الدرس الثامن من دروس رمضان ” سورة البقرة من (146) إلى الآية (186) “
دروس من هدي القرآن الكريم
سورة البقرة
من الآية (146) إلى الآية (186)
[الدرس الثامن]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 8 رمضان 1424هـ
الموافق: 2/11/2003م
اليمن – صعدة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
في هذه الآيات مواضيع متعددة وكلها في سياق واحد ويبرز فيها: الأسلوب الحكيم في مقدمات التشريع، الأسلوب الذي يمهد، يمهد لقابلية التشريع. قد نكون نحن المسلمين باعتبار الكثير من الأشياء التشريعية قد ألفناها، شهر رمضان نحن قد ألفنا أن نصومه، شرعية القصاص قد أصبحت مألوفة، المواريث قد أصبحت مألوفة. قد ربما بالنسبة للجيل الأول تكون أشياء تبدو صعبة من البداية، فالقرآن الكريم الذي قال الله فيه إنه: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت: من الآية42) إنه: كتاب حكيم، {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}(هود: من الآية1)، تتجلى الحكمة في منهجيته في التشريع، كما تتجلى الحكمة في منهجيته في الهداية.
أول الآية التي سمعناها قول الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة:146) تأتي كثيراً عبارة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} وتراها في مقامات الحديث عنها إيجابي كما قال في الآية السابقة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ}(البقرة: من الآية121) ويقول في آية أخرى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَك}(البقرة: من الآية145) وهنا يقول: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}.
من البداية في أول [سورة البقرة] هناك ما يوحي بأنه الناس – عادة – هم يكونون فئات متعددة ونوعيات متعددة، المتقون فئات متعددة وفئات متفاوتة، الكافرون فئات متفاوتة، من الكافرين نوعية قال عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}(البقرة:6) فهنا جاء بعبارة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وتأتي في آيات كثيرة عبارة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وهناك من الذين كفروا من أصبحوا على هذا النحو، وهناك من أسلموا فيما بعد.
عبارة: {آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} تجد مثلاً هي تشبه تماماً: {أَنْزَلَ الْكِتَابَ} أو {أنزلنا إليهم الكتاب} يقول أحياناً: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ}(النحل: من الآية89) و{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ}(النساء: من الآية174) {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}(العنكبوت: من الآية46) عبارة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} قد تكون في مواضع تعني فئة معينة من أهل الكتاب هم كانوا أشبه ما يكون بورثة للكتاب يكون عندهم نوع من المعرفة عندهم نوع من الخشية، عندهم نوع من التسليم، هؤلاء قد يكونون في الواقع وربما كلهم أسلموا من كانوا من هذه الفئة الذين قد تنطبق عليهم الآية السابقة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}(البقرة: من الآية121) أعني:هذه الآية تصدق {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} آتيناهم إتيان وراثة، وآتيناهم الكتاب بالنسبة للدائرة الأخرى بمعنى الكتاب في متناولهم وأوتوه، وتصل العبارة بمعنى الإيتاء إلى مستوى البشر عموماً كما قال عن القرآن: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}(فاطر: من الآية32) وهناك في آيات أخرى يقول فيها بأنه أنزله إلى الناس.
فالمسألة يجب أن نفهمها على هذا النحو فيما أعتقد نفهمها على هذا النحو، لا تفهم دائماً عبارة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} كلها تحكي نفسية واحدة ونموذجاً واحداً تماماً، قد تكون في مقام معين تكشف لك فئة معينة، فئة معينة من داخل من أوتوا الكتاب، بالنسبة لنا كمسلمين بالنسبة للبشر عموماً يقال لهم:بأنهم أوتوا الكتاب، آتاهم الله الكتاب يعني: أنزله إليهم مثلما قال: {أُنْزِلَ عَلَيْنَا}، {أُنْزِلَ إِلَيْنَا}، أليس الكتاب القرآن الكريم أنزل على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو أنزل عليه أنزل عليه كهدى للناس؟ في الأخير تعني أنزل إلى الناس، هنا فريق من أهل الكتاب يعرفونه أي: يعرفون رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كما يعرفون أبناءهم.
قلنا هذه هي شاهد في نفس الوقت: أن هناك في تراثهم ما يزال بقايا تتضمن العلامات للنبي الذي سيبعث في آخر الزمان وهو رسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) لأنه من أين لهم أن يعرفوه بهذه الدرجة كما يعرفون أبناءهم؟ لأن هذه معناها معرفة قوية معرفة لا شك فيها، أليس الإنسان يعرف ابنه؟ تعرف ابنك معرفة قوية لو ترى كم أطفال تعرف ابنك من بينهم بأن هذا هو ابنك، ثم هم أيضاً من خلال فهمهم لشخصية الرسل عادة كيف يكونون، سلوكياتهم أساليبهم مضامين دعوتهم الكتاب الذي يأتي إليهم عادة كيف يكون أسلوبه مضامينه خطابه للبشر، هي قضية متميزة تماماً هي قضية متميزة، كتب الله هي متميزة عن أي كتب أخرى، لا يحصل لديك لبس إذا كنت فاهماً لا يحصل لديك لبس بأن هذا الكتاب ربما يكون من شخص آخر على الإطلاق.
فمن مجموع هذه الأشياء تكون النتيجة لديهم: أنهم {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية146) ممن أوتوا الكتاب وممن يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين لم يتوفقوا لأن يهتدوا {لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية146) أليست هذه قضية رهيبة جداً بالنسبة لمن هم يعرفون الحق ويكتمونه؛ لأن الضحية في الأخير يكون من؟ الأمة البشر الناس المساكين؛ لأن الناس عادة يعلقون آمالاً كبيرة على علمائهم؛ لأنهم هم من جانبهم يعرفون الحق ويسيرون وراءهم على أساس أن ما يدعون إليه هو الحق، فعندما يكون هناك من عرفوا الكتاب وعرفوا الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ثم يكتمونه معنى هذا أنهم سيجعلون الكثير ممن هم محط ثقة لديهم يسلكون سلوكهم في التنكر لهذا النبي والتنكر لهذا الكتاب فيبقون كافرين ضالين.
وهذا هو الواقع بالنسبة لأهل الكتاب إلى الآن، فعندما يقول الله سبحانه وتعالى بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لا يعني ذلك بأنه كل واحد من أهل الكتاب، علماؤهم مثقفوهم الذين هم يطلعون على الكتب التي تحكي النبوات وكيف سلوك الأنبياء، ويسطر كثيراً من تاريخ الأنبياء وكيف تكون دعوتهم في العادة، هؤلاء يعرفون لكن يضللون على الباقين والباقون يمشون وراءهم.
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}(البقرة:147) فعندما يقول هناك: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية146) لا يستطيع أحد في الأخير أن يقفل باب الحق تماماً على البشر، الحق هو من الله، والله سبحانه وتعالى هو لديه سنن: إذا رفض هؤلاء هيأ أولئك، إذا كتم هذا هيأ آخر؛ لأنه رحيم بعباده إنما ليبين سوء عمل من يكتمون الحق كيف أنها جريمة كبيرة. الحق هو بكل ما تعنيه الكلمة وفي كل القضايا في مجال الهداية، التشريع، الحق في كل قضية من قضايا الناس في كل شأن من شؤونهم هو من الله وهو من اختصاص الله سبحانه وتعالى.
هذه الآية تعطي الإنسان قاعدة يجب أن يفهمها كل واحد منا وكل واحد من الناس: هو أنه باعتبار أن الحق هو مطلب للناس جميعاً وكل من يتحركون هم يحاولون – مهما قدموا من ضلال – أن يقولوا إنهم يقدمون حقا، فحتى لا يكون هناك لبس، لبس لدى أي إنسان منا أن يفهم: أن مصدر الحق هو الله، فليكن همه أن يعرف الطريقة التي من خلالها يعرف الحق الذي هو من جهة الله؛ لأن المسألة ليس فيها لبس، حتى قضية الحق ليس فيها لبس حتى وإن وجدنا هنا أنه يذكر: أن هناك من يكتمون الحق وهناك من يضللون وهناك من يخادعون وهناك من يردون وأشياء كثيرة.
لكن بين كل هذه الأشياء السيئة لا يضيع الحق؛ لأن الحق هو من الله والحق هو نور هو النور الذي ذكره في كثير من الآيات الأخرى وهو من جهة الله، إنما ليبقى البشر ليبقى كل إنسان مؤمن بهذه القضية: أن مصدر الحق هو من الله، وعندما تعود إلى الله سبحانه وتعالى الذي هو مصدر الحق تجد أنه يقول عن نفسه أنه هو رحيم بعباده رؤوف رحيم يهدي يرشد يهيئ هو الخالق، إذا كان هناك من كتم الحق سيخلق، يخلق غيره ويجعله هادياً إلى الحق الذي من عنده، وفي الأخير تحصل طمأنينة عند الناس؛ لأن الكثير من الناس يقولون: قد ضاعت القضية لم يعد أحد يدري أين الحق ولم نعد عارفين أين الحق قد الناس طوائف وكل واحد يقول هو على الحق وكل واحد يقول أنه يدعو إلى الحق وكل واحد كذا.. اختبصت…!.
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(البقرة: من الآية147) فاعرف ربك لتعرف طريق الحق وستجد في الأخير لا تشكل كل الأشياء الأخرى عوائق أمام معرفة الحق وطريق الحق ومواقف الحق، أبداً؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يسمح – لأنه رحيم – بأن يأتي بالحق ثم يضيعونه ما بين كاتم وما بين متحرك بالتضليل وما بين مخادع وفي الأخير يقول: قد جينا لكم بحق لكن أصحابكم هم الذين ضيعوه ادخلوا جهنم. لا، الله سبحانه وتعالى رحيم يهيئ للناس، فقط المشكلة عادة تكون من عند الناس؛ لذلك تجد القرآن الكريم يركز على موضوع الناس؛ لأنهم الميدان الحقيقي للرسالات ميدان الكتب الإلهية، ميدان الحق هم هؤلاء، عامة الناس وليس فقط قضية العلماء أو التركيز على موضوع العلماء فقط، أو الطبقة المثقفة فقط، بل القضية كلها تنصب إلى موضوع الناس، ولهذا في الأخير لا يشترط أنه يجب أن يكون هناك في الناس – مثلاً – نصفهم علماء أو أن يكون 90% منهم علماء حتى يتبين لهم الحق حتى يمكنوا أن يعرفوا الحق! شخص واحد يكفي البشرية جميعاً لأن يكون هادياً للحق ومعلماً للحق ومبيناً للحق، شخص واحد.
إذاً فهذه هي نفسها هي مما تبين لنا بأن القضية الأساسية هم الناس فشخص واحد يكفي شخص واحد يأتي معلم للحق، عادة يحصل أناس يتعلمون، أليس ممكناً أن يحصل هكذا، أعني: تلقائياً تقريباً في تاريخ البشر تأتي فئة من الناس تتعلم فيصبحون علماء وبمجرد أن يصيروا علماء يتحملون مسؤولية كبيرة، يتحملون مسؤولية كبيرة هي ماذا؟ هي أن يبينوا للناس الحق، هي مسؤولية تصل إلى تقريباً كل شخص: أن الحق، وذلك الحق – الحق الذي هو من الله سبحانه وتعالى ليس الحق الذي استنبطه فلان أو باجتهاداته أو رؤاه وسماه حقاً ثم تقوم تتحرك به الحق – من يعرفه تصبح مسؤولية عليه أن يبينه؛ لهذا ترى هذا الدور دور تنـزل من عند الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من عند أنبياء الله، ثم من هم ورثة للكتاب، ثم من تعلمون، ثم من عرفوا من الناس إلى درجة ماذا؟ أنه يقول بعبارات عامة: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر}(العصر: من الآية3).
المسؤوليات بشكل أساسي تكون على العلماء بشكل أساسي تكون على العلماء ولكن وفي نفس الوقت من يعرفون الحق، ومعنى يعرفون الحق، ليس هو فقط: قالوا لك، واحد قال لك إنه حق، تكون القضية مرتبطة بهذه القاعدة: أن تعرف أنه الحق الذي من الله ومتى ما عرف الإنسان سنة الله في الهداية، الطريق، طريق الحق من عند الله إلى عند الناس، وهي طريقة سهلة ليست معقدة ليست طريقة معقدة، حينئذٍ يصبح من واجب الناس جميعاً أن يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر على الحق، عندما تكون موصيا بالحق لا تعني العبارة فقط أن تقول: الحق، الحق، يجب أن نتبع الحق فقط! قد يكون في موقف معين الحق فيها هو أن تقول: كان يجب أن نكون كذا، كذا يجب أن تعمل كذا، يجب أن نعمل كذا.
والحق مسألة واضحة، قضية عملية، أو موقف أو أي شيء من هذه الأشياء التفصيلية هذا ممكن بالنسبة للناس في إطار الإلتزام بهذه القاعدة الإلهية يعني ماذا؟ في أن نعرف الحق من مصدر الحق والطريق التي يصل عنها الحق التي رسمها الله التي رسمها الله هو، وعندما يقول: الحق، لا تفهم القضية عائمة، الحق كموقف، افهم بأنه أيضاً هو الذي يبين الطريقة الحق الطريقة التي تعتبر طريقة الحق، طريقة وصول الحق؛ لأن كلمة حق أحياناً قد تتناول ما هو قضية بخصوصها، مسألة معينة، أو موقفاً معيناً، مقولة معينة مثلاً ونفس الأسلوب ونفس المنهج ونفس الطريق التي عبرها يصل هذا الشيء.
الذين قالوا إن الحق بالنسبة لكل إنسان هو: أن يتعلم ثم ما ترجح لديه وغلب في ظنه هو الحق بالنسبة له! فليعلِّم آخرين أو يمكن الآخرين أن يأخذوا منه ويقتدوا به، ألم يقدم حقاً حسب رأيه؟ على أساس أن تلك الطريقة التي قال عنها أنها طريقة معتمدة أنها حق! لكن لا، تبين أن هذه طريقة فيها كثير من الأخطاء كثير من الضلال كثير من البعد عن الحق، كلمة: الحق تتناول أيضاً أن الله سبحانه وتعالى عندما يقول: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(البقرة: من الآية147) أيضاً هو الذي يرسم طريقه، هو الذي يرسم سبيل الحق من بين كل السبل من بين كل الطرق التي تقدم، من بين كل المنهجيات التي تقدم، هو سبحانه الذي يبين الحق هو، ويبين طريقته فمتى ما تناولت الحق وتبين لك الحق وعرفت شيئاً من الحق عبر هذه الطريق بيِّن وتوصي الآخرين به وتوصي الآخرين بالصبر عليه.
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(البقرة: من الآية147) والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الناس، والحق الذي يعني دينه بشكل عام دينه بكل ما تناوله وبكل ما رسمه من مناهج وأساليب هذا الحق هو نفسه الذي ذكر بأنه فطر الناس على قابليته بل تقريباً جاء بالعبارة التي تعني وكأن الدين هو الفطرة {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}(الروم: من الآية30) ألم يذكر دينه هنا: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} إذاً فمعنى هذا بأن الله سبحانه وتعالى بين لنا بأن هذا الإنسان، هذا الإنسان هو مفطور على أن يعرف الحق مفطور على أن يقبل الحق، ونجد البشر كلهم تقريباً غالبيتهم العظمى كلهم فطرهم أنهم يريدون الحق إنما تختلف العناوين لديهم وتختلف مسميات ما هو حق لديهم، فمن يعتبر أن الحق في النظام السياسي هي: الديمقراطية يزخرفها للناس.
تجد الناس يقولون: نريد حقاً من يقدم للناس بأن التعددية وأن حرية التعبير المتعدد والأشياء هذه هي حقوق هي حق هي حق، ترى الناس عندما يتحركون: نريد حقاً نناهض نناضل نقاوم من أجل الحق بل وأحياناً يقتل كثير من الناس من أجل الديمقراطية على أساس أنها حق، والحق كل إنسان يعتبر أن الحق هو مطلب له.
إذاً فالقضية الأساسية: أن يعرف الناس: أن مصدر الحق هو الله، أن نعرف نحن – وهي قضية هامة وضاعت تقريباً بسبب ثقافات أخرى – أن الناس كل الناس مفطورون على قابلية الحق، وأن الأرض هذه هي مكان يمكن أن ينبت فيها الحق ويستقر فيها الحق عكس ما تقدم المسألة: بأن الناس لا يقبلون الحق والناس لا يعجبهم الحق والناس كارهون للحق والناس كذا…. كذا… كذا… إلى آخره، لا. الفطرة الحقيقية لدى الإنسان أنه يقبل الحق، قد تتدنس فطرته، قد تتدنس فطرته حتى يصير إلى مستوى أن يصبح كارهاً للحق.
وهذه القضية هامة؛ لأنه أحياناً قد يبعد الكثير من الناس من العلماء أنه قد ترسخ لديهم فكرة: أن الناس لا يقبلون الحق ومن يتحرك من أجل الحق لن ينجح وأهل الحق لا ينتصرون وأهل الحق يكونون مستضعفين وأهل الحق لا يصلح لهم شيء…! هذه المقولة نعرفها سائدة ومؤثرة تأثيرا سلبيا كبيرا أعني: تنتهي المسألة في الأخير بالنسبة لك في علاقتك مع الله إذا لم تكن تفهم القضية على أصلها تصبح عقيدتك ورؤيتك إلى الله تتنافى مع جلاله، مع عظمته، مع رحمته، مع حكمته، مع علمه، مع قدرته عندما يقول: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(البقرة: من الآية147).
هي مسألة يترتب عليها أشياء كثيرة جداً أن تكون السنن الكونية التي رسمها في هذا الكون منسجمة مع الحق أن تكون فطرة الإنسان الذي هو محط هذا الحق أن يلتزم به أن يتحرك على أساسه أن يدعو إليه أن تقوم معاملاته على أساسه أن يكون مفطوراً على قابلية الحق.
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}(البقرة:147) الوقفة عند هذه الآية هامة جداً نتأمل المسألة بشكل جيد لأنه فعلاً سبب ضياع الحق في أوساطنا وفي أوساط الناس؛ أننا لم نفهم الحق ولم نفهم سنة الله في موضوع الحق ولهذا تجد مفاهيم أخرى جعلت الحق يبدو ثقيلاً أمامنا؛ لأننا لم نفهم سنة الله التي فيها كثير من التسهيلات من أجل إقامة الحق من أجل بيان الحق من أجل طريق الحق كما قلنا سابقاً: أن الفكرة التي جعلت الكثير يقول: بأن الناس يبدو هم لا يقبلون الحق ولا يعجبهم الحق وكارهون للحق الحق ثقيل على الناس وأشياء من هذه! ومتى ما جاءت مواقف حق وإذا كل واحد يتصور بأن معناه يحمل جبلاً فوق رأسه ثم ترى الناس فعلاً في الأخير لم يعودوا يتحركون للحق لا كثير ممن يعلمونه ويعرفونه ولا الكثير من الأتباع! هذه في حد ذاتها، تعطي أملا كبيرا للناس.
ثم لاحظ كيف كان تعامل الناس لأن الله عندما قال: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(البقرة: من الآية146-147) أي يجب أن تفهم بأن باب الحق لا يمكن أن يوصد، إذا كان هناك من يكتمه فإن الله سيهيئ من يبينه؛ لأن الحق هو منه وهو من له ما في السماوات والأرض وهو الغالب على أمره وهو الخالق هو المدبر لا يمكن تقول: انتهى الحق، نَفِد، لم يعد هنا شيء قد كملوا انتهى الدوام..! ليست القضية بهذا الشكل.
