ضرورة اتباع أحسن ما أنزل الله وخطورة التفريط

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} ولأن في توجيهات الله داخل القرآن الأحكام الشرعية الهداية من الله سبحانه وتعالى داخل القرآن الكريم مثل الجهاد، الجهاد سماه الإمام علي: “سنام الإسلام”. يرتبط به أشياء كثيرة فهناك حسن وأحسن داخل التشريع نفسه، فالأحسن هو الذي يقودك إلى أن تطبق كلما هو مرتبط به، فمتى ما انطلقت للاهتمام به ستهيئ نفسك والآخرين سيهيئون أنفسهم لأن يطبقوا كلما هي مرتبطة به من هداية الله سبحانه وتعالى من الأعمال والأقوال والسلوك وغيرها.

لكن متى ما أهمل الناس هذه المبادئ المهمة الكبيرة، متى ما أهمل الناس المبادئ الكبيرة أهملوا كلما وراءها، أو انطلقوا في الصغار بشكل لا يترك أثرًا. من يتأمل في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، القدامى من أئمة أهل البيت يرون هكذا: أن هناك في الإسلام أشياء الدين كله مرتبط بها متى ما غابت أصبح الدين كلا شيء، وأصبحت أعمال الناس كلا شيء.

اجتمع مجموعة من كبارهم في بيت واحد من أولياء أهل البيت [محمد بن منصور المرادي] وكانوا يصلون فرادى وهم مجتمعون، وليس من منطلق أنه لا أحد منهم يثق بالآخر كلهم يقدرون بعضهم بعضًا ويحترمون بعضهم بعضًا من كبار علماء أهل البيت لكن هم يرون أنه حتى صلاة الجماعة أصبحت لا تصح مع غياب إمام حق، فكانوا يصلون فرادى، فطلب منهم [محمد بن منصور المرادي] أن يعينوا شخصًا منهم وأن يتفقوا على شخص منهم يجعلونه إماما قال: لنتمكن من أن نصلي جماعة فتصح جمعتنا وجماعتنا.

سيرى الناس أنفسهم متباينة، قلوبهم يستنكرونها، لا ألفة فيما بينهم، لا إخاء فيما بينهم، لا صدق فيما بينهم، لا وفاء، لا اهتمام بشأن بعضهم بعض!؛ أليست هذه حالة نلمسها في المجتمعات؟ هي حالة نحن نلمسها؛ تحصل هذه إذا ما حصل تقصير.

ويدل هذا على أن تلك الأعمال التي تعملها هي لا تقبل منك، ما يدرينا هل صلاتنا تقبل؟ هل صيامنا يقبل؟ هل زكاتنا تقبل؟ ربما أقصى ما يمكن إذا صحت صلاتنا وزكاتنا وصيامنا أننا فقط لا نؤاخذ على أننا تركنا الصلاة وتركنا الزكاة وتركنا الصيام، لكن أن تقبل منا فنعطى ثوابًا وجزاءً من الله عليها هذا شيء آخر، فقط لا نؤاخذ بأننا تاركي صلاة.

أنا أصلي لكن صلاتي لا تقبل، في الوقت الذي لا تقبل قد يكون أكثر ما أحصل عليه من خلالها هو أنني لا أعذب بأني تارك صلاة، لكن أن تحصل على الثواب الكبير من الصلاة؛ ألسنا نتزاحم في المساجد جماعات، ونقول الجماعة بخمسة وعشرين صلاة؟ لا أعتقد بأنها قد تقبل حتى الصلاة الواحدة بالشكل المطلوب، وهي من أشياء كثيرة.

أليس هنا هو ربط التوبة نفسها وقبول التوبة باتباع أحسن ما أنزل إليكم من ربكم؟ التوبة من هذا الذنب أو من هذا أو من هذا مرتبطة بالإتباع لأحسن ما أنزل إلينا من الله، وأن ينبهنا على هذا {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً} وهذه هي الخطورة.

نحن في مسيرتنا نرى أنفسنا وكأننا نؤدي كل شيء كاملًا؛ فلسنا نتوقع أننا قد نعذب أليس كذلك؟ فسيكون العذاب بالنسبة للناس على هذا النحو عندما يرون أنفسهم قد يقعون في العذاب هو يعتبر مفاجئًا بالنسبة لهم؛ أليس يعتبر مفاجئًا بالنسبة لهم؟ لكن المجرم؛ أليس المجرم هو يتوقع أنه سيؤاخذ على أعماله؟ إذًا لم يكن العذاب بالنسبة إليه مفاجئًا، السارق أو الذي يعمل معصية سيكون السجن بالنسبة إليه مفاجئًا؟ لا. هو يعرف من بداية ما يدخل بين أموالك ليسرق أنه في حالة يمكن أن يسجن ولهم حق أن يسجنوه فلن يكون السجن بالنسبة له مفاجئًا، سيكون مفاجئًا لك أن تكون في بيتك فيأتوا ليدعوك ويقولوا جاوب فيسجنوك وأنت لا تدري لماذا؛ أليس هذا مفاجئًا؟ بغتة هذا؟

هكذا قد نكون في وضعية متفقين مع أنفسنا أننا ماشين في طريق الجنة، وأننا نعمل بالقرآن لكننا في الواقع كافرين أو تاركين أو رافضين لأشياء مهمة هي من أحسن ما أنزل الله، فلا يفتح الناس أعينهم إلا على شفير جهنم، سيكون هناك العذاب بالنسبة لهم مفاجئًا، سيكون بغتة {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} بأنكم كنتم تتجهون إلى طريق جهنم، بأن تلك الذنوب هي قد تؤدي بكم إلى جهنم.

لا يمكن يوم القيامة أن تقول: [والله لا سرقت ولا زنيت، ولا قتلت نفس محرم، ولا أكلت حق أحد] أليست هذه هي العبارات المعروفة لدينا؟ لكن باقي، ارجع إلى القرآن تجد كم باقي أشياء كثيرة.

هل جاهدت في سبيل الله؟ لا؛ ألم نقل لك: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:142) ألم يقل هكذا؟ هل يمكن أن تضيفها رقم بين هذه: [لا قتلت نفسا، ولا أكلت مال أحد، ولا جاهدت في سبيل الله]؟ ما معه جهاد في سبيل الله فعلًا، هل يمكن تقول: [الحمد لله مصلي وصائم ومزكي وحاج بيت الله] وماذا؟ ألم ينته؟ هل هناك شيء آخر؟ هل يمكن أن تقول: ومنفق في سبيل الله، ومجاهد في سبيل الله، وآمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، ومتعاون على البر والتقوى، ومتوحد مع إخواني وأوصي الآخرين بالحق وبالصبر على الحق، وأقول كلمة الحق؛ إلى آخره. أليست أشياء كثيرة وهي غائبة؟

معنا أربع خمس، الأربع والخمس هذه – لو تفهمون – الغاية منها هي كلها في خدمة تلك المبادئ الضائعة كلها الصلاة، الزكاة، الحج، الصيام كلها في خدمة المبادئ المهمة التي ركز عليها القرآن والتي أعلاها الجهاد في سبيله والعمل على نشر دينه، ومحاربة أعدائه.

ألم يقل في الصلاة: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: من الآية45)؟ الزكاة كذلك، أليس جزءًا منها في سبيل الله، حتى أولئك الفقراء الذين يعطون من الزكاة، هو لتهيئة المجتمع في داخله، ألا يكون هناك فئة تعيش مبتعدة نفسيًا عن الفئات الأخرى، فالفقير يجد نفسه يأكل مع الغني من أمواله، فليس بينه وبينه بون في داخل أعماق نفسه فهو قريب منه إذًا قريب من أن يتوحد معه؛ ولهذا وجبت الزكاة في العين، في أعيان الأموال، لا تقبل نقدًا إلا في حالات خاصة عندما يكون النقد هو الأصلح، وإلا فالواجب في الزكاة أن تكون من العين. لماذا؟

لأجل الفقير الذي يرى المزارع، يرى الأموال، يرى بأنه سيحصل معك من هذا المال، وسيأكل معك من هذه المزرعة، [ويخزن معك من ذلك القات]، ويشرب قهوة معك من ذلك [البن]، ويحصل على [عَلَف] معك من ذلك [العَلَف] فيكون الناس في واقعهم كأنهم أسرة واحدة، يعمل على تعزيز الروابط فيما بينهم.

الفقير إذا ما أصبح يرى كل شيء، ويرى أنه لا أحد يعطيه شيئًا، فالزكاة لا يعطى له شيء منها، سيرى نفسه في وضعية بعيدة عن الآخرين جدًا، فهو بعيد عنهم بنفسيته، بل قد ينطلق ليسرق أموالهم، ينطلق لينهب، يحسد إذا ما رآك في نعمة فوجبت الزكاة في العين.

فأي فقير يرى الأموال يرى وكأنها له، سيأتي له من هذا، ويأتي له من هذا، فالزكاة من عين ما رأى، فلا يحقد، ولا يحسد، ولا يعادي، ولا يتعدى؛ كيف سيسرق وهو يرى بأن بإمكانه أن يأتي له حلالًا من ذلك [القات]، كيف سيتعدى على ثمارك من الحبوب ونحوها وهو يرى بأنك ستوصل إلى بيته زكاة من هذا المال.

فالزكاة نفسها تخدم أو تعزز الروابط الاجتماعية فيما بين الناس، والعلاقات والروابط النفسية لتهيئهم ليكونوا مجتمعًا متوحدًا، ولا يكون مجتمعًا قلقًا في داخله مشاكل كثيرة تصرفه عن القضايا الكبيرة، فيكون مهيئًا لأن يكون أمة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتدعو إلى الخير.

هكذا كل الأعمال هذه التي نمارسها إنما هي في واقعها، من غاياتها الكبرى: أن تخدم القضايا المهمة في الإسلام {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الزمر:55) إن هذا يوحي بأن هناك ذنوبًا نحن لا نشعر بأنها ذنوب قد اتفقنا بأن لا أحد يكلم الثاني بأننا مقصرون! ألم نتفق على هذا؟ فأصبحنا – فعلًا – نغش بعضنا بعضا، تعظني، وأعظك ولا أسمع منك، ولا تسمع مني كلمة ترشدني أو ترشدك إلى أن هناك شيء نحن مقصرون فيه! انتهى الأمر أصبحنا لا نشعر فيأتي العذاب من حيث لا نشعر وإلا فالمذنب الذي يقترف الذنوب المعروفة هو يشعر أنها ذنوب وراءها عقوبة ويستحق عليها عقوبة. من هو ذلك الذي سينطلق ليعمل جريمة من هذه الجرائم وهو يرى أنه لا يستحق عقوبة؟ وأنه لو جاء أحد يريد أن يعاقبه سيكون مفاجئًا له؟ لا. المجرم يعرف أنه مستحق بأن يعاقب.

هذا يوحي بأن هناك ذنوبًا هي من هذا النوع التي الناس ألغوها من قائمة التذكير لبعضهم بعضًا بأنهم مقصرون، وأنهم بتقصيرهم مقترفون لها.

ثم ماذا يمكن أن يحصل من وراء الذنوب هنا في الدنيا والتقصير هنا في الدنيا؟ يوم القيامة سيكون يوم ندامة وحسرة للمقصرين للذين أسرفوا على أنفسهم، ولم ينيبوا إلى الله، ولم يسلموا أنفسهم له، ولم يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم.

