مشروعُ تحالف العدوان ورعاته الدوليين في اليمن واستراتيجياته المفضوحة..!

|| صحافة ||

لم تكن السياسةُ الدوليةُ يوماً من الأيّام تعملُ بجدية على خلق وإرساء بُنية سياسية أَو اقتصادية صلبة في أوساط المجتمعات العربية عُمُـومًا واليمن على وجه الخصوص، فمن الأخطاء الجسيمة أن نراهن على ذلك، وأن تلجأ بعض مراكز القوى إلى رؤية السلام في اليمن كمشروع مستنبط من وحي الخيال، بل ودائماً ما تقوم بإخضاعه لاحتمالات بعيدة كُـلَّ البُعدِ عن الحقيقة والواقع معاً، وتبني تصوراتها للنظام الجديد أَو لشكل الحكم لما بعد الهُدنة وانتهاء العدوان، وفق الأجندات الدولية الحاكمة والمهيمنة فقط.

جميعُنا وكيمنيين نحن اليوم بحاجة ماسَّة إلى رؤية واقعنا الداخلي بكثير من التجرد والحياد والعقلانية والموضوعية، يجب علينا إدراك المخاطر التي تستهدفُ كياننا كدولةٍ واحدة ووطن، وتهدّد وجودنا كأمةٍ وشعب، فما من مثقف أَو مسؤول واع تماماً لهذا الواقع المؤلم، يسعى إلى تقويم الاعوجاج، وإلى رفضه أَو حتى معارضة الكثير من القرارات السيئة، التي قد تأتي من السياسة الحالية للإدارة السلبية لتكتلات العمل السياسي المنضوية تحت مِظلة تحالف العدوان والتي تكابر في مواصلة السير قدماً في ظل غطاء دولي مريب، إلى تقويض فرص السلام أكثر، وإلى المضي قُدماً في التدهور الاقتصادي والسياسي للبلد، وإلى تمكين الأعداء من القوى الدولية في التحكم أكثرَ بقراراتنا وسيادتنا واستغلال ثروات وخيرات بلادنا.

 

الانزلاق إلى الهاوية برعاية أممية

وفيما تنزلق المناطقُ الجنوبية والشرقية المحتلّة من اليمن تدريجيًّا إلى الفوضى العارمة، بقصد أَو بدون قصد، ظهر صنّاع السياسة في أمريكا وبريطانيا والدول الفاعلة في مجلس الأمن ومبعوثوها وهم يشيدون بعملية التحول السياسي، أَو بالأحرى السقوط السياسي، التي صيغت بنودُها بعناية فائقة في لندن، ورُتبت أوراقها في الرياض، وتمخض عنها استنساخ ما يسمى “المجلس الرئاسي”، ووصفت بأنها قصة نجاح سياسي ميداني حقّقها التحالُفُ وداعموه الغربيون في اليمن بعد سبع سنوات من الحرب والدمار.

وظهر أن بعضَ الذين ما زالوا قلقين من الوضع على الأرض وما زالوا متفقين على أن تحالف العدوان لا يمتلك أيّة رؤية أَو استراتيجية مناسبة للخروج من مستنقع الحرب في اليمن؛ ولأنهم يسعون اليوم إلى إعادة توجيه كُـلّ موارد وخيرات أنظمة الخليج الغنية جِـدًّا والمنبطحة تماماً إلى مناطق صراع أُخرى، وتحديداً إلى أوكرانيا، واكبت مباركاتهم الحدث لذر الرماد على العيون وإيهام قواعد تلك القيادات وذلك المجلس بأنهم مقبلون على انتصار عظيم.

ولكن في الحقيقة أن المناطق المحتلّة من اليمن والتي تعتقد قوى تحالف العدوان بسط سيطرتها على كُـلّ شاردة وواردة فيها، تواجه اليوم خطر التحول إلى أفغانستان جديدة، وطالبان أُخرى، وبالتالي ستكون الأيادي التي غرستها وساعدت في تفريخها هي أكثر من ستكتوي بنيرانها، وسيكون أكثر المتضررين منها هي تلك الأنظمة في دويلات الخليج، لا سِـيَّـما في ظل تضارب المصالح وتشعب الأهداف والمطامع سواءً داخل أروقة دول التحالف نفسها أَو في بنية أدواتها المحلية المتمثلة بالتكتلات المليشاوية العصبوية الفاعلة في الميدان.

في المشهد، نلاحظ كيف تصاعدت وتيرة التفجيرات والاغتيالات السياسية، وارتفع منسوبُ الاتّهامات الخيانية والتراشقات الإعلامية، ومؤشرات السباق المحموم للاستحواذ على مناطق الثروات الطبيعية وكُلٌّ يدلي بدلوه وبأحقيته في الإشراف عليها، وبات الوضع المتورم والمتقيح أَسَاساً يبشِّرُ بانهياراتٍ وشيكةٍ للحالة الأمنية وباتت الفوضى وانعدام النظام هي أبرز سمات المرحلة القادمة في تلك المناطق، وأصبح المواطن اليمني البسيط ينظُرُ إلى هذا المجلس مدركاً حقيقة أن من يسمون أنفسهم حماة “الشرعية” ليسوا حماةً لها، وأن “حراس الجمهورية” ليسوا بحراسها، وأن رواد الوَحدة ليسوا بروادها.

