الجوف تخرج خيراتها من القمح.. نحو الاكتفاء الذاتي

|| صحافة ||

تناقل روادُ مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيّام الماضية صوراً تبعَثُ على الانشراحِ لمزارعَ شاسعة بمحافظة الجوف شمالَ شرقي صنعاء، وقد انتهت من حَصْدِ محصول القمح وبكميات كبيرة، وهو ما يجعلُنا نتفاءل كَثيراً ونؤمن بأن المستقبل القريب سيحقّق لنا الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الهام.

وخلال سنوات كثيرة، عانت أراضي محافظة الجوف من التصحر، وعانى أبناؤها طويلاً من ويلات الفقر والعوز الشديد، مع أن بلادهم تحوي في باطنها كنزاً مدفوناً من الخيرات الوفيرة والثروات المدفونة، لكن سياسَة نظام الخائن عفاش كانت تتعمد إذلال اليمن، وأبناء الجوف، ومحاربة أية محاولات لاستصلاح الأراضي الزراعية أَو الاهتمام بها.

لقد كانت السياساتُ الاقتصادية في الماضي وكما قال قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله- تعتمد على الاستيراد، لكل ما يحتاج إليه الشعب اليمني، من الملخاخ، إلى الصلصة، إلى مختلف الغذاء وفي مقدمة ذلك القمح، والذي كان –وما يزال- يتم استيرادُه من الخارج، وأدت تلك السياسة إلى تعطيل الإنتاج الداخلي، وتوجيه رؤوس الأموال من التجار على هذا الأَسَاس أن يستوردوا من الخارج، وألا يوجهوا رؤوس أموالهم في الإنتاج الداخلي، وهذه سياسة خاطئة كارثية، لها ضررها الكبير على شعبنا، وجزء من معاناة شعبنا في هذه المراحل يعود إلى تلك السياسات الخاطئة المنحرفة غير الصحيحة أبداً.

ولهذا فَـإنَّه عندما تحدث مشاكل، في أي مكان بالعالم، فَـإنَّنا سريعاً ما نتأثر بذلك، سواءٌ أكانت هذه المشاكل قريبة منا أَو بعيدة.

وهنا يقول قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي: (أتت الحربُ في أوكرانيا، أوكرانيا، هناك بعيدةٌ، فإذا بهم يقولون 30 % من القمح الذي نستورده، نستورده من أوكرانيا.. تدخل مصيبة أوكرانيا علينا في اليمن.. هذه بلوى كارثة.. هذه مشكلة في أوكرانيا احنا نجوع في اليمن.. هذه خطأ.. ليش، هل؛ لأَنَّه ليس لدينا أراضٍ زراعية، يمكن أن تغطيَ احتياجَنا من القمح.. بلى عندنا أراضٍ زراعية تغطي احتياجنا من القمح.. هذه اليابان مصنَّفة في الموقع الثامن عالميًّا في الإنتاج الزراعي، معظم اليابان جغرافياً أصغر من اليمن، وأكثر اليابان جذور بركانية.. ما معهم تراب، قليل التراب، هم في الموقع الثامن في الإنتاج الزراعي.. احنا الحمد لله عندنا تراب كثير كثير، بلادنا أكثرها تراب، معنا التراب، معنا الأرض الزراعية، بلدنا بأكثره زراعي من حَيثُ العمران، هناك فرصة للزراعة، وعندنا مساحات شاسعة جِـدًّا يمكن أن تزرع بالقمح وبجودة عالية جِـدًّا، لكن لما اتجهت رؤوس الأموال إلى الاستيراد من الخارج لكل شيء بما في ذلك القمح والمنتجات الأَسَاسية من الملبوسات والمأكولات وكافة الأغراض تستورد من الخارج).

الوضعُ تغير

ويمكن القول إن الواقعَ الآنَ تغيَّر تماماً، فالقيادةُ الثوريةُ والسياسية تولي اهتماماً كَبيراً بزراعة محصول القمح في محافظة الجوف، وتحويل الأراضي القاحلة إلى أراضٍ خضراء، وذلك دعماً للاقتصاد الوطني، وُصُـولاً إلى الاكتفاء الذاتي، وهو ما تطمح إليه القيادة.

وتقعُ الجوف التي تعد موطنَ مملكة معين قديماً إلى شمال شرقي صنعاء، وعدد مديرياتها اثنتي عشرة مديرية، ومدينة الحزم هي مركَزُ المحافظة، وتمتازُ بالأراضي الزراعية الواسعة جِـدًّا، وهي خصبةٌ متجددةٌ باستمرار، ومناخُ المحافظة يعتبر بشكل عام معتدلاً صيفاً وبارداً شتاء في المناطق الداخلية والمرتفعات الجبلية.

وقبل سنوات كثيرة، كانت ملامح المحافظة تبدو على استحياء كسفينة أشباح في البحر، فهي لم تشهد من قبل أية برامج تنموية، وعلى الرغم من وجود مكاتب للزراعة على مستوى المديريات إلا أنها لم تعمل بالشكل المطلوب، كما أن الدعم من المؤسّسات الرسمية لم يكن بالقدر الكافي.

ويقع النهوضُ بالقطاع الزراعي في قلب القيادة الثورية والسياسية، ومحافظةُ الجوف أبرزُ مرتكزات الاهتمام، فالخطط المستقبلية تقضي بإحياء الأرض بعد موتها، عن طريق الاستثمار الواسع في المجال الزراعي بالمحافظة.. لكن ما الذِي يميز الجوف لتكونَ إقليماً زراعياً بامتيَاز؟

تمتلك الجوفُ المساحاتِ الواسعةَ من الأراضي الزراعية الخصبة والصالحة للزراعة، وهذا هو أهمُّ عامل مشجِّع للاستثمار، وهي تمتدُّ من مديرية الحزم وحتى اللبنات بمساحة تقدر بحوالي واحد وأربعين ألف وأربعمِئة وسبعين هكتاراً، كما أن هناك فُرَصًا استثمارية في محافظة الجوف تتمثل في الآتي:

        إنتاج الحبوب.

        الثروة الحيوانية.

وتحتلُّ محافظة الجوف -حسب الإحصائيات السابقة- المرتبة السادسة بين المحافظات اليمنية، من حَيثُ إنتاج المحاصيل الزراعية، ومن أهم محاصيلها (الحبوب، والخضروات، والفواكه، والكمون والسمسم والأعلاف)، ويزرع القمح والبرتقال بكميات كبيرة فيها.

وتعتبر محافظة الجوف سلةُ الماء والغذاء لليمن بشكل عام، وهي تهتمُّ كَثيراً بزراعة القمح في مختلف مديرياتها، وتعتبر من أغنى المحافظات بالمياه السطحية، حَيثُ يتراوحُ مستوى الماء في الآبار المختلفة ما بين 30 إلى 40 متراً فقط، وهناك انتشارٌ واسعٌ لمنظومة الطاقة الشمسية، كما أن معظمَ المزارع تعتمدُ على تقنية الري الحديث.

محافظةُ الجوف كذلك من المحافظات الغنية بالثروة الحيوانية، وأكثرُ الأسر فيها يعتمدُ نشاطُهم الاقتصادي على تربية الثروة الحيوانية، وهذا مؤشِّرٌ على أهميّة هذه الثروة، وإمْكَانية الاستثمار فيها.

حلم كبير

ويكمُنُ الحلمُ الكبيرُ للقيادة السياسية في تحويل الصحراء والأرض القاحلة إلى حقول خضراء؛ ولهذا فقد كلفت فريقاً من المختصين والأكاديميين لوضع عددٍ من الدراسات التحليلية للوضع الزراعي في الجوف وآفاق تطويره، كما أن الحكومةَ والجهاتِ الرسميةَ على استعداد لوضع كافة التسهيلات للمستثمرين في هذا المجال، وهي تعملُ بشكل دؤوب لتخطيط الأراضي والطرقات.

وأثبتت الدراساتُ التي نفذها فريقٌ تابعٌ للجنة الزراعية والسمكية العليا أن هناك تجاوُبًا كبيرًا من قبل المواطنين بالجوف لاستثمار أراضيهم والدخول في شراكة مع القطاع الخاص في التنمية الزراعية، وهذا مؤشر قوي ومشجع للاستثمار في القطاع الزراعي.

ويوجد بمحافظة الجوف العديدُ من الوديان، وهو ما يكسبها أهميّةً كبيرةً، من حَيثُ توفر الموارد الطبيعية التي تؤهلها أن تكون سلة الحبوب في اليمن، ومن أهمها وادي مذاب ووادي الخارد ووادي الجوف.

وينصبُّ الاهتمامُ الرسمي حَـاليًّا في محافظة الجوف على بناء السدود كسد الخارد، والحواجز المائية وقنوات الري وتنظيم توزيع المياه، إضافةً إلى عمل حواجز لرفع منسوب المياه إلى سطح الأرض، والحفاظ على الأراضي من الانجرافات، حَيثُ كانت بداية المستثمرين الأوائل في القطاع الزراعي بالجوف مثمرة، فقد أنشأت العديد من المزارع النموذجية ومنها:

مزرعة الرسول الأعظم.

مزرعة أنعام اليمن.

مزرعة الشهيد الصماد.

مزرعة سلامة.

مزرعة العاقل.

مزرعة الشعب.

مزرعة المستثمر.

وبناء على ذلك فَـإنَّ العمل الرسمي لتطوير القطاع الزراعي في الجوف ليس عبثياً، فقد تم إعداد خطة خمسية زراعية شاملة بالمحافظة ومنها استصلاح الأراضي الزراعية، وتطوير المؤسّسات الرسمية الحكومية.

وفي جانب الاستثمار الزراعي تحرص الخطة على ما يلي:

        إنشاء شركات اكتتاب لزراعة القمح.

        إنشاء شركات متخصصة في صناعة الآلات والمعدات الزراعية.

        إنتاج شركات مساهمة في قطاع الري والطاقة.

        إنشاء شركات متخصصة في تقديم الخدمات الزراعية والبيطرية بالمحافظة.

وفي زمن التكاتف ومواجهة التحديات فَـإنَّ الحلم لم يعد مستحيلاً، ومحافظةُ الجوف تنفُضُ اليومَ غبارَ الإهمال المتراكم منذ سنوات كثيرة، وهي تتجهُ نحو الاستثمار الزراعي، ما يعني تأمينَ الغذاء الرئيس لليمن وتوديع سياسة الاستيراد للقمح والمحاصيل الأُخرى.

 

صحيفة المسيرة

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا