مجزرةُ تنومة والعدوان على اليمن.. تاريخٌ إجرامي أسود

||صحافة||

يتذكَّرُ اليمنيون بأسًى كُـلَّ عامٍ في موسم الحج المجزرةَ البشعةَ التي ارتكبها المجرمون السعوديّون بحقِّ الحُجَّاجِ اليمنيين في منطقة تنومة قبل ١٠٠ عام، حَيثُ تأتي هذه الذكرى مع استمرار العدوان الأمريكي السعوديّ للعام الثامن في قتل الشعب اليمني وحصاره ووضع العراقيل أمام الحجاج اليمنيين من تأدية الركن الخامس من أركان الإسلام.

وعلى الرغم من مرور هذه الفترة الزمنية الطويلة، إلَّا أن اليمنيين لم ينسوا ما حَـلَّ بهم، ولا يمكن أن يغفروا، وستظل دماء الأبرياء تلاحقهم إلى يوم القيامة.

وفي بداية العام 1342هجرية الموافق 1923 ميلادي حدثت مجزرة في غاية الوحشية بحق آلاف الحجيج اليمنيين على أيدي جيش آل سعود الذين تمركزوا على قمم الجبال، ليقتلوا حينها أكثر من ثلاثة آلاف من الحجاج المحرمين القاصدين لبيت الله الحرام وهم في طريقهم لأداء مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام.

مذبحة كبرى تعكس قُبحَ النظام المتوحش وتاريخَه الأسودَ على مدى الأزمنة، ولا تزالُ وحشيتُه ممتدةً وحاضرةً في كُـلّ بقعة من اليمن، حينما جيَّشَ الجيوش وجلب العالَمَ وأتى بطائراته الحديثة للقتال والإبادة الجماعية وسط صمت عالمي مخزٍ ومريب.

ومنذ ما يقارب مِئة عام لا يزال اليمنيون يحكون للأجيال هذا اليوم الأسود الذي حدث للحجاج ذوي الرداء الأبيض والذين سقطوا على الأرض القاحلة إثر وابل من رصاص الحقد انهالت عليهم من كُـلّ صوب، والتي كانت تخترق الأجساد من الرجال والنساء، فتسقط تلك الأجساد مضرجةً بدمائها الطاهرة، وكأنها وهي تسيل فوق تراب الأرض ترسم الصورة الوحشية القذرة لنظام قمعي استبدادي عميل، سخر نفسه ومقدراته لحرب الله ودينه، ومع الهجمات الغادرة التي تعرضوا لها الحجيج، أدانت تلك الأرض هذا العمل الجبان الآثم وتحولت إلى أرض حمراء من دمائهم المسفوكة بدون وجه حق ولا ذنب، إلا أنهم قطعوا مسافات شاسعة مشياً على الأقدام وهم في شوق كبير لمعانقة بيت الله الحرام.

ويرى باحثون أن تلك الحادثة كشفت من جانب مستوى الحقد والخبث الذي يكنه النظام السعوديّ ومَن وراءَه على الشعب اليمني، ومن جانب آخر كشفت حقيقة وروحية ومهمة المشروع التكفيري الوحشي الخبيث الذي أنتجته أروقة المخابرات البريطانية.

 

جُرْمٌ عظيم

ولم يتوقف تآمر النظام السعوديّ على اليمن، بل ظل في حقده مستهدفاً الشخصيات التي كانت مؤهلة لبناء اليمن ونهضته، فقام باغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي؛ لعدمِ انصياعه للتوجيهات البريطانية السعوديّة، وكما عملت مؤخّراً باستهداف الرئيس الشهيد صالح الصَّمَّاد، إلى جانب دعمِها التنظيماتِ التكفيريةَ التي ترتدي ثيابَ الدين والتي عملت على تنفيذ كافة المخطّطات التآمرية للقضاء على اليمن وأبنائه الكرام.

وتعاظم إجرامُ النظام السعوديّ بعد أن قاد عدواناً غاشماً في ٢٦ مارس ٢٠١٥م، فحصدت طائرات الحقد رؤوس المواطنين اليمنين مع أطفالهم ونسائهم وتهدمت البيوت على ساكنيها لتحولهم إلى ركام، وقصفت الأسواق المكتظة والأحياء السكنية مع المنشآت الحيوية والمطارات والطرقات والجسور، كما استهدفت صالات المناسبات بما فيها الأعراس والعزاء، ولم يسلم من القصف حتى الأمواتُ في المقابر.

وَاستهدف العدوان الثروة الحيوانية من مواشٍ وخيولٍ والكثير من القصف العشوائي للمنازل والمباني الحكومية والشعبيّة الخَاصَّة وكل البنى التحتية، في توجّـه واضح لإبادة وحشية جماعية لا تستثني أحداً.

وما هي إلا ساعات قليلة على بداية العدوان حتى شرعت طائرات العدوّ في ارتكاب أولى الجرائم بحق الشعب اليمني والإنسانية باستهداف حي سكني بجوار مطار صنعاء راح ضحيته عشرات الأبرياء، لتستمر بعدها سلسلةُ الجرائم طيلة 7 أعوام، بحقّ آلاف المدنيين العزل.

وبحسب آخر إحصائية لوزارة الصحة اليمنية مطلع العام الجاري، فقد بلغ عدد الضحايا 47 ألفاً بين شهيد وجريح، بينهم 17.734 شهيداً و28.528 جريحاً، وذلك بحسب التقرير الصادر عن مركز عين الإنسانية الذي أشار أَيْـضاً إلى أن عدد الشهداء والجرحى من الأطفال بلغ 4.017 شهيد 4.586 جريحاً.

وَأَضَـافَ التقرير أن عددَ الشهداء والجرحى من الرجال خلال 7 أعوام من العدوان السعوديّ الأمريكي بلغ 11.283 شهيداً و21.032 جريحاً.. وعدد الشهداء والجرحى من النساء بلغ 2.434 شهيدة و2.910 جريحة.

وتتعدد الجرائمُ التي ارتكبها العدوان بحق الإنسانية في اليمن حَيثُ لا تزال عالقة في الذهن ولا يمكن نسيانها؛ لما خلفته من أوجاعٍ ومحن، إلى يومنا هذا، ولقد سجّلها التاريخ، مؤكّـداً قبحَ ووحشيةَ النظام السعوديّ، ففي 20 أبريل 2015، استهدف العدوان حيَّ عطان في العاصمة صنعاء بقنبلة مزوّدة باليورانيوم المستنفذ، وتؤكّـد تقاريرُ إعلاميةٌ أمريكية أن القنبلة التي ألقيت على فج عطان كانت “نيوترونية”، وألقتها طائرات صهيونية، انطلقت من قواعدَ سعوديّة بتوجيه من الأقمار الصناعية الأمريكية في عملية إبادة جماعية مصغرة خلّفت مئات القتلى والجرحى وصُنفت قانونياً ضمن “جرائم حرب ضد الإنسانية”، مشيرة إلى أن هذه الجريمةَ يتحمل مسؤوليتها الجنائية والقانونية تحالفُ العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن.

وفي ذات الحي، استهدف العدوان منازلَ مدنية في أغسطُس من العام 2017م، تسبب باستشهاد 14 يمنياً، بينهم نساء وأطفال، حَيثُ فقدت فيها الطّفلة بثينة الريمي البالغة من العمر 8 سنوات والديها وعمَّها وشقيقاتها الأربع وشقيقها الوحيد.

بثينة تلك الطفلةُ التي تفاعلت معها مواقعُ التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وهي تحاولُ فتحَ عينها اليُمنى التي أُصيبت نتيجةَ الغارات، وتفاعل معها الملايينُ من البشر تحت عناوينَ كثيرة أبرزها “بثينة.. عين الإنسانية”، الأمر الذي دفع تحالفَ العدوان إلى اختطاف الطفلة، ولم يتم إعادتُها إلَّا بعد رفع فريق التفاوض اليمني اسمَها بين قائمة الأسرى.

وفي نفس العام، سقطت الطفلة إشراق في مجزرة مدرسة الفلاح وتحديداً في 10 يناير 2017، حينما قصف طيران تحالف العدوان مدرسة الفلاح الأَسَاسية في مديرية نهم في شمال شرق العاصمة صنعاء

وقد استشهد في الغارة 3 أطفال، بينهم الطفلةُ إشراق المعافى، التي افترشت الترابَ بزيها المدرسي، وفي جوارها حقيبتها المدرسية، إضافةً إلى استشهاد 3 مدنيين، بينهم وكيلُ المدرسة، وجرح 4 أطفال آخرين، في صورة واضحة على وحشية العدوان الذي قتل الطفولة وخطف أرواحهم البريئة.

الأطفال كان لهم النصيبُ الأوفرُ من الاستهداف السعوديّ المتوحش، ففي 22 أبريل 2018، شنّت طائراتُ العدوان غارةً جويةً على حفل زفاف يحيى جعفر في مديرية بني قيس الطور التابعة لمحافظة حجّـة، استُشهد جراءَها أكثرُ من 30 مدنياً، معظمُهم من النساء والأطفال، ومنعت الطائراتُ الأهالي والطواقم الطبية من إسعاف الضحايا.

وبقيت في الأذهان صورةُ الطفل سامح الذي بقي متشبثاً بجثة والده عقب الغارة، وسطَ تساؤل الكثيرين من المتواجدين حول الركام المتطاير عما هو ذنب ذلك الطفل الذي فقد والده؟

وفي 9 أغسطُس 2018، قصفت طائراتُ العدوان حافلةً مدرسيةً في سوق مزدحم في ضحيان التابعة لمحافظة صعدة، راح ضحيتها أكثر من 120 طفلاً بين شهيد وجريح.

وفي هذه المجزرة برزت صورةُ الحقائب المدرسية التي كان يرتديها الأطفال، وكانت تحملُ شعار منظمة “اليونيسف”.

واللافتُ في هذه المجزرة هو استخدامُ طيران العدوان قنبلةً أمريكيةً تزن 227 كيلوغراماً، موجّهةً بأشعة الليزر، استهدف بها أطفال أثناء رحلتهم المدرسية.

ولا تزال تلك الصور والمشاهد عالقةً في الأذهان تعكسُ وحشيةَ العدوان وإبادته للبشر والشجر والحجر.

ولم تسلم حتى الأجنةُ في بطون الأُمهات من غارات العدوان، ففي 23 نوفمبر 2021، شن العدوّ غارةً على منزل مواطن في مديرية الحيس بمحافظة الحديدة، أَدَّت إلى استشهاد عبدِ الله شريان، وإصابة زوجته بجروح خطرة، بعد أن قتلت الغارة جنينها.

وهذا جانبٌ من بشاعةِ الإجرام بحق الطفولة، وهو ما ذكرناه أعلاه، والذي يكشفُ حقيقَةَ العدوّ الذي استهدف الأطفال في المدارس والطرقات وحتى الأجنة، وعمل على تيتيم الآلاف منهم وأحرمهم حنانَ الأبوة.

وعلى مدار السبعة الأعوام الماضية امتلأ السجلُّ السعوديّ بالجرائم البشعة للعدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن، وهي محصلةُ تراكم من الحقد السعوديّ على اليمن، لكن هذه الجرائمَ لن تسقُطَ بالتقادم، وسيدفعُ النظام السعوديّ ثمنَ خِسَّتِه ووقاحتِه.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا