كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ فإذا ما تخاذلتم فإنكم شركاء في أوزار الناس كلهم
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
((وبلغ بإيماني أكمل الإيمان)) حتى وإن كان هو زين العابدين، ما يزال ذلك الرجل الذي يقطع ليله في العبادة، ويجوب شوارع المدينة يحمل الطعام فوق جنبه، فوق ظهره يوزعه للضعفاء والمساكين والأرامل، من حيث لا يشعرون، هو من كان لا يزال يدعو: ((وبلغ بإيماني أكمل الإيمان))؛ ليقول للناس من بعده، وهي نفس الكلمة التي رفعها زيد لأصحابه: ((البصيرة، البصيرة)) فلم يستبصروا، فتخاذلوا، فقتل، واستعاد بنو أمية حكمهم من جديد.
نحن نقول: ليس فقط بنو أمية الذين يتحملون أوزار هذه الأمة، بل وأولئك الذين تخاذلوا تحت راية الإمام علي، من صف الإمام علي، ومن صف الإمام الحسن، ومن صف الإمام الحسين، ومن صف الإمام زيد ومن بعده من الأئمة كل من تخاذلوا هم ممن يتحمل الأوزار الكثيرة.
ليس فقط أوزار العرب – هذه خطورة تخاذلنا نحن العرب – العرب إذا ما تخاذلوا يتحملون حتى أوزار الآخرين من الأمم الأخرى؛ لأنهم هم لو استقامت دولة الإسلام في وسطهم، لو استقرت وضعيتهم، وكانوا على صراط الله وهدي الله، هم من سيستطيعون أن يغيروا وجه الأرض هذه بكلها، فكل تخاذل أنت مشارك فيه وزر ذلك الرجل في طرف استراليا، أو في المكسيك، أو في أمريكا أو في أي منطقة.
خطورة هذه على العرب أكثر من غيرها فعلا؛ لأن الله قال فيهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران: من الآية110) لتهدوا الناس فإذا ما تخاذلتم عن أن تقوموا بهذه المهمة فإنكم شركاء في أوزار الناس، كل الناس. من الذي كان بإمكانه أن يبلغ هذا الدين؟ الذي كتابه عربي ولسانه عربي وأعلامه عرب؟ إلا العرب أنفسهم لكنهم تخاذلوا فرأينا ما رأينا. من أين يأتي التخاذل؟ من ضعف الإيمان، من ضعف الإيمان.
ويقول (عليه السلام): ((واجعل يقيني أفضل اليقين)) يكون الوعي أحيانًا بشكل معلومات مهما بلغت درجته، يكون بشكل معلومات في نفسك حتى يطمئن إليه قلبك ويستقر في قلبك فتبلغ درجة اليقين التي تؤهلك للاستقامة والثبات.
أليس القرآن الكريم هو أرفع درجات الوعي؟ احمل مصحفًا صغيرا في جيبك هل ستكون واعيا إلى درجة عالية؟ لا. قد تكون في أعمالك بالشكل الذي يضرب القرآن وهو في جيبك. لا بد للأشياء أن تنتهي في نفسك إلى درجة اليقين، تترسخ فتنطلق هي لتجعل من قوامك مستقيمًا مستقرًا ثابتًا {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (فصلت: من الآية30) {قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} قالوها بألسنتهم فوعوا معانيها، ثم ترسخت في أنفسهم بشكل يقين فاستقاموا، استقاموا وثبتوا.
اليقين هو معنى أن تكون عظيم الثقة بالله. ألسنا نؤمن – كمعلومات – أن الله على كل شيء قدير؟ وأن الله سينصر من نصره إن الله لقوي عزيز؟ ألسنا نؤمن بأن الله مع الذين آمنوا؟ وأن الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور؟ وأنه وعد المجاهدين في سبيله بأن يؤيدهم بنصره وبملائكته؟ هذه مجرد معلومات.. أليس كذلك؟
لكن نريد أن تصبح يقينا في أنفسنا، يقينا في أنفسنا، حينها نلمس أننا أصبحنا عظيمي الثقة بالله، واثقين بالله، واثقين بصدق وعده.. هذه حالة نفسية تحتاج فيها أيضًا إلى أن ترجع إلى الله لتطلب منه هو: ((واجعل يقيني أفضل اليقين)).
الله هو الذي يملك القلوب، ويملك النفوس وهو الذي سيهيئ لك الكثير والكثير مما يصنع اليقين في نفسك، مما يملأ قلبك يقينا وطمأنينة.
وحتى لا نغلط أن نقول: نحصل على وعي، ولكننا نرى أنفسنا ليس وعينا أكثر من مجرد معلومات، هي نفسها غلطة كغلطة من يضع لنفسه خطا هناك، أنت ستضع لنفسك أيضا خطا هنا: علمت من خلال التحليل الفلاني للآية الفلانية، من خلال مشاهدات معينة، من خلال كذا أو كذا. حاول أن تنطلق إلى أن ترسخ هذه كلها في نفسك لتتحول إلى يقين، وإلا فستكون أيضًا جنديا ضعيفا ومؤهلا لأن تُضرب في دينك وأمتك من جديد.
هي الحالة التي نعاني منها جميعًا نحن المسلمين، أليس القرآن بين أيدينا؟ أولسنا بعيدين عنه؟ ما الذي ينقصنا؟ هل هو العلم بأن القرآن من عند الله؟ نحن نعلم جميعا لكن مجرد معلومة.. ما الذي يجعلنا نتعامل مع القرآن بالشكل الذي يجعل علمنا به واقعا في نفوسنا، واقعا في سلوكنا، في حركتنا في الحياة؟ هو اليقين، يقين في النفس يتحكم في كل مشاعرها، في كل حركاتها، في كل مواقفها.
معظم بواعث التفرق هي: البغي، والحسد. والبغي والحسد منبعه هو: النظرة الشخصية، مصالح شخصية، حقوق شخصية، أهداف شخصية، ومقاصد شخصية.. أليس هكذا الله تحدث عن أولئك الذين تفرقوا من بعد أنبيائهم، أن ما كان يدفعهم للتفرق هو البغي هو الحسد. البغي من بعضهم على بعض اعتداءهم، ومتى ستعتدي على أخ لك في الله وأنت وهو منطلقان في ميدان العمل لله بإخلاص لله.
من الذي سيفرق بينكم؟ الله الواحد الأحد يمكن أن يفرق بينكم؟! وهو الذي لم يفرق بين أنبيائه جيلا بعد جيل، وهو الذي طلب منا كمؤمنين أن نؤمن بأن لا تفرقة بين أنبياءه {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ منهم} (البقرة: من الآية136) أبدا.. لا الله، ولا هديه، وإنما أنت أو أنا، إذا ما ابتعدنا عن هدى الله سيظهر البغي سيظهر الحسد، ستظهر المصالح الشخصية، ستظهر المقاصد السخيفة، ستظهر الحماقة.
ثم حينها سيكون كل طرف قوي.. قوي في سبيل مواجهته للطرف الآخر؛ لأنه حينئذ أصبح يتحرك لتحقيق أهداف شخصية لديه، وما أحمق الإنسان وما أضعف إيمانه، وما أضعف يقينه بالله إذا ما كانت حركته قوية عندما يتحرك من أجل مصالحه الشخصية، ومن أجل تحقيق أهدافه ثم هو الضعيف، الضعيف إذا ما كانت حركته لله وفي سبيل الله.
الإخلاص لله سيقضي على كل هذه السلبيات، على كل هذه الثغرات سيسدها. حتى تكون نيتك على هذا المستوى أيضا أنت من يفكر دائما في عظمة الله، وفي حاجتك إليه، وفي أنه وحده فوق كل طرف آخر ممكن أن تطلب منه شيئا أو تخاف منه شيئا، الثناء من قبله وحده عليك أعظم من أي ثناء من الآخرين عليك.
