كيف أن عشاق السلطة يشكلون الكارثة على الأمة

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

سترى معاوية؛ هل معاوية، والذي كان موقعه فعلًا في الأيام الأولى لخلافة الإمام علي (عليه السلام) بل في أيام عثمان كانت دولته أقوى في الواقع من محيط الخليفة نفسه، كان في تلك الفترة حكمه مستقرًا، ويمتلك جيشًا كثير العدد، هو كان أقوى في الواقع من المجتمع الذي جاء ليبايع عليًا (عليه السلام)، من مجتمع المدينة وما حولها.

كان هناك استقرار لدى معاوية؛ سنين طويلة من أيام عمر، من أيام الفاروق، الفاروق الذي جعل هذه الأمة تفارق عليًا، وتفارق القرآن، وتفارق عزها ومجدها من يوم أن ولىَّ معاوية على الشام، وهو يعلم من هو معاوية، هو يعلم من هو معاوية.

إذًا كل بلية أصيبت بها هذه الأمة، كل انحطاط وصلت إليه هذه الأمة، كل كارثة مرت في هذه الأمة بما فيها كربلاء، إن المسئول الأول عنها هو عمر، المسئول عنها بالأولوية هو عمر قبل أبي بكر نفسه، قبل أبي بكر نفسه، عمر الذي ولى معاوية على الشام سنينًا طويلة.

نجد الفاروق الحقيقي، الذي يفرق بين الحق والباطل لا يسمح لنفسه أن يبقي معاوية دقيقة واحدة على الشام، ومن هو الشخص الذي قال عنه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): أنه مع القرآن؟ هل عمر أم علي؟ ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)) أم قال عمر مع القرآن والقرآن مع عمر؟

وعندما نجد أن عليًا لا يسمح لنفسه أن يبقي معاوية لحظة واحدة على الشام، فإنه يتحرك باسم القرآن، وأنه منطق القرآن، وموقف القرآن.

إذًا فالموقف الآخر الذي سمح لنفسه أن يبقي معاوية سنينًا طويلة لا يحاسبه على شيء من أعماله، ويقول عنه: [ذلك كسرى العرب] هو الموقف الذي لا ينسجم مع القرآن بحال، هو الموقف المفارق للقرآن، هو الموقف الذي ضرب القرآن، وأمة القرآن، وقرناء القرآن. فهنيئًا لفاروق هذه الأمة، هنيئًا يوم يلقى الله فيُسأل عن كل حادث حدث في هذه الأمة.

لا تنظر إلى فاجعة كربلاء أنها وليدة يومها؛ من الذي حرك الجيوش لتواجه الحسين في كربلاء؟ من الذي أرسل ابن زياد إلى الكوفة ليغري زعماء العشائر بالأموال، ويرغّب ويرهب حتى يجيشهم، حتى يحولهم إلى جيش يتوجه لضرب الحسين بعد أن كانوا قد بايعوا الحسين، من هو؟ إنه يزيد.

من الذي جعل يزيدا خليفة على رقاب المسلمين؟ إنه معاوية، من الذي جعل الأمة – تلك الأمة – تقبل مثل يزيد؟ من الذي جعل ليزيد سندًا قويًا وقاعدة قوية؟ إنه معاوية، من الذي ولى معاوية على الشام؟ إنه عمر، من الذي ولى عمر؟ هو أبو بكر.

أبو بكر وعمر كانا يتحركان كما قال الإمام علي (عليه السلام) لعمر: (أحلب حلبًا لك شطره، شدّها لـه اليوم يردها عليك غدًا). حركة واحدة كانت على هذا النحو ممن يعشقون السلطة، ممن يعشقون المنصب، ممن يعشقون الوجاهة.

يقول البعض: لو كان أولئك ممن يعشقون السلطة لرأيناهم مترفين؛ لأننا نشاهد أن من يعشقون السلطة هم عادة إنما من أجل أن تتوفر لهم الأموال، وتتوفر لهم الملذات؛ إلى آخر ما قيل في هذا الموضوع.

