الصرخة.. الأسس والمنطلقات
انطلق هذا الموقف، وتحرك هذا المشروع، من منطلقاتٍ مهمة، ومشروعة، وواقعية، وصحيحة، وسليمة:
أولاً: من خلال وعي بحقيقة الأهداف الأمريكية:- أن تحرك أمريكا إلى منطقتنا ليس أبداً كما يقولون هم: [بهدف مكافحة الإرهاب] |لا|، هو: بهدف احتلال بلدان هذه المنطقة، بهدف السيطرة المباشرة على هذه المنطقة، بهدف ضرب هذه الشعوب ضربة قاضية، وكيانات هذه البلدان (من دول) ضربةً قاضية، بهدف استهدافنا في كل شيء، الاستهداف لنا في: [قيمنا، وأخلاقنا، ومبادئنا، وحريتنا، وكرامتنا، واستقلالنا]، هذا هو الهدف الحقيقي للتحرك الأمريكي.
فإذاً مادام وهذا هو الهدف، فهل من الصحيح لنا كشعوب، وحتى كدول، وحتى كسلطات وأنظمة، هل من الصحيح أن نسكت، أن نتغاضى أو أن نتجاهل هذا التحرك الذي له هذه الأهداف، والذي له هذه المطامع؟ هل من الصحيح أن نتجاوب مع هذا العدو الآتي ليفعل بنا كل هذا، فنقول له: [تفضل، ما الذي تريده منا أن نعمله]؟! ثم هو يخطط لنا ما يساعده على تنفيذ أهدافه؛ فنعمل نحن بأنفسنا، ونتحرك نحن بأنفسنا كما يُريد لنا، في ما يوصلنا إلى النتيجة التي هي لصالحه وليست لصالحنا، بل مضرة بنا، بل تمثل كارثةٌ كبيرة علينا؛ لأن كل ما يمكن أن يوجهنا به الأمريكي في مناهجنا الدراسية، وسياستنا التربوية، وسياستنا الإعلامية، وسياستنا الاقتصادية، وواقعنا السياسي بكله، وفي كل ماله صلة بنا وبشأننا، كل أمورنا، كل ما يمكن أن يرسمه، أو أن يطلبه، أو أن يفرضه، أو أن يحدده، أو أن يلزمنا به، كلها مشاريع تآمريه، كلها أمور ليست في صالحنا نهائياً، مؤداها، نتيجتها، ثمرتها، له هو، وتوصلنا إلى ما أراده لنا هو من: سقوط، وهوان، وذل، وعجز، وضعف، وتفكك، وبعثرة، وانعدام لكل عوامل القوة؛ الأمريكي يريد في كل ما يطلبه منا: أن يسلب منا كل عوامل القوة (المعنوية، والمادية)، ما يطلبه منا في السياسة التعليمية: كل ما يمكن أن يساهم في التضليل، وفي أن يفقدنا الروح المعنوية. ما يطلبه منا في سيطرته على الخطاب الديني: كل ما يمكن في أن يساهم في تضليلنا، وأن يقضي على روح الإرادة والعزة في أنفسنا، والكرامة. ما يمكن أن يطلبه منا في السياسة الاقتصادية: كل ما يساعد على التحكم بنا والسيطرة علينا اقتصادياً. ما يريده منا في بقية الأمور (عسكرياً، وأمنياً)، في كل المجالات: هو كل ما يمكن أن يعزز من سيطرته المباشرة والقوية، ويساعد على استحكام قبضته علينا. فإذاً سياسة خطيرة جدًّا، سياسة هدامة، سياسة تدميرية، والتجاوب معها حماقة بكل ما تعنية الكلمة، وجناية، جناية على النفس، جناية على الشعب، جناية على البلد، جناية على الأمة بكلها.
ثانياً: وعيٌ بطبيعة وأسلوب تحرك الأعداء ومستوى خطورة هذا التحرك، لأن الأمريكي يتحرك بأساليب معينة، منها: عناوين يجعل منها غطاءً لخداع الشعوب، يعني: أن الأمريكي حرص على أن يستخدم أسلوب الخداع مع الشعوب ومع الأنظمة؛ فيأتي بعناوين، وهو يريد أن يُقنع الآخرين بها [أنا أريد أن أدخل إلى بلدكم، وأتحكم في وضعكم الأمني، والسياسي، والاقتصادي، وأضع لي قواعد في بلدكم عسكرية، وأنتهك سيادة بلدكم، أن يبقى جوكم لطائراتي، وأرضكم لقواعدي العسكرية، وأن أكون نافذاً وحاضراً في كل سياساتكم، وكل برامجكم، وكل خططكم، وكل أنشطتكم، أن أكون أنا الموجه، وأن أكون أنا المعلم، وأن أكون أنا من يحدد، ومن يأمر، ومن يقرر؛ من أجل أن أحارب الإرهاب، وأكافح الإرهاب]، ثم يأتون، فيقولون له [تفضل…]؛ فيأتي، كان قد وصل به الحد أن يسعى للتدخل حتى في القضاء، وفي الأوقاف، وفي كل الأمور، يعني: يريد أن يتدخل في كل شيء.
