كيف أن الله تعالى تحدث عن ذاته بشكل يعيزز لثقتنا به سبحانه

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

الكلام من بدايته يتجه نحو محاولة محاولة في أنفسنا كيف نـثق بالله سبحانه وتعالى، كيف تعظم ثقتنا بالله؟ كيف تكون ثقتنا بالله قوية؟.

وقلنا بالأمس: بأن الحديث عن نعم الله سبحانه وتعالى يتسع الحديث عنها في مجالاتٍ أخرى, وبشكلٍ آخر, من حيث: كونها مظاهر من مظاهر حكمته، وقدرته، وعلمه، وتدبيره، ورعايته، وملكوته، وألوهيته، وربوبيته.. إلى غير ذلك.

وشيء آخر مما يساعد على أن نعرف الله سبحانه وتعالى بالشكل الذي نحصل من ورائه على تعزيز لثقتنا به سبحانه وتعالى هو: حديثه في القرآن الكريم عن ذاته سبحانه وتعالى في الثناء على ذاته، وعن ما ذكره من مخلوقاته الكثيرة باعتبارها مظاهر من مظاهر ملكوته، وأنه هو من له الْمُلك، هو رب العالمين، هو من له الملك، ونفاذ الأمر في العالمين.

منها: ما ذكره سبحانه وتعالى في أول [سورة الحديد]: بِسم الله الرَّحمنِ الِّرحيْم {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(الحديد1). سبح لله: نزهه, وشهد بن‍زاهته وقدسيته، نزاهته عن كل ما لا يليق به، نزاهته عن كل عيب ونقص، نزاهته عما لا يليق بكماله، فكل ما في السماوات والأرض يشهد بنزاهة الله, سواءً من كان ينطق بذلك، أو من كان في نفسه شاهداً على ذلك.

هو العزيز: المَنِيع الذي لا يُقهر، لا يُغلَب ولا يُغالَب، هو غالب على أمره، هو العزيز الذي يَمنح مِن عزته من اعتزّ به، يمنح مِن عزَّتِه أولياءَه، فيصبحون كما قال عنهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المائدة: من الآية54).

الحكيم في ما يصدر منه، الحكيم في تدبيره، الحكيم في هدايته، الحكيم في تشريعه، الحكيم في تدبيره لشؤون خلقه.

{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الحديد2) هو مَلِك السماوات والأرض، مَلِكُها ومَالِكُها.قد يكون الإنسان في هذه الدنيا ملكاً فيَحدُث انقلاب فيصبح مطروداً منفياً فيَملِك غيرُه، أمَّا الله سبحانه وتعالى فهو الملك، هو المالك، هو الملك ذو المُلك الدائم في سلطانه {يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(الحديد: من الآية2)، كل شيء يريده هو قادرٌ عليه، {هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ليس هناك أشمل من هذه العبارة، ولا أوضح منها في: أنه لا أحد يستطيع أن يحول بينه وبين ما يريد أن ينفذه، فهو قادر وهو قاهر في نفس الوقت.

{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الحديد:3) ثَناءٌ على الله، وبيان لكماله المطلق سبحانه وتعالى. {هُوَ الْأَوَّلُ} عبارة: {الْأَوَّلُ} تعني: لا شيء قبله، لا أولَ لأوَّلِيَّته، ليس هناك شيء سبقه أبداً في الوجود، {هُوَ الْأَوَّلُ} وهذه العبارة أفضل بكثير من عبارة [المتكلمين] التي يرددونها:[القديم] فيسمون الله قديماً، وهذا – في ما أعتقد – لم تَرِد في القرآن الكريم ولا مرة واحدة: أن يصف نفسه, وأن يجعلها من أسمائه [القديم]؛ لأن كلمة:[قديم] ليست مما يصح أن يُمدَح الله بها سبحانه وتعالى؛ لما فيها من إيهام وهو: أنها تُوهِم العمق الزمني, توهم العمق الزمني، كلمة: قديم، وهي في نفس الوقت إنما تعني..تعني ماذا؟ أنه لم يسبقه عدم، [قديم]: لم يسبقه عدم،لم يكن محدثا ثم وجد.

بينما كلمة: {الأول} هي أهم بكثير، فهي لا تُوهِمُ هذا الإيهَام، وهي تتجه إلى نفس المطلوب بِدَايةً، دون ترتيب مُقَدِّمات، الله هو الأول فلا شيء قبله، وهذا هو المطلوب: أن نثبت أن كل من سواه..أن كل من سواه هو مخلوق له سبحانه وتعالى.

{وَ}هو {الْآخِرُ} بعد فناء الأشياء, {وَ}هو {الظَّاهِرُ}، الظاهر لعباده، الظاهر لمخلوقاته، ليس غائباً كما يقول [المتكلمون]! فيقولون: [قياساً للغائب على الشاهد]، يعرف هذا من قرأ في كتب [علم الكلام] وهذه العبارة القاصرة التي ترسخ غياب الله في ذهنية الإنسان، وفعلاً الإنسان الذي يتأمل سيجد كم كان لهذه من آثار سيئة جداً، ترسيخ في شعور الإنسان غياب الله بهذه العبارات: [من باب قياس الغائب على الشاهد] وهكذا يكررونها.

ولهذا لما جعلوا الله غائباً اتجهوا ليـبحثوا عن وجوده هو، عن هل هو موجود أو لا، فيأتوا إلى ترتيب مقدمات معينة، تبدأ بالحديث عن [أن هذه الأشياء وجدناها مُحدَثة؛ لكونها ملازمة لعلامات الحدوث، إذاً فهي مُحدَثة، إذاً هناك من هو مُحْدِثٌ لها، إذاً هناك مُحدِث]، وعلى هذا النحو يتحركون فيجعلون الله سبحانه وتعالى بالنسبة لنا بحاجة إلى أن نستدل على وجوده بأي شيء من مخلوقاته، بينما هو يصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه: {الظَّاهِرُ}، هو أظهر من مخلوقاته، هو أظهر من مخلوقاته، هو من غَرَزَ في نفوس عباده معرفته, المعرفة الجملية, لم يغب اسمه عن ذهنية البشرية.

والقرآن الكريم أكد هذه، وهو يذكر لنا كيف كان الأنبياء يدعون أممهم إلى الله، وكيف كانت تلك الأمم إنما تنازع في ما يتعلق بالوحدانية، أنها غير مستعدة أن تتخلى عن الآلهة الأخرى، لينفرد الله هو وحده بعبادتهم له، وينازعوا الأنبياء في أنه بعد لم يثبت لديهم أو أنهم يريدون أن يثبت لديهم بأنهم رسلٌ من الله، ليس هناك إشكالية حول وجود الله، حتى ولا عند الكافرين {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (الزخرف:9) {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}(الزخرف: من الآية87) ولئن سألتَ مَن؟ سألت الكافرين.

بل يقول الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم (صلوات الله عليهم): ((أن الله غرَزَ معرفته في نفوس عباده من الملائكة والإنس والجن)) حتى قال أيضاً: ((بل والطير والحيوانات الأخرى كلها تعرف الله)).

وكل ما تشاهده، كل ما تشاهده أنت في واقعك تشهد بسبق خالقه، بسبق صانعه في فطرتك قبل أن تنطلق لترتب مقدمات كلامية منطقية: [هذا مُحْدَث فلا بد له من مُحْدِث، فثبت أن له مُحْدِث]. من أين قلت: [مُحدَث]؟ أليس بعد أن شهدتَ بأن فيه علامات التدبير والخلق، إذاً أنت تشهد أولاً، أنت تشهد أولاً في فطرتك بوجود الخالق، وتشهد بسبق الخالق، وإلا لما عرفتَ أن هذا فعل، ولما انطلقت لترتب هذه المقدمة.

الله سبحانه وتعالى هو أظهر من كل مخلوقاته؛ ولهذا – في ما أفهم والله أعلم – لم أجد في القرآن الكريم آية واحدة – على الرغم مما ذكره الله سبحانه وتعالى من مظاهر قدرته ونعمته وحكمته و.. إلى آخره – أن ذكر شيئاً منها بعبارة: [أليس ذلك يدل على أنني كذا]، لا تجد هذه في القرآن الكريم، ليس هناك آية تقول: [أليس ذلك دليل على أني قادر، أليس ذلك دليل على أني حي، أليس ذلك دليل على أني حكيم، أليس ذلك يدل على أن لها خالق، يدل..]، لم ترد هذه إطلاقاً؛ لأنه هو {الظَّاهِرُ}، هو {الظَّاهِرُ}، هو الذي فطر النفوس على معرفته, بل لم يأتِ أحد ليسمي صنماً باسمه، أو يسمي بشراً باسمه، أو يسمي شيئاً باسمه، الذي هو اسم لذاته سبحانه وتعالى المقدسة: [الله]، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} (مريم: من الآية65) كان المشركون يسمون الآلهة [هُبَل، اللاَّت، العُزَّي، وُد، سُواع، يَغُوث، يَعُوق].

الله معروف لدى البشر أنه [الله]، هو الإله, هو الذي خلق السموات والأرض، هو الذي خلقهم، هم يعرفون هذه، لم يأتوا ليسموا صنماً آخر باسمه أبداً، هو إله، بل هو إله مقدس لدى البشر، إله مقدس لدى البشر في كل مراحل تاريخ البشرية. بل يقول أحد الكتاب أيضاً: بأنه في هذا العصر – في استبيان – ظهر بعد أن اُكتشِفت مناطق بدائية، قُبُل بدائية، وعرف بأن الله معروف لديها، قُبُل بدائية في مجاهل أفريقيا وفي مناطق أخرى في هذا العالم، وما يزال بعضهم شبه عُراة، والله معروف لديهم.

هو {الظَّاهِرُ}؛ لهذا كان هناك تأثير سلبي وسيئ جداً لترتيبات المتكلمين المنطقية، لمقدماتهم المنطقية حيث جعلونا نحتاج نحن – حتى نعرفه – أن نستدل عليه بأي شيء من هذا لنعرف وجوده من حيث المبدأ: أن هناك إله, أن هناك [الله].

كيف وهو الذي قال سبحانه وتعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}(الشمس:7- 8) كيف يلهمها فجورها وتقواها ولا يلهمها معرفته، ولا يفطرها على معرفته، وهي من أهم.. من أهم ما يمكن أن تسير بالنفس نحو الهدى، وتصرفها عن الفجور – معرفته سبحانه وتعالى – هل مجرد أن تهتدي إلى ما هو تقوى وإلى ما هو فجور أهم من معرفته سبحانه وتعالى؟. هو قال: أَلْهَمَهَا {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فكيف لا يلهمها ما هو أساس.. ما هو الأساس في أن تنطلق في التقوى وتبتعد عن الفجور، وهو معرفته سبحانه وتعالى؟!.

 

 [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

سلسلة معرفة الله (12 – 15)

معرفة الله عظمة لله¬ الدرس (6)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 23/1/2002م

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com