تجد في موضوع إقامة الحق والذي جاء فيها آيات: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(آل عمران: من الآية104) مجمل الثلاث الأشياء هذه تعني ماذا؟ حق تعني حق وفي آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَاً للَّهِ}(الصف: من الآية14) ما معنى النصر لله؟ أليس معناه التحرك لإقامة الحق العمل لإعلاء كلمته؟ وكلمته هي الحق {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(البقرة: من الآية147).
إذاً فيجب أن تفهم أنه لما كان الحق هو من الله وهو الملك وهو الإله وهو القدير على كل شيء وهو العليم بكل شيء أنه في نفس الوقت يعطي التسهيلات الكثيرة التي تجعل الناس يتمكنون من إقامة الحق لا يمكن أن يكون واقعنا أن ننظر إلى الله وكأنه دون ما يعمل الزعماء من البشر عندما يأتي رئيس أو وزير عدل يعين قاضي في منطقة أليس هو يعطيه سيارة ويعطيه أيضاً مرتََّب ويعطيه اعتمادا آخر من أجل ماذا؟ من أجل يتمكن من أن يقوم بعمله يقضي بين الناس دون أن يحتاج إلى أخذ رشوة من هنا أو هنا أو يكون هناك ما يشغله عن هذه المهمة عندما يعين موظفاً في مكتب أليس هو من يوفر له الطاولة والكرسي والأقلام والأوراق وسكرتير يجمع عنده الأوراق ويقدم المواضيع والسجلات ودواليب وأشياء متعددة وغرفة معينة قد تكون مكيفة قد تكون منارة بشكل جيد، أليست هذه سنة عند الناس؟ أليست هذه فطرة عند الناس، الله سبحانه وتعالى عندما يقول للناس هكذا تجد أن الطريقة هي نفس الطريقة هذه، أن الله يعمل التسهيلات الكثيرة؛ ولهذا قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: من الآية40) {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد: من الآية7) {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}(الأنفال:12).
هذه قضية هامة يجب أن نستشعرها جميعاً وكل واحد منا أن يفهم: أن الحق هو من الله وأن تعرف الله تعرف الله وتعرف سنته سبحانه وتعالى فيما يقدم لمن يتحركون في إقامة الحق، إذاً هذه تقريباً ضاعت من أوساطنا كتثقيف كتعريف قد أصبح الناس عندما نقول: نريد أن نتحرك في مواجهة أعداء الله كل واحد يرى المسألة جبلاً [من الذي يستطيع!] إلى أن تصل المسألة أحياناً عند الكثير إلى أن يسخر ممن يتحركون من أجل الحق وفي سبيل إقامة الحق.
وعندما تتحرك لإقامة الحق فاعرف بأن: الحق هو من ربك وربك هو الغالب على أمره وهو على كل شيء قدير هو الذي يقول عن هذا الإنسان أنه ضعيف: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً}(النساء: من الآية28) {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً}(الأنفال: من الآية66) هل يمكن للقوي العزيز أن يحمِّل الضعيف هذا العمل الكبير ثم لا يتحرك ليعمل شيئاً؟ لا يمكن هذا على الإطلاق، وواقعاً في تاريخ البشر أنبياء الله أولياء الله الذين تحركوا من أجل الحق يذكر في القرآن الكريم ما عمل لهم تأييده لهم نصره لهم.
إذاً فهذه القضية يجب أن نفهمها جميعاً عندما يقول: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(البقرة: من الآية147) فافهم بأنه في كل قضية هناك حق هو الحق الذي من عند الله ففي وضعية كهذه الناس يقولون فعلاً مواجهة أعداء الله هي حق أليست هكذا؟ لكن ناسين في نفس الوقت! في الأخير يتساءلون حول الأسلوب وحول الطريقة وحول الوقت وحول مع من وكيف، أليست هذه؟ افهم بأن الله هو يعلم هو قد رسم في نفس الوقت الطريقة في أن تقوم بالحق والأسلوب الحق والمنهج الحق والقيادة الحق والطريقة الحق وهكذا، هو لا يقول تحركوا للحق ويتركها غامضة إن الله يهدي، والحق معناه: الشيء الثابت في القضية، في الموقف، الشيء الصحيح، الصواب، الموقف الصحيح، القضية الصحيحة، الأسلوب الصحيح، الحالة التي تعتبر صوابا، وهكذا الحق يقابله ماذا؟ يقابله ضلال أخطاء باطل.
حينما ينصرف الإنسان بذهنه على الإطلاق في كل قضية يتحرك فيها في سبيل الحق لا تدري وإذا هو قد أصبح يحول ذهنه إلى هذه الجهة أو هذه الجهة يبحث كيف يعرف أسلوب حق وكيف الطريقة إلى الحق، من هنا أو من هنا. لا. يجب أن تفهم أنك في حالة البحث لمعرفة الحق الذي تسير عليه لتقوم بالحق أن تفهم بأن عليك أن تلجأ إلى الله فإنه قد رسم الطريقة الحق، أعني: أنه يقدم هذا الموضوع باستقلالية تامة؛ ولهذا سماه صراطاً مستقيماً، وسماه سبيلاً {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}(الأنعام: من الآية153) جعل القضية جاهزة طريقة مستقيمة وواضحة لست بحاجة إلى أن تتلفت كذا أو كذا أو تستعين بهذا أو بهذا أو بأي طريقة أخرى على الإطلاق.
الحق هو من ربك وسيهدي للحق في كل قضية في أساليبك في منهجيتك في طريقتك؛ لأن الله سبحانه وتعالى في الأخير قدم القضية بالشكل الذي تبدو سهلة ليست حتى مرهقة ذهنياً ليست حتى مرهقة لذهنك ولا تجعلك تتخبط، لكن افهم الطريقة الحق الأساسية.
حركة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وحركة الذين كانوا معه ألم تكن حركة حق؟ هل كانوا هم كل واحد منهم ملان اضطرابات وترددات [وكيف نسوي، وكيف نعمل و.. و..] وأشياء من هذه؟ لا. قال الله لهم: اتبعوه، أطيعوه، هو نفسه سيعرف الحق وأسلوب الحق وطريقة الحق ويتبعونه وهو في نفس الوقت يبين لهم الحق ويسير بهم مسيرة الحق وإلى غايات الحق، وهكذا.
جاء في القضية الأولى بأنه أن يكون الإنسان مطمئنا أنه إذا كان هناك من يكتم الحق أن الله سيهيء من يبين الحق ويهدي إلى الحق، هذه القضية هامة يجب أن نفهمها؛ لأنه أحياناً قد تبدو حالة من يبين الحق هي الحالة الشاذة يعتبرونه الحالة الشاذة! يقول لك: العلماء الباقون لا يقولون هكذا، أو فلان، وفلان، وفلان من العلماء لا يتكلمون لماذا إما فلان! عندما تنظر هذه النظرة {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}(البقرة:146-147) قل – وقد أنت عارف لربك الرحيم – إذاً لا يمكن أن يترك الناس هكذا يأتي من يغلق باب الحق، سيهيئ من يبين الحق حينها تتقبل أنت المسألة عندما تجد أحدا من الناس يبين الحق لن تعتبرها حالة شاذة، الكثير يعتبرها حالة شاذة؛ لأنه لا يعرف هذه السنة الإلهية هنا، هنا فريق يكتمون، لكن هو في نفس الوقت يهيئ من يبين الحق، وعندما ترجع إلى الكاتمين وتقول: هؤلاء هم الأصل لماذا فلان هو لوحده ويتحرك لوحده ويعمل له طريقاً لوحده…. وأشياء من هذه، معناه أنك لست فاهماً لهذه وتكون أنت مع من يكتمون الحق وسترى في الأخير ما سيقول عنهم، قضية خطيرة جداً معظم الآيات التي ستأتي حول موضوع من يكتم الحق وأتباعهم وكيف ستكون طريقتهم ومصيرهم.
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}(البقرة: من الآية148) بعد ما ذكر أهل الكتاب: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ}(البقرة: من الآية145) الإنسان من حيث هو لا يخلو عن وجهة يولي توجهه ووجهه إليها، لكن أنتم هذه هي الوجهة الصحيحة اتجهوا إلى شطر المسجد الحرام فيما يتعلق به كقبلة اتجهوا إلى هذه الطريقة هي الطريقة الصحيحة، فلم يبق إلا أن تستبقوا الخيرات أن تستبقوا أنتم إلى هذه الوجهة هو من الإستباق إلى الخيرات داخل هذه الوجهة استبقوا الخيرات، لا تعني هذه إقرار شرعية التوجهات المتعددة أو من جعلوا لأنفسهم قبلة.
{وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَة بَعضٍٍ}(البقرة: من الآية145) اليهود لهم قبلة والنصارى لهم قبلة ليس معناه إقرار لهذه معناه هكذا الناس وهذه هي القضية الحقيقية بالنسبة للإنسان لا يخلو من وجهة {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة:148) الله أعلم بمعنى هذه في واقع الحياة ماذا تعني: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً} إذا قلنا: قد تكون معناها: بأن مرد الجميع كلهم إلى الله في يوم القيامة، هذا شيء واضح لكن يبدو من ظاهر الآية أنه شيء مرتبط بظاهر الحياة نحن لا نعلمه، الله يعلمه.
{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة:149) هذا أمر يخص النبي نفسه في المقدمة توجه أنت حيث ما كنت بانصرافك إلى تلك القبلة المسجد الحرام. المسجد الحرام يبدو هو أوسع من مسألة الكعبة، الكعبة نفسها هي في المسجد الحرام البيت الحرام هو في ماذا؟ هو في المسجد الحرام والمسجد الحرام هو كله قبلة، وعندما يتجه الإنسان إلى المسجد الحرام هو بالتالي يتوجه إلى الكعبة. {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(البقرة: من الآية149) التوجه في صلاتك إلى المسجد الحرام هو الحق والحق هو من ربك كما تقدم {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}(البقرة: من الآية147).
{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}(البقرة: من الآية144) في أي موقع كنتم في الدنيا في هذه الأرض {فَوَلِ وَجهَكَ شَطرَ المَسجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}(البقرة: من الآية150) لأنه قد يكون في نفس الوقت مع وجود أهل الكتاب وهم مختلطين ومندمجين في المجتمع، قد يكون البعض فيما لو بقيت القبلة هي نفس القبلة التي توجه إليها في البداية القدس، قد يقولون بأنه رأيتم أننا على حق أنتم هؤلاء احتجتم أن تتوجهوا إلى القبلة التي نحن نتوجه إليها لو أننا على باطل لما أمرتم أن تتوجهوا إلى القبلة التي نحن نتوجه إليها.
{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ}(البقرة: من الآية150) هناك قد قال في الآية الأولى بأنهم يعرفون بأن هذا هو الحق من عندك وفعلاً قدمها بسرد تاريخي من هو الذي بنى الكعبة ورفع قواعدها؟ هو إبراهيم وإسماعيل وأن الله جعلها من ذلك الزمن قبلة للناس يتوجهون إليها، فأهل الكتاب هم الذين شذوا، دوافع معينة هم الذين شذوا وتوجهوا وجهة أخرى، أصبح لليهود قبلة معينة وأصبح للنصارى قبلة معينة أخرى.
{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ}(البقرة: من الآية150) سواء كان من الذين أوتوا الكتاب أو من غيرهم {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي}(البقرة: من الآية150) هذه قضية هامة؛ لأنه حتى هنا، موضوع التشريعات هنا تأتي بالشكل الذي تبدو صارمة، فيجب أن تكونوا مستقيمين وتسيروا على ما وجهتم إليه حتى لو بدا لكم أنه قد يثير آخرين عليكم أو قد تصدر من داخلهم مقولات ضدكم أو أشياء من هذه.
هذه النقطة تكون عندما لا يزال المجتمع خليطا، أعني: هو في الأخير انتهى الناس بالنسبة لأهل الكتاب أصبحوا متميزين هناك، وضعيتنا الآن أليست وضعية متميزة عن وضعية أهل الكتاب؟ أثناء تنـزل القرآن الكريم كانوا لا يزالون خليطاً في المجتمع فقد يأتي من داخلهم مقولات متعددة، يجب أن لا تخشوهم على الإطلاق، والتسليم لله سبحانه وتعالى، هذا هو الشيء الأساسي هذه هي قاعدته، لا يمكن أن تكون مسلِّما لله وتبقى مستقيماً في تسليمك لله ومستقيماً على هدي الله وملتزماً إلا إذا كنت على هذا النحو: لا تخشى إلا الله.
{فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}(المائدة: من الآية44) متى ما اتجه الإنسان إلى أن يصغي لأن يخشى من غير الله فبالتأكيد ينحني، أخيراً يؤقلم عمله وتوجهه ومواقفه بالشكل الذي لا يثير من يخشاهم، يجعله بالشكل الذي تحكمه في تصرفاته كلها الخوف من ذلك الطرف الآخر.
{فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(البقرة: من الآية150) ولا تتم نعمة الله على الإنسان أن يكون هو فعلاً في سلوكه بالشكل الذي توفرت له النعمة وتمت عليه النعمة إلا إذا كان على هذا النحو: لا يخشى إلا الله ولا يهتدي فعلاً إلا إذا كان على هذا النحو: لا يخشى إلا الله؛ لأن من يخشون غير الله تقدم نعمة من التي تعني نعم هداية تقدم آيات فيها هدى توجيهات فيها هدى لن يقبلها، ليس ميداناً لها؛ لأنها تصطدم بخشيته من غير الله، هذه القضية واضحة في الناس.
إذاً الخشية عندما يكون الإنسان يخشى غير الله، هي حالة تبين بأنك جاهل لله وجاهل باليوم الآخر، من الذي لديه ما يمكن أن تخافه مثل جهنم؟ هل أحد لديه مثل جهنم من البشر تخاف منه؟ أبداً، هل أحد لديه مثل الجنة فترغب فيما لديه؟ تعدل عن الله سبحانه وتعالى فتصبح تخشى غير الله وترغب في غير الله، كلها يكون منشؤها الجهل، الجهل بالله الجهل بدينه، الجهل باليوم الآخر الجهل بالسنة الإلهية في موضوع الحق.
الإستقامة وراءها الله، الحق وراءه الله، عندما يكون الناس يسيرون على الحق فالله يؤيدهم، هو ينصرهم، هو يعينهم هو يثبتهم هو يعطيهم نور اً، أليس الله يقول في آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ}(الحديد: من الآية28) ويجعل لكم نوراً تمشون به {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}(الأنفال: من الآية29)؟ يجب على الإنسان أن يستحي فعلاً أن يستحي من أن يكون يخشى غير الله لأن معناه أنك تجعل غير الله وكأنه أكبر من الله، وكأن ما لديه مما تخافه منه أعظم وأشد عليك مما لدى الله؛ لهذا الله سبحانه وتعالى جعل الأشياء لديه على أرقى مستوى جهنم أشد، أشد عذاب والجنة أعلى، أعلى نعيم مادي ورضوانه أكبر من ذلك النعيم المادي التي هي الجنة.
إذاً تراجع حساباتك، متى ما كنت تخشى آخرين تخشى من – مثلاً – أمريكا الكبيرة في الأرض هذه أليس لديها الأسلحة الكثيرة ولديها الإمكانات الكثيرة؟ هل يمكن أن تعتبر ما لديها يساوي يوما واحداً في جهنم؟ أبداً، فهل تخاف ما لدى أمريكا عندما لا تكون إلا أنت، وأمريكا كلها متوجهة بكل ما تملك من أسلحة لتصبها عليك أنت وحدك؟ يجب أن لا تخشاها لأن ما لدى الله من عذاب شديد هو أشد بكثير، بكثير لا يساوي ما لدى الآخرين يوما واحدا في جهنم ولا ساعة واحدة في جهنم.
يجب أن نفهم خطورة المسألة: أن الناس لا يهتدون وأنهم يضعون عقبة كبيرة جداً أمام اهتدائهم عندما يكونون يخشون غير الله {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(البقرة: من الآية150) لا تظن بأنك عندما تتوقف في موقف معين لأنك تخشى طرفا آخر أنك ربحت أنك أمنت جانبه، يجب أن تفهم بأنك خاسر، ومن خسارتك الكبيرة هو أنك وضعت نفسك في مشكلة كبيرة أنك وضعت عائقا كبيرا جداً أمام أن تهتدي، ثم انظر أين تنتهي بك هداية الله سبحانه وتعالى في الدنيا وفي الآخرة كيف نهايتها، في الدنيا عزة وسعادة ورفعة وقوة وطمأنينة، وفي الآخرة الأمن يوم القيامة والجنة ورضوان من الله أكبر، عقبة تجعلها أمام نفسك تشكل عائقاً كبيراً أمامك تصبح بالشكل الذي لا تعد محط لأن تهتدي، وكل هدى يريد الآخرون أن يصلوا به إليك هناك عقبة تصطدم ولهذا بعضهم يقول: [والله صحيح لكن…] أليس بعضهم يقول هكذا؟ أليس هنا يبين لك العقبة أمامه [صحيح والله هذا العمل باهر وأنه حق لكن يا خبير معنا أعداء الله والدولة كذا والمدير فَسْل والمحافظ فَسْل] وأشياء من هذه.
إذاً هذه الحالة أمامك لو تعرف أنها خسارة كبيرة جداً لأنك لم تعد تهتدي نهائياً، وفي الأخير لا تدري إلا وأنت يوم القيامة مع من تخاف منهم وتخشى منهم، وسيأتي في الأخير كيف الحكاية وكيف المصير بالنسبة لك في الآيات الأخرى تكون معهم في جهنم تكاد أن تأكل أناملك من الحسرة يوم القيامة {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}(الفرقان: من الآية27) من شدة الحسرة والندامة {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}(الفرقان: من الآية27) هذه سبيل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كتاب الله، ما يهدي إليه كتاب الله هو السبيل الذي سار عليه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو السبيل الذي دعا إليه، هو رسالته التي هي ممتدة للبشر جميعاً إلى آخر أيام الدنيا.
{وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ}(البقرة: من الآية151-152) هذه من النعمة الكبيرة جداً على الناس، نعمة القرآن الكريم، نعمة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ}(البقرة: من الآية151) إلى أن قال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي}(البقرة: من الآية152) هذه النعمة الكبيرة {وَلا تَكْفُرُونِ}(البقرة: من الآية152)أي لا تكفروا بهذه النعمة الكبيرة فتكونون كافرين بي.
لكن هذه واحدة من العوائق الكبيرة {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}(المائدة: من الآية44) فلن تعد تتم نعمة عليك ولن تعد تدرك النعمة الكبيرة وهي نعمة القرآن الكريم ونعمة الرسول ولن تتعلم ولن تتزكى ولا تعطي حكمة ولا شيء وفي الأخير تكون كافرا بهذه النعمة العظيمة، كافرا بالله، بما قدمه الله سبحانه وتعالى إلى الناس وهي النعمة الكبيرة هذه.
بعد أن ذكر الكثير من تاريخ بني إسرائيل، وكيف وصل بهم الضلال، وكيف آلت حالتهم إلى تلك الحالة السيئة، حتى في نفسياتهم فقدوا الطمأنينة، وأصبحوا في حالة قلق، يخاف، يخاف من ذكر الموت {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}(البقرة: من الآية96) ضياع، غضب إلهي، ذلة، مسكنة، أشياء رهيبة جداً.