يقول أحد العلماء الآخرين – وهو محمد باقر الصدر – : ليس صحيحًا كل هذا، بل وجدنا في التاريخ من ظهروا بمظهر المتقشفين الزهاد من أجل أن يصلوا إلى السلطة. إن هناك من يحب السلطة فتبدوا لديه ألذ من كل مطائب العيش، ألذ من كل ملذات الدنيا كلها، فمن أجل الوصول إلى السلطة يتقشف، ومن أجل الوصول إلى السلطة يبدو زاهدًا.

وقد وجدنا في اليمن نفسه [علي بن الفضل]، علي بن الفضل عندما وصل إلى اليمن جلس في واد يتعبد زاهدًا ويتركع، يقبل الشيء اليسير مما يعطى، زاهد متقشف متعبد. إن هناك نوعيات في البشر يعشقون المنصب، يعشقون الوجاهة فتبدو كل لذة أخرى من ملذات الطعام والشراب والنكاح والبنيان وغيره، تبدو كلها لا تساوي عنده شيئًا، سيضحي بها جميعًا من أجل أن يصل إلى المنصب.

هو يجيب على من يحاول أن يقدم أبا بكر وعمر بأنهم لم يكونوا عشاق مناصب، لو لم يكن عمر يعشق المنصب لكان أول من يستجيب يوم قال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يومه الأخير من أيام مرضه: ((ائتوني بقلم ودواة أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده)) عمر اعترض هو يعرف ماذا سيعمل؟، هو يعرف أنه سيكتب عليًا.

إذا كان قد تحدث عن علي طيلة حياته، وأعلن ولايته على رقاب الأمة يوم الغدير فماذا يتوقع أن يكتب الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إلا أن يشد الأمة إلى علي فيكون قد استخدم كل الوسائل، فضج عمر، وقال: الرسول قد غلب عليه الوجع! وقال: إن الرسول ليهجر! لأنه -كما قال الإمام علي (عليه السلام) – ((أشددها له اليوم يردها عليك غدًا)).

لا ننظر إلى فاجعة كربلاء أنها وليدة يومها، ونتحدث عن ابن زياد وحده، أو نتحدث عن يزيد وحده، إذا كنا على هذا النحو، إذا لم ننظر دائمًا إلى البدايات، ننظر إلى بدايات الانحراف، ننظر إلى الأسباب الأولى، النظرة التي تجعلنا نرى كل تلك الأحداث المؤسفة، نرى كل هذا الواقع الذي تعيشه الأمة إنما هو نتاج طبيعي لذلك الانحراف، إنما هي تداعيات لتلك الآثار السيئة التي كانت نتاج ذلك الانحراف، وإلا فسنعيش في ظل الأسباب نفسها، وسنكون نحن جزءًا من الأسباب التي جعلت الحسين صريعًا في كربلاء، وجعلت عليًا قبله، والحسن قبله يسقطون شهداء.

من خلال موقف الإمام علي (عليه السلام) الذي لم يسمح أن يبقي معاوية لحظة واحدة نعرف خطورة ما يمكن أن يعمله معاوية، ومن خلال هذا الشاهد نفسه نعرف عظم ما جناه عمر على الأمة يوم ولىَّ معاوية على الشام، وجاء من بعده عثمان ليبقي معاوية، وهو بالطبع ابن عمه، ليبقيه ملكًا على الشام، وليس فقط واليًا.

الإمام علي (عليه السلام) كأنه يحذر الأمة إذا ما بقي هذا الشخص ولو لحظة واحدة واليًا على منطقة فيها فإن التاريخ سيتحول إلى تاريخ مظلم، وإن الدين ستطمس أعلامه، وهذا هو ما حدث بالذات، هذا هو ما حدث بالذات.

ويعطي – كما أسلفنا – درسًا لنا نحن؛ لنفهم نظرة أهل البيت إلى السلطة، لأن أكثر ما يقوله المنحرفون عن أهل البيت والمضللون على الناس: أن ذلك إنما تحرك لأنه يريد أن يحكم، إن هذا إنما ثار لأنه يريد أن يصل إلى السلطة!

