لعبةُ الأمم في اليمن
موقع أنصار الله || مقالات ||عبدالرحمن مراد
اضطربت اليمنُ عام 2011م ثم جاءت سلطة المبادرة الخليجية التي لم يكن من إنجازاتها سوى الموافقة على وضع اليمن تحت أحكام الفصل السابع من أحكام الميثاق الأممي، وقد هلّل الإخوانُ وفرحوا بهذا الإنجاز وسارعوا إلى فرض العقوبات الدولية على خصومهم وكان المعتوه هادي مطية ركبها الإخوان لبلوغ مقاصدهم وغاياتهم، وظل على مثل ذلك إلى أن خلعته الوصاية الدولية لتستبدله بمجلس قيادة متناقض ومتنافر.
لم يكن هادي رئيساً لقد استقال وهذا أمر معروف للخاص والعام، ثم وظفته بريطانيا وأمريكا للقيام بتصريف الأعمال وفق بنود واشتراطات الوصاية الدولية التي طالب بها بغباء مفرط، وتحول من رئيس دولة ذات سيادة إلى موظف مهمته تصريف الأعمال، وحين انتهت مدة خدمته خلعوه كما يخلع الرجل نعله، ثم جاءوا بموظفين جدد، يتحَرّكون كالدمى يميناً أَو شمالاً كُـلّ الهم الذي يحملونه لا يتجاوز الربح الشخصي وتحقيق أكبر قدر من الأرصدة في البنوك، فالموظف لا يمكنه أن يبدع طالما وهو لا يملك من الأمر شيئاً، فالزيارات التي قاموا بها خلال سوالف الأيّام إلى بعض الدول العربية لم تكن إلا هروباً واضحًا من الواقع، وتعبيراً صادقاً عن العجز في تحقيق التناغم بين ما يسمونه بمجلس القيادة الذي لم يكتسب شرعيته إلا من خلال الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولعل كُـلّ منجزات المجلس حتى الآن هي تقديم طلب بتجديد العقوبات على اليمن والاستمرار في الخضوع لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
الكارثة الكبرى التي وقع فيها اليمن كانت؛ بسَببِ حكومة المبادرة الخليجية وبسبب هادي، وبسبب هادي تضاعف حجم المغالطات والتعويم للمفاهيم، الأمر الذي حرف الاهتمام والحقائق إلى غير مسارها الحقيقي، فالقوى التي كانت ترفض الوصاية الدولية على اليمن وتجاهد؛ مِن أجلِ الحرية والاستقلال والسيادة أصبحت قوى مهدّدة للسلام ومحتلّة، في حين يتحدث الإعلام المأجور التابع لدول الوصاية ومرتزِقتهم من أبناء اليمن عن مناطق محرّرة، وهي في واقع حالها تحت الاحتلال العربي والأجنبي والصهيوني ولا يملكون قراراً حراً فيها، في حين يتحدثون عن صنعاء -وهي من تناضل؛ مِن أجلِ الحرية والاستقلال والسيادة على كامل التراب الوطني- كمحتلّ، فالحالة الوطنية أصبحت ذات أبعاد متعددة يظل البعد الثقافي فيها هو المحك الذي يجب الاشتغال عليه حتى تعود المصطلحات والمفاهيم إلى معانيها الحقيقية في حاضرنا، ذلك أن الالتباس في المفاهيم قد أحدث شرخاً متسع الهوة في الوعي الجمعي الوطني، وقد سنحت الفرصة اليوم لصنعاء كي تعيد ترميم ما تصدع فيه، فالمعركة العسكرية قد بلغت غايتها ولن تعود مطلقاً، والمحتلّ اليوم يعول على البعد الثقافي والبعد الإنساني والوضع المعيشي وسوف يبذل جهداً مكثّـفاً ومضاعفاً فيه، ولا بُـدَّ من استنفار الطاقات الفكرية والثقافية والإبداعية حتى نتمكّن من السيطرة على مقاليد الأمور في حاضرنا، أما الميتافيزيقيا فلن تحل أي مشكل في اليمن.
نحن اليوم في مواجهة حقيقية مع مفردات الوجود إما أن نكون أَو لا نكون وهذا أمر يتطلب وعياً حقيقيًّا وبعداً استقصائياً وغوصاً في القضايا المعقدة للمجتمع حتى نعيد بناءه على أسسٍ جديدة ومتناغمة بين المادي والروحي، وقد نشأت ظواهر اجتماعية في واقعنا لا بُـدَّ من الوقوف أمامها لا التعامل معها بترف ذهني مبالَغٍ فيه، فالنار تبدأ من مستصغر الشرر ثم تتسع دائرتها وَإذَا اتسعت دائرة النار يصعب على المرء السيطرة عليها.
يعول المستعمر على الترهل الزمني الذي يصيب الأفراد والجماعات فتركن إلى الدعة والاستجمام في حين يظل هو مشتعل الأوار ومتقد الجمرات يمضي إلى مشروعه ومقاصده دون كلل أَو كسل، ولدينا مسار طويل من التجارب لكننا قوم لا نقرأ ولا نستشعر المسؤولية الملقاة على عواتقنا.
علينا أن ندرك أن اليمن أصبحت كالقصعة يتداعى عليها الأكلة، ومعركتنا مع المستعمر لن تكون قصيرة الأمد حتى لو وضعت الحرب أوزارها بل هي مُستمرّة استمرار الحياة على الأرض، فالصراع بين الحق والباطل تفجر منذ بدء الحياة على الأرض وهو مُستمرٌّ إلى نهاية الحياة فيها.