فإذاً، هو يريد أن يخترق ساحتنا الداخلية، يحرص على أن يسلب منا كل عوامل القوة، وبمساعدتنا نحن: أن نتولى نحن، عملياً، تنفيذ كل تلك الخطوات، التي مؤداها أن نفقد عناصر القوة المعنوية والمادية [تفضلوا أنتم اعملوا كذا وكذا وكذا، نفذوا كذا، اشطبوا كل شيء مهم، كل ما يمكن أن يساعد على توعيتكم اشطبوه، كل ما يمكن أن يساعد على تنمية الإرادة الحرة والقوة المعنوية اشطبوه…]، ولكن بأساليب وعناوين ملتفّة ومخادعة.
عموماً هو يسعى إلى اختراق الساحة الداخلية، وإلى تطويعنا كأنظمة وكشعوب؛ لنكون مطيعين له، متقبلين له، ننظر إليه -حتى في اللحظات التي يدخل فيها محتلاً- كمنقذ وكمساعد، ونسلّم له بالتدخل في كل شؤوننا، ونعطيه في ذلك الحق، وحتى يعتبر بعضنا بعضاً فضولياً في شأنه ولا يعتبر الأمريكي فضولياً في شأنه!
ثالثاً: وعيٌ أيضاً بمتطلبات الموقف: وله نتائج مهمة، أول نتيجة لهذا الموقف: الشعار، النشاط التوعوي من منطلق الثقافة القرآنية، العمل لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية…الخ. أول فائدة من الفوائد هي: كسر حالة الصمت، التي أُريد لها أن تفرض على الجميع. |لا|، لم نصمت، ولن نصمت، هذه نتيجة في غاية الأهمية، ماذا ستكون النتائج لو صمتنا، لو سكتنا، لو تقبلنا كل شيء؟ لتمكن الأمريكي من إنجاز الكثير والكثير من أهدافه بكل بساطة، حتى يجعل من الأنظمة ومن الشعوب هي وسيلة لضرب نفسها بنفسها، ولتنفيذ كل ما يريده منها بكل بساطة.
فهذا المشروع حقق هدفه في كسر محاولة فرض الصمت والاستسلام، ثم هو: عملية تحصين داخلية. الحالة التي نأتي فيها إلى واقعنا الداخلي؛ لنعمل فيها على لفت نظر شعوبنا تجاه الخطر الأمريكي والإسرائيلي، وللتوعية الدائمة والمستمرة تجاه كل مستجد من: مؤامراتهم، ومكائدهم، ومشاريعهم، وأجندتهم، وللعمل الدائم على رفع حالة العداء في أوساط الشعوب تجاه هذه المواقف، تجاه هذه التصرفات، تجاه هذه المؤامرات، تجاه هذه الحملة الأمريكية على بلداننا وشعوبنا، هذه مسألة مهمة تحصن شعوبنا من العمالة.
الذي يبقى في حالة صمت، الذي يتلقى دائما تعبئة مغايرة، تهيئة، وعملية تدجين مستمرة له؛ يكون لديه القابلية: إما لأن يتحول إلى عميل، أو مستسلم (واحدة من اثنتين)، عندما يبقى المواطن العربي هكذا: في حالة فراغ أمام تلك الهجمة الكبيرة والهائلة، هجمة فيها تحرك إعلامي كبير جدًّا، فيها تحرك عسكري كبير جدًّا، فيها تحرك استخباراتي كبير جدًّا، فيها تحرك ونشاط واسع يعمل على إفساد هذه الشعوب: [نشر الفساد الأخلاقي، نشر المخدرات]، عملية تضليل عن طريق المناهج، والعملية التثقيفية، والنشاط الإعلامي هائلة وكبيرة جدًّا، ويبقى المواطن العربي هكذا تائهاً أمام كل هذا، يتأثر، فهو إما أن يصل من حالة التدجين والتضليل والإفساد إلى حالة الاستسلام، وإما إلى حالة العمالة.
لكن حينما يحاط هذا المواطن بحالة توعية مستمرة، وتعبئة مستمرة، ولفت نظره إلى حقيقة هذه الأحداث، وتعبئة وتحفيز مستمر؛ حينها سيكون محصناً، محمياً أمام تلك الهجمة الهائلة جدًّا، التي لها -وللآسف- أدوات كبيرة عربية وإسلامية، ينشط في ظلها علماء دين، ينشط في ظلها ساسة، ينشط في ظلها ومعها أقلام، وكتاب، وإعلاميون، وأبواق كثيرة جدًّا… الأمريكي لم يتحرك لوحده في الساحة، هو حشد معه الكثير والكثير، حشر وحشد معه الكثير من كل فئات الناس، والكثير من العناوين، والكثير من الأساليب، نستطيع القول: أن هذه الهجمة في مستواها، وفي أساليبها، وفي وسائلها، وفي أدواتها -لربما والله أعلم، وفي حدود ومستوى ما نعلم- غير مسبوقة في تاريخ البشرية، فيما تمتلكه من: [وسائل، وإمكانات، وأساليب]، وفيما معها من: [أدوات، وفئات]، هجمة هائلة. فأن يبقى الإنسان أمام هجمة بهذا المستوى الهائل، غير محميٍ: تثقيفياً، توعوياً، استنهاضاً، وبتحريك، وبتفعيل، وبموقف؛ سينهار أمام هذه الحملة، يبقى في حالة استسلام، أو يتحول إلى حالة عمالة؛ وهذا ما يحصل للكثير.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة26شوال1438هـ