إن من يتأمل تاريخ أهل البيت سيجد أنه ليس فقط مجرد حالة بل مبدأ لديهم ثابت أنه يجب ألا يكون للسلطة عندك قيمة تساوي شراك نعلك؛ لماذا؟ هل لأنك تبدو زاهدًا، أن هذا هو مظهر من مظاهر الزهد، وأنه لا يهمك أمر الأمة؟ أن يحكمها من يحكمها؟ لا.

إن عليًا يوم قال هذه العبارة لا يعني أنه لا يهمه أمر الأمة أن يحكمها من يحكمها، وأنا لا أرغب أن أحكمكم، أنا زاهد متقشف، أنا لا أرغب أن أحكمكم حتى وإن استطعت أن أحيي الحق وأميت الباطل؛ ليس هذا منطق علي، إن عليًا يقول لا يجوز أن يحكم المسلمين بحال من يعشق السلطة، من يعشق المنصب.

والذي فهم هذا الإمام الخميني -رحمة الله عليه -يوم قال لابنه وهو يوصيه: ((لا يجوز أن تبحث عن منصب، لا يجوز أن تجري وراء الحصول على المنصب حتى وإن كان منصبًا دينيًا)). أنت تريد أن تصل إلى أن تصبح [آية الله العظمى]، أو أن تصل إلى لقب [حجة الإسلام والمسلمين]، أو عناوين من هذه. إن عشق المناصب هو ما يمكن أن يضحي بالدين، ويضحي بالأمة، ويضحي بكل شيء.

إن عليًا (عليه السلام) ترك شاهدًا حيًا على أنه فعلًا لم يكن يعشق السلطة لهذا الاعتبار، لهذا الاعتبار الذي ذكرناه، يوم أن رفض أن يبقي معاوية، واسأل أي زعيم من هؤلاء الزعماء، واسأل أي خليفة من أولئك الخلفاء؛ أليس أي واحد منهم سيرى أن من مصلحته، ولا يرى في ذلك ضيرًا، بل يراه من الحكمة، ويراه من السياسة، أن يبقي مثل معاوية، وأسوء من معاوية، أن يبقيه واليًا ولو إلى الأبد، من أجل أن يبقى له منصبه، ويحتفظ له كرسي سلطته.

الإمام علي (عليه السلام) ترك مثالًا حيًا لنا، ونحن – أيها الإخوة – بحاجة إلى أن نعرف تاريخ أئمة أهل البيت لنستطيع أن نفضح كل من يقول أنهم كانوا يلهثون وراء السلطة، الكل يلهثون وراء أن يقوم حكم الله في أرضه على عباده، أن تقوم شريعته فتكون هي التي تحكم عباده، أن يسود هديه كل المعمورة التي يعيش عليها عباده. هذا مبدأ إسلامي: أن الدولة الإسلامية، أن الحكومة الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من هذا الدين.

ولكنهم يرون أنه لا يجوز بحال أن يكون لدى حتى علي أو الحسن أو الحسين أو زيد أو الهادي أو أي شخص من تلك النوعية أن يكون لديه عشق للسلطة، عشق للمنصب.

ألسنا نرى أننا أصبحنا نُواجه وتُواجه الأمة بكلها بأن يضحى بها على يد زعمائها؛ أليس هذا ما هو حاصل؟ وكل ما نسمعه لأجل الحفاظ على المصلحة وعناوين أخرى! إن السر الحقيقي هو أن أولئك يعشقون السلطة. يجب أن نفهم هذا حتى نميز بين أساليب من يعشقون السلطة، وكيف ستكون العواقب الوخيمة حتى ولو انطلق باسم الإسلام، حتى ولو حكم تحت عنوان إسلامي، حتى ولو حمل لقب [خليفة أو أمير المؤمنين!] أو غير ذلك.

