اليهود واستراتيجية صناعة الأعلام
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} (آل عمران: من الآية69)، [ يتمنون وبكل لهف وشوق أن يضلوكم {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (آل عمران: من الآية69) وعندما يكونون – كما قال الله تعالى عنهم – يودون، فمن الطبيعي أنهم عندما يمتلكون كل وسائل الإضلال أنهم سينطلقون إلى إضلالنا، فنحن هنا وجدنا فيما يتعلق بنموذج واحد من أنبيائهم أنه النموذج الذي لا يسير وراءه شبابنا، أو الكثير من شبابنا في البلاد العربية.
أوليس اليهود هم من يصنعون للشباب نماذج يتعلقون بهم في مجال الفن، في مختلف مجالات الألعاب الرياضية؟ تجد الشاب هو من يتعلق ببطل في الأرجنتين، أو في البرازيل، أو في أي منطقة أخرى وهو يتنكر لكل أعلام تاريخه، ولكل أعلام دينه، بل يتنكر للعظماء من أنبياء الله فلا يلتفت إليهم، ولا يعمل على أن يتحلى بأخلاقهم، والله هو من أمره، وأمر بقية الشباب المسلمين، أمر الناس جميعًا أن يؤمنوا برسل الله كما في آخر [سورة البقرة]: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة: من الآية285).
لأن كل نبي من أنبياء الله هو عَلَم من أعلامه، ويحتاج الناس إلى أن يقتبسوا من هديه، أن يتأسوا به في مواقفه المشرفة، في مواقفه العظيمة، وكثير من أنبياء الله عُرضت لهم مواقف عظيمة جدًا وهم مازالوا في مرحلة شبابهم، في فترة ريعان شبابهم كنبي الله موسى، نبي الله موسى الذي تكررت قصته في القرآن الكريم كثيرًا، كما تكرر الحديث عن فرعون أيضًا كثيرًا، كما تكرر الحديث عن بني إسرائيل؛ لأن فيه أسوة، وليقال لنا: هذا هو نبي اليهود، الذي يؤمنون به، وهو نبي من أنبياء الله لكنهم أصبحوا بعيدين عنه، فهل أنتم يا من آمنتم بموسى كما آمنتم بمحمد هل ستتركون محمدًا، وتتركون موسى وعيسى وتسيرون وراء أولئك؟
نبي الله موسى لاهتمامه العظيم بأمر الدين، والفارق الكبير فيما بينه وبين أولئك الذين أصبحوا من بني إسرائيل يشترون الدنيا بالدين، يبيعون الدين بثمن قليل من الدنيا، كان للدين مكانته العظيمة في نفسه. أليس هو من استشاط غضبًا عندما عاد ووجد قومه قد أصبحوا يعبدون العجل؟ ألقى الألواح وهي تلك الألواح التي ظل بكل شوق ينتظر الموعد مع الله ليتلقى منه الهداية، لكنه عندما عاد عاد غضبانَ أسفًا، وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، أخوه نبي الله هارون، انفعل انفعالًا شديدًا، غضب غضبًا عارمًا حتى جر رأس أخيه هارون بانفعاله الشديد فقال له هارون: {يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} (طـه: من الآية94) هز بلحيته، وهز برأسه، وأخوه هارون هو الذي لم يقصر، هذه النفس التي يستـثيرها أن ترى ذلك الهدى، أن ترى تلك الأمة التي هو حريص على هدايتها، ويعرف قيمة الهدى بالنسبة لها، أهمية الدين والهدى بالنسبة لها يراها تتحول إلى عجل، تتنكر لنعمة الله عليها يوم أنقذها من آل فرعون، يوم أن شق لهم البحر طريقًا يبسًا ليخرجوا ثم ينطبق البحر على أعدائهم، ثم يتجهون لعبادة عجل!، غضب غضبًا شديدًا، انفعل انفعالًا شديدًا.
هو نفسه من هدد قارون ذلك الذي كان لديه الأموال الكثيرة الطائلة، الذي قال الله عنه: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} (القصص: من الآية76) هل قال موسى: حاول أن تدي لنا سلفة، حاول تعطينا من هذا ونحن سنعمل كذا، ونحن سنتمشى معك؟ هدده، وفي الأخير دعا الله عليه أن يخسف به وبداره الأرض، ولم يلتفت إلى ماله، ولم يصبح لقارون ولا لماله وزن عنده.
