التنمية المستوردة.. بين الإفساد والتبعية
|| مقالات || إبراهيم محمد الهمداني
إن المستعمر الذي خرج بالأمس – من البلدان العربية – مرغما، منهزما بجيوشه وجحافله، وعدته وعتاده، تحت وقع ضربات الأحرار، وإصرار وتصميم الشعوب على نيل حريتها، مهما كانت التضحيات، قد عاد اليوم بنفس الأطماع الاستعمارية، ولكن تحت قناع الحضارة والإنسانية، ليفرض وصايته وهيمنته المتعالية، على (العالم الثالث) من جديد، ويلعب من خلال قوته وهيمنته الاقتصادية، أكثر الأدوار انحطاطا وقذارة وإجراما ووحشية، في تاريخ التسلط الإمبريالي والهيمنة، نظرا لما تمنحه صورته الجديدة – المغلفة بعناوين الاقتصاد والإنسانية – من مشروعية التدخل، وأحقية الحضور في كل بلد، والتحكم بصنع وتوجيه التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يخدم مصالح القوى الاستعمارية الكبرى، التي تغلف أطماعها بفتات المساعدات الغذائية، أو أوهام التنمية الغائبة، ومشاريعها الخالية من أي مظهر للتنمية، أو المساعدات المالية والقروض الربوية، التي تهدم بنيان المجتمعات، وتفسده على كافة المستويات، علاوة على كون تلك القروض مشروطة، ومشاريعها التنموية محددة سلفا، وفقا لما تراه الدول المانحة، من موقعها الأبوي المهيمن، ومركزيتها الحضارية المزعومة، وأحقيتها في تقرير ما تراه مناسبا، وفرضه على الشعوب المستضعفة، وبذلك عاد عدو الأمس/ المستعمر القديم، في ثياب صديق اليوم/ المتسلط الجديد، بصلاحيات أكبر، ونفوذ أوسع، وقبول وترحيب رسمي، من الأنظمة الحاكمة، التي تشكر حضوره، وتثني على استجابته لمساعدتها في تحقيق النهضة الشاملة، وتطلب منه المزيد من التعاون.
الذي يعني – في حقيقته – مزيدا من الوصاية والنفوذ والهيمنة، وما يترتب على ذلك، من فرض الجرع السعرية، والسياسات التقشفية وغلاء المعيشة، وما يصاحب ذلك من فرض واقع سياسي وأمني جديد، يعطي تلك القوى الاستعمارية الحق في استباحة الجغرافيا والإنسان، إلى أقصى درجات التسلط، دون أن تحمل تلك القوى أي مسئولية إنسانية أو حضارية أو قانونية، على ما اقترفته من استغلال وحشي، وجرائم حرب، وإرهاب منظم، بحق الشعوب العربية والإسلامية، ودول العالم الثالث عموما.
إذن… لا تعدو تلك التنمية الوهمية – القائمة على القروض الربوية – كونها سياسة إجرامية كارثية بحق الشعوب، تم التخطيط لها بدقة بالغة ومنهجية مدروسة، بما يضمن نجاحها المطلق، بفعالية كبيرة، ودقة متناهية، في عملية هدم البنية الاجتماعية، وتفكيك منظومة القيم والأخلاق، وإفساد الشعوب على كافة المستويات والأصعدة، وتدجينها وإخضاعها لهيمنة العدو/ المستعمر القديم االجديد، الذي لم يتوانَ عن جعل البلدان العربية – النامية – أسواقا مفتوحة على مصراعيها أمام منتجاته، وتسخير الثروة البشرية للعمل لديه، كآليات رقمية تابعة له، وتحويل المجتمعات إلى قطعان من الزومبي، المتصارعة معه ولأجله، في صورة هي الأفظع استلابا وخضوعا وتبعية.
ويمكن القول إن تلك الحالة المزرية، كانت إحدى نتائج ممارسة الربا، والقبول به كآلية تعامل تجارية عامة، الأمر الذي أدى إلى إفساد المجتمع، وقطع صلته بخالقه نهائياً، وسلبه أدنى مقومات الرعاية والتأييد الإلهي، لينحدر في مهاوي السقوط، ويصل إلى مستوى متقدم جدا، من الذل والخزي والهوان والاستلاب، والعجز عن محاولة النظر في حقيقة وضعه، وتحليل مشكلته، وإيقاف ممارسات المستعمر وخططه وإجرامه، وكشف حقيقة دور الأمم المتحدة الإرهابية ومنظماتها الاستعمارية، وإيقاف تدفق القروض الربوية المنهكة للاقتصاد والإنسان، والمشاريع التنموية الزائفة، والتعاطي مع المستعمر الحديث، من منظور قرآني، ومن موقع العداوة لليهود والنصارى، الذين لا يودون أن ينزل علينا أي خير من ربنا على الإطلاق، فهل يعقل أن يقدموا لنا ذلك الخير – أو بعضه – بأيديهم.
وبما أن ذلك مستحيل عقلا، ممتنع واقعا، فيمكن القول إنهم قد استطاعوا خداعنا، وإيهامنا بجليل خدماتهم، وكبير مساعدتهم وفضلهم، بما من شأنه تحسين قبح صورتهم الاستعمارية، وخلق حالة من القبول والتعاطف المجتمعي معهم، تحت مسمى الصداقة والأخوة الإنسانية، بوصفهم ضرورة وجودية، وكينونة حضارية، لا يستقيم وجودنا، ولا تقوم حياتنا إلا بها، بينما حقيقة وجودهم وحضورهم، تؤكد طبيعة دورهم الوجودي التخريبي الهدام، وأبعاد كينونتهم العدائية تجاه الإنسانية عامة، وهذا ما كشفه ووضح معالمه، الشهيد القائد، بقوله:- “هناك مشاريع بملايين الدولارات الإنسان البسيط يجب أن يفهم وسيرى بأم عينيه حقيقة ما يقدمونه إنما هو عبارة عن طُعم لتدجين الناس وصرف أنظارهم عن الحذر واليقظة أمامهم من أجل ماذا؟ من أجل يحتلونهم ويجتاحون بلدانهم وسيستعيد بالأضعاف المضاعفة من ثرواتك أنت من جيبك أنت بأكثر مما قدم لك ، أما إذا أنت تراه قدم مدارس مثلاً مدارس أليس هو يلحقها بالمنهج حقه؟ إذاً المدارس حق من في الأخير؟ حقه هو ؟ المدرسة هي لصالح من هو متحكم في المنهج ويكون معناه في الأخير أننا نقدم لهم الشكر ونصفق لهم ونعتبرهم متجملين فينا وإذا المدارس في الواقع فقط نقدم لهم ونعطيهم ولاءنا ونعطيهم أيضاً أبناءنا يعلمونهم كما يريدون . إذاً ما هذه تطلع في الأخير قضية وهمية؟ ممكن يعطون لنا مثلاً مستشفيات يعطون مراكز صحية يعطون مستوصفات لكن الله أعلم كم سيعملون من خلالها من أشياء تضر بالناس عملياً، إضافة إلى أنه من خلالها يصنعون نظرة إيجابية عند الناس بالنسبة لهم هذه النظرة الإيجابية هي تجعل الناس يغمضون أعينهم أمام ما يحيكونه من مؤامرات وما يسيرون من أجل الوصول إليه وهو أن يهيمنوا عليهم ، أليست هذه القضية أصبحت ملموسة الآن؟ هم لا يعملون شيئاً إلا وهم واثقون من حصولهم على ثمنه أضعافا مضاعفة يستلمونها هم. إذاً عندما يأتي مشروع مستشفى كم فيه مثلاً؟ عشرات الأسرة وخدمات عالية وأطباء مهتمين وممرضين مهتمين يدخل مريض من قرية يهتمون به بشكل كبير سيقول [هؤلاء ناس طيبين هؤلاء ناس ملائكة ، الأمريكيين هؤلاء ناس طيبين باهرين..] سيرجع القرية وعندما تقول أنت هؤلاء ناس خطيرون هؤلاء ناس يجب أن نقف في مواجهتهم سيقول لك [ماذا؟ مواجهتهم ! ولا أمك ستعمل لك مثل تلك الممرضة ولا أبوك سيعمل لك مثل ذلك الطبيب] قد يقول [رضي الله عنهم اسكتوا] وإلاّ قد يصلي عليهم . الخطورة هنا المكسب الكبير للأمريكيين عندما يقدمون المساعدات هي في هذه النظرة التي يخلقونها من خلال مساعداتهم هم لا يقدمون شيئاً بمشاعر إنسانية بشعور بحق عليهم كدول متقدمة أن يعطوا دولاً فقيرة ويساعدونها من منطلق إنساني. لا يوجد عندهم هذه على الإطلاق”.
(سلسلة دروس رمضان المبارك – الدرس السادس – سورة البقرة).