 

الهروبُ إلى الأمام استراتيجيةٌ مفضوحة

على مدى أكثرَ من سبع سنوات من الحرب العبثية على اليمن، استنزفت معها النظامَ السعوديّ والإماراتي ميزانياتٍ مهولةً، ومُنِيَ النظامان خلالها بخسائر مادية ومعنوية، اقتصادية وعسكرية، سياسية ودبلوماسية هائلة؛ لذا عكفت هذه الأنظمة ورعاتها مؤخّراً على دعم مشاورات مُعلنة بين أطراف “ديكورية كرتونية” فيما يسمى بالشرعية اليمنية، غير أن هذه العملية كما رآها محللون ويقرها الواقع، أقرب ما تكون إلى الاعتراف بفشل التحالف وتقبّله للخسارة، في جولته الأولى، لا سِـيَّـما بعد تنازله عن شماعة حربه وعدوانه المتمثلة بـ”استعادة الشرعية”، وببساطة تخلى عن قياداتها المترهلة التي باتت في نظره أوراقاً محترقة، بعد أن استهلكت في طريقها ميزانيات ضخمة، في محاولةٍ منه فرضَها على المجتمع اليمني ككل ولكن دون جدوى، لذلك سعى هذا التحالف ورعاته إلى تحويل خط سير المعركة، من حربٍ لاستعادة الشرعية إلى التمهيد والتأسيس لمشروع صراعٍ فتنوي داخلي، وربما يفضي إلى حربٍ أهليةٍ غير مدعومةٍ منه، إذ لا مجال فيها لاستنزاف جهود وخزائن دول التحالف إلَّا في حالاتٍ استثنائية، أَو وفق ما يراه الراعي الأمريكي البريطاني.

هُنا يرى كثيرٌ من المتخصصين في الشأن العسكري أن ما يسمى “المجلس الرئاسي” إنما هو بمثابة مجلس حرب، ورأس حربة تقوم مقام دول التحالف في حربها ضد حكومة صنعاء وقواتها في الجيش واللجان الشعبيّة، لكن بعد أن تستوفيَ كافةَ الترتيبات الميدانية والتحضيرات الشاملة لإيجاد دولة أَو شبه دولة في الجنوب والمناطق المحتلّة من اليمن، في إطار الاستفادة القصوى من الهُدنة الأممية المزعومة والتي تعيش معها صنعاءُ حالةَ اللا حرب واللا سلام.

وبالتالي تخرج دول التحالف تدريجيًّا كقوى فاعلة في الميدان، بعد أن أوكلت المهام للمجلس المستنسخ، والذي سيباشر بوضع اللمسات النهائية لمشروع التقسيم والأقلمة، وإشغال حكومة صنعاء بمواجهة الوضع الاقتصادي المتأزم، وكذا الاحتقانات المحتملة بعد تحريكِ خلايا العدوان النائمة وعناصر الطابور الخامس، التي ستعملُ أجنداتها على تأجيج الشارع بحُجَجِ المطالب الإنسانية، وتردِّي الظروف المعيشية وغلاء الأسعار والمرتبات.. وغيرها، وسيطفو للسطح شخوصٌ كنّا نعدهم من القيادات المناهضة للعدوان ومن الأوفياء للقضية الوطنية الحقة.

ففي جولته الثانية إلى جانب إشغال صنعاء بمعارك هامشية، سيعمل التحالف الدولي على تشتيت قواها في مواجهات عسكرية ببعض الجبهات الداخلية، في دفعها لصد زحوفات النزعة التوسعية للمليشيات الإقليمية التشطيرية، وكذا حماية حدودها ومناطقها من الهجمات الإرهابية للمليشيات التكفيرية التي تم تفريخها بعناية دولية، وستظهر حينها دول التحالف بين فترةٍ وأُخرى بمظهر المصلح والداعي إلى السلام وقد تدعو اليمنيين إلى ضبط النفس وعدم الاقتتال فيما بينهم.

 

اليمنُ الأرض والإنسان الخاسرُ الأكبر

لعل المتابع المتمعن في الخطوات الاستباقية سيدرك أن قوى العدوان عندما أُرغمت على تشكيل المجلس الرئاسي ولملمة الأوراق والأدوات المتناقضة، مضى رعاتها الدوليون على صياغة (كذبة إبريل) في اليوم الثاني منه، ورعاية ما تسمى “الهُدنة الإنسانية” مع صنعاء وعملت وستعمل على تمديدها أكثر فأكثر؛ لأَنَّ هدفها الأول هو رفع يد السعوديّ والإماراتي عن الدعم المالي لأدواته على الأرض والعمل على تجنيب النظامين لأية تبعات مادية ومعنوية مستقبلاً، ويأتي تالياً ضمن مخطّطاتها القضاء على قوات صنعاء كقوةٍ عسكرية فاعلة تقف في طريق تحقيق مشاريعها في اليمن وفي المنطقة برمتها، أَو على الأقل إضعافها وحصرها منبوذة خارج سجل الأحداث.

