ثورة الامام زيد ثورة اجتماعية لا مذهبية
موقع أنصار الله || مقالات || عبدالملك العجري
في حوار جرى بين سَعِيد بْن العاص وكان حينها واليا للكوفه وبين مالك الاتشر قال سعيد بن العاص إِنَّمَا السواد بستان لقريش ، فَقَالَ الأشتر : أتجعل مراكز رماحنا وَمَا أفاء اللَّه عَلَيْنَا بستانًا لَك ولقومك ؟ والله لو رامه أحد لقرع قرعا يتصأصأ منه .
الحوار الانف يوضح طبيعة الصراع في القرون الاولى للإسلام فهو صراع اجتماعي في جوهره وليس مذهبيا لاهوتيا حتى وان اتخذ في التاريخ الرسمي هذه السمة
جاهد النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم لارساء تجربة مجتمع الاخوة الا ان قصر التجربة لم تمكنه من ترسيخ ركائزه وتصفية المجتمع القديم .
حصلت انتكاسة لمجتمع الاخوة وتوفرت جملة من العوامل ساعدت الارستقراطية القديمة المتشكلة من القوى التي اعتنقت الاسلام قسرا من استعادة نفوذها والتغلب على قوى مجتمع الاخوة واعادة تشكيل المجتمع الاسلامي وكانت الارض هي حجر الزاوية في صياغة التشكيلة الاجتماعية الجديدة
كان من نتائج الفتوحات الاسلامية وتوسع جغرافية الدولة الاسلامية واقتطاع اراض واسعة ضمن نفوذها ضمت مجتمعات فبضية يغلب عليها النظام الاقطاعي .
اتبعت الدولة الاسلامية سياسة مالية اسست لنشوء تفاوت طبقي قسم المجتمع الى كتلتين كتلة مالكة واخرى لا تملك الا جهدها وعملها .
احتكرت الدولة الاراضي الزراعية للأقاليم المفتوحة عنوة واعتبرتها ملكا للدولة وتركتها في يد اصحابها ، مقابل ل ضريبة معينة تسمى الخراج ,يفترض ان عائداته تعود لمجموع الامة وتوزع بينهم بطريقة عادلة .
اختلال توزيع عائدات الاراضي الخراجية ادى الى نشوء طبقة اجتماعية ثرية تمكنت من تعزيز نفوذها والقفز الى السلطة واحتكار عوائد اراضي الخراج وتوزيعها على شكل هبات اقطاعية ضمن عصبية الحكم او طبقة الحكم او كما عبر سعيد بن العاص “انما السواد بستان قريش “.
في ظل هذه التحولات تكونت معارضة اسلامية من القوى المتمسكة بمجتمع الاخوة القوى الاجتماعية المحرومة والمستضعفة والفئات المهمشة والفلاحين والأقنان وأهل الحرف وصغار الملاك, واللامنتمين كالموالي اضافة الى الارستقراطية الدينية من القراء ورجال الدين الذين ينقمون على بني امية تفشي الفساد في الأجهزة الحكومية، والمساوئ الاجتماعية والاخلاقية الى حد انه في عز الخلافة الأموية (كما يقول المفكر المصري العشماوي في كتاب الخلافة الاسلامية ) كان الفسق كثيرا والفجور سافرا، يقع في قصور الخلفاء ويحدث بين صفوف المسلمين،
عمر بن عبدالعزيز احد افراد العائلة الاموية واشهر خلفائها يصور الانتكاسة التي الحقتها اسرته بمجتمع الاخوة الذي ارسى ركائزه النبي محمد في عبارة مشهورة يقول فيها “ان الله بعث محمدا رحمة ولم يبعثه عذابا الى الناس كافة ثم اختار لهم ما عنده فترك لهم نهرا شربهم فيه سواء ثم ولي ابو بكر فترك النهر على حاله ثم ولي عمر فعمل عمل صاحبه فلما ولي عثمان اشتق من ذلك النهر نهرا ثم ولي معاوية فشق منه الانهار ثم لم يزل ذلك النهر يشق منه من يزيد ومروان وعبدالملك وسليمان حتى افضى الامر الي وقد يبس النهر الاعظم ولن يروى اصحاب النهر الاعظم حتى يعود اليهم النهر الاعظم .
كان ابو ذر الغفاري اول صوت جهر بمعارضة السياسة المالية للدولة على عهده وطالب بإعادة توزيع المال العالم بشكل عادل وحذر من مخاطر الثراء الغير مشروع وتكون طبقة تحتكر ثروة الامة وهي لا زالت في بداية تشكلها
تعمق الانقسام مع سياد النمط الاقطاعي وسيطرة الأرستقراطية القديمة واستحواذها على اراضي صغار الملاك والمزارعين , كان الموالي أكثر القوى الاجتماعية نقمة على الارستقراطية العربية وظهرت بوادر الصراع بينهم -بعد ان اصبحوا قوة اجتماعية كبيرة في المجتمع- وبين الارستقراطية العربية التي عبرت عن ضيقها بهذه الفئة ,ففي الكوفة مثلا كان الموالي من الكثرة بحيث اخذوا يزاحمون اشراف العرب ويشغلون الصفوف الاولى ولما دخل علي بن ابي طالب ليصلي بالناس احتج رجل من هؤلاء الاشراف قائلا لقد غلبتنا هذه الحمراء(الموالي)على القرب منك يا امير المؤمنين ..انزعج الامام علي لهذا الاحتجاج ورد عليهم بقوله من “عذيري من هؤلاء
جاءت الحركة الثورية التي قادها الامام زيد تمثيلا للصراعات السوسيوسياسية التي تختمر في اعماق المجتمع الاسلامي وتعبيرا عن مصالح جموع الكادحين ,ثورة اجتماعية في صميم حركتها اعادة التويع العادل للفيء .
يقول الدكتور محمود اسماعيل في كتابه الادارسة ان ثورة الامام زيد رغم التاييد الواسع لها بين الموالي والعرب والفقهاء الا انها تعرضت لخذلان من قبل الزعامات الارستقراطية والاقطاعية في العراق و خراسان وغيرها من المحسوبين على المعارضة نظرا لتخوفهم على مصالحهم من تنبي الحركة اهدافا اجتماعية واضحة كرد الفيء الى من حرموا منه وتوزيع الخراج بالعدل ولذلك اقدم المستضعفون من العرب والموالي على تعضيدها لكن في نفس الوقت لم يتقاعس اثريائهم على مناهضتها
الامام زيد لم يكن داعية مذهبي ولا طامح سياسي يقاتل بهدف المنافسة على السلطة و والوصول للحكم كهدف بحد ذاته وإلى وقت قيام ثورة زيد بن علي كانت المعارضة السياسية حركة بدون عقيدة محددة والجدل العقدي كان لايزال في بدايته لم يتبلور بعد في منظومات عقدية تتوزع المسلمين إلى فرق وطوائف، ولذلك كان معسكر الإمام زيد لفيفا غير متجانس مذهبيا ,والزيدية اللقب الذي اطلق على معسكر الامام زيد فيما بعد ليس نزعة علموية او مدرسة نظرية بل حركة ثورية وحركة اصلاح شامل بمضامين اجتماعية واضحة والزيدية اول ما ظهرت كنظرية في الثورة لا نظرية في الحكم .