فمنه وحده أطلب أن ينتهي بنيتك إلى أحسن النيات، فقل: ((وانته بنيتي – يا إلهي – إلى أحسن النيات)) انتهِ بنيتي إلى أحسن النيات. هل أنِّي على هذا النوع؟ هل يكون هذا مقصدي؟ إليك أنت وحدك يا إلهي اجعل عملي على أحسن ما ترى، وجِّهْهُ إلى أحسن ما ترى. فأن يكون عملك في الله ومتى كان العمل لله انظروا ماذا عمل سبحانه وتعالى لأولئك من أهل البيت الإمام علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) عندما تصدقوا بشيء بسيط لكنه انطلق منهم على هذا النحو: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} (الإنسان:10).
هذه الروحية، هذه النية، تلك المقاصد هي التي جعلت حفنة من الشعير، أقراصًا معدودة تخلد ذكر أولئك الذين قدموها لمسكين واحد، وأسير واحد، ويتيم واحد، تخلد تلك الفضيلة وتلك العطية العظيمة البسيطة في القرآن الكريم، فنحن نقرأها لنعرف نحن كيف أن يكون همك هو أن تكون نيتك صالحة لله وفي الله، وأنت تعمل في سبيله، وأنت تقوم بأي عبادة من عبادات الله في صلاتك، في صيامك، في ذكرك لله، في حجك، في إنفاقك، في قولك الحق، في نصيحتك، في كل عمل تعمله يرضي الله أن يكون مقصدك فيه هو من أجل الله.
ستكون حينئذ الكلمة الواحدة يضاعف لك أجرها؛ لأن الله رحيم، فقط يريد منا أن نتجه إليه وأن نخلص له، أليس هذا هو أقل قليل يطلب منا؟ أما أنك تريد أن يرحمك، وتريد أن يدخلك جنته، وتريد أن يعمل لك كذا ويعمل كذا وكذا، وأنت حتى لا تتجه إليه؟! هذه حماقة هذا أسلوب خاطئ جدا، هو يقول لك: اتجه إلى بعملك والقليل من عملك سأضاعفه، بل سأكتب آثاره {إنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (يـس: من الآية12) الله يكتب ما قدمت أنت من أعمال، ويكتب آثارها.
أليست هذه من أظهر مظاهر رحمته بنا؟ فقط يقول لنا: أخلصوا، أخلصوا. ولأن الإخلاص له وهو الشيء الذي لم يخرج عن القاعدة العامة لهدي الله: أن كل شيء من الإيمان بالله أوّلا والإخلاص له كل شيء له أثر في حياتنا، أثر في نفوسنا، أثر في وحدة كلمتنا، أثر في أن تكون أعمالنا ذات أثر – كما تحدثنا عن الإخلاص – ليس أن الله يقول هكذا من منطلق الأنانية، هل يمكن أن نقول كذا بالنسبة لله؟ بل لأن كل شيء هدانا إليه حتى توحيده هو له أهميته الكبرى فيما يتعلق بنفوسنا، وفيما يتعلق بمسيرتنا في هذه الحياة، ليس هناك شيء من دين الله ليس له أثر في واقع الناس، في واقع الحياة، في صالحهم في الحياة في عزتهم في الحياة، في كرامتهم، في عظمتهم في سعادتهم في كل شيء، لأن الله هو غني عن عباده، أليس كذلك؟
لو كفر الناس جميعا بالله لن يضروه شيئا، لن ينقصوا من كماله شيئا، ولأنه الكامل ولأنه الغني الذي لا يحتاج إلى أحد هو من جعل كل شيء من هديه ودينه ذو مصلحة لعباده الذين هداهم إلى هذا الدين وأرشدهم إليه ودعاهم إليه لمصلحتهم في الدنيا وفي الآخرة، لو تأمل الإنسان هذه الأشياء: المظاهر المتعددة لرحمة الله لوقف خجلا مستحيا أمام الله، في ميدان الإخلاص، يقول لك توجه إلي.
وأنت لو تأتي ببديهتك ومن أول نظرة لتقارن بين الله وبين غيره لن تجد أحدا ترى نفسك مندفعة إليه غير الله سبحانه وتعالى لترجو منه، وتخاف منه، وتتمسك به، وتثق به.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
في ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الأول
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 1/2/2002م
اليمن – صعدة