عواقب مخالفة أمر الرسول .. الآثار والتداعيات الوخيمة
|| صحافة ||
[هذه المحاضرة ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي على جبل الرماة، في جبل أحد، في مدينة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) خلال زيارته لسيد الشهداء حمزة (رضوان الله تعالى عليه) سنة 1422 هجرية].
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
في العام الثالث الهجري خرج المشركون من مكة متجهين إلى المدينة، يريدون أن ينتقموا من المسلمين لِمَا حصل لهم في بدر، ولجرأتهم الشديدة – وكان العرب زمان، العرب زمان، سواء المشرك والمسلم، كان ما يزال فيهم إباء، وفيهم نجدة، وفيهم حمية – هجموا على المدينة، وحصل تداول للرأي بين رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وبين المسلمين.
يقال: كان رأي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو: أن يبقوا في المدينة، ويقاتلوهم في المدينة، ورأي آخرين، وكانوا – كما يشير بعض الكتاب – شبابًا، عندهم طموح، قالوا: نخرج نلقاهم. رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يقال كان رأيه البقاء في المدينة، لكن في الأخير عندما رأى أن الأكثرية من الناس المقاتلين لديهم رغبة في الخروج، يلقونهم خارج المدينة دخل ولبس لباس الحرب التي يسمونها: لامة الحرب.
ولما خرج من منزله لمسوا في وجهه أنه ربما ما كان رأيه الخروج، فحاولوا إذا كان بالإمكان أن يعدل عن رأيه، قال: لا ينبغي لنبي إن لبس لامة حربه أن يرجع حتى يخرج فيقاتل أو يفتح الله بينه وبين عدوه، بعبارة تشبه هذه، ثم خرج.
يقال أيضًا: بأن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان قد رأى رؤيا، أو رأى شخصا آخر هي: أن هناك بقر تذبح، وكانت هذه الرؤيا تزعجه، خرج، توكل على الله، وخرجوا، والمسافة قريبة.
كان من أهم الأشياء التي ربُّيَ عليها المسلمون في القرآن الكريم، وعلى يد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في تربيته للمسلمين هي: السمع والطاعة، الطاعة بمعنى الكلمة، والقرآن أكد على هذه، طاعة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في كل الميادين، وإلى الآن، إلى الآن التفريط في طاعة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ما تزال آثارها نعاني منها إلى الآن.
في بداية المعركة بعد أن واجهوا المشركين، وبعد أن عبأ رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) المسلمين وضع مجموعة – كما يقال – من الرماة فوق الجبل هذا، هذا إذا ما يزال هذا الجبل على أصله؛ لأن الدكاكات قد أخذت منه، قد أخذوا من الجبل، قال اقعدوا في هذا المكان سواء انتصرنا أو قتلنا أو.. لا تبرحوا أماكنكم.
في بداية المعركة – كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم -: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} (آل عمران: من الآية152) في البداية كما قال: {تَحُسُّونَهُمْ} أي قتل بسهولة، يمسحون رؤوس الكافرين، حصل التنازع، حصل الفشل، حصل عصيان، وهذه هي التي تضرب المسلمين، تضرب المسلمين ضربة رهيبة، التنازع والفشل، لا مبرر لأي شخص أن يدلي برأي، أو أن يقول شيئًا مع وجود رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ أولًا: كان النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) رسول من عند الله، أيضًا كان شخصًا كاملًا في ذكائه، في فهمه، شخص يعرف المجتمع العربي، ويعرف آلة الحرب عند العرب، ويعرف كل الأشياء في المجتمع العربي، ويعرف أيضًا تكتيكات المعارك، والقتال، لكن أحيانًا تظهر الآراء: تنازع، وفشل، ومتى ما حصل تنازع وفشل داخل فئة تحمل رسالة، تحمل مهمة كبيرة جدًا. هم كانوا أنصار رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، إذا ما حصل الخلل في جانبهم قد يُعرِّضون الرسول، ويعرضون الرسالة كلها، ثم يعرضون البشرية كلها للخسران، عندما حصل التنازع يقال بأنه حصل ممن كانوا رماة في الجبل، بعد أن رأوا المسلمين في المعركة الغلبة لهم، ورأوا المشركين انهزموا قالوا: ننزل، انتهت المعركة، ننزل غنائم، نجمع غنائم، وانتهت المعركة!
