هُدنةٌ رفعت نسبةَ الآلام والآمال

||صحافة||

مع قُرب نهاية التمديد.. مرضى اليمن المحاصَرون ما يزالون قيدَ المعاناة

بعد أن انقضتِ الهُدنةُ مع ما رافقها من تمديد، ما يزالُ عشراتُ الآلاف من المرضى المحاصرين، بلا رحلات من مطار صنعاء إلى القاهرة، إلَّا من رحلة يتيمة لا معنى لها سوى أنها تفيد أن السعوديّةَ تريد أن تُظهِرَ نفسَها ملتزمةً بمسار رحلات متفق عليها لعمّان والقاهرة فيما ذرائع التعطيل والتأجيل جاهزة لإجهاض أية محاولات لحل جزء من تراكمات معاناة اليمنيين لسنوات سبقت حتى تاريخ العدوان على البلاد.

كما تعبر مراوغة العدوان عن واقع أن الرياض تحاول أن تفرض مزاجيتها على شروط الهُدنة مترجمة حالة العناد والتكبر الذي لا معنى له، فهي لا تريد الهُدنة كما لا تريد تمريغ أنفها مرة أُخرى؛ ولهذا تسعى لأساليبها الملتوية بهُدنتها الهشة على أمل حدوث متغير وإيجاد مخرج لاستئناف ما بدأته.

 

صنعاءُ تجسِّدُ الصبرَ الجميل

أمام هذا يدرك المتابع والمراقب لوضع الهُدنة مدى تحلي صنعاء بالصبر وعدم لجوئها إلى التصعيد، إذ تتعامل مع الجانب الأممي بوعوده المتكرّرة والمتجددة ما بين الهُدنة وتمديدها تجاوزاً لما بعد التزام تحالف العدوان بتسيير رحلات الطيران بواقع رحلتين في الأسبوع في خطين رئيسيين صنعاء – عمان، صنعاء – القاهرة، إلى وعود غرودنبرغ بإيجاد حلول لصرف المرتبات وفتح الطرقات… إلخ.

وتساير صنعاء الوعود الأممية كالتزام بإقامة الحجّـة وإيصال كذّاب اليمامة لباب داره ثم فرض الأمر الواقع بعد ذلك فرض يحيل عنجهية وغرور العقلية البدوية إلى سرابٍ لا طائلَ منه اليوم.

وفي ظل هذه المراوغة السياسية للرياض ومن يسير معها ويسيرها، لا تبدو آلام المرضى في المناطق الحرة المحاصرة ذات معنى، فمع بدء رحلات عمان صنعاء توافد آلاف المرضى على حجوزات الطيران وعلى اللجنة الطبية العليا بانتظار تحديد موعد سفرهم، فيما علقت الرحلات لشهر ونصف شهر، ثم استؤنفت رحلات المسار الواحد، صنعاء – عَمان، فيما تجاهل العدوان مسار القاهرة – صنعاء والى اليوم رغم تمديد الهُدنة لشهرين إضافيين.

 

آثارُ ما بعد تخفيف قيود الحصار

رئيسُ اللجنة الطبية العليا، الدكتور مطهر الدرويش، يتحدث عَمَّا خلّفته جلبةَ تسيير الرحلات ثم تعطيلها، ويضيف بالقول: “إن العدد ارتفع لمن سجلوا للسفر إلى القاهرة للعلاج من المرضى ضمن اللجنة الطبية العليا بصنعاء فالرقم قد تجاوز تسعماِئة حالة بزيادة 50 % عما كان قبل شهر ونصف”.

وأردف بالقول: “هذا الرقم لا يشمل المرضى الذين يلجؤون للحجز عبر شركة طيران اليمنية مباشرة دون التسجيل ضمن اللجنة الطبية، كما لا يشمل بقية المرضى العاجزين عن السفر مادياً والذين غالبيتهم مسجلون ضمن برنامج الجسر الطبي لمنظمة الصحة العالمية الذي تم إلغاءه”.

ولفت الدرويش إلى أن “هناك الآن 33 ألف حالة طبية بحاجة للعلاج في الخارج سواءً في الأردن أَو مصر، ومن تم تسفيرهم حتى الآن إلى عمّان مع رحلة القاهرة الوحيدة من المرضى لا يشكلون إلا رقماً هامشياً بجوار من ينتظرون السفر للعلاج خارج البلاد”.

 

آمالٌ وآلام

نجوى باعلوي بعد أن كانت تستعدُّ للسفر إلى مصر عقب سماع انطلاق رحلات صنعاء – القاهرة عبر مطار صنعاء تشعُرُ أن معنى الإنسانيةِ ذو وزن ضئيل لدى صانع السياسة الدولية والإقليمية ككل، ومع اضطرارها لتغيير الوجهة مع اشتداد حالتها الصحية سوءًا، ويأسها من فتح رحلات القاهرة هي اليوم تغادر إلى الأردن وإن كانت ترى أن رحلة علاجها هناك ستكون مكلفةً جِـدًّا.

وتشير في حديثها لصحيفة “المسيرة”، إلى أن الحاجةَ قد فرضت عليها هذه الوِجهة، متسائلة: ماذا عن أُولئك المرضى الذين لا قدرة لهم على العلاج في الأردن أَو أُولئك الذين لا قدرة لهم على دفع تكاليف العلاج بانتظار برامج مساعدات طبية كما كان مع الجسر الطبي الذي توقف بضغوط سعوديّة إماراتية أمريكية؟!

حالة عبدالله المدري -المصابِ بسرطان الغدد الليمفاوية- تترجم أَيْـضاً أساليب تلاعب السعوديّة ليس برحلات طيران الهُدنة الهشة فقط بل بأحاسيس ومشاعر ونفسيات المرضى الذين يقفون على أعتاب فقدان الحياة، فبعد أن أعدَّ نفسَه قبل أشهر للسفر، يجد نفسَه عاجزاً عن إتمام رحلة علاجه، إذ ينتظر رحلات مصر فيما مدخراته المالية تتناقص شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت واضطراره لأخذ جرعات علاج مسكنه لآلامه بانتظار رحلات مصر التي بدأت ثم انتهت برحلة واحدة.

وعلى ما يُظهِرُ الحاج المدري من رباطة جأش وعزيمة فَـإنَّ حالته تسوء مع طول الانتظار، فهو يؤكّـد أن لا قدرة له على السفر إلى الأردن كخيارٍ ثانٍ وأخير فالتكاليف هناك كما يقول لا يقوى عليها فضلاً عن نقص مدخراته للعلاج بمصر التي هي في الأَسَاس بحاجة لتعويض ما نقص منها مع طول فترة انتظاره رحلات القاهرة التي تكمل شهرها الثالث بلا فائدة.

لم يعد الأمرُ بحاجة إلى تفسير فيما يخص رحلات صنعاء – القاهرة، فالأمر بمثابة قرار تعطيل لهذه الرحلات التي ينتظرها آلاف المرضى منذ وقت طويل، بل لهذا الأمر الذي أصبح “الحلم” المنتظر أن يتحقّق، وأن يضع معه عشرات آلاف المصابين بالأمراض المزمنة والمستعصية حداً لمعاناتهم أَو أن يخففوا شيئاً من آلامهم بعد أكثرَ من سبع سنوات من معاناة وحصار مطبق كون حالاتهم لا تسمح بالسفر عبر البر إلى المنافذ الأُخرى.

لقد نزل هذا القرار -كما يقول الدكتور مطهر الدرويش- بالإيقاف لهذا المسار أَو الخط الجوي كالصاعقة على المرضى اليمنيين، ما سيفاقم من معاناتهم وآلامهم بما فيها حالتهم النفسية بعد طول انتظار وترقب للسفر.

ويفسر رئيس اللجنة الطبية هذا أن ما هو إلا حلقة في مسلسل التعسف والتعجرف الذي تمارسه دول التحالف ضد شعبنا.

الحال يندرجُ على رحلات صنعاء عمان التي لم تكن بذات الأثر الكبير فحسب سجلات السفر وتأكيدات الطبية العليا فنسبة من سافروا من المرضى لا يتجاوز 5 % عبر مطار صنعاء باتّجاه الأردن، أي حوالي 10 رحلات حتى الآن.

هذه النسبة المتواضعة من إجمالي ذوي الحالات المستعصية المسجلين ناهيك عن غير المسجلين في قوائم اللجنة الطبية العليا.

ومع كُـلّ هذا وذلك، فَـإنَّ الهُدنة لا تعبّرُ عن منافعَ إنسانية ملموسة لحالات مرضية هم بالآلاف، وكل الحالات لا تقوى على الانتظار لمسلسل اتّفاقات أَو تفاوضات أَو ما شابه.

وأمام هذا التعطيل تتلقى اللجنةُ الطبيةُ -بحسب إفادتها- العديدَ من الاحتجاجات من المرضى وأهاليهم محمِّلين المنظمات الدولية المعنية إغفال مِلف المرضى اليمنيين المتعمد، مطالبين القائمين على هذه الهُدنة التزام الشفافية وتنفيذ الوعود على أرض الواقع، وكذلك تأمين عودة المرضى إلى مطار صنعاء.

وفي ختام حديثه، يقول الدرويش: “نحن في اللجنة بوزارة الصحة العامة والسكان نضم صوتنا إلى أصوات هؤلاء المرضى كما نطالب بالسماح بالاستفادة من رحلات العودة إلى صنعاء باستيراد الأدوية الإسعافية والمستلزمات الطبية التي نَفِدَت في المرافق الصحية في البلد ونَفَادُها يمثِّلُ خطراً يهدّدُ حياةَ الآلاف من المرضى”.

 

صحيفة المسيرة/ إبراهيم العنسي

 

قد يعجبك ايضا