يبدأ يتحدث ماذا يمكن أن يحصل بعد أن قال بالنسبة للعذاب: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} يذكر بحالة الندم؛ ولأن الندم شيء نحن نعرفه في الدنيا. أليس الله يذكرنا بعذاب جهنم؟ ألم يجعل عذاب جهنم نارًا، نارًا نعرفها؟ ألسنا نعرف في الدنيا النار؟ لو أن عذاب جهنم كان عذابًا آخر نحن لا نعرف ما هو ربما ما كان يفيد التذكير لنا به، لكن جعل جهنم عذابًا نحن نعرف جنسه؛ نارًا.

فعندما يخوفنا بالنار نحن نعرف في الدنيا هذه النار؛ أليس كذلك؟ ونحن نعرف أنه لو لم تكن جهنم إلا كهذه النار لكانت كفاية وفوق الكفاية، ولرحمة الله الواسعة بعباده هكذا ينطلق: أن يكون ما يخوفهم به مما جنسه معروف لديهم في الدنيا، خوفنا بالعذاب ثم خوفنا من حالات الندم والحسرة؛ أليس الإنسان في حياته تحصل له مواقف يتندم؟ يتحسر؟ هل ترى نفسك أنت في أثناء الندم وأثناء التحسر كيف تكون؟

يذكرنا أيضًا بأنه: سيحصل هناك ندم شديد، وحسرة شديدة، والتحسر أو الحسرة والندم هي في حد ذاتها عذاب، عذاب نفسي شديد، بل أصبح العذاب النفسي – كما يقولون – من أكثر ما يستخدم في التعذيب في السجون، التعذيب النفسي غير التعذيب الجسدي، تعذيب نفسيتك بأي طريقة.

{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} (الزمر: من الآية56) أي: ومن قبل أن تصل إلى {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} (الزمر: من الآية56) أليس هذا تعبيرًا عن التحسر عندما يرى نفسه إلى أين وصل به الحال أصبح من أهل جهنم، وجهنم أمامه يراها، هذا الشيء المخيف: أن جهنم تبرز يوم القيامة أمام الناس ويسمعون تغيظها ويسمعون زفيرها، وهو منتظر أن يساق إلى جهنم هو في حالة من العذاب، عذاب التحسر {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ} على ما قصرت {فِي جَنْبِ اللَّهِ} في طاعته، لاحظوا هنا لم يقولوا: [في أوامر الله] أنا قصرت فيما له علاقة بالله، فيما كان يمكن أن أحصل من خلاله على رضى الله، وما كان يمكن أن يقي نفسي من هذه النار التي أشاهدها.

لم يقولوا في يوم القيامة: ممن يعمل في هذه الدنيا على أن يتعامل مع الله فيما يتعلق بالواجب فقط، والواجب من منظار ضيق، الذي لا مناص من القيام به على أقل مستوى.

يود أنه تمكن وهو في الدنيا أن يعمل أي عمل فيه رضى لله، لم يعد لديهم مقاصاة قصي [ما بلاّ سأعمل فقط تلك الأوامر الخاصة إذا لم يعد هناك مجال].

رأى شدة الحسرة والندامة التي هو فيها، ورأى العذاب عذاب جهنم أمامه؛ هل الإنسان هناك يظهر بمظهر من يكون حديًا جدًا، وقصي في أعمال الطاعات؟ لا. [ليت أني عملت كل ما يمكن أن أعمله في جنب الله وفي طاعته وفي رضاه لأسلم من هذه].

هذه الحالة هي التي تحصل عند كثير من الناس هنا في الدنيا عند بعض من العلماء، عند بعض من المتعلمين، عند بعض من المتدينين يبحث عن الحد الأدنى من الواجب بعد أن يقولون قد أصبح واجبًا، ويذهب ليسأل هذا: هل فعلًا هذا قد وجب.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

سلسلة دروس معرفة الله – الدرس الحادي عشر

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 30/01/2002

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا