العدوان في مسار توسيع الابتزاز لحصد مكاسبَ غير مشروعة.. الوسيطُ يتحمّلُ مسؤولية التداعيات
||صحافة||
تدخُلُ الهُدنةُ الإنسانية والعسكرية في نسختها الثالثة، منتصفَ أسبوعها الثاني وسطَ ضبط نفس تتحلى به صنعاءُ رغم الخروقات والانتهاكات الفاضحة التي يمارسُها تحالفُ العدوان وتجهيزه للتصعيد تحت ظل هذه الهُدنة الملتهبة، إلا أن الأمر هذه المرة يبدو أكثر تعسفاً واستهتاراً، حَيثُ ما يزال تحالف العدوان –إضافة لخروقاته العسكرية والبحرية والجوية– يسعى لتضييع مِلف المرتبات الذي يعتبر الشرطَ الرئيسَ الذي دفع صنعاء للقبول بالتجديد رغم مرور أربعة أشهر دون تغير حقيقي في تحسين الوضع وتخفيف معاناة اليمنيين، حَيثُ يتعمد تحالف العدوان العمل على زيادة إشعال “الهُدنة الملتهبة” من خلال فرض حصاره المطبق على الملايين من أبناء الشعب اليمن بعد استمراره في منع وصول سفن المشتقات النفطية والبضائع التجارية المختلفة من الوصول إلى ميناء الحديدة التي تعتبر أحد المصادر البسيطة جِـدًّا لتوفير ما تيسر من أموال وتحويلها كرواتب ومعاشات مقسطة، فضلاً عن استمرار نهب إيرادات النفط والغاز وتجاهل المتفق عليه عند التجديد بشأن الراتب، وهو ما يؤكّـدُ رغبةَ العدوّ في إبقاء المعاناة الإنسانية وعدم احترامه للعهود والمواثيق وتحديه للمجتمع الدولي واستغلاله للعجز الأممي، وهو ما يضع المنظمة الأممية في موقف لا يُحسَدُ عليه، في حين تضع كُـلّ تلك المعطياتِ الأحقيةَ الكاملةَ للطرف الوطني للتعامل وفق خياراته الخَاصَّة لاستعادة الحقوق المشروعة ورفع معاناة الشعب اليمني بالطريقة التي يفهمها تحالف العدوان.
وبعد جملة من التحذيرات التي أطلقتها صنعاء على لسان رئيس الوفد الوطني، ومن قبله رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط بشأن خطورة استمرار العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي في غيه واستهتاره بمعاناة الشعب وتنصله عن الالتزامات الإنسانية التي وقّع عليها، يواصل التحالف الأرعن سلوكه التصعيدي، ليؤكّـد أنه عندما يوقع على الاتّفاقات إنما يسعى لأخذ وقتٍ مستقطع لترتيب صفوفه وإعداد مرتزِقته والتقاط أنفاسه مع نجاته من الضربات النوعية الموجعة في عمقه الجغرافي، وهو الأمر الذي يستوجب على الطرف الوطني تفعيلَ خياراته للحصول على حقه في إزاحة معاناة الشعب، سيما أن الوسيط الأممي بات غيرَ معوَّلٍ عليه في رعاية أية اتّفاقات تفضي للسلام وتخفيف معاناة اليمنيين، والتجارب الماضية خير شاهد على هذا الضعف الذي يرقى إلى درجة الانخراط المباشر مع تحالف العدوان والحصار.
وفي سياق ذلك، أكّـد وكيل وزارة المالية أحمد حجر أن “تحالف العدوان يواصل فرض الحصار على سفن البضائع التجارية المختلفة عن الإبحار تجاه ميناء الحديدة”، في إشارة إلى تصعيد العدوان للحصار فضلاً عن تصعيده العسكري، حَيثُ دخل منحًى جديدًا من القرصنة التي تجاوزت سفن النفط إلى سفن الغذاء والدواء، وهو ما يؤكّـد سعيه للمساومة في ملفات جديدة؛ كي يعود بعد فترة ليبتز بها الطرف الوطني للحصول على مكاسبَ عسكرية وسياسية غير مشروعة، مقابل إفراجه عن سفن الغذاء والدواء التي دخلت حيز القرصنة بعد سنوات من قرصنة سفن النفط التي استخدمها العدوان كورقة ضغط بشكل متكرّر ومفضوح، لتكون القرصنةُ على السفن التجارية ورقة ضغط جديدة. وبهذا تكون كُـلّ الحجج في صالح الشعب وأياديه الطولى للخوض في كُـلّ الخيارات لاستعادة الحق المسلوب، دون أن تكون هناك أيةُ خطوط حمراء تعترضه، فهذا التحالف الارعن قد حطم كُـلّ السقوف ونسف كُـلّ الخطوط الحمراء.
ولفت الوكيل حجر في تصريحات للمسيرة إلى أن “السلعَ الأَسَاسية القمح وَالدقيق والأرز وَالسكر معفية من الرسوم الضريبية وميناء الحديدة لا يتحصل أية إيرادات منها”، ليتأكّـد للجميع أن قرصنة هذا النوع من السفن هدفة تجميع ملفات إنسانية جديدة لإدخَالها خط الابتزاز والمساومة، وليس هدفها البحث عن قيود للإيرادات البسيطة للميناء، والتي اعترضت الأمم المتحدة قبل عامين على توزيع تلك الإيرادات كنصف راتب كُـلّ شهرين.
وبشأن حجم الحصار والقيود التي يفرضها تحالف العدوان عبر البحرية الأمريكية السعوديّة الامارتية البريطانية في البحر الأحمر، لفت حجر إلى أن بيانات المؤسّسة العامة لموانئ البحر الأحمر للعام 2021 تظهر استقبال ميناء الحديدة 203 سفن بينها 23 ناقلة وقود، في حين أن بيانات مؤسّسة موانئ خليج عدن للعام 2021 تظهر استقبال الميناء 513 سفينة تجارية منها 120 سفينة وقود.