إذاً يجب أن تفهم عظم نعمة الهداية، نعمة أن الله أرسل رسولا هو محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وأنزل عليه هذا الكتاب وهو هذا القرآن نعمة كبيرة جداً لأنه ما يزال بين أيدينا وما نزال كلنا متفقين عليه، كل المسلمين متفقون عليه، هي نعمة كبيرة لا يساويها نعمة، لا يساويها نعمة من كل النعيم {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}(البقرة: من الآية152) نفس القضية التي ذكّر بها بني إسرائيل {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة:47) هنا يذكِّر المسلمين بأن يذكروا هذه النعمة العظيمة، وإذا لم تقدر هذه النعمة العظيمة سيكون موقفك في الأخير موقف بني إسرائيل منها، من نعمة الكتب، من نعمة الرسل التي أنزلت إليهم، وبعثوا فيهم، وفي الأخير سيكون مصيرك مصيرهم. ألم يصل الناس إلى أسوء مصير؟ وصلنا إلى أسوء مما وصل إليه أهل الكتاب فعلاً، فتجدهم هم الآن من يتجهون لقهرنا، وإذلالنا، والتحكم في شؤوننا، واحتلال بلداننا، ونهب ثرواتنا، وتغيير ديننا في نفوسنا؛ لأننا ضيعنا نعمة كبيرة هي أكبر من النعم التي أوتيها بنو إسرائيل. فعلاً هذا القرآن هو أكبر وأشمل وأعظم من الكتب الإلهية السابقة؛ لأن الله جعله مهيمناً على كل كتبه السابقة.
يجب أن تُفهم المسألة أن قضية الرسالة قضية الهداية معناها تقديم ما هو في الواقع – إذا صحت العبارة – خدمات جليلة للناس، يعلمهم، يعلمهم علماً صحيحاً علماً واسعاً علماً يصيرون به حكماء، الكتاب والحكمة، الحكمة كما نقول في أكثر من مقام هي لا تعني هنا: [السنة] كما يقول المفسرون أبداً ليعلمهم كيف يكونون حكماء في رؤاهم، في سلوكياتهم، في مواقفهم، الحكمة هي الآن عندما افتقدها المسلمون عندما افتقدها العرب، هل تجد مواقف حكيمة الآن في مواجهة هذا الخطر الكبير الذي يتجه على هذه الأمة، أين المواقف الحكيمة؟ هل هناك مواقف حكيمة؟ هل يوجد رؤى حكيمة؟ هل هناك أساليب حكيمة؟ لا شيء، مفقودة، الحكمة هي من الله {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}(البقرة: من الآية269) الحكمة هي جانب من الحق نفسه، لهذا يقول هناك {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(البقرة: من الآية147) والحكمة تعني: المواقف الحق، وهي في نفس الوقت تعتبر حكيمة أي هو الموقف الصحيح المناسب، فالموقف الصحيح المناسب هو حق وهو حكمة في نفس الوقت، موقف حكيم من هذه القضية الفلانية أسلوب حكيم في هذا المجال الفلاني طريقة حكيمة في هذا التوجه الفلاني وهكذا.
{وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية151) يعلمكم ما لا يمكن أن تصلوا إليه ولا إلى معرفته من النور والحكمة وتزكو أنفسكم وتتسع معارفكم وتسمو أنفسكم وتكون مواقفكم ورؤاكم ومنطقكم كلها حكيمة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة:153) هذه واحدة من مظاهر {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أن تفهم بأنه عندما يوجهك لموقف حق، يبين لك قضية حق هو في نفس الوقت يقدم لك ما يعينك على أن تقوم بهذا الحق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}(البقرة:من الآية 153) لاحظ كيف أنه عندما أمرنا في [سورة الفاتحة] أن نقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الفاتحة:5) هو في الوقت الذي يبين لنا كيف نعبده هو يمثل عوناً لمن يتجهون في عبادته فنعبده ونستعين به في أداء عبادته أن نعبده معناه: الحق، نقوم بالحق الذي أنزله على رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) الحق هذا العنوان الواسع الشامل.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}(البقرة:153-154) لو تأتي إلى مسألة: أن تقتل في سبيل الله تجدها في الأخير تعتبر من الحكمة بالنسبة لك ومن الخير الكبير بالنسبة لك لأنه عندما ترى أنه في الأخير أنت ستموت، أليس كل إنسان سيموت، أليس من الأفضل لي أليس من الحكمة أن استثمر موتي أنت ستموت، ستموت أليس هذا موقفاً حكيماً؟ ليست قضية تعتبر مصيبة لأنه ما هو الجديد في القضية؟ هل هناك جديد في الموضوع؟ هل القتل في سبيل الله شيء أكثر من الموت؟ أو الإنسان إذا لم يقتل في سبيل الله فلن يموت؟ سيموت ولا تدري في نفس الوقت متى ستموت، إذاً فالموقف الحكيم والخير الكبير عندما تقتل في سبيل الله تعتبر أنت استثمرت موتك الذي لا بد منه ثم تكون في الواقع أفضل لك من أن تموت فتكون في عالم اللا شيء إلى يوم القيامة تكون أحياء، أحياء.
ويبدو أن الشهداء يبقون أحياء من أول لحظة يفارق فيها هذه الحياة فيصبحون أحياء فعلاً، ففي آيات أخرى عندما يقول الله عن أحداث القيامة: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}(الزمر: من الآية68) تبين أن هناك فئة أو شيئا من مخلوقاته حية لا تتأثر بتلك الأشياء مع أن الشهيد يموت اسما، اسما هكذا أنت تراه لكن في الواقع يصبح حياً فقط ألقى [بذلة] خلع البذلة التي عليه ذلك [البودي] الذي له هذا الهيكل وأصبح حياً {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}(آل عمران: من الآية169) لم يعد هناك موت بالنسبة لهم {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}(الدخان:56) تأمل في كثير من الآيات التي تتحدث عن أحداث القيامة فيها حالة استثناء {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}(الزمر: من الآية68).
هذه القضية قد تبدو في أول وهلة وكأنها كبيرة لكن قدم لها، وهذا أسلوب من أساليب التوجيه الإلهي والإرشاد الإلهي والتشريع الإلهي من المقدمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}(البقرة:153-154) لاحظ كيف يأت الكثير منها بأسلوب استعراضي ما جاءت عبارة: اقتَلوا، اقتَلوا في سبيل الله، لا. يبين لك هنا القضية موقع هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله حتى تصبح أنت متشوقا؛ لها إيجابية فيما يتعلق في نفس أي إنسان أكثر من أن يقال: اقتَلوا أو يجب أن تقتَلوا في سبيل الله وستكونون أحياء {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ}(البقرة: من الآية154) لا. هذا مقام رفيع لا تسموهم أمواتا، لا يصح أن تقولوا: مات فلان، إنهم أحياء بكل ما تعنيه الكلمة، ولكن لا تشعرون.
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(البقرة:155) لاحظ ما أجمل موقع هذه الآية بعد أن يجعلك بالشكل الذي تشتاق إلى أن تقتل في سبيل الله! هل ستبدو ثقيلة عليك أن تمر بأي شيء من هذه الأشياء المتعددة بعد: خوف أو جوع أو نقص في الأموال أو نقص في الأنفس؟ أنت مشتاق أن تقتل في سبيل الله هل هي مشكلة بالنسبة لك، جوع خوف نقص من الثمرات وأشياء من هذه، ستبدو أمامك هينة إذا كنت قد فهمت النقطة الأولى والمقام الرفيع لمن ضحوا بأنفسهم في سبيل الله ثم هذه تبدو بأنها قد تمر بالناس على حسب إرادة الله سبحانه وتعالى، هذه القضية لا نعلم كيف هل يمكن مع جيل معين أو في سنة معينة أو متى بالتحديد إنما يبدو أنها مشجعة باعتبارها ترويض ربما عندما تكون المسألة باعتبارها ترويض قد يكون الناس فيما إذا أخلصوا لله وتوجهوا إلى الله وعزموا على أن يضحوا في سبيله، ولو قتلوا في سبيله وأن يتحركوا في سبيل الله ولو قتلوا ربما، ربما – والله أعلم – قد تكون هذه الحالة بالشكل الذي قد لا تعد تحصل ابتلاءات من هذا النوع إلا ما كان في نفس الوقت – وهذه تبدو سنة إلهية – ابتلاءات في المقام العملي تكون إيجابية كبيرة في نفس العمل الذي أنت فيه تخدم القضية التي أنت تتحرك فيها.
أليس لدينا الآن [150] سجينا من أجل الشعار؟ تبين من خلال سجنهم إيجابيات كبيرة جداً جدأً، لهذه المسيرة ولهذا العمل وفضح كبير للأمريكيين ولغيرهم بشكل لم يكن بالإمكان أن نحصل عليه ولا أن تصل القضية إليه لولا هذه الحالة التي مر بها كثير من الشباب فأصبح منهم حوالي [150] سجينا، أليست تبدو في الصورة قضية ابتلاء؟ لكن الإبتلاءات في المجال العملي كلها تصبح إيجابية، إيجابية كلها إلا في حالة واحدة ما كان نتيجة تقصير من الناس تفريط من الناس هذه تكون تأديبا يحصل تأديب.
في مراحل الصراع مع أعداء الله يحصل حالة خوف، أليست طبيعية في الصراع عند البشر كبشر يحصل خوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات أليست هذه تحصل؟ لكن المؤمنين أنفسهم عندما يمرون بأشياء من هذه تعطيهم تجلدا تعطيهم صبرا، وعندما تكون هي من جهة الله سبحانه وتعالى تكون إيجابية أيضاً في نفس الوقت إيجابية، فيجب هنا أن تصبر، تصبر لتنجح في هذا الإبتلاء الإلهي الذي يعطيك في نفس الوقت تجلدا؛ لأن ما يمكن أن يحصل عليك وأنت في مواجهة العدو كمجتمع وكأفراد هي هذه: حالة خوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات.
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(البقرة: من الآية155) بشر الصابرين، هذه الآية هذه العبارة تتكرر في القرآن الكريم بشكل كبير بأن الناس عندما يصبرون في سبيل الله فهناك بشارة هم موعودون بها هناك فرج إلهي {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا}(الصف: من الآية13) بعد ما ذكر الجنة والمغفرة وتكفير السيئات {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}(الصف: من الآية13) عادة الصبر الإلهي أن يصبر الإنسان في سبيل الله هو الصبر الوحيد الذي يأتي بعده فرج وإذا لم تصبر في سبيل الله فستصبر على قهر أعدائك على ظلمهم لك على استعبادهم لك على هتك عرضك، ويكون هذا الصبر لا لله ولا في سبيله ولا نهاية له وليس بعده فرج لا يحصل بعده فرج أبداً.
إذاً فالأفضل للإنسان هي نفس القضية الأولى أنت ستموت، أفضل لك أن تحاول أن تعمل في مجال لتحصل فيه أن تستشهد في سبيل الله وإلا ستموت، أليس هذا أفضل من أن تموت أفضل لك أن تصبر في سبيل الله من أن تصبر على الذلة والإهانة والقهر والعبودية والإستذلال وتسلط الأعداء، أفضل لي أن أسير أنا ويكون الأعداء هم الذين يصيحون مني، الذي أضرِب أفضل من أن أكون أنا الذي أضرَب والذي أقهر وأذل وأصيح أنا وكل أسرتي وكل الناس من حولي، أليس هذا أفضل لك تصبر في طريق أنت فيها الذي تضرب وتؤلم الآخر وتغيض الآخر وتهزم الآخر؟ ولا أن تكون أنت الذي ماذا؟ الآخر العدو هو الذي يقتحم عليك بيتك هو الذي ينتهك عرضك هو الذي ينهب أموالك هو الذي يذلك ويقهرك، نحن نرى صورا من هذه موجودة في العراق وفي فلسطين مؤسفة جداً.
إذاً هل هناك جديد بالنسبة لك عندما تصبر في سبيل الله أو أنه أفضل، أفضل أن تصبر في سبيل الله هو الصبر الذي هو في مقام عزة ورفعة والآخر يصيح منك، وإلا ستصبر في وقت أنت الذي تصيح فقط والعدو لا يصيح منك أنت الذي تصيح أنت بيتك دمروه نهبوه دخلوا يربطونك أمام زوجتك ويقودونك إلى السجن ويعذبونك يهود أعداء من أشد الأعداء، ألست أنت الذي تصيح لوحدك؟ وأنت تصبر في سبيل الله أنت تجعل الآخرين يصيحون منك، إذاً ما معناه بأنه لا بد أن نمشي في سبيل الله ونصبر أننا إذا لم نكن على هذا النحو سنعيش في حالة استقرار وسعادة ولا هو حاصل علينا شيء؟ لا. ستجد أن هذه الحالة أفضل، أفضل بكثير في وقتها وفي غايتها وفي نتيجتها.
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(البقرة:155-156) هذه الخلاصة هي هذه، نحن لله فشيء في سبيله ليس هو مشكلة علينا في سبيله نحن له ونحن سننتهي في مسيرتنا بأن نرجع إليه، هذه العبارة جميلة جداً و ترسخ في ذهنيتك بأنك مملوك لله وأنت له وسترجع إليه، إذاً لم يكن هناك جديد بالنسبة لك نهائياً، أن نقول إن الآخرين أوقعوك في قضية هم يمكن أن يميتوك إذا تحركت في سبيل الله، معناه إذا ما تحركت ستخلََّد، وأنهم سيعذبونك، لكن إذا أنت لم تتحرك في سبيل الله فلن ينالك شيء؟ لا. إذاً فنحن لله ونحن راجعون إليه فما يأتي ونحن في سبيله هو مما يجعل له أثره الكبير في مقام الرجوع إليه ويوم نرجع إليه.
{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(البقرة:157) لاحظ العبارة هنا أن تأتي العبارة هذه بشكل صلوات، صلوات تعني الرعاية التي هي رعاية لمن هم في أداء مسؤولية، رعاية تسهل لهم النهوض بمسؤوليتهم مثل كلمة: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) عندما نؤمر أن نصلي على محمد وعلى آل محمد نحن ندعو الله أن يمنحهم ما يهيئ لهم النهوض بمسؤوليتهم فيمنحهم من الرفعة والعزة والتمكين ما يمكنهم من أن ينهضوا بالمسؤولية الملقاة على كواهلهم {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} الصلوات هي تفيد الرعاية يمنحهم مجدا يمنحهم رفعة يمنحهم عزة، تختلف كلمة صلوات عن أي شيء آخر، ورحمة يرحمهم في مسيرتهم، ورحمة الله مظاهرها كثيرة جداً في حياة الناس.
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} هم المهتدون لسبيل الحق، هم المهتدون للطريقة الصحيحة هم المهتدون إلى ما يؤدي إلى الغايات العظيمة في الدنيا والغاية العظيمة في الآخرة وهي ماذا؟ الجنة ورضوان الله سبحانه وتعالى لا يجوز أن الناس يتساهلون يكون يتذكر الإنسان يتذكر دائماً لا يخاف، واحدة مما يجعل الإنسان يخاف عندما لا ينظر إلا إلى اتجاه واحد يكون عنده أن هذه الطريقة مليئة بالمشاكل والمصائب والسجون وأشياء من هذه وقد يقتل واحد، لكن ً تذكر الطريقة الثانية تذكر أنك قد تعاني معاناة شديدة ليست في سبيل الله ولا وراءها أي غاية جميلة بالنسبة لك، إذاً يجب أن نتذكر هذه الحالة ليعرف الإنسان أو ليصل إلى مسألة: أن لا يخشى إلا الله هذه نفسها من العوامل المساعدة على أن تقف موقف الحق على أن تكون حالتك النفسية حالة حق وصواب، ألم يقل هناك {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أليس من الحق ومن الصواب أن تكون على هذا النحو؟: أن لا تخشى غير الله.
لاحظ كيف قدم لك المسألة هنا بالشكل العظيم جداً، يدفع بك في الأخير إلى أن ترى فعلاً أنها قضية أفضل لي أن لا أخشى إلا الله؛ لأني عندما أقتل سأقتل في سبيل الله سأكون حيًّا، حيًّا في الجنة تتنعم من بعد ما تفارق اللحظة الأولى لتلقى الحياة هذه، أليست هذه الطريقة نفسها من عند {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية154) إلى قوله في الأخير: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(البقرة: من الآية157) تجعلك بالشكل الذي تشجعك على أن تكون لديك حالة الحق وهو أن لا تخشى إلا الله {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن}(المائدة: من الآية44) تبين لك السنة الإلهية بأن الله عندما يوجه إلى حق عندما يأمر بحق هو يعمل الأشياء الكثيرة التي تسهل عليك الوصول إلى ذلك الحق، فعندما يكون مطلوب منك، وهي قضية أساسية وقضية هامة أن يكون الإنسان هكذا لا يخشى إلا الله فانظر كيف عمل هنا بشكل يجعلك فعلاً لا تعد ترى بأنه صحيح أن تخشى غير الله وأنه خطأ أن تخشى غير الله؛ لأنه ما هي غاية أن يعمل بي غير الله؟ هو أن أقتل، أليس هكذا؟ هو أن يحصل نقص من جانبه علي أموال ثمرات يحصل شي من الخوف أشياء من هذه كلها هذه فيما يتعلق بالقتل، بعده حياة في مقام رفيع أو تقع أشياء من هذه وراءها {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. إذاً عندما يرجع واحد في الأخير يخشى غير الله يعتبر نفسه مخطئا هو في حالة غلط هو في حالة خطأ هو في حالة [دبور] كما نقول نحن، دبور.
كما ذكر سابقاً البيت الحرام وعمارة إبراهيم له ذكر هنا أيضاً: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}(البقرة:158) هنا تأتي قضية الحديث عن البيت والحديث عن هذه المشاعر في إطار الأشياء هذه فيما يتعلق بموضوع الهداية فيما يتعلق بموضوع الصراع مع الآخرين فيما يتعلق بموضوع التسليم لله، تجد أنها قضية لها إيجابيتها في ماذا؟ في تعزيز هذه الأشياء في تعزيز أن تهتدي بهدى الله بأن تسلم نفسك لله بأن تكون قويا في مواجهة أعداء الله.
تجد أن لها علاقة فيما يتعلق بالطرف الآخر فعندما تكون هذه لها أثر إيجابي بالنسبة للمسلمين: البيت الحرام، وهذه المشاعر المقدسة وتشريع الطواف بين الصفا والمروة وغيرها من المشاعر المقدسة حول البيت الحرام أنها قضية تمثل نقطة قوة بالنسبة للمسلمين لها إيجابية كبيرة بالنسبة للمسلمين في موضوع الصراع مع الآخرين؛ لهذا تجد الآخرين يتوجهون بجدية ضد الحج والسيطرة على الحج وأن يعملوا بأي طريقة للحيلولة بين المسلمين بأن يتوقفوا عن الحج أو أن يأتوا بأعداد قليلة جداً وبدأوا فيما يتعلق بماذا؟ بالتقصيد أعني كل بلد لا يحج منه إلا ما يساوي واحد في الألف مع أن الله سبحانه وتعالى جعل مكة بالشكل الذي يتسع لأي عدد يحج من الناس.
يذكر أحد المؤرخين [دحلان] في كتاب [تاريخ الحرمين] عن قضية يشاهدونها هم بالنسبة لمكة عندما ننظر إلى مكة مع عدم وجود الحجاج وادي يبدو ضيقا والجبال محيطة به من هنا وهنا لكن وقت الحج قال: يدخل من كل بلد إسلامي وكانوا يسافرون على الدواب على الإبل على الدواب ما قد هناك شيء وسائل مثل هذا الزمن يجتمعون من كل بلد في ذلك الوادي في ذلك المكان لا يمتلي لا يمتلي نهائياً وهم يأتون بأعداد كبيرة جداً، هذه آية من آيات الله أن يكون ذلك المكان بالشكل الذي يستوعب الناس مهما تكاثروا فيه.
