حقائقُ وأرقامُ “هُــدنة إبريل”: ابتزازٌ بالاستحقاقات الإنسانية وتواطؤٌ أممي صادم
||صحافة||
تنتهي فترةُ التمديد الثانية للهُــدنة بعد أقلَّ من أسبوعين من الآن ولا زال التقييمُ العامُّ لها سلبيًّا من ناحية تنفيذ البنود، حَيثُ لا زال تحالفُ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي يعرقلُ الاستحقاقاتِ الإنسانيةَ للاتّفاق الحالي ويواصلُ خرقَ وقف إطلاق النار، وسط تواطؤ واضح من جانب الأمم المتحدة التي أصبح واضحًا أنها عاجزةٌ عن ممارسة دور الوساطة الحقيقية، الأمر الذي يؤكّـد صوابيةَ الموقف الوطني المتمسك بضرورة اتِّخاذ خطوات عملية ملموسة وواسعة للتمديد.
الاستحقاقاتُ الإنسانية كأوراق تفاوضية في يد العدوّ
الجزءُ الأكبرُ من اتّفاق الهُــدنة الذي تم إعلانه مطلع أبريل الماضي، كان يتعلق باستحقاقات المِلف الإنساني التي لم يكن يُفترَضُ بها أن تُربَطَ بالحرب، لولا التواطؤُ الدولي والأممي مع قوى العدوان في استخدام هذه الاستحقاقات كورقة تفاوض، وهو الأمر الذي انكشف بوضوح من خلال الاتّفاق.
وفقاً لتلك الاستحقاقات كان يُفترض بتحالف العدوان أن يسمح بدخول 54 سفينة وقود إلى ميناء الحديدة، لكن ما وصل حتى الآن بحسب معلومات رسمية هو 37 سفينة وقود فقط، وقد واجهت السفن الواصلة عرقلة كبيرة تمثل انقلابًا واضحًا على الاتّفاق، حَيثُ حرصت قوى العدوان على احتجاز تلك السفن لفترات متفاوتة، الأمر الذي ترتبت عليه غراماتٌ كبيرة حافظت على ارتفاعِ أسعار المشتقات النفطية، ووصلت العرقلة إلى حَــدِّ التسبب بعودة أزمة ما قبل الهُــدنة عندما قام العدوّ مؤخّراً باحتجاز 13 سفينة وقود في وقت واحد.
الأرقام تتحدث بوضوح هنا أن تحالفَ العدوان تجاهل بشكل فاضح نَصَّ ومضمون الاتّفاق، واستبدل محدّداته الثابتة برغباته ومصالحه التي تتمحور حول استخدام سفن الوقود كأدَاة ابتزاز.
ولم يقف الأمرُ عند هذا الحد، حَيثُ لجأ تحالف العدوان مؤخّراً إلى الحديث عن “آلية جديدة” لاستيراد الوقود تتضمن فرض قيود إضافية على التجار والسفن، بما يؤدي إلى شرعنة قرصنة الشحنات، وتثبيت سيطرة قوى العدوان على حركة السفن كأمر واقع لا يجوز المساس به، وهي محاولة مكشوفة لاستباق أية خطوات قادمة بخصوص رفع الحصار عن ميناء الحديدة.
بهذا الطريقة السلبية والاستفزازية تعامل تحالف العدوان أَيْـضاً مع الاستحقاق الإنساني الآخر الذي تضمن تسيير رحلتين أسبوعيتين بين صنعاء، والقاهرة وعمّان، بل إن قوى العدوان تعاملت مع هذا البند بالذات وكأنه لم يكن مكتوبًا، حَيثُ رفضت تسيير أية رحلة لأكثر من شهر ونصف شهر، وحين سمحت بتسيير رحلات حصرتها على وِجهة واحدة هي الأردن، وكانت تمنح التصاريحَ للرحلات بشكل مزاجي وعشوائي تسبب في تأخير وإعاقة عدة رحلات.
وبحسب المعلومات الرسمية فَـإنَّ عدد الرحلات التي تم تسييرها حتى الآن وصل إلى 42 رحلة من أصل 48، كلها إلى الأردن، ما عدا رحلة يتيمة إلى القاهرة، الأمر الذي يعتبر خروجًا عمليًّا واضحًا عن نص الاتّفاق.
وبالأُسلُـوب نفسه، قام تحالف العدوان بعرقلة الاستحقاق الثالث المتمثل بفتح طرقات ومعابر في محافظة تعز وعدة محافظات أُخرى لتسهيل حركة تنقل المواطنين، حَيثُ لجأ إلى محاولة تزوير مضمون هذا البند ليطالب بانسحاب قوات الجيش من منطقة تماس رئيسية في مدينة تعز؛ مِن أجلِ استغلال ذلك لتحقيق تقدم عسكري خاطف، متجاهلًا الطبيعة الإنسانية لهذا البند، والطرق الأُخرى التي يقطعُها مرتزِقته في بقية المحافظات والتي يفترض أن يتم الاتّفاق على فتحها بموجب الاتّفاق.
هذا التعنت الذي يصل إلى الاستفزاز لم يكن ناجماً عن سوء فهم لنص الاتّفاق أَو “اختلاف على تفسيره”، بل عن رفض متعمَّد من جانب تحالف العدوان للتنفيذ، فصنعاءُ قد حاولت تسهيلَ عملية التنفيذ فيما يتعلق بفتح الطرق من خلال مبادرة أُحادية تضمنت فتح طرق مهمة في مدينة تعز من شأنها أن تقلِّصَ فترة تنقل المواطنين من 5 ساعات إلى نصف ساعة فقط، لكن قوى العدوان ومرتزِقتها رفضوا ذلك تماماً، بل حاولوا تفجير الوضع عسكريًّا لإعاقة هذا المِلف تماماً.
إجمالاً، يمكن القول: إن تحالف العدوان ألقى باتّفاق الهُــدنة عرض الحائط بعد التوقيع عليه، واعتمد “هُــدنةً” بديلةً يديرُها وفقاً لمصالحه ورغباته، ويستخدم بنودها والتزاماتها الإنسانية كأوراق ضغط وتفاوض لكسب الوقت، ليتحولَ الاتّفاقُ كله إلى غطاءٍ لخلط الأوراق وتجنُّب ضربات الردع، الأمر الذي يعني أن معالجة الملف الإنساني لم تكن منذ البداية وحتى الآن ضمن أهداف تحالف العدوان من الهُــدنة، وأنها بالنسبة له مُجَـرّد مراوغة سياسية عسكرية.
هُــدنةٌ بدون وقف إطلاق النار!
الجانبُ العملي المتبقي من اتّفاق الهُــدنة والذي يتعلقُ بوقف إطلاق النار لم يسلم هو الآخر من تمرُّد تحالف العدوان الواضح على الاتّفاق، حَيثُ نفَّذ مرتزِقة العدوان أكثرَ من محاولة هجوم وزحف على قوات الجيش في أكثرَ من جبهة، على رأسها جبهة مأرب، فيما لم تتوقف الطائراتُ بدون طيار التابعة للعدو عن تنفيذ عمليات التجسس والهجوم منذ بدء الهُــدنة، وآخر تلك العمليات استهدفت منزلَ مواطن، الاثنين، في محافظة الحديدة وأدت إلى استشهادِه ليضافَ إلى عشرات من الضحايا الذين سقطوا جراء (14421) خرقاً عسكريًّا طيلة الأشهر الماضية.
هذا السلوكُ يتكاملُ مع عرقلة الاستحقاقات الإنسانية التي ضمنها الاتّفاق ليؤكّـدَ بشكل واضح على أن تحالف العدوان يتعاطى مع الهُــدنة كمسار آخر من مسارات الحرب، وليس حتى كاستراحة، فضلاً عن أن تكون محطة للتوجّـه نحو السلام.
الأممُ المتحدة ليست وسيطاً
سلوكياتُ التعنت الواضحة سالفة الذكر، لم تكشف فحسبْ نوايا تحالف العدوان العدوانية وابتعاده عن “السلام”، بل فضحت أَيْـضاً الأمم المتحدة التي تعامى مبعوثها بشكل فَجٍّ ومستفز عن كُـلّ انتهاكات دول العدوان بل ساعدها دعائياً في شرعنة الخروج عن نص ومضمون الاتّفاق من خلال ترويج معلومات وشعارات مزيَّفة هدفُها التغطيةُ على الالتزامات الثابتة وتحويلها إلى نقاط جدل سياسية خاضعة للرغبات والمصالح وقابلة للأخذ والرد.
من مظاهر هذا التواطؤ الأممي الفاضح والمخزي، تجاهُلُ المبعوث لاستمرارِ احتجاز سفن الوقود وما يمثله ذلك من خروج عملي عن الاتّفاق، إلى جانب رفعه شعار “حصار تعز” المضلِّل لتبرير رفض فتح الطرقات البديلة، ودعم مطالب العدوّ لعسكرة هذا البند، وتجاهله أَيْـضاً للطرق والمعابر المغلقة في المحافظات الأُخرى، وترويجه ذرائعَ رفض تسيير الرحلات المتفق عليها بين صنعاء والقاهرة، وقبل ذلك صمتُه عن رفض تسيير أية رحلة لأكثر من شهر ونصف شهر.
تجربةٌ صادمة
بإضافةِ سلوك الأمم المتحدة ومبعوثها إلى سلوك تحالف العدوان التي تفصح عنه الحقائق والأرقام بوضوح، فَـإنَّ توصيف المجلس السياسي الأعلى للهُــدنة في وقت سابق كـ “تجربة صادمة وغير مبشرة” يعتبر تقييماً دقيقاً من ناحية مدى الالتزام بتنفيذ البنود، إذ بات واضحًا أن تحالفَ العدوان يستخدمُ الاتّفاقات كمراوغات سياسية ولا يكترثُ لمضمونها، وأن الأممَ المتحدة لا تستطيعُ القيامَ بدور وسيط حقيقي؛ لأَنَّها محكومةٌ بتوجّـهات إدارة تحالف العدوان وتتصرف كواجهة دولية لها لا أكثر.
ووفقاً لهذه التجربة فَـإنَّ تشديدَ صنعاء على خطواتٍ عمليةٍ واسعة مثل صرف المرتبات ورفع الحصار عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء وفتح الطرقات، كشروطٍ للموافقة على أي تمديد جديد، يعتبر موقفاً صائباً لقطع الطريق أمامَ محاولة تحالف العدوان ورُعاته الدوليين لاستغلال الهُــدنة واستخدامها كمسار بديل لاستمرار الحرب والحصار والتهرب من التداعيات المترتبة على ذلك.
صحيفة المسيرة