من هو ذاك منا الذي يغضب والعجول تعبد؟ عجول من البشر! عجول من اليهود والنصارى تعبد من دون الله! عجول من الطاغوت يسير الناس وراءها فيعبدونها من دون الله! من هم أولئك الذين يغضبون لهذا؟ هل أحد يغضب؟ اللهم لا ندري من هو الذي يغضب.
ما الذي أو صلنا إلى هذه الحالة؟ هي أننا حملنا النفسية اليهودية بين أكتافنا، تلك النفسية التي لا قيمة للدين عندها، والذي لا قيمة للدين عنده لن يغضب إذا ما رأى الأمة تعبد عجلًا سواء عجلًا من الفضة، أو عجلًا من البشر، لا يغضب، ألسنا نرى أن الشيء الذي هو غائب عن أوساط المسلمين هو الغضب لله؟ بل يصبح الاستسلام هو الحكمة، أن تهدأ، أن تسكت، أن تمسك أعصابك لا تغضب هذه هي الحكمة، ودع الأمة كلها تعبد تلك العجول، وتعبد ذلك العجل الكبير في البيت الأبيض، أليس هذا هو منطق الحكمة داخل البلاد العربية؟ أما من ينفعل، أما من يغضب، فإنه أحمق، وإنه لا يقدر مصلحة الأمة، وإنه لا يبالي بوضعية الأمة.
وهكذا تصبح النفسية اليهودية هي الحكمة، وهي الرزانة، وهي الحفاظ على المصلحة العامة، على الرغم من آلاف المسلمين يعبدون العشرات من العجول من البشر، ممن يصدون عن دين الله، ممن يسعون في الأرض فسادًا.
ذلك الغضب الذي استثار في نفسية موسى حتى كادت الألواح أن تتحطم عندما ألقاها من يده وهو من يحرص عليها جدًا لكنه انفعل حتى كاد أن يفقد شعوره، وهم يعبدون عجلًا من الفضة، عجلًا هو في نفسه لا يتحدث فيصد عن سبيل الله، العجول من البشر هي أسوء من ذلك العجل الذي عبده بنو إسرائيل، ولكننا لا نغضب كما غضب نبي الله موسى.
فهل نغضب كنبي الله موسى؟ أم أنّ الواحد منا لا يغضب إلا إذا مُسَّت مصلحة شخصية له، أما أن يرى الأمة تعبد أعجالًا لا يغضب، أما أن يرى تلك الأعجال كلها تصد عن دين الله فلا يغضب، أما أن يرى الدين يضيع والفساد ينتشر فلا يغضب، أو إذا غضب كان موقفًا غريبًا، ونرى جميعًا أنه لا داعي لغضبه، ونتساءل ماذا يريد هذا؟ أو ما هي الأهداف له من وراء هذا؟ فأي نفسية نحن نحمل؟ وأي نفس يحملها العرب وزعماؤهم؟ هل نفس موسى؟ أم نفس شارون وقارون؟ أم نفس اليهود الذين يسعون في الأرض فسادًا؟ كلنا نعرف أنهم يحملون نفسية غير نفسية موسى، ونحن والكثيرون منا، والكثيرون جدًا منا نحمل نفس النفسية التي يحملونها، لا غضب.
أليس هذا يعني أننا فعلًا نحذو حذو بني إسرائيل؟ نبي الله موسى الذي كان يؤلمه جدًا أن يرى بني إسرائيل تذبح أبناؤهم، وتستحيى نساؤهم يسومونهم سوء العذاب، وهو الذي عاش في قصر فرعون في نعمة منذ الطفولة، تربى في قصر فرعون، ماذا عمل؟ وهو شاب ليس نبيًا بعد، هو بعد لم يبعث نبي لازال شابًا، ماذا عمل نبي الله موسى؟ وكيف كانت نفسيته؟ وكيف كان توَثُّـبُه في العمل على إنقاذ المستضعفين؟ أليس هو الذي ذهب ليضرب ذلك القبطي {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} (القصص: من الآية15) عندما وجد ذلك القبطي يحاول أن يسخِّر واحدًا من بني إسرائيل – كما يقال – ليحمل الحطب عنه، ودخل معه في خصومة، ماذا عمل موسى؟ لشدة تألمه، لشدة اهتمامه نزل هو في الميدان بدلا عن ذلك المستضعف، وقاوم هو وضرب ذلك القبطي بدلًا عنه وبضربة قاضية تعبر عن شدة ألمه، عن سخطه الشديد، عن غضبه الشديد، عن اهتمامه الكبير بأمر المستضعفين.