وفي سياق ما يمارسه العدوان من عملية نهب كبرى للمصادر الأُخرى من العائدات على غرار النفط والغاز، كشف الوكيل حجر أن “الإيرادات الضريبية والجمركية لواردات ميناء عدن للعام 2021 تقدر بـ 750 ملياراً، منها 270 مليار عائدات من واردات الوقود”، لافتاً إلى أن “إيرادات الواردات لميناء عدن الواقع تحت سيطرة الاحتلال خلال العام الفائت فقط تغطي ما نسبته 80 % من مرتبات موظفي الدولة”، وهو الأمر الذي يؤكّـد تورط العدوان وأدواته في نهب ومصادرة مرتبات اليمنيين وثرواتهم، في حين أن استمراره في هذا السلوك يعجل من عمر الهُدنة الملتهبة.
وتأتي هذه المصادرة بالتناغم مع التحَرّكات الأممية في هذا الصدد، حَيثُ أنه في العام 2020 عندما أعلن الرئيس المشاط بدء عملية صرف نصف راتب لكل شهرين –استناداً إلى ما يعود به ميناء الحديدة من إيرادات– باشرت الأمم المتحدة فورًا عبر مبعوثها غريفيث لإعلان تبنيها القرصنةَ على السفن الواردة إلى ميناء الحديدة؛ بغرض قطع ما تيسر من المرتبات، فيما تعذرت المنظمة الأممية بأن تلك الخطوةَ تأتي في سياق الجهود المبذولة لصرف المرتبات حسب اتّفاق السويد الذي يقضي بتوريد الإيرادات السيادية إلى البنك المركزي في الحديدة، إلا أن الخطوة الأممية المعادية جاءت في الوقت الذي التزمت صنعاء بصرف ما تيسّر من الراتب وخصّصت حساباً بإشراف بعثات أممية في البنك المركزي بالحديدة لصالح المرتبات، لتؤكّـد تلك المنظمةُ أنها “عدوٌّ” يتقمص دور الوسيط ويرتدي ثوب الوساطة، ومع هذه المعطيات فَإنَّ كُـلّ الاحتمالات تؤكّـد تعثر ملف الراتب داخل الأدراج الأممية، في حين تبقى تصريحات الوسيط في هذا الصدد للتغطية على اختراقات العدوان وجلب تأييد لهُدنة زائفة تعطي العدوّ المزيد من الوقت الذي يريده.
إلى ذلك، تجدّد صنعاء التأكيدَ على حرصها لحلحلة هذا الملف، وذلك من خلال إعادة موضوع حسابات الراتب في بنك الحديدة إلى الواجهة، لتحمل الحُجّـة على الطرف الآخر ورعاته، وكذلك لتحمل الحجّـة على الوسيط الأممي “المشبوه، حَيثُ أكّـدت شركة النفط اليمنية أن “إيرادات واردات الوقود الواصلة إلى ميناء الحديدة تورّد للحساب المخصص للمرتبات فرع البنك المركزي الحديدة وفق اتّفاق السويد”، في إشارة إلى أن عملية صرف المرتبات تنتظر التزامَ الطرف الآخر بما وقّعَ عليه في مسقط وقبلها في ستوكهولم.
وأوضح متحدث شركة النفط للمسيرة أن “إيرادات واردات الوقود العام الماضي لم تتجاوز 23 مليارَ ريال، وهذا مبلغ ضئيل لا يغطي مرتبات شهر واحد”، وهو الأمر الذي يؤكّـد من جديد وقوفَ تحالف العدوان وأدواته وراء عملية مصادرة المرتبات، فضلاً عن عملية مصادرة ونهب الثروات التي تعتبر هي المصدر الأَسَاس والرئيس للمرتبات طيلة عقود مضت، فيما يجدد ناطق النفط التأكيدَ على أن “عائدات صادرات النفط الخام المنهوب هي المصدر الرئيسي لتغطية مرتبات موظفي الدولة وللتنمية أيضاً”، وهي معلومات أدلت بها صنعاء عدة مرات لتقيم الحجّـة الكاملة على الوسطاء والفرقاء.
وأمام كُـلِّ هذه المعطيات فَإنَّ عمرَ الهُدنة الراهنة بات قصيراً أكثرَ من أي وقت مضى، ما لم يكن هناك تحَرّك أممي عاجل ومسؤول ومحايد، وتجاوب سعوديّ إماراتي لمطالب الشعب المشروعة والمحقة، حَيثُ إن الإخلال بالبند الأَسَاسي الذي تم عليه بناء تمديد شهرين إضافيين، يؤكّـد خرق الطرف الآخر للاتّفاق، ما يجعله ملغياً بحكم العرف المتعارف عليه، وهنا صارت الأفضلية لدى صنعاء التي لن تخشى لومة لائم في مرحلة تشمير السواعد نحو إزاحة معاناة الشعب واستعادة حقوقه، وعندها سيتعالى الصوت الأممي والدولي الذي لا يظهر إلا حين تشتعل النيران في عواصم دول العدوان، وسيكون ذلك الصوت مغايراً عما كان عليه عندما اشتعلت معاناة الناس والأزمات الإنسانية؛ بفعل الغطرسة الأمريكية السعوديّة، وبهذا يتحمل المجتمع الدوي والوسيط الأممي كاملَ المسؤولية عما ستؤول إليه الممارساتُ العدوانية السعوديّة الإماراتية المسنودة أمريكياً وفوقَها أممياً.
صحيفة المسيرة