التوجيهات الإلهية تعلمنا كيف نتحمل المسؤولية

 

 هناك الكثير من الأعمال والمسؤوليات الهامة ذات الطابع الجماعي، التي تدعى إليها الأمة، وتربَّى عليها الأمة، وتحرك فيها الأمة، والكثير من هذه المسؤوليات والتفاصيل العملية ذات أهمية كبيرة في بناء الأمة، فالأمة عندما تعيش حالة الفراغ، ولا تتحرك ضمن هذا المشروع الإلهي، ولا تستجيب لهذه التوجيهات الإلهية التي تبنيها، التي تربيها، التي تحيي فيها روح المسؤولية، التي ترفع مستوى الوعي لديها، التي تساعدها في واقعها لتبني نفسها في كل المجالات: على المستوى العسكري، على المستوى الاقتصادي… على كل المستويات، إذا لم تتجه هذا الاتجاه؛ فسيكون واقعها نفسه واقعاً سلبياً، يؤثِّر عليها في مدى الاستجابة لتوجيهات الله -سبحانه وتعالى-.

فالكثير من توجيهات الله -سبحانه وتعالى-، وبالتحديد التوجيهات التي يتهرب الكثير من الناس عن الالتزام بها وعن تنفيذها، هي ذات أهمية كبيرة في معالجة هذه المشكلة، معالجة مشكلة الخلل في واقع الأمة، الضعف في واقع الأمة، الحالة التي يموت فيها الاستشعار للمسؤولية، الحالة التي يتردى فيها واقع الأمة ووضع الأمة في كل المجالات، فتتحول إلى أمةٍ ضعيفة، أمةٍ مفككة، أمةٍ عاجزة، أمةٍ تغيب عنها حالة الجهوزية لمواجهة التحديات، أمة تموت فيها المعاني والقيم ذات الأهمية الكبيرة، التي تجعل الإنسان حاضراً ومهيأً لتحمل المسؤوليات، ومواجهة التحديات.

فالكثير من التوجيهات التي تأتي لتعلِّمنا أن نتحمل مسؤولياتنا، وفي نفس الوقت تدلنا عملياً على كثيرٍ من الأعمال التي نتحرك فيها فنكون أمة يقظةً عمليةً تتحرك، ليست أمة جامدة، الموات الذي يعاكس ويناقض هذه الحياة المقصودة في الآية القرآنية هو الجمود، هو غياب روح المسؤولية، هو انعدام الوعي، هو حالة الاستسلام والخنوع، هو حالة الفتور والكسل، التي تجعل الأمة بعيدةً عن التحرك العملي.

الحالة السلبية ..الاستهتار والتهاون

ويستهتر البعض من الناس بمثل هذه الأعمال، وبمثل هذه التفاصيل العملية، ويتهربون من كثير من الأعمال والأنشطة والبرامج التي تساعد على هذا، مع أنَّ فيه الحياة للأمة، الحياة الحقيقية، الحياة التي تكون فيها الأمة أمة عزيزةً، أمة قويةً، أمة منيعةً وعصيةً على أعدائها، أمة يصلح واقعها، وينتظم أمرها بفعل هذه الاهتمامات، وتحمل هذه المسؤوليات، بفعل هذه الحركة وهذا النشاط، وهنا يتهرب الكثير من الناس، وبعضهم قد يتهاون بكثيرٍ من الأعمال ذات الأهمية الكبيرة، والتفاصيل العملية التي يكون فيها أنشطة عملية، برامج عملية، اهتمامات عملية في الساحة، تساعد على أن تظهر الأمة أمةً قويةً، أمةً جاهزةً لمواجهة أعدائها، ولا تبقى في حالةٍ من الجمود الذي يشبه الموت، حالة من الركود الذي يشبه الموت، ويطمع العدو في الأمة، حالةً تعبِّر عن استسلام أو خنوع.

الحالة الإيجابية.. الاستجابة والتنفيذ

{اسْتَجِيبُوا}، الحالة الصحيحة هي الاستجابة العملية، التنفيذ، بدلاً من التجاهل، بدلاً من التنصل عن المسؤولية، بدلاً من التهرب، وكما قلنا عادةً ما يتهرب الناس أكثر شيء من مثل هذه التوجيهات وهذه التعليمات التي لها هذا التأثير: تحيي الأمة، تقوي الأمة، تنهض بالأمة، تجعل الأمة في موقعٍ قوي، في موقع الجهوزية في مواجهة التحديات والأخطار، وليس في حالة ركود، فإذا دهمها الخطر كانت غير جاهزة، بل على العكس تكون جاهزة للاستسلام.

البعض من الناس للأسف الشديد ممن لم يفهموا الدين الإسلامي بشكلٍ صحيح، أسلوبهم حتى وهم يتحركون باسم الدين، هو على النحو الذي يجهِّزون فيه الأمة للاستسلام، أن تكون جاهزة للاستسلام إذا دهمها العدو، إذا أتاها الخطر، ويعارضون أي تحرك فيه حالة من تجهيز الأمة لمواجهة الأخطار، أو تحريك الأمة لمواجهة الأخطار التي قد أتت وهي حتمية لا بدَّ منها، كثير من الأعمال التي فيها حياة الأمة، وقوة الأمة، وعزة الأمة، وفتوة الإيمان، وحركية الإيمان، التي تجعل من الأمة أمةً عملية، أمةً ناهضة، أمةً متحركةً تمتلك مشروعاً من الأساس، ولا تبقى في حالةٍ من الغفلة، ثم تواجه التحديات بكثيرٍ من التهرب عن المسؤولية، والضعف، والتعللات، والإشكالات، والعقد، والكراهة للخروج، والكراهة للعمل، |لا| هنا يؤكِّد على أهمية هذه الاستجابة العملية، والطاعة العملية.

التحذير من التسويف والإحالة

 إن لم تستجيبوا فأنتم معرَّضون لهذه المخاطر الكبيرة: أولاً على المستوى الشخصي: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، هذا تحذير على المستوى الشخصي لكل إنسان، لكل شخص، تحذيرٌ لك أنت على مستوى واقعك الشخصي، إن لم تستجب فقد تتعرض لهذه الخطورة.

البعض من الناس يعتمدون على التسويف والإحالة، فلا يتحركون في كثيرٍ من الأعمال المهمة، والتفاصيل التي لها نتيجة جيدة: تجعل الأمة في حالة من الحركة والاستعداد والعمل، ويقول: [إذا تمكَّن الأعداء من أعداء الأمة، إذا أتى الأمريكيون ووصلوا عند باب كل منزل، ودخلوا كل مسجد، ووصلوا إلى كل بقعة، فإنه حينئذٍ سيتحرك فيما بعد]! هكذا يحيل الموضوع، [إذا أصبحت إسرائيل مسيطرةً بشكلٍ فعليٍ وملموسٍ وواضح، وأصبح الصهيوني هو الذي يدير منطقته، فهو فيما بعد سيتحرك]

مثل هذه الإحالات غير المسؤولة، التي هي في واقع الحال تنصلٌ عن المسؤولية، وعصيانٌ وخروجٌ عن حد الاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى-.

التحذير من التنصل عن المسؤولية

لا يقبل القرآن مثل هذه الحالات من التسويف، والإرجاء، والتنصل عن المسؤولية، والكسل، والفتور، والجمود، لا يقبلها القرآن الكريم، فإذا قرر الإنسان من واقع الاستهتار والرأي الشخصي أن يتصرف على هذا النحو: من التنصل والتهرب، قد يتهرب من أبسط الأعمال، أعمال بسيطة لكنها مهمة، لكنها نافعة، قد يتهرب من (الحضور لاستماع محاضرة تنمِّي وعيه، أو الحضور في وقفة، أو من إنفاق شيءٍ بسيطٍ في سبيل الله) أعمال حتى بسيطة في كثيرٍ منها، ولكنها ذات قيمة، وتجعل الناس في موقع الفعل والعمل والحركة، وليس في واقع الجمود، والركود، والخنوع، والاستسلام، والموت.

الاتجاه الإيجابي … الاستجابة العملية  ونتيجته العزة والكرامة

هنا الإنسان يعاقب بهذه العقوبة الخطيرة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}؛ لأن الإنسان إمَّا أن يتجه الاتجاه الإيجابي، ما هو الاتجاه الإيجابي؟ الاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى-، فيسارع في الخيرات، والأعمال الصالحات، والمواقف المهمة، والأعمال التي فيها حياة، فيها عزة، فيها كرامة، فيها قوة، فيها تحمل للمسؤولية، واستجابة عملية بالتحرك في إطار المسؤولية.

ويتروَّض على تحمل المسؤولية وعلى القيام بالأعمال المهمة، فيتحول في واقعه العملي إلى محبٍ وعاشقٍ وراغبٍ للتحرك في العمل في رضا الله -سبحانه وتعالى-.

الاتجاه السلبي… التنصل عن المسؤولية نتيجته (الطبع على القلوب في الدنيا- عذاب  النار في الآخرة)

وإمَّا أن يتجه الإنسان الاتجاه الآخر: اتجاه التنصل عن المسؤولية، التهرب من الأعمال المهمة، عدم الاستجابة العملية عن مثل كل هذه التوجيهات والأعمال والتفاصيل المهمة، ويحاول كلما دُعِي إلى ما فيه حياته: حياته المعنوية، حياته الإيمانية، حياة العزة والقوة والكرامة، على أي مستوى، إلى ما يساعد على تنمية وعيه وتربيته تربيةً إيمانية؛ يتهرب، إلى أعمال ومواقف مهمة؛ يتهرب، يتنصل… وهكذا.

 في هذه الحالة تلقائياً يتربى ويتعود على التنصل عن المسؤولية، والتهرب، والجمود، والفتور، والكسل، وفي نهاية المطاف تتحول هذه إلى حالةٍ نفسية تترسخ في قلبه، وتعظم المخاوف، وتكبر المخاوف، ويضمحل ويتلاشى منه الإيمان والدافع الإيماني، ويطبع الله على قلبه، فحينها لا تستطيع فيما بعد أنت يا أيها المسوِّف، يا أيها الإنسان الذي يحيل استجابته العملية إلى ما بعد، لا تستطيع أن تمتلك في قلبك هذا الدافع، لا تستطيع أن تمتلك في قلبك وفي مشاعرك وفي وجدانك ما يساعدك على الاستجابة العملية فيما بعد، يأتي فيما بعد ظروف معينة يكون التفريط فيها والتقصير فيها أعظم خطورةً عليك وأكبر في الإثم والجرم عند الله -سبحانه وتعالى-، فتجد نفسك غير مهيَّأ نفسياً للتحرك والاستجابة العملية، نفسيتك غير مهيأة، أنت كنت تتهرب من أعمال بسيطة، من أمور بسيطة، فكبرت عليك الأمور الكبيرة جدًّا.

التهديد بالفتنة  للمفرطين

ثم أيضاً يقدم تحذيراً آخر: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}، ثم يقدم أيضاً تحذيراً آخر:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال: الآية25]، {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} أنت مهددٌ بالفتنة، المتنصل عن الاستجابة العملية، المتخاذل، المهمل، المفرط، هو مهددٌ بالفتنة؛ لأن الفتن لا تختص بالمجرمين، يعني: تتصور أن الذين يفتنون مثلاً هم من يتجهون في صف الباطل بشكلٍ مباشر، فيقاتلون في سبيل الباطل، ويتحركون في جبهات الباطل، الفتنة أيضاً هي تأتي إلى من؟ هي تأتي إلى المتخاذلين، إلى المفرطين، إلى العصاة المتنصلين عن المسؤولية تأتي إليهم أيضاً.

 الفتنة لها أشكال متعددة ومتنوعة

1-الجمود ثم التحرك سلبيا في قضية تثيره

 مثلاً: في الوقت الذي فكر فيه أن يجلس، وأن يقعد، وأن يتنصل عن المسؤولية، وألَّا يهتم ولا يتدخل ولا يتحرك، قد تأتي له مشكلة معينة، أو قضية معينة تثيره، فإذا هو يتحرك سلباً، يتحرك في الاتجاه الخاطئ، هو لم يتحرك في الموقف الصحيح، في الموقف الحق، في القضايا المهمة، واختار أن يقعد وأن يجمد، وأن يتنصل عن المسؤولية، فإذا به وقد استثارته قضية معينة، أو حساسيات شخصية، أو مواقف أو اعتبارات شخصية، فإذا به يتحرك، إذا به ينطق، إذا به يتكلم وإذا به يتحرك وينشط، هذا من الخذلان، هذا من الفتنة.

2-التفريط في مراحل حاسمة

قد يكون أيضاً من الفتنة أن تأتي مرحلة فيها خطورة أكبر، ومسؤولية أعظم، والتفريط فيها يعتبر جرماً أكبر، فيفرط ولا يتحرك، فيعظم وزره ويكبر جرمه، ويعظم إثمه، وتكون المسألة خطيرة جدًّا.

3-تثبيط الأمة عن التحرك في الاتجاه الصحيح وإثارة المشاكل

قد يتحرك أيضاً في الاتجاه الخاطئ، ليثبط الأمة عن التحرك في الاتجاه الصحيح والعمل الصحيح، أو لإثارة مشاكل هامشية في داخل الأمة على حساب تلك القضايا المهمة والكبيرة، وهذا ملموس في واقع الأمة.

 التهديد للمفرطين بالعقوبة الإلهية

أيضاً يأتي التحذير في ختام هذه التحذيرات: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، فأنت معرض للعقوبة الإلهية، أنت في واقع التنصل عن المسؤولية أنت معرض للعقوبة الإلهية الشديدة، والله شديد العقاب -جلَّ شأنه-، عقوبته عقوبة شديدة، وقد يخذل الإنسان، ويدخل في مواقف خطيرة؛ بسبب هذه الفتنة، وهو قد تنصل عن المسؤولية، وقد تؤدي حتى إما إلى أن يقتُل أو يُقتل، أو يدخل في مشاكل كبيرة جدًّا، ومشاكل خطيرة جدًّا.

 

 

قد يعجبك ايضا