ونحن من نحمل القرآن ونقول: أننا مؤمنون بموسى، ومؤمنون بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) أين هي الروح، روح موسى وروح محمد في نفوسنا؟ لا نتألم عندما نرى الأمة مستضعفة، لا نتألم عندما نرى الأمة ذليلة مهانة، لا نتألم عندما نراها مقهورة بل نعمل على أن تبقى هذه الوضعية قائمة، نسكت، ونصمت، ولا نتكلم، ولا نحرك ساكنًا، نفسية من هذه؟ نفسية موسى؟ أم نفسية بني إسرائيل الآخرين؟
لأنها هي النفس التي يريدون أن نحملها، أن نصمت كما كانوا يصمتون هم، ألم يصل بهم الحال إلى أن سخروا الدين للطواغيت؟ إلى أن قال الله تعالى عنهم أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه؟ إلى أن قال عنهم أنهم كانوا يتولون الذين كفروا؟ إلى من انطلقوا ليرموا بأنفسهم في أحضان الطواغيت ليكونوا أيضًا وسيلة للطاغوت ضد المستضعفين، هل نسوا أن الله أنقذهم بموسى يوم كانوا مستضعفين في مصر؟ وأنه إنما كان إنقاذهم على يد شخص يحمل تلك الروحية، روحية الاهتمام بأمر المستضعفين، هو الذي طالب فرعون صريحًا وبكل قوة: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ} (الشعراء:17) {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ} (طـه: من الآية47) عمل جاهدًا قبل النبوة وبعدها على تحرير بني إسرائيل كمستضعفين من مصر.
موسى تكررت قصته في القرآن الكريم؛ لأن فيها دروسًا كثيرة جدًا، فيها عبرة للشباب، الشباب الذين هم يتوقدون حماسًا، الشباب الذين يستشيطون غضبًا عندما يرى شيئًا من أموال والده أو ممتلكاته يحاول أحد أن يسطو عليها، ألا تغضب وأنت في مكتمل غرائزك الإنسانية ألا تغضب عندما ترى الأمة مظلومة ومقهورة؟! عندما ترى الأمة مستضعفة؟! إن الأمة هذه يسومها بنو إسرائيل سوء العذاب، ويسومها أولياء بني إسرائيل سوء العذاب، هذا شيء لا شك فيه.
فنحن نحمل نفسية من؟ نفسية موسى؟ أم نفسية يريد بنو إسرائيل أن نحملها؟
الكلام طويل جدًا حول هذه المواضيع، وبعون الله، إن شاء الله سنعمل على استكمالها، وإنشاء الله بعد أن نعود من الحج سنواصل جلساتنا هذه مع القرآن الكريم، ومع مجموعة كبيرة من الأنبياء والعظماء، سواء كانوا أنبياء أو عظماء سطر الله أقوالهم داخل القرآن الكريم كما سطر أقوال ومواقف أنبيائه؛ لنتعرف على كتاب الله بشكل كاف فنشعر بعظم النعمة التي وهبنا الله إياها ومنحناها لنشكر الله عليها، ولنتعرف من خلالها على واقعنا، ولنتعرف من خلالها على ما يمكننا أن نعمله في مجال نصر دينه، ولنعرف في حياتنا وراء من نسير، وبمن نتأسى، وأي روحية نحمل، وعلى أي طريق نسير.
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يسير بنا على طريق رضوانه وجنته، على الصراط المستقيم، صراط
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
لتحذن حذو بني إسرائيل
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 7/2/2002م
اليمن – صعدة