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان قد أكد عليهم بأن لا يبرحوا أماكنهم أبدًا، كأنه حصل فيما بينهم، المجموعة الذين كانوا في [الثغرة] حصل فيما بينهم أخذ ورد، منهم من صمم على البقاء، ومنهم من نزل، الذين نزلوا بالطبع الآخرين يشاهدونهم، الآخرون من المقاتلين، هم يشاهدونهم، كان المفروض أن يقولوا: لا تبرحوا أماكنكم كما أمركم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، لكن عصوا، والمعصية هذه لما سكت الآخرون كان كأنه موقف للكلّ، وتنازُع وفشل حصل من داخل، ماذا حصل فيما بعد؟
حصل فيما أعتقد أنا – والله أعلم – أن الله هيأ؛ لأنهم ارتكبوا خطيئة كبيرة، بغض النظر عن كونها خطيئة، ومن ورائها جهنم أو ما من ورائها جهنم، خطيئة في واقع العمل الرسالي، واقع الرسالة، هؤلاء هم يحملون رسالة للبشرية كلها، إذا لم يكونوا هم ملتزمين بالطاعة المطلقة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فمعنى هذا بداية الفشل في أول الطريق، وهذا تعريض للرسالة، وللرسول وللأمة كلها للخطورة.
ما الذي حصل بعد؟ يتهيأ أن يلف المشركون فيضربونهم، فيقتل سبعون قتيلًا، منهم: حمزة، وحمزة كما قال عنه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): سيد الشهداء، هو الذي سماه سيد الشهداء، حمزة كان معروفًا بالفروسية، والبطولة، ومعروف أيضًا بالإخلاص لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، والتفاني، التفاني في القتال. كانت خسارة حمزة تعتبر خسارة رهيبة؛ لأنه – حقيقة – أعظم خسارة على الأمة هي عظماؤها، أيُّ أمة تخسر أيَّ خسارة أخرى يمكن أن تعوَّض، كوارث طبيعية تتعرض للمساكن، أو للمزارع، أو لأي شيء آخر، لكن العظماء هم إذا ما فقدوا خسارة لا تعوض، فكان حمزة يعتبر خسارة كبيرة جدًا.
من أين جاءت هذه الخسارة؟ هل الخسارة على النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وحده أم خسارة على الكل؟ كانت خسارة على الكل؛ لأن أولئك الذين تثاقلوا – كما قال الله عنهم – تنازعوا، وفشلوا، وعصوا، استحقوا أن يؤدبوا، استحقوا أن يؤدبوا فعلًا، والأدب يأتي عامّ؛ لأن الآخرين سكتوا، ألم ينزل هؤلاء من الجبل والآخرون يشاهدونهم؟ لم يتكلموا، عندما يسكت الناس فالسكوت أحيانًا يعبر عن الموقف الجماعي، فيكون الكل مستحقون للعقوبة.
والقرآن الكريم أكد على أن العقوبات تحصل في الدنيا، وأي عمل يعمله الناس العقوبة هنا تكون مفاجئة، عندما مال المشركون مالوا وفاجأوا المسلمين، وهم يجمعون الغنائم، كانت هزيمة منكرة للمسلمين حقيقة، كانت هزيمة منكرة، وبقي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مع مجموعة من أهل بيته، ومن خواص أصحابه، بقيوا يدافعون عنه، والمشركون شمتوا بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) حتى قال قائلهم: [أُعل هبل]، قالوا: إن أبا سفيان قال: [أعل هبل].
فكانت ضربة شديدة، الله قال عنها وهو يذكر القصة هذه – لأن غزوة أحد لم يكن فيها نصر للمسلمين حقيقة، النتيجة النهائية لم يكن فيها نصر، لكن كان فيها دروس كثيرة مهمة ما تزال مسطرة إلى الآن، وما يزال المسلمون بحاجة إليها إلى الآن.
{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} (آل عمران: من الآية152) مما يدل على أنهم تلقوا عقوبة إلهية؛ لأن الله سبحانه وتعالى، كما قال: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الفتح: من الآية4) متى ما عصاه من هو يتحمل مسؤولية، ويحمل رسالة، المسلمون جميعًا في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في هذا المكان هم كانوا طليعة من يصلح البشرية كلها، عندما عصوا استحقوا العقوبة، ولكن كما قال الله {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} العفو يفسره بعض المفسرين بأن معناه: [العفو عن الذنوب، العفو عن الإثم]. الموضوع ليس موضوع إثم والاّ ما إثم، الموضوع موضوع عقوبات وقتيّة هنا في الدنيا، الإثم هناك في الآخرة.
ولقد عفا عنكم، المدينة تبعد عن أحد، كم؟ أربعة كيلو متر، كان الشيء الطبيعي المحتمل لقريش هو: أن يدخلوا المدينة، أليس هذا كان هو المحتمل، وقد خرج الأنصار هنا، والمسلمون هناك، وقد هزموا، وبعضهم ضاعوا لفترة. كان الشيء المحتمل هو: أن يدخلوا المدينة، فيحتلوها، ويعبثوا بها، ولكن الله عفا عن المسلمين، وتدارك الأمر فصرفهم، فانصرف المشركون، واتجهوا نحو مكة.
هذا من اللطف الإلهي، من العفو الإلهي العظيم في هذا الموقف، وإلا كانت المدينة هنا قريبة جدًا، وأي قائد عسكري يحصل له نصر كهذا، مثلما حصل لخالد بن الوليد ولقريش في تلك المعركة أن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو: أن يهجم على المدينة، ليسوا أغبياء إلى الدرجة هذه أن لا يفكروا أن يدخلوا المدينة، لكن الله صرفهم، {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} كما قال الله.
الدرس هنا: هو أنه عندما يحصل عند الناس التأويلات، والتصنيفات: [المعركة انتهت…] القرآن ربّى المسلمين على الطاعة المطلقة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، الطاعة المطلقة، يقول لك: اجلس هنا، إذًا اجلس هنا، لا تأتي من بعد تتأول، كما تأول أبونا آدم، كما تأول أبونا آدم، ربما.. ولعل.. حتى أكل من الشجرة، وكانت أول معصية يتلقى البشر فيها درسًا بأن العقوبة تأتي على المعصية في الدنيا هي معصية أبونا آدم، عرضها الله في القرآن الكريم، وعرضت – كما يقال – في الكتب السماوية الأخرى.
كذلك قصة أحد، المعركة هذه، المعركة هذه فيها دروس إلى الآن؛ لأنه ما ضَرَب المسلمين من أيام رسول الله، ومن بعد موت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وإلى الآن إلا التأويلات، والتصنيفات، [يمكن هو يريد أي واحد مننا، سواء علي أو أبو بكر، أبو بكر قد هو رجَّال عاقل، وشايب، ومقبول عند الجميع، إذًا أبو بكر، المهم واحد] من هذا النوع من التصنيفات، هنا نفس الشيء، يقول لك: قد انهزم المشركون ننزل نجمِّع غنائم، انتهت المعركة ننزل نجمع غنائم!
الغنائم قضيتها محسومة في المعارك: أنه ما جمع يجب أن يجمع جميعًا، ثم يقسم بعد أن يخرج الخمس، فسواء أنت تنزل تجمع أو لا تجمع، أنت ستلحق نصيبك ما دام أنت حاضر المعركة. لكن الرغبة، كما قال الله: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (آل عمران: من الآية152) وأحيانا من في نفوسهم رغبة في الدنيا يطمعون حتى وإن كان من المحتمل أن يحصل له على نصيب، الرغبة في المال، في لمس المال، في جمع المال قد يكون عند بعض الناس في حد ذاته هدف، وشيء يتلذذ به. دفعهم هذا أيضًا إلى أن ينزلوا، دفعهم هذا إلى أن يضربوا.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
دورس من غزوة أحد
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ ذي الحجة 1422
جبل الرماة