قضية غير صحيحة عندما يقولون: يقصِّدون الناس على أساس لا يكون هناك زحمة، هذا غير صحيح الله عندما يقول لنبيه إبراهيم: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}(الحج: من الآية27) أذن في الناس بالحج، والله يعلم بالنسبة للناس إذاً فليحج كمَّا يحج من الناس هو يعلم بالمكان أنه يستوعب لأنه هو الذي قال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} وجعل الحج في وادي ومليء جبال، لم يذهب يبحث لصعيد صحراء سيناء أو صعيد مصر أو صحراء أفريقيا أو أي منطقة أخرى، أليس يعلم سبحانه وتعالى بأنه هو الذي جعل ذلك المكان محاطا بالكثير من الجبال ليجتمع الناس كمّا اجتمعوا سيتسع لهم المكان الأشياء التي يبدو أمامنا فيها زحمة قد تكون نتيجة من قلة وعي لدى بعض الحجاج ولقلة خدمات فيما يتعلق بتنظيم الحجاج وهي أماكن محددة هي أماكن سيحصل فيها زحمة لو لم يحج إلا مائة ألف وهي عند الجمرات عند الجمرة الأولى جمرة العقبة يوم النحر يوم العيد الزحمة هناك تراها ليس لأنه حج ثلاثة ملايين شخص زحمة قد تراهم مزدحمين وهم قد يكونون خمسة آلاف على الأكثر الحجاج المزدحمين قد يكونون خمسة آلاف.
إذاً ليست المشكلة أن هناك ثلاثة ملايين، مكان يزدحمون فيه نتيجة عدم وعي نتيجة قلة رحمة بين المسلمين أنفسهم يأتي أناس يتجمعون ويتكتلون قد يصلون إلى حدود خمسين شخصا أحياناً ثلاثين شخصا عشرين شخصا وشكلوا زحمة وضروا الذين قبلهم وليس هو من أصله، الإشكالية لديهم هم وليس من أجل كثرة العدد، إذا كان الزحمة قد تحصل بحضور ألفين في ذلك المكان لا يؤدي إلى أن تقول يجب أن نقلل عدد الحجاج وكل بلد لا يحج منه إلا عدد معين ثم يرفعون تكاليف الحج هذه خطة يبدو أمريكية ترويض للناس أن يتقبلوا تقليص وتقليل عدد الحجاج من كل بلد عدد معين ويكون عدداً قابلاً للتخفيض وكل سنة يخفضون أكثر وكل سنة يفتعلون شيئاً فيما يتعلق بالكعبة يقولون: قد حصل وباء أو حصل كذا من كثرة الإزدحام، إذاً قللوا العدد قللوا العدد حتى يصبح الحج قضية لا تعد محط اهتمام عند المسلمين أو في الأخير يوقفوه.
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}(البقرة:159) بعدما عرض علينا عرضا كاملا النتائج السيئة التي تحصل على الناس بسبب إعراضهم عن هدى الله وانصرافهم عن هدى الله وتضليل من يكتمون الحق لهم، وكيف تكون الجناية الكبيرة من جانب من يكتمون الحق بالنسبة للناس، أي لا تتوقع في مسألة كتم الحق أنه فقط جانب يكتم وفقط إنه سيقدم شيئاً آخر سيقدم باطلاًُ ويقدم ضلالاً مقابل الحق الذي كتمه لا يكونون ساكتين فقط، أنت عندما تقعد وأنت عالم ولا تريد أن تتحرك في سبيل الله هل تظن بأنك ستسكت وتجلس؟. لا. على أساس أنت تتصور بأنه ربما الآخرون يظنون بأنك محرض ستنطلق من عندك عبارات بأنه: لا يجوز، ما هناك فائدة، هذا لا يصح، ولا يوجد لزوم، وماذا يمكن أن تعملوا، وليس الواجب كذا،… وفتاوى على هذا الأساس، أو لأن الناس قد يلومونك مثلاً إنه: لماذا لا تتحرك في هذا الموضوع؟.
فتقعد وفي المقابل تقدم أشياء تكون في الصورة مبررا لقعودك وسكوتك عما يجب أن تقوله، ألست هنا أنت ستقدم أشياء تصبغها بصبغة شرعية ودينية؟ تقول: [أساساً ما قد وجب، ما هو يلزمنا وإلا لما قصرنا، مستعدين أو ما الناس راضين يتحركوا ولا الناس راضين يسمعوا والناس كذا…] يرد اللوم على الناس: [والناس.. والناس هم كذا..!] تعود من عنده وقد عندك نظرة سيئة للناس وقد عندك مفاهيم مغلوطة بالنسبة للبشر وبالنسبة للحياة هذه [وانظروا كيف علي بن أبي طالب قام وقتل والإمام الحسن قام وقتلوه والحسين قام وقتلوه وزيد قام وقتل والدنيا هكذا لا يصلح فيها شيء والناس سيتعبون فقط بدون فائدة والحق ضعيف وأهل الحق لا ينتصرون وهم هكذا ضعاف..] وتذهب من عنده وقد أنت محطم، أو بخطبة معينة تكون على هذا النحو. ويكون هو يكتم وفي نفس الوقت ينـزل أشياء باطلة؛لهذا يجعل الناس ضحية يجعلهم ضحية فعلاً.
فلأهمية الهدى ولخطورة الإنصراف عن هدى الله بالنسبة للبشر جميعاً بالنسبة لكل إنسان بالنسبة لأي أمة من الأمم ولأن من يمكن أن يبين الحق للناس هم من يحملون العلم، أصبحت قضية كتم الحق كبيرة من الكبائر الخطيرة جداً على صاحبها {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ}(البقرة: من الآية159) هذه القضية خطيرة {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}(البقرة: من الآية159) كل من يلعن عدوا لله كل من يلعن إنسانا شريرا كل من يلعن الخبثاء يكون هو محطا لهذه اللعنة، ثم قد تصل المسألة فعلا إلى لعن حقيقي عندما يجد الناس بأن أولئك أضاعوهم عند ما يجد الناس بأن أولئك لم يعلموهم لم يكلموهم لم يبينوا لهم لم يحركوهم لم يقودوهم لم يوجهوهم حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من حالة شديدة فيعتبرونهم بأنهم ملعونين فعلاً قد يلعنونهم فعلا؛ لأن الله أنزل البينات والهدى للناس، ألم يقل هكذا: {مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاس}؟ بينّا الهدى وبينّا البينات التي الناس بحاجة إلى معرفتها في حياتهم هنا، وفيما يتعلق بمصيرهم في الآخرة بيناه للناس أي أن المقصود هو كل الناس هؤلاء جماهير البشر ليس الهدى فقط للعالم لوحده يكون عنده أنه قد أخذ نصيبه ويتفق الباقون! إنما لديك هو للناس ما لديك من هدى هو للناس يجب أن تبينه للناس وأن تقدمه للناس وإلا فأنت ستهلك أنت ولو أنت عارف للحق ستهلك أنت.
لاحظوا المسؤولية في القضية هذه: أن الواجب بالنسبة لمن لديه معرفة بالبينات العلماء الذين لديهم معرفة بالبينات والهدى هو: أن يبينوها هي للناس، لا تأتي تسأله ويأتي يقدم لك مجبر طويل عريض من نفسه هو فيكون في الواقع يطلََّع لك مشاعر ضعفه ورؤاه الخاطئة والمغلوطة عن الواقع تأتي إلى عنده فيقول: [نحن ضعاف ولا بأيدينا شيء والدنيا غير جيدة والناس قد هم غير جيدين وهؤلاء بعد الكبار ولا معنا شيء والإنسان يحاول في الفتنة يكون ينام فالمؤمن نئومة أو (كابن اللبون)] وهو لا يدري إذا صحت هذه العبارة عن الإمام علي كيف كان موردها وأمام من يقولها، إذاًَ هذا في الحالة هذه لا يبين لك البينات يبين لك حالته.
يجب أن نفهم نحن أن يفهم عامة الناس عندما تسأل أي عالم تقول: أنا أريد تبين لي البينات اترك نفسك هناك اترك نفسيتك مشاعرك ورؤيتك داخل في بطنك بين لي هدى وبينات الله وكتاب الله، ما هو الموقف المطلوب وما هو الموقف الذي تتناوله بينات الله أمام قضية كهذه؟ سيقول: لك صحيح أما بالنسبة لبينات الله، الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14) {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر}(آل عمران: من الآية104) وأن ينفق الناسُ في سبيل الله وأن يجاهدوا في سبيل إعلاء كلمته وأن يضحوا بأنفسهم وأموالهم وأن.. وأن.. وأن.. يجب أن يقدم للناس البينات ولو يقرأها فقط؛ لأن الله يجعل البينات بالشكل الذي يمكن من خلال قراءتها من خلال تلاوتها على الناس أن يفهموا المسؤولية من ورائها والموقف المطلوب منها من خلال أن يسمعوها، لكن الإشكالية هي هنا: أن بعضهم يقدم لك حالته هو ونفسيته هو وخرج واحد وعنده قد كان عند عالم قد سمع العالم!
أنت سمعت أنت إنساناً ضعيفا والإنسان أي إنسان هو ضعيف ولو أن الله سبحانه وتعالى ترك القضية أن يبينوا هم مشاعرهم ورؤاهم ستكون ضعيفة لكن مسؤوليتك أنت أن تبين للناس كتاب الله وهدى الله لو أنت ضعيف كيفما أنت، هذه مسؤوليتك كما تؤكد الآية هذه وفي آية أخرى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ}(آل عمران: من الآية187) أي الكتاب وليس نفوسكم ورؤاكم أنتم الخاصة التي هي رؤى ضعف، حالته ضعيفة، ونفسيته ضعيفة فيكون ما يقدمه لديك عبارة عن ماذا؟ رؤى ضعيفة ومواقف ضعيفة وتوجيهات ضعيفة كلها تنتهي بك إلى أن تقعد! لا، التركيز على أن يبينوه هو، هو.
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ} تجد نفس التركيز في الآية الأخرى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ}(آل عمران: من الآية187) أي الكتاب وليس مشاعرك التي في بطنك وضعفك.
إذاً عندما واحد يذهب يسأل، أي واحد منا يجب أن يفهم: أنا أريد أن تبين لي أنت كعالم بينات الله وهداه والمواقف المطلوبة من المؤمنين في قضية كهذه. أليس سيقدم لك آيات وسترى ما يقدمه لك من الآيات تختلف تماماً عن رؤاه الشخصية التي هي انعكاس لضعف نفسه وخطأ رؤيته بالنسبة للواقع وتقييمه بالنسبة للواقع.
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}(البقرة: من الآية160) لاحظ كيف هنا التوبة يبين للناس يقول: [إحنا حتى كلامنا السابق عندما كنا نقول ما كان يلزم ولا، ولا هي كانت غلطة] يبين للناس يحملهم على أن يتحركوا يبين البينات والهدى {فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة: من الآية160) هذه واحدة مما يبين لك أهمية هدى الله وخطورة من يكتمونه على أنفسهم وعلى الأمة، ثم موضوع هدى الله بالشكل الذي عندما يكون هناك معاندين كما تحكي الآية الأخرى.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار}(البقرة: من الآية161) مثلما تقول لم يعد معهم عذر هدى كامل بينات كاملة وضوح كامل بلاغ مبين {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(البقرة: من الآية161) لأنه لم يعد هناك أي شيء يعتبر مبرراً لهم أو يكون لهم حجة على الله بمعنى من كفر بعد هذه البينات والهدى التي تعطي بصيرة، ومن كتم هذه البينات والهدى يستحق هذه اللعنة الشاملة والخطيرة {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.
إذاً فيجب في المقدمة أن نفهم أن دور العالم هو: أن يبين وأن احترامي للعالم واقتدائي بالعالم هو أنه يبين وليس فقط لأنه سيدي فلان هكذا أو سيدنا فلان وذهنيتي فيها شخصيته تلك بزيه المعروف.. لا. يجب أن تعرف مهمته، ومهمته: أن تعرف ما هي بالتحديد، يبين هدى الله يبين كتاب الله وأنه إذا لم يبين كتاب الله فإنه يشكل خطورة كبيرة على الأمة وليس فقط على نفسه؛ لهذا [الإمام زيد] جاء برسالة هامة جداً موجهة للعلماء لأن العالم إذا كتم البينات ولم يبين للناس فهو يمثل خطورة يمثل خطورة كبيرة جداً على البشر؛لأنه أحياناً قد يصرفك إذا ما زال هناك من يبين آيات الله هناك، قد يقول لك:[اتركه ذا عندك مشعب وذا عندك معه تطانين ومعه كذا… وذا عندك سيدي فلان وسيدي فلان وسيدنا فلان والحاج فلان هم ذولا ساكتين ما بيعملوا كذا..] أليس هو سيحاول يصرفك؛ لأنهم يعملون – مثلما حكى عن أهل الكتاب – تضليلاً على الناس… يشتغل ليصرفهم عنه، يعمل ليصرفهم عنه، مع أنه قد تقول في واقع المسألة أحياناً أنه قد يكفي من جانب العالم عندما يكون هو يرى من يتحرك لنصرة دين الله أن يعتبر أن ذلك يعمل عملا صالحا، فإذا أحد جاء يسأله يقول لهم: [تحركوا هناك اذهبوا مع أولئك والله يعينكم نحن لا نستطيع نحن ضعاف ولا لدينا خبرة ولا لدينا تدبير ولا خبرة ولا، ولا] أو [قد أنا شيبة لم يعد باستطاعتي أتحرك وهذا عمل باهر…].
يؤيد، يوجه الناس يتحركون مع من يتحرك، هذه طريقة قد يكون بها أدى مسؤوليته قد يكون بها فعلاً أدى مسؤوليته وليس يحاول أن يثبط لأنه أحياناً – وهذه هي من نعمة الله على الناس بما فيهم العلماء – إذا كان هناك أحد من أعلام دين الله يتحرك هناك قد تتخفف المسؤولية بالنسبة للعالم، فهذه نعمة كبيرة؛ لأنه من قبل من واجبه هو أن يتحرك ويبين، يبين، يبين.
إذا كان هناك من يقوم باللازم هنا سترى الموضوع بالنسبة لهم تخفيفاً تقريباً باعتبار سنِّه باعتبار حالته باعتبار مكانته الإجتماعية ما يعرف كثيراً باعتبار قدراته وخبرته وأشياء كثيرة، لكن يستطيع يقول: اذهبوا هناك تحركوا هناك اذهبوا مع فلان تحركوا مع فلان، وهكذا، أليس هو هنا سيرتاح فعلاًُ إذا جاء أحد يسأله أو تحدث مع الناس أو طلب منه أحد من الناس أن يقول كلمة سيقولها، واستطاع أن يقي نفسه كثيراً من الأشياء التي يخافها؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقدم موضوع نصر دينه بالشكل الذي يمكن أن يشتغل فيه الناس جميعاً في مختلف الحالات التي هم فيها، إذا قد أصبح شيبة وهو عالم بكتاب الله فمسؤوليته كبيرة جداً، تتلخص مسؤوليته في الأخير بأنه يقول للناس: [اذهبوا هناك مع ذلك وقد هو يتحرك وجربوا أنتم وإياه وعسى الله يعينكم] كان هناك علماء بالنسبة لنا يقولون هذه ويعملون هذه فعلاً، كان بعضهم يعتذر أن ما لديه خبرة ونحن معك والله يعينك وشجعوا لنا الآخرين، كسيدي [إبراهيم الشهاري] رحمه الله وسيدي [محمد حسين شريف] رحمه الله وآخرين بالشكل هذا، يعتبر نفسه هنا بأنه قد هو في نفس الخط في نفس الإتجاه قد خرج عن المسؤولية الخطيرة هذه، تلك المسؤولية التي تعتبر خطيرة في حالة عندما لا يكون هناك من يتحرك، هي تعتبر أكبر وأخطر، عندما لا يكون هناك من يتحرك، هناك من يبين، تكون كبيرة، أي: تتناوله عيناً يعتبر كل واحد مسئولاً.
هنا تجد الخطورة الكبيرة في مجرد كتم الحق، أما إذا ترافق معه تضليل أيضاً، أما هذه فتعتبر حالة رهيبة جداً جداً، ماذا بقي وراء أن يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون على مجرد كتم أن يكتموا البينات والهدى ما يبينوها للناس، أما عندما يكتم ويقدم باطلاً ويقدم تضليلاً ويقدم ما يثبط الناس وما يقعد الناس وما يجعلهم ضحية لأعدائهم وأعداء دينهم، أما هذه فهي جريمة على جريمة قد تكون مثلما قال سابقاً: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}(البقرة: من الآية90 كما قال في بني إسرائيل، نعوذ بالله.
تجد في المقابل أي عندما يكون كتم الحق جريمة كبيرة، فعندما لا يتحرك الناس للحق تعتبر جريمة كبيرة، عندما لا يتحرك الناس للحق بعدما يبين لهم الحق ويرشدون إلى طريق الحق وأساليب الحق فإنها تعتبر أنهم أوتوا حق ومعرفة حق ووقفوا، جمدوا، فتكون المسألة فعلاً شبيهة بموقف العالم الذي يكتم الحق؛ لأن معناه تجمد الحق، سواء تجمد وهو ما زال عند العالم أو تجمد في الساحة عند الناس، لم يرضوا أن ينطلقوا فيه لم يتحركوا فيه بأنفسهم وأموالهم وبأن يرشدوا بعضهم بعضاً، ويوصوا بعضهم بعضاً به وبالصبر عليه كما قال الله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر: من الآية3)؛ لأنه في الأخير افترض عالم من العلماء أو علماء انطلقوا ليبينوا الحق أليست تلك حالة أخرى يمكن أن يتجمد فيها الحق ولا يكون له أثر، أن يبينوا للناس الحق ولا يتحركون تكون هذه مثل معرفة العالم للحق وما يبين.
العالم يبين الحق والناس ينهضون بالحق يمتثلون به, ويتواصون به وينهضون به وإلا قد تكون المسألة واحدة في العقوبة؛ لأنه في الأخير يتعسر التبيين إذا ما هناك من جانب الناس توجه ونهوض بالحق وأن يفهموا كما قلنا سابقاً أن الله عندما يقول هناك يتحركون في سبيله وينهضون بالحق ويتواصون بالحق وأساليب حق أنه يكون معهم يؤيدهم يثبتهم، هم ليسوا لوحدهم فقط يعملون في الساحة، إن الله هو مدبر شؤون السماوات والأرض.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(البقرة:161) هذه قد تتناول الناس الذين يقدم لهم الحق فيرفضونه أليسوا سواء في اللعنة؟ قال فيمن يكتم الحق: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} وكفروا: رفضوا الحق، لم يعملوا به بعد ما وُجّّهُوا إليه {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(البقرة: من الآية161).
الحق يحتاج إلى من يبينه, ومن يُبَيَّن لهم الحق أن ينهضوا به، هي مرحلتان لا بد منهما, لا بد منهما، إذا لم يبين العالم الحق, ولم يتحرك الناس, ما كأن لذلك البيان أي جدوى ولا فائدة، بقي الحق ضائعاً، إذا كان هناك أمة يمكن أن تنهض بالحق وتجمد العالم, لم يبين الحق سيبقى الحق ضائعاً، الحق في أن يكون هو سائد وأن ينهض يحتاج إلى قضيتين: من يبينه، وأمة تتحرك به, وأناس مؤمنون يلتزمون به ويسيرون في سبيله وينهضون به.
وقلنا: من الأخطاء الكبيرة أن نفهم كلمة كفروا معناها: جحدوا بالله، جحدوا بالله، كلما تراها، الكفر يتناول الرفض، الله يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(آل عمران: من الآية97) ماذا يعني؟ كفر: رفض هذا التوجيه، لم يحج وهو يستطيع، أليس معناه هنا رفض؟ سماه كافراً هناك كفروا: رفضوا، رفضوا، هذا مما يتناول الكافرين من حيث هم كافرين, لم يتقبلوا الهدى من البداية, مع أن الهدى واضح, والبينات واضحة, هذا شيء.
{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} ومن كفروا بهذا الحق, قُدِّم إليهم فرفضوا أن ينهضوا به, وأن يتحركوا على أساسه, ويستشعروا مسؤوليتهم في أدائه كذلك يعتبرون كافرين، والكفر عنوان واسع ودرجات متفاوتة وأحكامه متعددة. {وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}(البقرة:162).
ثم قال تعالى أيضاً في آية أخرى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(البقرة:164) أنت ترى الآن في مجمل هذه الأشياء التي حكاها مظاهر تدبير إلهي فيما يتعلق بالأشياء في هذا الكون في موضوع الخلق, اختلاف الليل والنهار، أليس هو عمل؟ تدبير، فيها آيات لقوم يعقلون: أي يفهمون أن من يدبر شؤون العالم على هذا النحو هو الذي يشرِّع هو الذي يهدي، هذا جانب من تدبيره: اختلاف ليل ونهار وبحر يسخره لتجري فيه الفلك وإنزال الماء من السماء وإحياء الأرض بعد موتها وما بث فيها من كل دابة, ما يأتي من نزول المطر من ثمار, تصريف الرياح: تقليبها مرة في الشمال ومرة في الجنوب, حركتها المتنوعة والمتقلبة, حركة السحاب، أليس كل هذه الأشياء كلها حركة تدبير؟.
أن تفهم بأن من يحرك العالم على هذا النحو ومدبر شؤون العالم على هذا النحو، أن تفهم أن الجانب المهم جانب الهداية والتشريع للناس, منهجاً يسيرون عليه, نظاماً يلتزمون به، أنه يعتبر جانباً مهماً من التدبير الإلهي.
هل يمكن أن يقوم بهذا التدبير فيما يتعلق بمظاهر السماوات والأرض، ثم يهمل القضايا الهامة جداً؟ هذه في الأخير تصبح وكأن ليس لها قيمة في الأخير إذا لم يترافق معها: أن البشر يسيرون ويلتزمون بالتدبير الإلهي الآخر وهو: تدبير الهداية الذي يتمثل في كتبه ورسله، وإلا ستصبح الأشياء هذه وكأنها ليست بشيء في الأخير، أي: أن تفهم بأن ذلك مجال لا يمكن أن يُهمَل على الإطلاق، مجال الهداية, مجال الدين الذي هو نظام للإنسان في هذه الحياة يسير عليه لا يمكن أن يهمل، إذا أنت تجد بأن هذه الحركة دءوبة مستمرة فكذلك دينه وهداه مستمر في حركة مستمرة لا يحصل تجمد.
ثقافة الكثير من المسلمين، بل الثقافة السائدة في الأخير انتهت إلى أن تعتبر الدين وكأنه تجمد بعد موت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ومعرفة الحق ومواقف الحق ومسيرة الحق وأعلام حق كأنها كلها تبخرت؛ ولهذا قالوا في الأخير: كل واحد يقوم يبحث هو يقرأ؛ ليرى هو ماذا يمكن أن يطلََّع هو من استنباطات وترجيحات من بين مختلف الأقوال والطوائف والفئات! لا. إن من يحرك العالم الحركة المستمرة.. وترى أن الجانب الآخر يمثل أهمية كبرى بالنسبة للإنسان كأهمية هذه الأشياء وأكثر، أليس هذا التصريف مما له علاقة بحياة الإنسان؟ مما يمثل رعاية للإنسان: اختلاف الليل والنهار وإنزال المطر وتحريك السحاب والرياح والفلك السفن التي تجري في البحر؟ أليست هي كلها في الأخير غاياتها رعاية للإنسان ومن أجل الإنسان؟ أليس الإنسان بحاجة إليها مستمراً؟ كذلك الدين، حركة الهداية، لا يمكن أن تتوقف، وهي الجانب المهم، أهم من هذه بالنسبة للإنسان، أهم من هذه بالنسبة للإنسان وحاجة الإنسان إليها.
إذاً معنى هذا: أن الدين لا يمكن يتوقف, وموضوع الحق وموضوع أعلام حق وحركة للحق والدين هي بالشكل المستمر إلى يوم الدين؛ لأن الله حي قيوم فهو القيوم فيما يتعلق بالأشياء هذه, وقيوم فيما يتعلق بهداه ودينه ففي هذه آيات لقوم يعقلون: يفهمون. فعندما يكون، وأعتقد أنها قد تكون الحالة السائدة كما تحدثنا عنها في موضوع سابق وفي وقت سابق، غلطة كبيرة أن تكون أنت ترى الأشياء هذه المختلفة في هذا العالم وهذه الحركة الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب والمطر والسحاب والرياح والثمار المختلفة المتعددة، أليست هذه حركة إلهية عجيبة؟ فكيف تتصور أن الباري أهمل الجانب الآخر، والذي يمثل رعاية هامة بالنسبة لك، يمثل حاجة ضرورية بالنسبة لك، وهو جانب الحق، جانب الهدى إلى الحق، المسيرة, على هداه!.
لا يمكن على الإطلاق أن تكون مسيرة تجمدت, مسيرة توقفت، مسيرة ترك الناس كل واحد يتخبط هو يبحث من عنده، كل واحد يدور للحق، فتفرقوا وتمزقوا وأصبحوا طوائف، لا يصح؛ لأنه في الأخير معناه ماذا؟ وكأن الله سبحانه وتعالى أصبح وكأنه فقط مدير أعمال بالنسبة لنا: ينـزل مطراً, وأشياء من هذه، ونحن نأتي نشرع ونأتي نحن نتحكم في شؤون عباده، هذا باسم ملك، وهذا باسم سلطان، وهذا باسم خليفة، وهذا باسم أمير، وهذا باسم كذا.
الجانب المهم هذا نفسه هو من الجوانب المهمة الأساسية في تدبير الله لشؤون عباده لشؤون السماوات والأرض؛ لأنه متى ما حصل خلل في الجانب الآخر.. قال هناك في آية أخرى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم: من الآية41) أليست أيدي الناس بحاجة إلى هدى يقوِّمها في حركتها حتى لا يكون كسبها بهذا الشكل الذي يفسد في هذه، يفسد في مظاهر الحياة في البر والبحر؟ {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}.
إذاً فمدبر شؤون السماوات والأرض مدبر شؤون العالم هو سبحانه أيضاً مدبر شؤون الهداية والتشريع ومسيرة الدين ومسيرة الحق، هو هو سبحانه وتعالى, هو هنا قال في المقدمة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}(البقرة: من الآية163) يتحدث بعد عن الآخرين الذين يجعلونهم آلهة هم من النوعية الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى يقول للناس: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} لا تطلع سيدي فلان إله وسيدنا فلان إله والحبر الفلاني والراهب الفلاني آلهة {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}(البقرة:163).
هو الذي يدبر شؤون العالم من خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والجانب المهم جانب تدبير الهداية ثم يقول بعد: {وَمِنَ النَّاسِ}(البقرة: من الآية165) مع هذا والتأكيد من جانبه لأنه هوهو الذي يمتلك وله الحق ويختص بهذا الجانب، وأبرز مثال للناس هو تدبيره الظاهر في ماذا في مظاهر هذا الكون اختلاف الليل والنهار، ألسنا نعرفه، هذه الأشياء كلها متحركة، والأشياء كلها ملموسة للإنسان، وأشياء كلها لحياة الإنسان علاقة هامة بهذه، هي تمثل رعاية بالنسبة له ومع هذا {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً}(البقرة: من الآية165) لا نقول: دائماً: أصناماً،أصناماً؛ لأن القضية تبدو بشكل أكبر فيما يتعلق بالجانب الآخر أنداداً هنا يكتمون حقاً ويقدمون ضلالاً ويتعلق بهم الناس فكأنهم جعلوهم آلهة وجعلوهم أنداداً لله!.
لاحظ المسيرة؛ لأن الله يقول بعد يتحدث عن موضوع التابعين والمتبوعين: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}(البقرة: من الآية165) لا أعتقد أن الإنسان قد يصل فيما يتعلق بحب حجر، حجر، لكن ممكن يحصل فيما يتعلق بأصنام من البشر عندما يكون العلامة الفلاني أو الكاهن الفلاني أو الراهب الفلاني أو المتعبد الفلاني ويأتي ترويج من سلطة معينة تروج له فيصلون إلى مستوى أن يحبوهم كحب الناس لله، أو كما يجب أن يكون حب المؤمنين لله، فجعلوهم أنداداً، أي أمثالاً وكأنهم آلهة الله هكذا يقول في هداه، والحق من عنده وكيف هي المسيرة التي يسير عليها عباده وأولئك قدموا أنفسهم كأنداد واتخذهم الناس أنداداً، جعلوهم عندما أصبحوا يحلون لهم ما حرم الله فيحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه، يهدونهم إلى سبل أخرى ليست سبيل الله فيسيرون وراءهم يضللونهم فيسيرون وراء تضليلهم فجعلوهم وكأنهم آلهة أنداداً لله.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}(البقرة: من الآية165) لأن الإنسان المؤمن سيرى في جانب الله سبحانه وتعالى ما يجعله يحب الله فعلاُ ويعظم حبه لله إذا كان هناك أنداداً يقدمون للبشر من داخل البشر ويحاطون بهالة إعلامية ودعائية وشيخ الإسلام، وحبر الأمة، وعناوين من هذه ومفتي الجمهورية، أو مرجع الأمة، أو المرجع الأعلى، أو آية الله العظمى، أليست تأتي عناوين من هذه؟ يجعلونهم، يحبونهم، لكن في الواقع الإنسان الذي هو متجه إلى الله يؤمن وينظر إلى الله سبحانه وتعالى ولعظمة هداه وإلى نعمه العظيمة وإلى رعايته الشاملة سيكون أشد حباً لله ومن هو أشد حباً لله سيكون أشد في مواقفه من مواقف الآخرين الذين يصيرون بعد، من جعلوهم أنداداً لله.
هنا تناولت الآية هذه: الأتباع ألم يتناول هناك من يكتمون؟ عادة الأتباع وهم تأتي من لديهم أخطاء كبيرة لأنهم ينسون أشياء أساسية قد يكون من أسباب أن ينسوها من جعلوهم أنداداً ومن ضللوهم لكن لو يرجعون إلى ظاهر آيات الله في القرآن الكريم إلى مجرد تلاوته بتأمل لعرفوا من خلاله أشياء كثيرة تعتبر أساساً لك تستطيع أن تميز نوعاً ما أطروحات تقدم لك من هنا أو من هنا في مجملها إذا أنت تنظر إلى الأساسيات تستطيع.
معنى هذا: أن هناك خطورة أخرى بالنسبة للأتباع {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}(البقرة:165) أو {وَلَوْ تَرَى} خطاب لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ولمن يرى ذلك الموقف الرهيب جداً وهؤلاء الظالمون ممن جعلوا أنداداً وممن جعلوا من أنفسهم أنداداً ممن يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى ويضللون عباد الله، ومن أتباعهم {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} سيتحسر عندما كان في الدنيا يؤقلم وضعيته ودينه لأنه يخشى غير الله يرى جهنم وإذا جهنم أشد من تلك التجارب النووية التي كنا نراها في الدنيا وتدخل في قلوبنا الرعب فنخشى أولئك ولا نخشى الله، نؤقلم خطاباتنا في المساجد ونؤقلم عملنا وحركتنا بالشكل الذي تحكمه خشيتنا منهم، ولا نخشى من الله، فيرى جهنم وإذا هي أعظم مما لدى الأمريكيين سيرى جهنم وإذا هي أعظم من التفجيرات النووية الهائلة والقنابل الشديدة الإحراق والواسعة الإحراق.
{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} هذا تهديد لأنه عادة منشأ كتم الحق كتم ما أنزل الله من البينات والهدى يكون وراءه دوافع وراءه رغبات وراء الرغبة خشية في غالبها من غير الله خشية ولو من فقر أعني: [أنا إذا لم أتجه على أساس أن أؤقلم ديني وأؤقلم أطروحاتي وتوجيهاتي للناس كعالم دين بالشكل الذي أحصل من الآخر على أكياس فلوس…] في صنعاء شاهدنا بعض العلماء يدخلون إلى بيوتهم أكياس نقود كيس شوال، بعض القضاة كيس شوال، إلى بيته هنا يقول: [ربما إذا لم يسر على الطريقة هذه فقد يحبسونه قد يتبهذل قد يضيع تلك الأشياء والحالة التي هو فيها] أليس هنا يخشى من غير، الله كلها منشؤها دائماً الخشية من غير الله حتى وأنت ترغب أن يدفعك خشية من أن لا تحصل على هذا الشيء الذي ترغب خشية أخرى ولو من ماذا؟ من تصور حالة سيئة قد تلحقك إذا لم تأخذ ما رغبوك فيه تتأقلم معهم.
إذاً هنا سيجد كل من يخشى غير الله: أن القوة الحقيقية التي كان يجب أن يخشى منها لله جميعاً عندما يعرضون على جهنم ويشاهدون جهنم يوم القيامة، أعني حالة يهولها بشكل رهيب جداً {وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي الحالة الرهيبة والحسرة والندامة الشديدة جداً وهم يرون العذاب وحينها شاهدوا أنه فعلاً أن القوة التي كان يجب أن نخاف منها هي قوة الله {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} وكل ما كنا نخشى من وقوعه في الدنيا كانت لا تمثل شيئاً بالنسبة لهذا المظهر الرهيب لهذه القوة الرهيبة قوى البطش قوة العذاب {وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.
تجد هنا بالنسبة للأتباع الذي لا يبالي ولا يهتم يتبع من سمع ترويج لشخصيته من التلفزيون من الإذاعة من الصحف وأحيط بهالة إعلامية فمضى وراءه أو أعطوه لقبا كبيرا من الألقاب التي يعطونها عادة للعلماء فيسير وراءهم أو زعماء؛ لأنه أحياناً توجه الناس يكون: الذين هم متدينون يرمز لهم شخصيات علمائية. قوميون يرمز لهم شخصيات قومية. أناس هكذا لفيف من الناس يكونون قابلين لأشخاص يرمزون لهم, هم شر, ودعاة إلى النار, تصبح أنت بالشكل الذي تجعل مواقفك مواقفهم وبعدهم وكل ما جاء من عندهم تعجب به وتصبح رؤيتك رؤيتهم.
يمكن أن يكون هناك أنداد لله متعددون بالنسبة للناس القوميون معهم أنداد, والناس الذين هم هكذا لفيف ليس قومياً ولا دينياً… فهو مع من رمزوا له في التلفزيون والإذاعة، وإذا به في الأخير يجعله نداً والآخر المتدين قد جعل لنفسه نداً هناك ممكن تشمل هذه كلها.
هنا تجد الحالة السيئة، عندما يجدون العذاب الشديد، جهنم لها زفير وشهيق وهي أمامهم؛ لأن جهنم تُبَرّز يوم القيامة، تبرز وتظهر أمام الناس، هناك الحسرات الشديدة {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا}(البقرة: من الآية166) هؤلاء الأنداد الذين كانوا يجعلونهم في الدنيا أنداداً لله يسيرون وراءهم ويرفضون هدى الله يسيرون وراءهم ويتركون طريقة الله، يتبرؤون منهم، أليست هذه حسرة شديدة؟ يتبرأ منك في أخطر موقف، وفي أحرج لحظة، وأنت كنت في الدنيا مجند توجهك وفكرك وأموالك وحركتك ولسانك له، بعده مروِّج له ومروِّج لطريقته وتركض خلفه يتبرأ منك في أشد موقف وفي أحرج موقف، أليست هذه حسرة شديدة {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}(البقرة: من الآية166) من الأتباع {وَرَأَوُا الْعَذَابَ}(البقرة: من الآية166) كلهم الذين اتَبَعوا والذين اتُبِعوا أي المتبوعين الكبار والأتباع {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}(البقرة: من الآية166) لم يعد هناك فيما بينهم أي علاقات يذهب واحد يؤمِّن الآخر، ويعمل شيئاً للآخر ينجيه، ولا معهم أي سبب آخر، لا شفاعات ولا أي شيء آخر نهائياً، أسباب النجاة كلها مقطوعة، أليست هذه حالة رهيبة؟ نعوذ بالله.
{وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً}(البقرة: من الآية167) هذه من مظاهر الحسرات الشديدة وتغيظهم الشديد على من كانوا يجعلونهم في الدنيا أنداداً لله يحبونهم كحب الله، كحب المؤمنين العاديين لله؛ لأن المؤمن يجب أن يكون أشد حباً لله.
{وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} لو يمكن أن نرجع إلى الدنيا مرة ثانية نتبرأ منكم كما تبرأتم منا، هذه من الحسرات الشديدة والتغيظ الشديد على الكبار المتبوعين {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} الأتباع الجماهير الذين يتأثرون بالخطابات الرنانة والحملات الدعائية والترويج {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} ليت لنا رجعة أخرى إلى الدنيا {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا}(البقرة: من الآية167) من أول ما يصلون إلى الدنيا [أنت ملعون اذهب هناك لم نعد نحن بعدك ولا لنا علاقة بك ولا…] أليسوا سيقولون هكذا؟
إذاً فالناس الآن هنا في الدنيا، تحاول أن تتبرأ ممن يمكن أن يكونوا أنداداً لله عندما تتبعهم أعني: الكبار الذين هم في الواقع على غير صراط الله، كل من هو كبير على غير صراط الله، الناس يحولونه إلى ند لله عندما يسيرون وراءه ولا يسيرون في صراط الله. ولأن من يسيرون على صراط الله لا تحصل هذه الحالة على الإطلاق مهما كانوا كباراً أمامهم، لماذا؟ لأن من يسيرون على صراط الله لا يقدمون أنفسهم كأنداد لله هو يقود إلى الله يدعو الناس إلى الله أن يتبعوا هداه؛ ليهديهم إلى الله، أما الطرف الآخر عادة هم يأتون إلى عنده فقط، يسمعون توجيهاته هو فقط، إذاً وماذا بقي وراءك؟ هو لا يهديك إلى الله.
قد تحصل هذه من عالم دين وهو في نفس الوقت يبدو أمام الناس أنه ممن هم في طريق هدى الله، لكن متى ما انطلق، لا يبين آيات الله، في الأخير يبين نفسيته، يجعل الناس يصلون إلى عنده فقط! هدى الله هو مسيرة، مسيرة لو كان على هدى الله لكان في مسيرة في حركة.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(الأنعام: من الآية90) ألم يجعلها مسيرة واحدة في هذه الحياة، مسيرة متحركة؟ إذاً فالعالم في الأخير الذي لا يدعو الناس إلى الله، ولا يهديهم بهدى الله، وإنما يقدم لهم رؤاه التي تعكس ضعفه، وقلة فهمه للواقع وقلة فهمه لمسؤوليته هو، ثم في الأخير يريد أن يعملوا بتوجيهاته هو هو، وأن يوصلوا إلى عنده هو فقط ويجلسون مثله هو، أليس هو هنا وقّفهم عنده؟ كذلك الأنداد الآخرين يعظمونه هو هو فقط إلى حد أنه أصبح يقدم رمزاً لأي عنوان يحمله، وإلى عنده فقط!
إن كل النوعيات هذه ممن ليسوا على صراط الله هم من يصبح في الأخير ندّاً لله، أما الآخرون ممن هم في صراط الله تجد مثلاً بالنسبة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ألم يأمرنا بأن نعظمه ونجله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأن نصلي عليه كلما ذكر؟ لكن هل القضية تنتهي عنده هو؟ هو برز في الصورة داعياً إلى الله أليس هكذا؟ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ}(الأحزاب: من الآية46) لا يوجد وقفة ندية هنا نهائياً، مهما عظم الشخص تعظمه تكبره تجله وهي كلها في المسيرة إلى الله، لا يحصل فيها ندية نهائياً.
هذه القضية يجب أن نفهمها فهما كاملا موضوع: التبعية – التي تسمى – ؛ لأن البعض يكون عنده أن المسألة سواء إذا قلت: اتبع فلان، يكون عنده [يعني لم يعد هناك إلا كلامه وسنحتاج نسير بعده؟!] أنت ستنتهي إلى حالة من هذه مع هذا أو مع هذا، فإما أن تكون الحالة التي أنت عليها متبعاً لمن هم في طريق الله، فهي حركة لا يوجد فيها ندية نهائياً مهما عظم عندك، أو أن تكون تابعاً لمن هم في الواقع يصبحون أنداداً، أنت تجعلهم، ما هناك أحد هو في واقعه يصبح نداً، أنت تجعلهم أنداداً لله، عندما تسير في طريقهم وهي غير طريق الله، تعمل بتوجيهاتهم وهي التوجيهات التي لا تهدي إلى الله، وهكذا، فالمسألة ليست سواء.
{وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ}(البقرة: من الآية167) قبل دخول النار وفي النار لا يزال يتعذب عذاب النار وعذاب الحسرات، العذاب النفسي مع عذاب الحريق، {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} نعوذ بالله {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}(البقرة: من الآية167) لأنه كان معهم مخرج في الدنيا أن لا يدخلوا النار، وكان معهم فرصة أن يتبرءوا ممن هم أنداداً لله هنا في الدنيا وما تزال تنفع البراءة والتبرؤ منهم.
إذاً نفهم من هذه الخطورة الكبيرة عندما لا يقدر الناس هدى الله حق قدره، عندما لا يعتبرونه نعمة كبيرة، عندما لا يوطنون أنفسهم على الإلتزام به، تصبح الحالة هكذا، هذه الحالات السيئة الرهيبة أمام من يجعلون أنفسهم كهداة وهم في الواقع يكتمون، أمام من يكتمون هدى الله، أمام من يصرفون الناس عن طريق الله، وأمام التابعين أنفسهم، أليست هذه تعتبر حالة سيئة جداً؟.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً}(البقرة: من الآية168) عندما تسمع هنا كلاما عن هدى الله وأهمية هدى الله، لا يكن عندك أن الله يريد منك أن لا تأكل، لا يريد مني أن آكل أكلاً جيداً، لا يريد أن يكون معي فراش جيد، لا يريد أن يكون معي حاجة جيدة، لا يريد..لا يريد.. تجد دين الله هام جداً، وفي نفس الوقت لا يوجد شيء هناك يحول بينك وبين أن تحصل على طيبات من هذه الطيبات التي أحلها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}(البقرة: من الآية168) بل وعد هو سبحانه وتعالى الناس إذا ساروا على هديه ساروا على صراطه المستقيم أن يوفر أشياء كثيرة مما هي طيبات {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(لأعراف: من الآية96) {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}(الطلاق: من الآية3).
{وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(البقرة: من الآية168) تسيرون بعده، بعد خطواته الشيطان هو عدو مبين – ويجب أن تتخذه عدواً – مبين ظاهر العداوة صريحا في عداوته لكم، وكل عمله معكم كله منطلق من عداوته لكم، أي كل عمله بالشكل الذي فيه هلاككم، فيه خزيكم {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(فاطر: من الآية6) {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ}(البقرة: من الآية169) الشيطان عدو لله سبحانه وتعالى عدو لبني آدم عداوة شديدة مجانب تماماً لطريق الله لا يمتلك إلا شراً لا يمتلك إلا سوءاً، ليس لديه إلا سوء وفحشاء، ليس لديه إلا ضلال {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ} كل ما يأمركم به هو سوء، حتى أحياناً عندما يوسوس لك حالة معينة، يقول لك هو: صلِّ وصم ولا تتدخل في شيء، ألا يمكن أن الشيطان يوسوس بهذه؟ لكن أمره لك، عملية أمره لك، عملية وسوسته لك، هو يوسوس لك بسوء وإن كان يبدو في الصورة وكأنه يقول لك: صلِّ؛ لأنه هل سيقول لك صلِّ فقط؟ يصرفك عن قضية لا تصبح صلاتك مقبولة وأنت تارك لها.
قد يقولون أحياناً الشيطان قد يوسوس لواحد بحاجة هي من الدين! إذا كانت هذه هو يعرف أنها لا تعطي قيمتها، الشيطان يعرف، هذه ستقعدك عن العملية الهامة عن العمل الهام الذي لا يحول بينك وبين أن تؤدي هذه العبادة.
هل العمل في سبيل الله يحول بينك وبين أن تصلي؟ أبداً لا يحول بينك وبين أن تصلي، عندما يأتي الشيطان يقول لك: صلِّ فقط ولا تتدخل في شيء من بيتك إلى مسجدك ولا دخل لك واهتم بأعمالك وأشغالك، إنه هنا يأمرك بسوء، أي يأمرك بما هو في الأخير وبال عليك وشر عليك، لما يجعل صلاتك هذه لا قيمة لها عند الله، لما يجعلك في الأخير عاصيا لله وأنت تقعد عن عمل هو سنام دينه، الجهاد في سبيله هو ذروة الدين.
إذاً عندما يقول لك تصلي فما المعنى أنه يأمرك لأنه حريص على أنك تصلي ويعجبه أنك تصلي وتتعبد لله! لا، هو يصرفك عن قضية هامة يكون مثلاً كما يقولون: رمى عصفورين بحجر، أول شيء عارف أن صلاتك لم يعد لها قيمة، وثاني شيء صرفك عن أن تنطلق في ذلك العمل الذي هو هام جداً في إقامة دين الله، ولك أنت شخصياً هو العمل الذي يجعل لصلاتك قيمة وله قيمة، للعمل نفسه تكسب أجراً منه ومن صلاتك.
{إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}(البقرة:169) هذه الحالة التي قد تحصل لمن يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى يكون البديل لديه هو: أن يقول على الله ما لا يعلم، والأتباع المغفلين يصبحون يقولون على الله ما لا يعلمون، يقولون: [نحن بعدهم هم أولائك من أولياء الله، الله أمرنا نتبعهم]، وتكون هذه ماذا؟ من قول الله {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} متى ما انصرف الناس عن طريقة هدى الله في الأخير يظهر مقولات كثيرة تنسب إلى الله وليست من الله وليس لله أي علاقة بها، في الأخير: تقولون على الله ما لا تعلمون، فتكون النتيجة افتراءً على الله سبحانه وتعالى نعوذ بالله.
عندما يقول البعض: لو لم يكونوا على حق والباري راضي عليهم لما كانوا في نعمة وخير، عندما يرى السعودية مثلاً أو يرى الكويت، أليست هذه من القول على الله بما لا يعلم؟ أمس قرأنا هذه حول قول الله تعالى {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(البقرة: من الآية126).
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}(البقرة: من الآية170) إذاً أليست هذه واحدة من مظاهر الندية هذه؟ قد تتخذ أباك نداً لله [ونحن ماشين بعد هذه الطريقة التي كان عليها الوالد وكان رجََّال باهر ومحترم ولن نسير في غير طريقه] {اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} لأن أباك هو نفسه ملزم بأن يتبع ما أنزل الله، أن يتبع ما أنزل الله هو، فعندما يقولون: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} وآباؤهم ليسوا على هدى الله، أليسوا هم قد جعلوا آباءهم أنداداً لله؟.
{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}(البقرة: من الآية170) أما عندما يكون آباؤك على طريقة حق وهدى فهو فخر لك وشرف عظيم لك مثلما قال نبي الله يوسف: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}(يوسف: من الآية38) {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}(يوسف: من الآية38) {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}(الحج: من الآية78) {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} الأب إذا كان على طريقة هدى وحق فهو شرف لك وتذكر بطريقته أيضاً، أعني: هو موضع أن يقال لك: امش على طريقته، أبوك كان كذا وكذا، كان إنساناً مؤمناً طيباً مهتدياً، كان إنسانا قويا في سبيل الله، كان إنسانا يتحرك في سبيل الله، كان إنسانا بعيدا عن مجالسة المضللين والسفهان، أليس هنا تذكير؟ تقدم في الآيات الأولى أن الله وهو يذكر موقع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب تذكير لهم لبني إسرائيل وبني إسماعيل وللناس الذين لهم علاقة بإبراهيم وهو يذكر تاريخ هذا الأب العظيم وأولئك الآباء العظماء: إسماعيل وإسحاق ويعقوب. في مقام التوجيه كمنهج. لاحظ كيف جاءت الآية بأسلوب جميل جداً وغير مثير يبدو غير مثير؛ لأنها قضية حساسة لم يأت يقول لهم اتركوا آباءكم لا تسيروا بعدهم! أليست هذه آية تعتبر منهجاً في التوجيه هناك؟.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً}(البقرة: من الآية168) لتعرف التوجيه الإلهي والتشريع الإلهي أنه طبيعي، لا يمكن أنه أنت ستعيش في حالة شقاء وتحرم كثير من طيبات هذه الحياة فلا تأكل لحماً ولا رزاً ولا [خضرة] ولا أي حاجة وإنما فقط [قرص يابس] مع الملح مثلاً، ليست بالشكل هذا، كذلك يقول: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(البقرة: من الآية168) ثم يقول بعدها بعبارة أخرى: {وَمِنَ النَّاسِ}(البقرة: من الآية165) قد مهد لها من البداية من عند {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً}(البقرة: من الآية165) تصل المسألة إلى هنا قد أنت قريب في ذهنيتك أنه عندما ترى والدك يصرفك عن طريقة حق هنا قدمت القضية بشكل هام جداً ومؤثر جداً على نفسيتك يكون أكثر من ماذا؟ مما تثيره حساسية التسلسل في النسب أو العاطفة الأبوية أو عاطفة القرابة قد صار عندك قدرة على أنك فعلاً لا تسير بعد والدك إذا كان لا يسير على هدى الله وهو يصرفك عن هدى الله، قدمها بطريقة عرضية {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}(البقرة:170).
إذاً ماذا سأفهم منها ويفهم كل واحد بأن لا أسير وراء أبي إذا كانت توجيهاته تصرفني عما أنزل الله، أليست هكذا لو تقدم العبارة؟ من أول يوم بهذا الشكل ستكون مثيرة وحساسة، إذاً هذا من مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بالتوجيه للناس، أي هذه طريقة من طرق {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}(البقرة:147) أن يوجهك توجيه حق، لاحظ كيف يقدمه بطريقة سهلة عليك أن تصل إليها وهو أن تبتعد عن أبيك أو عمك أو أمك إذا كانت طريقتها ليست طريقة حق.
لو قال: لا تتبعوا آباءكم فإن آباءكم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، أليست هذه ستكون مثيرة؟ أسلوب حكيم جداً ورائع جداً ومؤثر، فيجب أن نفهم هذا الأسلوب في ماذا؟ في عملنا نحن هذا مع الناس كيف تقدم الشيء، كيف تمهد للشيء بتعبيرك بأسلوبك.
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ}(البقرة:171) حالتهم كهذه أمام هدى الله الواضح البين المتكرر في أمثلته {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}(الإسراء: من الآية89) {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}(الروم: من الآية58) فحال أولئك الذين لا يهتدون ولا يسمعون، كمن ينعق، يعني: يدعو أو ينادي بصوت عالي إنساناً لا يسمع نهائياً {إلا دعاءً ونداءً} مجرد دعاء ومجرد نداء لا تقريباً يفقه ما يفقه ما يتضمنه هذا الدعاء وهذا النداء {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}(البقرة:172) نفس الأسلوب الجميل لأنه سيأتي بعده بقائمة ماذا؟ محرمات يأتي بعبارة في موضوع سرد محرمات بعبارة تقليلية: إنما حرم عليكم كذا كذا، يأتي بعبارة واسعة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً}(البقرة: من الآية168) بعدها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ}(البقرة: من الآية173)
أليس هنا العبارة تقليلية يعني هذا أسلوب رائع جداً {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية173)لاحظ الفارق الكبير بين الأسلوب القرآني وبين أسلوب [كتب الفقه]، يأتي مثلاً يسرد لك من هناك يقول: اتركوا آباءكم، آباؤكم لا هم مهتدين ولا هم كذا، لا تأكل لحم كذا، وابتعد عن كذا، وابتعد عن كذا، واترك كذا، وإذا أنت ترى بأنه في الأخير وكأنه يعطلك من كل شيء نترك آباءنا ونبتعد عن كل شيء من مظاهر الحياة هذه،يكون لديه قائمة! لم يقدم بهذا السرد يأتي بعبارة واسعة {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}(البقرة: من الآية172) واسعة جداً، نسبة المحرمات هي قليلة جداً في القائمة التي أحلها الله وأباحها للناس من الطيبات واسعة جداً، لكن لاحظ كيف أنه مهم جداً أن يأتي بهذا الأسلوب هنا؛ لأنه سيكون البديل قائمة من المنهيات والممنوعات: ولا، ولا، ولا، ولا. في الأخير يتصور الواحد بأن هذا الدين حمل، [لاحظ كم فيه من لاءات، لا تقرب كذا ولا، ولا… إلى آخره] يمزجها؛ ولهذا الفارق كبير جداً بين أن تتناول آيات في موضوع معين تفرزها عن القرآن خارج على طريقة الفهارس الموضوعية، إذا أراد أحد يستخلص موضوعاً هناك بمفرده لا، فالآيات هناك لوحدها تفقد أنت أشياء كثيرة هامة جداً عندما ترجع لها في مواضعها.
يقول: لم يحرم عليكم إلا الميتة والدم ولحم الخنـزير كم نسبة هذه من قائمة الطيبات طيبات ما رزقناكم؟ أليست كثيرة؟ أليس هنا أنت ستقبل كما تقبل في موضوع الهداية بذلك الأسلوب؟ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} ألم يأتِ به هنا بأسلوب يجعلك أنت تفهم بأنه غالط هذا أي أنا غالط إذا عملت مثله.
مثل الأسلوب الآخر في ماذا؟ في التضحية في سبيله {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}(البقرة:154) قدم لك موضوعاً هاماً جداً هناك تتشوق أنت إليه، فلو جاء من هناك اقتلوا أنفسكم وستكونون أحياءً بالعبارات التي هي عبارات جافة على طريقة كتب الفقه أو على طريقة المقننين في القوانين قوانين جافة، هذا أسلوب رحيم؛ لأن الله يقول في القرآن الكريم من أوله ما كل سورة تبدأ بـ{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؟ إن من رحمته أنه يجعلك تصل إلى الشيء بسهولة، يقرب لك المسألة، يدفعك إليها وتتقبلها بسهولة، أي فيها مراعاة حتى لا يصدمك بقضية كذا تنفر منها، يحاول يقربك إلى الموضوع بسهولة، هنا تناول الموضوع، ألم يتناول هنا موضوع الهدى في مجال التوجيه فيما يتعلق بالأتباع وفيما يتعلق بالهدى بشكل عام والجانب التشريعي من الدين في المحرمات يتعلق بالمأكولات هنا يقول لك المسألة واحدة بالنسبة للدين منظومة واحدة مترابطة هناك إذا كان هناك في المقام الأول {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى}(البقرة: من الآية159) هداية الناس هنا أيضاً في الجانب التشريعي خطير جداً الكتم بعدما قال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ}(البقرة: من الآية173) ثم قال بعد: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً}(البقرة: من الآية174) أكثر ما تعني كلمة: كتاب هي تأتي بمعنى من المكتوب أي من المفروض المحتوم، كلمة مفروض ومحتوم في مقام التشريع تكون هكذا، حرم هذه لا تقربها، أي: كتب أنها محرمة، فرض هذا كتب شرعية أدائه وكتب عليك أن تؤديه.
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} هي أيضاً قضية معرضة للخطورة، إذا أنت تهدي بالتوجيهات وقد تكون مواقف حساسة، أعني يكون التبيين فيها قد يدفع الكثير من الناس لأن يخشوا غير الله فيكتموا، كذلك في مجال التشريع تناول شيءٍ، مشروعات محرمات وممنوعات هنا قد تكون هي أيضاً مجال قد يكتم الإنسان مقابل ماذا؟ أشياء ترغب من هناك، التعامل بـ[الربا] قائم يحاول يجعل القضية يسوغها بأي طريقة؛ لأنه يأتي له أشياء، فلوس من الجهة الفلانية فلم يعد يهاجم الموضوع نفسه[الربا] أو أي شيء من هذه، أعني أنها قضية أيضاً هي معرضة للكتم، والمسؤولية كبيرة فيها أيضاً بشكل كبير مثلما قال بعد: {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(البقرة: من الآية174) نعوذ بالله.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى}(البقرة: من الآية175) استبدلوا بالهدى الذي لديهم وقدم لهم ضلالة واستبدلوا العذاب بالمغفرة، أي استبدلوا المغفرة بالعذاب، أي جعلوا العذاب بديلاً عن المغفرة التي كان يمكن أن تحصل لهم؛ لأنهم هناك لم يصبروا على أن ينطقوا بالحق ويصدعوا بالحق ويقولوا: هذه القضية محرمة، هذه القضية محرمة، المحرمات خطيرة جداً موضوع: الربا محرم من المحرمات الرهيبة جداً، محرم يعني: محرمات أخرى في مجال المأكولات: ميتة ودم ولحم خنـزير وأشياء من هذه التي هي محرمات، قد يكون أحياناً قد يكتمها في وضعية لا يستطيع الإنسان أن يفهم متى ربما قد تكون الوضعية تدفع عالما من العلماء إلى أن يسكت عن تحريم لحم الخنـزير، قد تصل المسألة إلى هذه في إطار التعايش السلمي والتقارب والقبول بالآخر وأشياء من هذه، يكون قد هناك جزر خنازير! قبول بالآخر، للآخر، وإذا بالمسلمين قد هم يتلذذون بها وهكذا، وتلك – مثلاً – السلطة القائمة أو شركة معينة تعطي مبالغ كبيرة يبحث لمسوغات نوعاً ما.
العالم يكون خطير يستطيع يعمل أشياء، أعني يجعل القضية عند الناس إما مثلاً: إنما كانت في وضعية معينة، أما عندما نكون في وضعية يجب أن نقبل بالآخر فسهل، أشياء تعتبر مما يجعلنا نعيش كبشر وأشياء من هذه…قد يعملون هذا، لكن هنا تحريم بات! إذاً هنا هو لم يصبر على أن يصدع بالحق لم يصبر على أن يفوته أشياء مما كان ثمناً لسكوته عن الحق في تبيين هذا المحرم {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}(البقرة: من الآية175) ألم يكن أفضل له أن يصبر لو سجن وهو يصدع بالحق، ولو فاته رشاوى كبيرة من شركة أو من سلطة مقابل أن يكتم الحق في قضية محرمة قد أصبح الناس يستخدمونها؟ كان أفضل له يصبر، ولا يصبر على النار وهو في قعر جهنم {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}.