ألم ينهزم [أمير المؤمنين محمد بن عمر!] في أفغانستان وهو باسم خليفة المسلمين؟! هل أنهزم علي؟ أو انهزم الحسن؟ أو انهزم الحسين؟ أو انهزم زيد؟ أو انهزم الهادي؟ أو انهزم قبلهم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟

لا، لا يجوز لأمير المؤمنين أن ينهزم، إذا انهزم فإنه من يعشق السلطة، من يعشق الحياة، من يعشق المنصب، هو يريد أن يتمتع أيامًا متتالية بلقب [أمير المؤمنين]، ونحوه من الألقاب.

عودوا – أيها الإخوة – إلى تاريخ أهل البيت، ادرسوه دراسة حقيقية واقعية حتى تجدوا أنه ليس هناك مكان لتلك المقولة: بأنهم كانوا إنما يثورون من أجل أن يصلوا إلى السلطة، وأنهم كانوا عشاق سلطة. هم عشاق حق، هم من قال لهم جدهم – وهو يوصي الحسن – ((وخض الغمرات للحق حيث كان)) خض غمرات الموت من أجل الحق حيث كان. هذه هي طريقتهم.

وعندما نعرف أن الإضلال الذي تبناه معاوية طيلة أيام إمارته، ثم بعد أن أصبح يحمل لقب خليفة يحكم البلاد الإسلامية بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام)، ثم من بعد استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام) رأينا كيف حول ذلك المجتمع إلى مجتمع يناصر الباطل، ويقف في صف الباطل.

ورأينا أيضًا – أيها الإخوة – كيف يكون الجانب الآخر – وهو ما كنا نقوله أكثر من مرة – : أن الجرائم ليست في العادة هي نتيجة عمل طرف واحد فقط، المجرمون من جهة، المضلون من جهة يجنون، والمفرِّطون والمقصرون والمتوانون واللائباليون هم أيضًا يجنون من طرف آخر.

فالجريمة مشتركة، الجريمة مشتركة من أول يوم حصل الانحراف بمسيرة هذه الأمة عن هدي القرآن، وهدي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وكيف يمكن أن يسمع الناس منطق الحق ثم نراهم في يوم من الأيام يقفون في وجه الحق، في صف الباطل، هذا هو الذي حصل بالنسبة لأهل العراق.

معاوية أضل أهل الشام فكانوا قاعدة لإمارته وخلافته، وقاعدة لخلافة ابنه يزيد، وكانوا جيشًا قويًا يتحركون لتنفيذ أهدافه، وأهل العراق من جانب آخر. ما الذي حصل؟ ألم يعش علي (عليه السلام) بينهم سنين خلافته ماعدا الأيام الأولى منها كانت في العراق؛ وعلي ببلاغته؛ علي بمنطقه؛ علي بحجـته؛ علي بمعرفته وعلمه الواسع ((باب مدينة العلم)) هو من كان دائمًا يتحدث مع أهل العراق، من كان دائمًا يوجه ويتحدث ويرشد ويعلِّم ويحذِّر وينذر من عواقب الأمور.

فلماذا رأينا أهل العراق يقفون هم قبل أهل الشام في صف يزيد في مواجهة الحسين نفسه؟! إنه التفريط، ليس فقط التفريط أمام الحدث، بل التفريط يوم نسمع التوجيهات فلا تعطيها أهميتها. أن تحصل حادثة معينة، فتتقاعس، تقاعسك، قعودك، إنما هو نتيجة لتفريطك الأول يوم كنت تسمع توجيهات علي، يوم كنت تسمع إنذار علي، يوم كنت تسمع الحِِكَمَ تتساقط من فم علي كالدرر، فتنظر إليها وكأنها بَعَر، لا تهتم بها.

التفريط؛ التفريط إنما هذا منبعه: يوم أن يسمع الناس الكلام، ويسمعون التوجيهات ويسمعون منطق الحق ثم لا يهتمون ولا يبالون، ولا يعطون كل قضية ما تستحقه من الأهمية.

 

 [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

دروس من وحي عاشوراء

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 10/1/1423 ه‍  الموافق: 23/3/2002م

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا