الدفاعات الجوية تفضح العدوّ وتعيد ضبط المشهد السياسي والعسكري.. ماذا تبقى من “الهُدنة”؟
|| صحافة ||
في أقل من يوم واحد، أعلنت القوات المسلحة عن إسقاط طائرتين مقاتلتين بدون طيار تتبعان تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ، في تحول بارز ترجم بوضوح رسائل التحذير والوعيد التي وجهتها القيادة السياسية والعسكرية للعدو خلال الأيّام القليلة الماضية، بشأن عواقب الاستمرار بخرق اتّفاق الهُدنة، والجاهزية القتالية العالية للرد على الاعتداءات، وهو الأمر الذي جعل الإنجاز العسكري في نفس الوقت فضيحة لتحالف العدوان وللأمم المتحدة على حَــدّ سواء؛ لأَنَّ إرسال الطائرات المسلحة في ظل الهُدنة يعتبر “أكثر من مُجَـرّد خرق” بحسب صنعاء وبالتالي فَـإنَّ الصمت تجاهه يعتبر أكثر من مُجَـرّد تواطؤ.
بعد قرابة 12 ساعة على إسقاط الطائرة التجسسية المقاتلة (CH4) التابعة لسلاح الجو السعوديّ أثناء قيامها بمهام عدائية في سماء العاصمة صنعاء، واستشهاد وإصابة 6 مدنيين بحطام الطائرة، أعلن ناطق القوات المسلحة العميد يحيى سريع عن إسقاط مقاتلة سعوديّة أُخرى بدون طيار من نوع “Wing Loong2” صينية الصنع قامت بخرق الهُدنة وتنفيذ أعمالا عدائية في أجواء مديرية كتاف الحدودية قبالة نجران.
العمليتان نفذتا بصاروخي (أرض -جو) محليين، وقد مثل الفارق الزمني القصير بينهما دلالة واضحة على الجهوزية العالية لدى القوات المسلحة من حَيثُ سرعة التعامل وجغرافيا الانتشار، وهو ما يعبر طبعا عن تطور كبير في القدرات والإمْكَانات.
وعلى الرغم من أن القوات المسلحة قد أسقطت قبل ذلك طائرتين مشابهتين قامتا بخرق الهُدنة في أجواء محافظة حجّـة، إلا أن ما حدث مساء الاثنين، وفجر الثلاثاء، نظر إليه كتحول مهم مليء بالرسائل، وذلك لعدة أسباب، أبرزها أن إسقاط الطائرتين الأخيرتين جاء بعد إعلان القيادة السياسية الوطنية عن تقييمها السلبي للهُدنة، وتحذير وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان لتحالف العدوان من “عواقب التفكير العقيم” وإعلانهما “الاستعداد القتالي” لمواجهة أي تصعيد وللرد على الاعتداءات.
وبالتالي فقد مثل إسقاط الطائرتين ترجمة لـ”نفاذ صبر” صنعاء إزاء خروقات العدوّ للهُدنة، أَو بعبارة أُخرى: تجاوز تحالف العدوان للحدود التي يمكن احتمالها من المراوغة، خُصُوصاً مع قرب نهاية فترة الهُدنة وتصاعد الحديث عن “التمديد” الذي أكّـدت صنعاء أنه لن يكون مجديا إذَا استمر تحالف العدوان على نفس السلوك.
وهكذا كانت الرسالة الأبرز عسكريًّا وسياسيًّا في آن هي أن على تحالف العدوان أن يبدأ بتدارك موقفه بسرعة ويتوقف عن استخدام الهُدنة كغطاء لمواصلة اعماله العدائية، وإلا فَـإنَّ صنعاء ستستأنف ممارسة حقها الشرعي في الرد والردع، وهو ما يفترض به أن يذكّر تحالف العدوان أَيْـضاً بأن صنعاء وافقت على الهُدنة من موقع قوة لا من موقع ضعف، وبالتالي لا فائدة من التعويل على ممارسة ضغوط ضدها أَو محاولة الاحتيال عليها (برحلات جوية في الوقت بدل الضائع مثلا) لدفعها نحو القبول بالوضع الراهن وتمديده.
هذا ما أكّـدته أَيْـضاً الرسائل الإضافية التي وجهتها صنعاء على وقع إسقاط الطائرة (CH4) وسط العاصمة، حَيثُ أكّـد رئيس الوفد الوطني المفاوض، ناطق أنصار الله، محمد عبد السلام أن: “إرسال طائرات تجسسية إلى أجواء العاصمة صنعاء عمل عدواني يؤكّـد عدم احترام دول العدوان للهُدنة القائمة”، وأضاف: ” نحمل دول العدوان عواقب مثل هذه الأعمال الاستفزازية والعدوانية”.
وبحسب نائب وزير الخارجية حسين العزي فَـإنَّ: “إرسال مسيرات مقاتلة أَو تجسسية إلى العاصمة صنعاء يعتبر أكثر من مُجَـرّد خرق وقد يكون رسالة بإنهاء أي هُدنة حاضرا ومستقبلا، ولذلك ربما تضطر صنعاء للرد وهو حقها الطبيعي”.
رسائل جاءت متناسبة مع حجم ومستوى الاعتداء الفاضح الذي شهده جميع سكان العاصمة والذي أسقط كُـلّ محاولات تحالف العدوان لتضليل الرأي العام بشأن الهُدنة، وأثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الرغبة السعوديّة الأمريكية في “السلام” لا تتجاوز كونها دعاية، وأن كُـلّ ما تغير في الواقع هو استبدال المقاتلات الحربية بطائرات مسلحة بدون طيار، الأمر الذي برهن دقة على تقييم صنعاء للهُدنة كـ”تجربة غير مشجعة”.
ولم تكن الأمم المتحدة خارج إطار هذه الفضيحة المشهودة؛ لأَنَّها لا زالت -حتى اللحظة- تلتزم الصمت إزاء ما حدث، مؤكّـدة بذلك أنها عاجزة تماماً عن القيام بدورها كراع للهُدنة، وأن ذلك العجز ناتج عن تواطؤ كامل مع تحالف العدوان، وهو تواطؤ لم تغفل صنعاء عن ملاحظته، إذ قال رئيس الوفد الوطني مستنكرا إنه “لو كانت طائرات مسيرات يمنية حلقت فوق أجواء دول العدوان لكانت مواقف الأمم المتحدة وجهات أُخرى مغايرة”، فيما اعتبر نائب وزير الخارجية الصمت الأممي مؤشرا سلبيا كَبيراً يرجح انسداد أفق الهُدنة حاضرا ومستقبلا.
هكذا أعادت صنعاء ضبط المشهد خلال أقل من 12 ساعة، وعادت المعادلات الرئيسية للحرب والسلام إلى الواجهة، وتساقطت كُـلّ محاولات التشويش والتضليل التي عمل تحالف العدوان والأمم المتحدة من خلالها على خلق مشهد بديل تحل فيه “المساومة” محل السلام الفعلي، إذ أصبح واضحًا الآن أن محاولة تغيير واقع المعركة من خلال المراوغة و”تقسيط” الاستحقاقات الإنسانية المشروعة لليمنيين تحت غطاء “الهُدنة” قد فشلت، وأن إنهاء العدوان والحصار والاحتلال ثوابت لا يمكن التحايل عليها حتى بمساندة دولية وأممية.
صحيفة المسيرة