{ذَلِكَ}(البقرة: من الآية176) هذا التهديد الكبير وهذا التبيين العظيم {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}(البقرة: من الآية176) والناس يحتاجون إلى الحق، والحق هام جداً، فمن يمتلك الحق يجب أن يصدع به ويبينه للناس، والحق الحياة هي ميدانه، وليس فقط يبقى عبارة عن كلمات مكتوبة في داخل الصفحات {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}(البقرة: من الآية176) والحق ميدانه هنا، الناس، النفوس، واقع الحياة، إذاً لا يمكن عندما تكتمه يعني أنت تحول بينه وبين أن ينـزل إلى واقع الحياة إلى الناس.
ما جاء الكتاب فقط ليقرأ الحق داخله، القرآن ملان حق وبحر هدى وبحر حق، لكن سيجلس هذا البحر مشبّك عليه إذا نحن نقرأه داخله، داخله على طول على طول، لا. الله نزل الكتاب بالحق نزله من السماء إلى الأرض؛ لينـزل هذا الحق من داخل هذه الآيات إلى واقع الحياة، إلى النفوس وإلى واقع حياة الناس في تعاملهم الشامل.
{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}(البقرة: من الآية176) شقاق يبعدهم عن الله شقاق لله بعيد، وليس من الشقاق الذي يمكن أنه يلتفت وينتبه فيرجع يكون قريبا، شقاق يجعله بمنأى، بمنأى عن الله بعيد جداً عن الله وعن مغفرة الله وعن هدى الله.
لاحظ هنا الآية هذه شبيهة بالآية الأخرى تلك الآية الهامة التي جعلت المهمة الرئيسية هي: إقامة الدين عندما قال الله سبحانه وتعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}(الشورى: من الآية13) التفرق في الدين هو الذي يحول دون إقامته، أين إقامته؟ هو كتابة آياته بخط جميل أو بشكل لوحات؟! أو إقامته في النفوس في واقع حياة الناس الشاملة، هنا إقامة الكتاب.
الإختلاف في الكتاب يحول دون إقامة الكتاب، نفس القضية تماماً {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ} عندما يختلفون في الكتاب، حالوا دون نزول الحق عملياً وواقعاً من داخل الكتاب إلى النفوس وإلى الناس؛ لأن الحق الله جعله بهذا الشكل يوجد وسائل تجعله قائماً في الناس، من أخطر ما يحول دون إقامة الدين ودون إنزال الحق إنزالاً عملياً يزاح الباطل ويكون الحق هو الذي يحل محله مما يحول دونه: الإختلاف، هناك قال: {وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} وهنا قال: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} يضيَّع الحق يضيعه ويحول دون إقامة الدين، وإقامة الدين معناه إنزال الحق بفاعلية في الساحة، يكون هو السائد هو السائد في الناس، هو الذي يحكم شؤون الناس في كل المجالات، هو الذي تبنى عليه نفوسهم، هو الذي تبنى عليه مواقفهم ورؤاهم.
فعندما يسير الناس على طريقة تقدم كمنهج ومن يسيرون عليها تؤدي بهم إلى الإختلاف مهما كانوا ولو كانوا مخلصين يختلفون، معناه بأن كلما يؤدي إلى اختلاف هو بعيد عن الله وهو يعتبر من قائمة ما يجعل الناس في شقاق بعيد، لاحظ هنا التوجيه العملي بعدما تحدث عن القبلة {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}(البقرة: من الآية144) فول وجهك شطره ألم تتكرر؟ إذاً هذه القضايا هامة فقط يجب أن تفهم أن الدين عملي وأن الدين منظومة متكاملة مترابطة.
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا}(البقرة: من الآية177) مجرد أن تولوا {وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}(البقرة: من الآية177) وقت المواجهة مع العدو {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}(البقرة: من الآية177) إذاً لم يعد هناك من بيتك إلى مسجدك، ليس لها مكان في دين الله نهائياً، نهائياً، هنا يقول رغم التأكيد على التوجه إلى القبلة إلى الكعبة: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} شطره ألم تأت كثيراً؟ لتفهم أنه لا يكون دين الله يقدم شيئا يكون على حساب شيء آخر، الدين هو كله عملي والدين منظومة متكاملة يجب أن تتحرك فيها كلها، ألم يقدم هنا قائمة؟ قائمة طويلة عريضة، تشكل نماذج متعددة في موضوع البرهنة على أن الدين عمل مترابط وأشياء كثيرة مترابطة.
فالذي يكون عنده إنه سيذهب يعتمر يخسر قدر ثلاثة آلاف ريال سعودي يذهب يعتمر نافلة هكذا، يجب أن يفهم ما هو البر ويفهم أولويات وقوائم الأولويات في قائمة البر، يكون عنده أنه سيعتمر ولا دخل له من شيء وعاد إلى بيته ولا دخل له من شيء وهكذا سينتظر حتى يأتي رجب وذهب يعتمر وعندما يأتي رمضان سيذهب يعتمر وفقط، وهنا في البلاد قاعد لا يتحرك في سبيل الله لا يأمر بمعروف لا ينهى عن منكر لا يبين ما أنزل الله من الكتاب، لا يصدع بالحق، ليس له موقف من أعداء الله، هنا يقول: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} إلى آخر القائمة هذه الطويلة التي فيها {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} في الإيمان وصدقوا في ماذا؟ في فهمهم للدين وفي سيرهم على هذا الهدى وفي هذا الطريق الذي هو صراط الله المستقيم {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}(البقرة: من الآية178) ولاحظ كيف هذه الآية نفسها في موضع القصاص تأتي بعد الآية الأولى التي فيها: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}عندما نقيم قصاصا على شخص لأنه قتل آخر ظلماً وعدواناً معناه أن يقتل، أليست هكذا؟ قضية أن يقتل شخص ليست قضية بعيدة عن الذهنية عن {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} حين احتدام الصراع والقتال مع العدو أليست قتالا؟ أليست قضية قريبة جداً في ذهنك آخر ما في ذهنك هنا {وَحِينَ الْبَأْسِ} ما هو البأس؟ قتال، القصاص ماذا يعني؟ أن يقتل أليست قضية طبيعية تجعلها قضية مقبولة، إقامة هذا الحكم، أن يقتص من القاتل المتعمد ظلماً وعدواناً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}(البقرة: من الآية178) حصل عفو من جانب أولياء المقتول عن القاتل العفو عن القصاص على أساس أن هناك دية {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}(البقرة: من الآية178) في أداء الدية {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}(البقرة: من الآية178) من الجانبين اتباع بالمعروف في محاولة أخذ الدية، والطرف الآخر يؤدي بإحسان لا يكون فيها مماطلة {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}(البقرة: من الآية178) أن يفتح هذا الموضوع أمام الناس، باب العفو، أنه يجوز للولي أن يعفو عن القاتل.
{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ}(البقرة: من الآية178) عندما تعفو عن القاتل وتقبل الدية ثم تعتدي هذه جريمة كبيرة {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(البقرة: من الآية178) أن يحصل اعتداء ممن قد عفوا عنه، ونزلت المسألة إلى دية يماطل في الدية لم يعد يريد يدفع دية، وبالذات من توجه إلى القاتل الذي قد عفا عنه وقبل منه الدية فقتله يعتبر ظلما وعدوانا، يعتبر اعتداء، فله عذاب أليم.
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}(البقرة: من الآية179) أنه عندما يعرف الإنسان الذي يقتل أنه سيُقتص منه سيتوقف عن ارتكاب الجريمة هذه فيبقى حياً هو وبقي الطرف الآخر حياً، إذاً في تشريع القصاص الذي يبدو في الصورة وكأنه إعدام شخص: حياة، لأنه أنت لم تقبل أن يبقى حياً إذاً فتلحق به تموتون جميعاً إلا أن يعفو عنك، إذا كان يعرف بأنه سيقتل لن يمد يده لقتله ظلما وعدوانا، وبالتالي سيحيون جميعاً.
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:179) لاحظ هذه العقوبة نفسها التي الآن يأتي أخذ ورد حول تشريعها، بعضهم يعتبرونها تشريعاً قاسياً، وبعض الدول ألغت عقوبة الإعدام باعتبار أنها عقوبة بشعة! فكان هذا الشيء مما شجع عصابات على القتل تقتل؛ لأنه حتى لو عنده إنه سيسجن ربما السجن قد يكون عنده أمل أنه يخرج منّه أو يأتي انقلاب أو يتغير نظام أو يعفو أو أي شيء يحصل، فهنا عندما يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} يؤكد على أهمية الإلتزام بإقامة هذه العقوبة على القاتلين، تكون عقوبة قائمة لا يقبل إلغاؤها نهائياً، لأن إلغاءها يشجع الناس أن يقتلوا بعضهم بعضا، يشجع المجرمين على أن يقتلوا، لم يعد خائفا أنه سيقتص منه ويقتل.
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} من تفهمون لبّ الأشياء خلاصتها أهميتها قيمتها؛ لأن هذه في الصورة تبدو وكأنه، هم يقولون: أحياناً بأنه يكفي لماذا شخص قد فقدناه لماذا أيضاً نفقد الثاني؟ يقولون هكذا، لكن لبّ الموضوع الذي فهمناه من خلال تشريع هذه العقوبة، لا. أنه هذه العقوبة هي التي ستجعل الشخصين حيين التي ستجعلهم جميعاً حيين، وأنت قولك بأنه لا نلحقه الثاني فقط حياة لواحد وأن تضمن حياته أي أنت تشجعه أن يرتكب أكثر من جريمة فـ{لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يحصل تقوى من الإعتداء على بعضكم بعض تتقون ما يحصل كنتيجة لعدم إقامة هذه العقوبة.
يحاول الغربيون بأن يجعلوا هذه من الأشياء التي يجب أن تلغى من قوانين البلدان حتى في البلاد العربية، يحاولون أنه لا تقام عقوبة الإعدام! نقول: لا. الله سبحانه وتعالى هو العالم بمصالح عباده وهو الرحيم بعباده، وهذه القضية فعلاً جريمة كبيرة، كيف نوقف هذه العقوبة بأن يذوق هذا ما ذاق ذلك، إلا أن يعفوا هم، الأولياء يعفوا هم فهناك الدية.
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ}(البقرة: من الآية180): هنا أمامنا تشريعين: أحدهما يتعلق بعقوبة الإعدام، وتشريع يتعلق بماذا؟ بالمواريث أعني بالجانب المالي والجانب البدني، هذا الموضع أفضل موضع بعد الآية الأولى التي جاء فيها بقائمة منها فيما يتعلق بالجانب المالي {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ}(البقرة: من الآية177) أليس هنا يبين لك أن المال فيه حقوق؟ وفيه حقوق حتى تتناول البعيدين عن قرابتك: اليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، هنا يأتي بما يتعلق بتشريع الميراث، قضية قريبة قد تكون قريبة باعتبار ماذا؟ هل باعتبار الميت نفسه؟ باعتبار البعض؛ لأنه كان عند العرب يقولون: أن الإبن الأكبر هو الذي في الأخير يحتوي المال والآخرين لا يعطيهم شيئا كان عندهم هذه، أنه بعض من القرابة قد يكون الإبن الأكبر، أو إذا هناك أحد مثله عنيف يحتاج يلحق معه والباقي من القرابة لا يأخذون شيئاً.
إذاً هذه أليس فيها نوع ثقل عليهم أن يرى بأنه ملزم أن يتقيد بنصيب محدد، وأن الباقين من الأقارب لهم حق، تسهّل المسألة الآية الأولى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} يكون قد عندك قابلية بأنك لا بأس ستعطي آخرين من الورثة ومقبول أن يكون للباقي ممن لم نكن متعودين على أن نعطيهم شيئا أن يكون لهم أنصبة ثابتة، هذا من يسر التشريع من اليسر الإلهي في عملية التشريع ليكون مقبولاً.
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}(البقرة:180) يكون توزيعها بالمعروف فيما بينهم باعتبار الأقربية حقاً على المتقين {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ}(البقرة: من الآية182) بين الموصى له وبين الباقي من الورثة {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}(البقرة: من الآية182) إذا لمس، فهنا كلمة وصية، فإذا لمس بأن الموصي هنا حاول أن تكون الوصية بشكل يجحف بالآخرين، خاف يعني: فمن خاف من موصٍ، خاف المتوسط في القضية، الداخل في الموضوع من المؤمنين، العدول أن لمس أنه فعلاً الوصية فيها ما يبدو أنه تعمد إجحاف بطرف من الورثة فأصلح بين الموصى له وبقية الورثة فلا إثم عليه {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة: من الآية182).
هنا في الآية، هذه الآية من الآيات التي يسمونها: منسوخة، نسختها آية المواريث التي قال فيها: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}(النساء: من الآية11) إلى آخر آية المواريث، لا، هذه ليست عملية نسخ؟ {كُتِبَ عَلَيْكُم……. الْوَصِيَّةُ} تقدم العبارة بشكل مجمل، والوصية هنا هي من جهة الله وهو هناك بيّنها، فالآية هنا لها قيمة هامة جداً في عملية بداية التشريع، وقابلية التشريع ما سيأتي بعد تفصيلاً، لا تنظر إلى أنه نقول: كان الميت هو الذي يوصي يقول لفلان كذا، وفلان كذا، وفلان كذا كان هذا الواجب ثم نسخ؟! الواجب في الموضوع هو: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}، الوصية أساساً هي من الله، فهذه وصية الله هو أوجب عليكم الوصية ثم هو بيََّن الوصية من جانبه هو، يوصيكم هو {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن} إلى آخر الآية، ليس هناك نسخ، هذه الآية لها دور هام جداً، تلك الآية تتناول تبيين تنفيذي لموضوع الوصية.
أيضاً في هذه قد تتناول موضوع الوصية لمن من الأقارب لم يحدد لهم هناك نصيباً معيناً أو وصية لما هو قد يعتبر زيادة على نصيب معين لهم، في كيف يكون التعامل مع الوصية هذه إذا لمس أنها ليس فيها ما يجحف بالآخرين أو لمس الوسيط أن فيها {جَنَفاً} كما قال: ميل عن القسط، ميل عن العدل، فيها إضرار يعني تعمد إضرار بآخرين، فأصلح بينهم، ولهذا قال في آخر آية المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}(النساء: من الآية12) أليست الوصية ما تزال قائمة هنا؟ تناول بالتحديد في الآية الأخرى وصية بعبارة: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} وبيَّن أنصبة معينة و يوجد بقية من الورثة التي هي محط اختلاف بين الفقهاء، مشكلة هذه! آية المواريث تناولت عددا معيناً من الأقارب بقي أقارب آخرين، حصل اختلاف ممن يسمون: عصبات، ومن بعضهم يعتبرونهم سهاميين.
الآية هذه أوسع – أعني: كرؤية تشريعية – أوسع من موضوع الرؤية الفقهية باعتبار الوضعيات المتعددة للبشر باعتبار مجتمعات أخرى باعتبار… يبدو فيها نوع من الفسحة فيها نوع من الفسحة بحسب ما يرى من هو فعلاً وارث للكتاب فعلاً. أعني هذه القضية هذه الآية نفسها هناك في القرآن يقول في موضوع الآيات المحكمات: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}(آل عمران: من الآية7) أم الكتاب هي المرجع فيه، كلمة كتاب قد تتناول أحياناً أمّ المفروضات أي: الأسس في التشريع، هذا أساس هام، وعندما يقولون: أنها آية منسوخة، هذه غلطة؛ لأن هذه آية محكمة، آية محكمة تعطي أساسا تشريعيا للميراث من حيث هو في دائرة: الوالدين والأقربين، هناك الوصية الوصية في الآية الأخرى في ماذا؟ أولادكم، أليست هكذا؟ لهذا حصل عند البعض من الناس مقولة بأنه ربما قد تكون القضية هذه لا تقفل المجال أمام أن يكون هناك ترتيبات معينة بحسب وضعية معينة لمجتمعات معينة فيما يتعلق بمجتمعات معينة.
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}(البقرة: من الآية180) هذه قضية أساسية {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}(النساء: من الآية11) إلى آخر الآية.
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ}أليست هكذا العبارة يخاطب من؟ أليس يخاطب مجتمعاً معيناً وبيئة معينة، هنا يجب الإلتزام بهذه، بوصية الله يجب الإلتزام بها لكن إذا حصل مثلاً مجتمعات معينة أعني: التركيبة الإجتماعية فيها وضعية المرأة فيها وضعية البنين فيها تختلف كثيراً عن الوضعية التي عليها العرب مثلاً قد يكون في الموضوع نوع إثارة أو مشقة كبيرة فيما لو طبق تشريع تفصيلي في مجتمع، أو على مجتمع، طبق في مجتمع آخر ولو في بداية الموضوع.
آية محكمة هذه ليست منسوخة، آية محكمة ليست منسوخة نهائياً هي قضية ملموسة داخل القرآن الكريم في قضية سعة القرآن، هذه هي سعة القرآن ليشمل كل المجتمعات البشرية، تحاول تأتي إلى رؤى فقهية معينة يأتي يعتبر إلى موضوع المفردة لوحدها دون ملاحظة الإعتبارات المحيطة التي توحي بها نصوص الآية يعني ماذا؟ وكأنه يشرع لمجتمع واحد فقط! لكن أنت عندما ترى في المقدمة بالنسبة للعرب قيل لهم في البداية تكون على هذا النحو: وصية للوالدين والأقربين، قد يوزعها هكذا وأعطى لهذا كذا هي خطوة أولى، أليست خطوة أولى تعتبر؟ يتمرن عليها أفراد الأسرة الأقارب الذين كان البعض منهم يحتكر المال كله فأوجب على الأب في البداية أنه يوزع: فلان كذا، فلان كذا، فلان كذا، تمرين على مسألة ماذا؟ تصل في الأخير إلى أنصبة محددة: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وأشياء من هذه، تكون مقبولة في حالة معينة بعد مرور بمرحلة من هذه في وضعية مجتمع معين، ألم تمر هذه على العرب أنفسهم؟.
وعندما تأتي إلى بلدان أخرى مثلاً وضعية المجتمعات تختلف كثيراً قد يكون هناك مثلاً مألوف في المجتمع مألوف مسيرة معينة فيما يتعلق بتوزيع المال، أتركها قضية مفتوحة قد يكون مناسب أن تعمل بالآية هذه على هذا النحو: للوالدين والأقربين، أليست هكذا؟ هل هنا شيء أنصبة محددة؟ تصل فيما بعد إلى أن تنقلهم إلى للذكر مثل حظ الأنثيين، وهكذا، اذهب إلى بلدان أوربا تقول: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} والمرأة هناك متعودة على ثقافة عقود من الزمن والمساواة بالرجل ما الذي سيحصل؟ أليست ثورة ستحصل من جانب المرأة ويستغلها من يعاندون، أنك تريد أن تنـزل المرأة من نصيب كنصيب الرجل إلى أن يكون للرجل ضعف مالها.
الإلتزامات الأسرية هناك في مجتمعهم قد تكون تقريباً شبه متساوية بين الرجل والمرأة بينما الإلتزامات في المجتمع العربي كيف تكون؟ قائمة على الرجل أليست هكذا؟ فإذا تركت القضية للأب إذا حصل نوع من السخط يحصل على الأب حتى يتعود المجتمع قليلاً، قليلاً في الأخير يقال: هكذا يكون، قد هناك قابلية فالأفضل أن يكون هناك ردة فعل على شخص وليست ردة فعل على الدين فيقال: الدين هذا قاسي وتثور المرأة على الدين أتركها تغضب على أبيها، أبوها يمكنه يقول لها:[لازم، هذا عدل، لازم وأخوك نحن قد قلنا عليه كذا، كذا…] إلتزامات معينة هي في الواقع هكذا في الآية لأنها جاءت بصيغة لا تعني: أن الذكر من حيث هو له مثلما للمرأة مرتين ملحوظ فيها ولهذا قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} مثل حظ الأنثيين لم يقل مثلاً للأنثى نصف ما للذكر، أليس الفارق كبيراً؟ أن لا تلمس المرأة الذي يسمونها بالدونية بالنسبة للمرأة، ما تلمس الذي يسمى الدونية لم يقل: للمرأة نصف ما للذكر {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} يأتي بعبارة حظ توحي: بأنه هناك التزامات معينة، تجد فعلاً فيما يتعلق بالأسر وتركيبة المجتمع والتزامات كثيرة فيما يتعلق بالدين قائمة على الرجل. أليست هكذا؟ فهنا للذكر مثل حظ الأنثيين قضية ثابتة، هذه العبارة أفضل بكثير وأبعد عن أي حساسية لدى الأنثى.
