهي ما يكتشفها المجرمون فيما بعد، وهي ما سيكتشفها كل من أضاعها في هذه الدنيا، سيرى أن تلك الأعمال الصالحة هي نوعية معينة من الأعمال.

أو لم يكن المجرمون هم ممن ينفقون كثيرا؟ كانوا ينفقون كثيرا، رأوا أن إنفاقهم ذلك كله لم يكن عملا صالحًا أبدًا، هم من كانوا يتعبون كثيرا من أجل الوصول إلى أهداف معينة، من أجل تحقيق أشياء معينة لديهم اكتشفوها أنها لم تكن أعمالا صالحة.. أليس هذا هو ما سيحصل؟ أي أنهم لم يكونوا في الدنيا ليس لديهم أي عمل، كان هناك أعمال.. أوليست الدنيا كلها مليئة بالبشر العاملين؟ كلهم عاملون كلهم يتحركون.. أليس كذلك؟ الناس كلهم يتحركون وكلهم يعملون. من هو الذي هو نائم في هذه الدنيا؟ كل الناس شغالين فيها. لكن هناك أعمال صالحة هي ضائعة، هي.. هي التي سنكتشف أنها كانت هي المهمة في الدنيا، وأنها هي التي كانت نجاتنا متوقفة عليها، هذا ما سيكتشفه الناس.

فلماذا لا نعمل على اكتشاف الأعمال الصالحة الآن في الدنيا، كل خطاب القرآن هو ليوحي لنا إذًا هنا في الدنيا فاعملوا كذا، إذًا هنا في الدنيا ابصروا واسمعوا، إذًا هنا في الدنيا اكتشفوا الأعمال الصالحة لتنطلقوا في أدائها، ليس مجرد إخبار عما سيحصل من أولئك لمجرد قصة؛ إنه يقول لنا: أبصروا واسمعوا وابحثوا عن الأعمال الصالحة وأنتم هنا في الدنيا حتى لا تكونوا ممن يقول هذا القول في اليوم الآخر {إِنَّا مُوقِنُونَ} يقين مثل الشمس.

القرآن يصنع اليقين، أحداث الحياة والنظرة إليها من خلال القرآن تصنع اليقين.. اليقين. الإمام علي صلوات الله عليه الذي حصل على اليقين من خلال الرسول صلوات الله عليه وعلى آله ومن خلال القرآن الكريم، كان يقول: ((والله لو كشف لي الغطاء ما ازدت يقينا)).

وعندما يقول أعمالًا صالحة وعندما يقولون: {إِنَّا مُوقِنُونَ} هل يعني ذلك أن الله قصر هنا في الدنيا فلم يبين الأعمال الصالحة ما هي؟ أو قصر في هدايته للناس هنا في الدنيا فلم يكن بين أيديهم ما يوصلهم إلى درجة اليقين؟ وإنما في القيامة هناك أبان لهم الأعمال الصالحة، وهناك أوصلهم إلى درجة اليقين.. لا.. لو كان الأمر هكذا ما جاز على الله سبحانه وتعالى أن يقصر هنا في الدنيا في هديه للناس، وفي تبيين طرق الأعمال الصالحة تقصيرًا لا يمكن أن يفهموه، ثم يأتي يوم القيامة فيقول كان باقي وباقي، ونحن لم نعلم بها، ولم يكن في هديك ما يرشدك إليها.. أليست هذه حجة للناس على الله؟ سنقول بالتأكيد لكن نحن لم نرشد إليها، ونحن لم نعلمها في الدنيا إطلاقا.

لماذا تأتي هنا في يوم القيامة وتوضح لنا الأشياء بشكل واضح وجلي جدًا؟ وفي الدنيا كان هناك تقصير من جانبك في كتبك ومن جانب رسلك. لا يجوز على الله سبحانه وتعالى. هنا في الدنيا بين، وكلمنا في القرآن الكريم عدة مرات أنه بيان.. كتاب مبين.. مبين.. ألسنا نسمع هذه الفقرة تتكرر كثيرا في القرآن الكريم؟ ومن أين تحصل على درجة اليقين في الأشياء؟ أليس من التبيين، لكن أنت الذي علمت نفسك ألا توقن إلا عندما تضرب في رأسك عندما تحس بالضربة توقن.. وهكذا نحن في الدنيا وهؤلاء أسلافنا كعرب الذين حكى الله عنهم أنهم قد يقولون هكذا. هم من لم يوقنوا ولم يسمحوا لأنفسهم أن يتغلغل إلى أعماقها اليقين من خلال التبيين الواضح، لم يوقنوا إلا عندما ضربوا في رؤوسهم، فأصبحت رؤوسهم منكسة {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا}. اليقين هنا متوفر في الدنيا في أعلى درجاته.

والإمام علي هو الشاهد في كل شيء لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وللقرآن ((والله لو كشف لي الغطاء – أي القيامة ورأيت جنة ونارا ورأيت كل شيء – ما ازددت يقينًا)). اليقين توفر لدي من خلال القرآن الكريم والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله).

هو الشاهد لرسول الله {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} (هود: من الآية17) الرسول هو كان على بينة من ربه وهو يتحرك، ويبلّغ، ويربي ويعلم، ويتلوه ويتبعه شاهد منه. الإمام علي هو كان الشاهد الوحيد، الشاهد الكامل في كل مناحي التبليغ للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه لم يحصل من جانبه تقصير، والرسول هو كان يتحرك بحركة القرآن.

 

والقرآن هو متوفر بين أيدينا.. لكنا نحن من لا نسمح لأنفسنا أن توقن، وهكذا نحن في الدنيا، وسيكون من هذه نفسيته في الدنيا سيكون هكذا في الآخرة. {إِنَّا مُوقِنُونَ} في الآخرة تجلى كل شيء.. لكنه هنا في الدنيا تجلى كل شيء.

الحديث عن الجنة والنار بالشكل التفصيلي، الحديث عن النار، عن عذابها وشدته، عن طعامها، عن شرابها، عن لباس أهلها، عن صراخهم فيها، ألم يتحدث عنه القرآن في أجلى صورة؟ وبطريقة فنية عجيبة تكاد أن ترى ذلك المشهد من خلال حديثه عنه، فتوقن، الجنة كذلك، أهوال القيامة، أهوال ذلك اليوم كذلك جاءت بالتفصيل داخل هذا القرآن.. لكن أنت من لا تصغي لهذا القرآن ابتداء من أن تفهم أنه من عند الله؛ ولهذا تكرر كثيرا في القرآن {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (السجدة:2)، من الله، ألم يتكرر هكذا في أكثر السور؟

أنظر إلى القرآن الكريم أنه من الله، وتعرف على الله سترى كلمات هذا القرآن مهمة وتراها كاملة، وترى فيها البيان، وترى فيها التوضيح الذي يوصل إلى درجة اليقين في كل شيء، ولكن لا أتعامل معه على أنه خطاب من الله هذا ما يحصل لدى الكثير منا.

تأتي ورقة خطاب من الرئيس أمر إلى أهل منطقة فيتعاملون مع تلك الورقة بكل جد واهتمام ويجتمعون ويتشاورون كيف يعملون من أجل تنفيذها، أو من أجل درء الخطر والتهديد الذي فيها عن أنفسهم، أليس هذا هو ما يحصل؟

لكنا هنا بالنسبة للقرآن الكريم لا يحرك فينا شعرة ولا نتجمع لنعرف كيف ننفذ ما فيه حتى ندرأ عن أنفسنا الخطورة التي تحدث عنها وهو يختلف عن أوامر الآخرين.

قد يأتيك أمر من الرئيس فيه تهديد مبهم وأنت الذي ستفكر وتبحث عن كيف تدفع عن نفسك ذلك الخطر، أما القرآن فقد تولى هو لأنه من الله الرحمن الرحيم، الحديث عن الخطر ثم إرشادك إلى كيف تقي نفسك منه، ثم يعطيك جائزة عظيمة وأنت تتحرك في درء ذلك الخطر عن نفسك في الدنيا هنا وفي الآخرة.. أليس هذا هو أكمل من أي بيانات أخرى أو من أي أوامر أخرى تأتينا من عند الآخرين.

تلك البيانات وتلك الأوامر التي تهز مشاعرنا وتجعلنا نجتمع ونتشاور كيف نصنع وكيف نعمل في تنفيذها، أو في الدرء عن أنفسنا خطورتها والتهديد الذي فيها، لو يقول لك شخص: [اترك هذه الورقة.. ستقول هذا أمر من الرئيس وليس كلام فاضي].. أليس أي شخص سيقول هكذا؟ هل نحن نقول هذه العبارة مع القرآن الكريم هذا {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الواقعة:80) هل نحن نقول هذه؟ بل ندرسه دَرْوَسَه، لا نستشعر من أين نزل ولا ماذا يريد. تلاوة لا تقدم ولا تؤخر.

ثم يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} (السجدة: من الآية13) ماذا كان ينتظر أولئك الناس؟ ما هو الهدى الذي كانوا ينتظرونه؟ أن يساقوا سوقا رغما عنهم وقسرًا إلى كل قضية فيها أجر كبير لهم، إلى كل عمل فيه مصلحة لهم، إلى كل عمل فيه درء للعذاب عن أنفسهم.. أن يساقوا سوقا بالعصا، يمسك الإنسان بمقدمة رأسه فيساق غصبا عنه إلى الصلاة، ثم يساق غصبا عنه إلى ميادين الجهاد، ثم ترفع يده غصبا عنه ويضرب غصبا عنه، يضرب بها الآخرين غصبا عنه.. هل كنت تنتظر حركة من هذا النوع؟ هذا ما لا يمكن.. هذا ما لا يمكن.

لقد جاء الهدى على أعلى مستوياته، وجاء الهدى في أبين آياته وأحكمها وأكثرها تفصيلا ووضوحا، أي هدى كنت تنتظره؟ كان بالإمكان أن نهديك هذا النوع من الهدى، كما يفسرون هذه الآية: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} يقولون على طريقة القسر والإلجاء، أن يمسكك بإذنك إلى المسجد ويضعك بين الماء تتوضأ غصبا عنك، ويرفعك غصبا عنك وتصلي غصبا عنك، وأربعة أو خمسة ملائكة بأيديهم سياط يضربونك ووراءك أينما ذهبت.

لكن هذا ليس هدى، أنت حينئذ لست إنسانا. إنك إنسان لك درجتك ولك كرامتك.. ماذا سيكون الإنسان حينئذ إذا كان على هذا النحو، ماذا يقال له؟ قد يقال له: حمار!! هل كنت تريد في الدنيا هذه أن تساق كما يساق الحمار؟ إن الله قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (الإسراء: من الآية70) حملك في البر على هذه الدواب، وهداك هداية توفر لك الكرامة وفيها كرامتك، وتحركك فيها وأنت تطبق أي شيء منها هو كرامة لك وعز لك، في حياتك وأنت تتناول طعامك وشرابك بشكل تكون فيه مكرمًا، أنت واقف منتصب القامة تصل بطعامك عن طريق يدك إلى فمك، لكن تلك الحيوانات الأخرى التي سخرت لك هي من تتناول طعامها بفمها.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

معرفة الله – وعده ووعيده

الدرس الثاني عشر

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ4/2/2002

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com