ذو القرنين.. القدوة الحسنة لأصحاب القدرة والتمكن
قدَّم القرآن نموذجاً راقياً وعجيباً في هذا الجانب هو: ذو القرنين، ذو القرنين: ملك صالح مكَّنه الله تمكيناً عظيماً، قال الله: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ}: تمكين كبير من الله {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: الآية84]: أعطاه الله قدرات عجيبة وواسعة، قال عنها: {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}: قدرات واسعة.
ذو القرنين هذا عندما صنع إنجازاً عظيماً وكبيراً ومهماً، هو السد الحديدي، الردم الحديدي الذي عمله كحاجز ليحمي به مجتمعاً من المجتمعات كان يعاني من هجمات سنوية من جانب يأجوج ومأجوج، فعمل سداً حديدياً من قطع الحديد التي أوقد النار عليها، ثم أفرغ عليها القطر، فأصبح ردماً حديدياً متماسكاً، وعجزت يأجوج مأجوج عن اختراقه، وعن كسره، وعن خرقه، وعن الصعود أو التسلق من خلاله، هذا الإنجاز العملاق الذي حمى به مجتمعاً من المجتمعات، لم يركِّز حتى أن يكتب عليه: [هذا الإنجاز العظيم من ذي القرنين، والفضل له، وهذا من محامده وإنجازاته…وإلخ]. ماذا قال ذو القرنين بعد إنجاز أو بعد تحقيق هذا الإنجاز الكبير؟ {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: من الآية98]، البعض لإنجاز بسيط، أو عمل بسيط يتحقق على يديه بتوفيق من الله، ينسى الله، ينسى الله، ويرى الفضل فيما تحقق لنفسه هو، ثم يصبح حتى مستاءً من الآخرين أنهم لم يقدِّروا له ذلك الإنجاز، ومغروراً بنفسه، وهذه الحالة خطيرة على الإنسان في كل مجال من مجالات الحياة:
في المجال العسكري، في موقف حق، إذا أنت مجاهدٌ في سبيل الله -سبحانه وتعالى- وفقك الله لإنجازات عسكرية معينة؛ فاعرف واعلم وتيقن أنَّ ذلك إنما كان بتوفيقٍ من الله، لا تنظر إلى نفسك أنك أنت أصبحت شجاعاً، ومخططاً عسكرياً، وبارعاً، وأنك وأنك وأنك… فتتمحور حول ذاتك وتنسى الله، ثم تصاب بالغرور، ثم تتكبر في سلوكك، وفي تعاملك مع الناس، هذه حالة خطرة جدًّا.
في الجانب الأمني، إذا وفقك الله لإنجازات أمنية، وأعمال مهمة، واكتشاف خلايا، وتثبيت للأمن والاستقرار، وبناء للعمل الأمني، هذا بتوفيق من الله -سبحانه وتعالى- لا تأتي لتغتر بنفسك، وتعجب بنفسك، وتعتبر نفسك أنك أنت وأنت وأنت وأنت… وتنسى الله، تنسى أنه من وفقك، أنه من مكَّنك، أنه من هيأ لك، أنك في نفسك أنت مصدر العجز والضعف والتلاشي، وهكذا في الجانب الاقتصادي، في الجانب الإداري، في الجانب الاجتماعي، في الجانب الثقافي… في كل مجال من مجالات الحياة، يجب أن يحترس الإنسان من العجب؛ لأنه يتولد عنه الكبر والسلوكيات المتغطرسة التي ينعدم فيها الاحترام للناس تطاولاً عليهم، يتعطل عندك الاحترام للناس، لماذا؟ ترى نفسك أنك أصبحت بمستوى تُحتَرم ولا تَحتَرِم، ترى نفسك هكذا أنك أصبحت، على الأخرين فقط أن يحترموك، وأن يقدِّروك، أما أنت فليس عليك أن تحترم الآخرين، لماذا؟ لأنك في نفسك أصبحت شيئاً عظيماً ومهماً، كما يقولون: شخصية متورِّمة، التورم في الذات، هذه حالة سلبية جدًّا جدًّا.
الإنسان المؤمن حقاً كلما منَّ الله عليه بقدرات، بمواهب، أو إمكانات، أو وفقه لتحقيق إنجازات؛ يزداد محبةً لله، وإقبالاً إلى الله، يرى كل ذلك فضلاً من الله عليه، والحالة هي حالة أن يتوجه بالشكر نحو الله -سبحانه وتعالى- وأن يقول: هذا فضل من الله، هذه نعمة من الله، عليَّ أن أشكر {لِيَبْلُوَنِي} كما قال نبي الله سليمان {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}، فيزداد محبةً لله وتواضعاً مع عباد الله.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة الثانية والعشرون