إذا كنا نقول: مجتمعاتنا ليس فيها حساسية يجب أن تلحظ أن هذا الدين هو للمجتمعات كلها هناك مجتمعات المرأة ركزوها فيها بشكل كبير حتى تصبح عبارات معينة ذات حساسية كبيرة، أن تكون ذات حساسية كبيرة بالنسبة للمرأة يجب أن تفهم هنا بأن التوجه التشريعي قائم على أن تقدم الأشياء، أن تكون مقبولة ليس فيها حساسية بالنسبة للرجل، أليست بالنسبة للرجل هذه التشريعات كلها؟ بل التوجيهات التي هي هداية في قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}(البقرة: من الآية170) على ما تكلمنا سابقاً.
إذاً فما يزال في دين الله في القرآن الكريم الأسلوب الذي ليس فقط يستوعب التشريع بل يستوعب الأساليب التي تنزل، تجعل التشريع مقبولا دون حساسيات دون إثارات تجعل كثيراً من الأعداء يستغلون هذا الطرف، تأتي إلى أوربا تقول تنزل المرأة إلى النصف من أول يوم، والمرأة في أوربا كيف هي الآن، كيف هي؟ أصبح الرجال هناك يطالبون بالحقوق والمساواة – كما يقولون – هناك جمعيات تطالب بالمساواة بالمرأة في أوربا، والمرأة هناك متدخلة في كثير من الشؤون السياسية ولها رؤية ثقافية، ويعني أنت أمام ما قد يكون في واقعه باعتبار الذهنية باعتبار الوضع الإجتماعي يساوي العربي هنا في المنطقة هذه، ذهنية المرأة هناك وضعيتها قد تكون مساوية لوضعية الرجل هنا في المنطقة العربية.
هذا هو دين للناس جميعاً وأفضل، أفضل – مثلما تقول – قائمة التزامات هي القائمة التي تناولها القرآن الكريم يعني: أفضل تركيبة اجتماعية هي التي تكون فيها القضية على هذا النحو: أن الإلتزامات الأكثر على الرجل باعتبار دوره، والمرأة لها التزامات معينة وبالتالي كيف تعمل أن تصل بالمجتمع إلى الحالة هذه؟ قليلاً، قليلاً معك الآيات الأخرى التي وجدتها تعاملت بمراعاة هذا الإعتبار في الوسط العربي نفسه، عندما تذهب تعملها تشكل ثورة في مجتمع آخر، اشتغل بالآيات الأساسية إذا رأيت بأنه.. وليست قضية: إذا رأى أيُّ واحد يعني: كي نفهم، نفهم بأن القرآن الكريم هو كتاب الفقه الذي يسع الحياة كلها وهو الذي لديه أساليب تستوعب أن تنـزل تشريعاته إلى الرقم النهائي {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} بدون إثارة.
ألم يوصل العرب إلى الحالة هذه؟ الذين كانوا لا يعطون الرجل الصغير فضلاً عن المرأة! ما كان يعطي الأخ الأكبر إخوته الصغار فضلاً عن المرأة بل كانت المرأة نفسها جزء من الميراث يرث زوجة أبيه التي ليست أمه، ألم يوصلهم إلى الحالة هذه في الأخير {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}؟ فباعتبار أن القرآن هو للدنيا جميعاً وأنه تكون تشريعاته على اعتبارات متعددة ولديه مثالية في الأخير، هي هذه المثالية في الأخير أعني قضية ستصل بالمجتمعات إليها تكون التركيبة الإجتماعية الرجل هو الذي يتحمل المسؤوليات الكبيرة والتي يترتب عليها عادة التزامات مالية كثيرة، فهو إذاً بالشكل الذي له حق أو نقول من العدالة ومن القسط أن يكون له مثل حظ الأنثيين.
المرأة هناك إذا أعطيتها تركيبة إسلامية بطريقة متأنية ستقبل لأنها لم تعد ترى نفسها بأنها عليها التزامات كبيرة، سترى في الأخير فعلاً أنها قضية فيها عدالة عندما يقول: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} بناءً على الإلتزامات التي على الرجل، أليست هكذا؟ ستجد المرأة نفسها لا تنفق على أولادها لا تنفق على نفسها هي، وهي كزوجة لا تنفق على نفسها وهي كأم لأولاد، أم لأولادها هي والرجل، لا تلزم بأن تنفق عليهم، دور الرجل في الحياة أمامه التزامات كثيرة فيما يتعلق بالدين، فيما يتعلق بقضايا الحياة أكثر من المرأة، ستجد في الأخير بأنه دائماً قضية المال هو ينظر إليه نظرة عامة في المجتمع، أعني أنت عندما تحاول أن تقدم مثلاً للقضية ستجد بأنه لو تعمل بناءً على أن الإلتزامات قائمة على هذا النحو لكانت القضية تبدو ليس فيها شيء من العدالة.
عندما تأتي تفترض أسرتين مثلاً أسرة فيها أربعة أولاد وأربع بنات وأسرة فيها أربعة أولاد وأربع بنات الأربع بنات هنا تزوجن بالأربعة الذي هنا والأربع التي هنا تزوجن بالأربعة الذي هنا ما الذي سيحصل؟ أليس القضية أربعة وأربعة مجموع الأولاد كم؟ ثمانية، أليس هو هكذا؟ والبنات ثمان، عندما تأتي تقول لكل واحد من الذكور والإناث أنصبة مستوية كيف ستطلع المسألة؟ سيقول الأولاد الثمانية: كيف تعطوهم مثلنا تماماً ونحن في الوقت نفسه ملزمون بأن ننفق عليهن وعلى أولادهن؟ أليس هذا متنافي مع القسط، على أساس ماذا؟ الإلتزامات هذه.
يأتي من يقول: إن هذه الآية منسوخة، منسوخة، منسوخة، أحياناً، في نفس الآية هنا جاءت على هذا النحو ضمن وضعية معينة قد تكون الوضعية هذه قائمة في مجتمع آخر، أعني قد لا تكون في المجتمع المسلم هذه لم تعد موجودة في المجتمع المسلم في البلاد العربية والأمة الإسلامية، لكن يكون هناك مجتمعات أخرى ظروف مرت بها خلقت وضعية معينة للتركيبة الإجتماعية وللإلتزامات والمسؤوليات، ولوضع المرأة هناك تجد هناك وضعية إذا أنت ترى أن القرآن راعى وضعية هنا في بداية تشريع التوزيع، تشريع توزيع المال، إذاً هو نفس القرآن الذي سيراعي الوضعية هناك في البداية لتنتقل بالمجتمع إلى مجتمع {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} بعدما تعطي تركيبة اجتماعية معينة، التزامات معينة، هنا الرجال قد أصبحوا هم يجاهدون، ويقال لهم: ينفقون في سبيل الله وقد هناك أسرى وهناك مهاجرون وهناك التزامات كثيرة عليهم، أليست هكذا؟ وخطوة كبيرة استطاع أن ينقل الرجل إليها على الرغم من وجود الإلتزامات هذه إلى أنه يعطي المرأة وكان لا يعطي الرجل الأصغر.
القضية هذه كلها ليست مسألة تقديرية مثلاً لأي شخص، أبداً، ولا هي مسألة فتوى، يأتي واحد يعمل للناس فتوى في أوربا كمسلمين، لا. هي قضية لا بد فيها من توجه، أعني يكون هناك دين يتحرك أمة تتحرك قادرة على تغيير تركيبة المجتمع وليست فقط مجرد فتاوى، تعطي فتاوى للأوربيين تقول: تبدو وضعية المرأة كذا.. فتأتي تعطي فتوى، لا. هذا لا يصح، عندما تلحظ أن التشريع هو يكون مترافقا مع حركة الدين وإقامة الدين وبناء المجتمع على منهج هذا القرآن وليست حالة فتوى تفتي في أوربا أو في الصين أو في اليابان، أو في… حالة من يتحركون بهذا الدين هناك، يلاحظون وضعية أخرى، القائم، القائم على الأمة الذي يتحرك بالأمة لإقامة دين الله وارث الكتاب؛ لأن هذه مهمته وليس مهمة كفتوى، هي مهمة كحركة، معناه يستطيع في الأخير أنه كيف ينـزل آية هنا هناك، وهو في إطار تغيير تركيبة المجتمع وفق الرؤية القرآنية؛ لأن القرآن له رؤية اجتماعية في تركيبة الأسرة والمجتمع وفي توزيع المهام والمسؤوليات والإلتزامات فتنـزل مقابل ماذا؟ إنزال المواريث بهذا الشكل تكون المرأة قابلة وبدون حساسية وبدون إثارة، كما راعى الرجل حتى يكون قابلاً هنا أن يعطي آخرين قد تكون وضعية تراعى فيها المرأة هناك حتى تكون قابلة لأن تتنازل عن نصف ما لديها وهي ترى التزامات متعددة على الرجل أكثر منها.
لكن في الإنطلاقة الإجتهادية تكون إطلاق فتاوى، أليست هكذا؟ لا. ما تزال الأشياء مرتبطة بحركة دين بحركة أمة تقيم الدين في المجتمعات وليست قضية اجتهادات وفتاوى، إنما من فائدتها أن نفهم استيعاب القرآن للحياة بكلها إعطاءه إعتبارات للوضعيات المتعددة بالتنقل بها إلى أن تصل إلى وضعية معينة. نفس الشيء الذي حصل في آية المسح في الوضوء، ألم يحصل فيها [خبصة] كبيرة هي نفسها؟ {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}(المائدة: من الآية6)؟ أليس بعضهم يقولون:مسح والبعض غسل؟ فالذين يقولون:مسح قال: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} معطوفة عليها، قال أولئك: لا، قال الله {فَاغْسِلُوا}(المائدة: من الآية6) هي معطوف على واغسلوا ألم تحصل هكذا؟.
كيف يمكن يجعل الباري آية تثير اختلاف وهو يعلِّم إجراءات معينة في الوضوء لكن متى ما ترسخت عند الإنسان أن الدين هذا مليء غوامض وإشكاليات حتى في القضايا الصغيرة يكون عنده في القضايا الكبيرة يتصور بأنها ستكون مظلمة؟ لا. لأن الفارق في ماذا؟ في الرؤية التشريعية، في الرؤية الفقهية التي قدمها القرآن، والرؤية الفقهية والتشريعية التي قدمها [أصول الفقه] الفارق كبير؛ ولهذا برزت رصات من كتب الفقه لا تستوعب ولا حتى المنطقة التي هي فيها ما بالك أن تستوعب العالم، لو تحاول تطبق كتب الفقه في العالم، ما تمشي، لكن القرآن يمكن العمل به، القرآن يمكن تطبيقه ويصل بالناس إلى بنية واحدة ووضعية واحدة.
{أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}(البقرة: من الآية185) هذه أيضاً من الآيات التي حصل فيها اختلاف حتى افترضت أن هناك كان تشريع صيام معين ثم انتقل إلى صيام رمضان، لاحظ أسلوب الآية هذه لا يخرج عن نفس الأسلوب السابق في موضوع التمهيد للذهنية، لأن بعضه قد لا يكون تمهيدا فيما يتعلق بنقله في واقع الحياة، التمهيد في الذهنية لقبول المسألة في البداية: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ}(البقرة: من الآية154) أليست هذه واحدة؟. {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(البقرة: من الآية155) أليست كذلك؟ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}(البقرة: من الآية170). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ}(البقرة: من الآية173) أليس هذا تمهيدا للتقبل، قد يكون بعض ما نسميه تمهيدا للتقبل لا يكون مرتبطا بنقلة اجتماعية لكن المواريث مرتبط بنقلة في المجتمع نفسه.
هنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}(البقرة: من الآية183) قد تقدم قبله حديث عن الصبر عن كذا أسلوب معين في مجال التمهيد لقبول المسألة ذهنياً لو يقول: يا أيها الذين كتب عليكم الصيام شهر رمضان من أول يوم لكان ثقيلاً على النفس، لكن لا. لاحظ كيف هي تساق بعبارات أحكام تفصيلية قبل أن يذكر الرقم الذي هو شهر، أول شيء أيام معدودات مقبولة، أليست مقبولة ذهنياً أيام معدودات؟ يبين أحكاما تفصيلية حتى يبين أن الصيام هذا ليس مرهقاً {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}(البقرة: من الآية184) أي عندما يصوم لا يصوم إلا بجهد جهيد لأن التشريع هو دون الطاقة {يُطِيقُونَهُ} أي يصوم لكن بإجهاد بجهد جهيد لنفسه باعتبار وضعية البدن، وليس باعتبار أعمال إضافية أن تجهد نفسك بأعمال أخرى باعتبار وضعيتك أنت بنيتك الجسمية فهنا يقول: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} يعني الصيام هذا ليس مرهقاً لازم تصوم حتى وإن كنت لا تطيق إلا بمشقة، يطيقونه: يعني بإمكانهم أن يصوموا لكن بصعوبة بالغة بالنسبة له، فبإمكانه يفطر ويكفّر.
هنا مقبول بعدها أن يقول: شهر رمضان أليس هو مقبولاً؟ لو يأتي من البداية كتب عليكم الصيام شهر، قبل أن يبين كيف الصيام وكيف الإستثناءات بالنسبة له أنه: إذا كان واحد مسافر أو مريض أو لا يستطيع إلا بصعوبة بالغة أن يصوم باعتبار الحالة التي هو فيها فيمكن أن يفطر ويكفر عن كل يوم إطعام مسكين ويأتي بقضية تشمل هذه يكون وفق القاعدة الإلهية في ماذا؟ في تسهيل تقديم التشريع، هذه قضية أساسية، قاعدة أساسية.
لا أعتقد أنه صحيح أنه كان هناك صيام أيام معينة ثم بعدها يصومون، قال لهم: {شَهْرُ رَمَضَانَ} لا أعتقد، هذا موضوع روايات أخرى، الآية سياق واحد، من {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} لاحظ التمهيد التشريعي هنا: {كَمَا كُتِبَ} وليست قضية أنتم مختصون بها ما دام قد صاموا أناس قبلنا، إذاً باستطاعتنا أن نصوم {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة: من الآية183) فيه فوائد بالنسبة لكم كثيرة تجعلكم متقين {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ}(البقرة: من الآية184) أياما معدودات يمكن تكون عشرا يمكن تكون ثلاثين، يمكن تكون أربعين، أليست هكذا؟ ويمكن تكون خمسة أيام معدودات، لا يدري أحد كم هي، تبدو القضية مسهلة.
{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ}(البقرة: من الآية184) قبل أن يقول بالرقم {شَهْرُ رَمَضَانَ} شهر من أول يوم، قبل أن يأتي بهذه الأشياء يكون فيه نوع من الصعوبة، صعوبة القابلية في الإنسجام في الذهنية لا تكون أنت ترى القرآن والتشريع الإلهي أمامك أرقاما كبيرة، أرقاما مجهدة في مقامات كثيرة متعددة؛ لأن التشريع تناول أشياء كثيرة جداً الأطعمة والأشربة المنكوحات الملبوسات الأعمال البدنية كالصيام، جانب مالي إنفاق وأشياء من هذه، لكن تلاحظ كيف، وهذه من حكمة القرآن أنه جاء في المجتمع العربي، ألم يستطع أن ينقلهم إلى قابليته؟ بينما الأسلوب الفقهي الذي قدّم أصبح بالشكل الذي لم يعد بالإمكان إنزاله في كثير من أسلوبه، أسلوب جاف أسلوب بعيد عن أن يكون له قابلية هذا أسلوب راقي جداً ولا يخرج عن القاعدة الإلهية: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}(المائدة: من الآية6).
حتى في عملية تقبل الدين وهو يوجه التشريع أمكن أن يشرع في مختلف المجالات وقبله العرب، أليس هذا يعتبر من المعجزة لهذا الدين؟ أن يقبله العرب هم، وهم ليسو شعباً متحضراً وهم أناس قاسين وجافين وبدائيين في الجزيرة العربية كانوا هكذا وقبلوه، وقبلوا الأشياء العالية فيه، الجهاد نفسه ألم ينطلقوا يجاهدون؟.
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}(البقرة: من الآية184) إذاً ما هنا الصيام قد أصبح سهلاً افترض أنه يطلع أربعين يوماً وقد أصبح هكذا {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}(البقرة: من الآية184) في موضوع الإطعام {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية184) يكون فيه فوائد هامة قد يكون من الناحية الصحية ربما ينفع قد يجهدك يومين ثلاثة أو خمسة أيام لكن يكون له أثر فيما يتعلق بصحة بدنك، التي جعلت الصيام في الأيام الأولى مرهقة نوعا ما {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} والصيام بشكل عام هو خير لكم مع أنه قال هناك: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} هنا مناسب يقول: {خَيْرٌ لَكُمْ} إذاً قد أنت تحب أن تعرف كمّا هو وتصوم {شَهْرُ رَمَضَانَ}(البقرة: من الآية185).
كذلك يتحدث عن شهر رمضان أيضاً بالمناسبة المهمة التي تجعلك تتقبل أن تصوم هذا الشهر هو ماذا؟ أنه {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}(البقرة: من الآية185) إذاً نصوم مناسبة عظيمة وتكريم لهذا القرآن، إذاً فالصيام جاء على هذا النحو، ما هناك قضية صيام يوم معين، عاشوراء، ثم تنقل إلى كذا هذا فيه روايات أخرى.
ولا يحتاج إلى تقديرات متعددة، معناها لا يطيقونه، ومعناها كذا..، يطيق صيامه، لكن يطيق بأقصى جهد لديه، مسموح له أن يفطر باعتبار وضعيته [وليس باعتبار أعماله يأتي واحد يجمع له أعمال صعبة في رمضان في الأخير يقول: لم نعد نطيق، لا.] يفطر ويكفّر ويقول: بعدها في نفس الوقت – لاحظ التسهيلات من قبل ومن بعد – {شَهْرُ رَمَضَانَ} فيثني على هذا الشهر يشوقك إلى أن تصومه {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} يبين أن هذا الشهر جدير بأن يصام وأن يكون محطة للعبادة الهامة؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن والصيام له علاقة بأعظم شيء أنت تقدسه وهو القرآن الكريم، مما جاء من عند الله.
{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة: من الآية185) إذاً أليس الصيام سهلا جداً هنا:- شهر – بالأسلوب هذا الرائع العالي فعلاً.
يتحدث عن الصيام وعن هذا الشهر شهر رمضان أنه محط للسؤال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}(البقرة: من الآية186) وهذه في محلها أيضاً ذكر أن الباري يقدم مثلما قال هناك: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}(البقرة: من الآية57) يأتي هنا يبرز في الصورة بأنه أيضاً أنتم قد عرض عليكم موسم معين هو من أفضل المواسم للدعاء {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي}(البقرة: من الآية186) يستجيبون لي عندما أهديهم وأشرع لهم في كل ما قدم {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة: من الآية186) فليؤمنوا بي لعلهم يرشدون.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]