وفيما نظرت بعض الأطراف المحلية منها والدولية إلى “المجلس الرئاسي” الجديد على أنه يمثل طوق النجاة لقوى التحالف الرئيسية للخروج بماء الوجه، دون تحمل تبعات سبع سنوات من الدمار والخراب والقتل والإرهاب، ينظر إليه اليمنيون شمالاً وجنوباً على أنه مُجَـرّد ثلة من الخونة والعملاء الفاسدين وتجار الحروب، ترتديهم قوى الهيمنة والاستغلال الدولية، كقفازاتٍ لحظية لتنفيذ أجنداتها ومشاريعها، ولن يعفي ذلك كُـلّ القوى المتورطة في العدوان على اليمن من التعويض وجبر الضرر وبرامج إعادة الإعمار، بحسب القوانين الدولية السارية.

لكن وبالنظر إلى ما يسمى المجلس الرئاسي، سنجد أنه حظي بترحيب واعتراف أممي، رغم أنها وعلى مدى السنوات الماضية كانت تُقر بأن الفارّ هادي هو الشرعية الوحيدة أمامها، غير أنها لم تعلق على هذا المجلس الذي أسقط بقوة الاحتلال والنفوذ شرعيته المزعومة، بل ضرب بكل مبادئ الحرية والديمقراطية وأبجديات العمل السياسي التحرّري، عرض الحائط، والتي دائماً ما تتغنى الأمم المتحدة بذلك في مناسبة وغير مناسبة.

فكل المؤشرات تؤكّـد أن الهدف من هذا المجلس بات جليًّا، فقوى تحالف العدوان ورعاته، يسعون إلى تأكيده وشرعنته واستغلاله، وسيلعب دوراً محوريًّا في تجزأة المجزأ وتقسيم المقسم داخل اليمن، وسيعزز من بقاء كافة الثروات اليمنية في البر والبحر وجوف الأرض في متناول الأمريكي والبريطاني، وسيعمل هذا المجلس على مصادرة كُـلّ الأصوات المعارضة له، بل ومطاردة كُـلّ الكوادر الوطنية الحرة والنزيهة في ظل تواطؤ ومباركة أممية.

وعلى قاعدة “ترامب” “تُذبح البقرة الحلوب”، فإمّا أن يقيم هذا المجلس نظامَ حكم عميلاً وتابعاً في اليمن على الطريقة الأمريكية البريطانية، وإمّا أن يحافظ على تواجُدِه في الأجزاء التي تهتم بها أمريكا وبريطانيا ودولة الكيان ويحميها، وإمّا أن يترك ليواجه خطر التنظيمات الإرهابية التكفيرية المثخنة تفريخاً في الجزء الجنوبي الشرقي من اليمن، ويبقى الأمر المؤسف هُنا أن كَثيراً من تلك التكتلات المتواجدة في إطار هذا المجلس لم تدرك بعدُ أن عملية التطهير القادمة موجهةٌ ضدها أصلاً.

 

لا سبيلَ للخلاص غيرُ المواجهة

إذا لم يدرك اليمنيون أن ما تسمى “الهُدنة الإنسانية” هي مُجَـرّد كذبة ومحض افتراء، وأن المجلس المزعوم ما هو إلَّا تكتلات عسكرية وملشياوية مناطقية استحدثتها ولملمتها دول العدوان بتواطؤ المجتمع الدولي، بعد أن هدمت في سبيله كُـلّ أَسَاس ديمقراطي في العملية السياسية السليمة، وتعمل على المدى القريب على استبعاد أي احتمال لحرية التعبير واحترام الرأي والرأي الآخر، أَو الاستفتاء لتحديد مصير البلاد، أَو إجراء انتخابات حرة ونزيهة، بل ستعمل على وأد العملية الديمقراطية في اليمن، نظرياً وعمليًّا وإلى الأبد.

فبمرور الوقت، سنكتشف متأخرين أن ذلك المجلس وتلك التكتلات بعد عملية الخلطة السحرية البريطانية لها، قد حقّقت مكاسب كثيرة، أهمها توجيه بوصلة “الحلب” إلى جهة أوروبا، بينما سيصبح الوطن اليمني بؤرة لصراعٍ داخلي، بعد أن أمنت السعوديّة والإمارات مواقعَها وعصبَ اقتصادياتها من أي استهداف مستقبلي للجيش واللجان الشعبيّة؛ كونها في إطار هُدنة أممية، وستعلن تخليَّها التام عن أدواتها من المرتزِقة والعملاء والبراءة منها.

أمّا في مناطقِ الجنوب والشرق فالصراعُ عنوانُها المتوقَّعُ بين مجلس العار وحكومة الفنادق والانتقالي والجيش الوطني مع قوات العمالقة، وحراس الجمهورية مع الأحزمة الأمنية والجماعات التكفيرية؛ لأَنَّها جميعاً عبارة عن ميلشيات حزبية مناطقية عصبوية لبست عباءةً وطنيةً مزيَّفة.

 

صحيفة المسيرة| تقرير/ عبد القوي السباعي

قد يعجبك ايضا