كل تشريعات الله تنطلق من أنه رحيم

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

إنه عذاب من أقول عندما أبدأ أدخل في الصلاة: [الله أكبر]، إن عذابه سيكون أكبر من عذاب أي طرف آخر، {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (البروج12) بطش شديد لكننا لجهالتنا بالله، ولأننا لا نعي عندما نقول: الله أكبر، ماذا تعني، هو أكبر في ترغيبه، أكبر في ترهيبه، أكبر في رحمته، أكبر في هديه، أكبر في كل شيء.

هنا في الدنيا قد يأتي بعض الناس يدخل في موقف باطل مقابل مصلحة محدودة معينة رغبوه بها، رشِّح فلان، وسنعطيك رتبة عسكرية، أو نعطيك وظيفة، أو مستعد أن أقوم معك في موقفك من فلان، أو أعطيك مبلغ خمسة آلاف، أو.. أو..، من هذه المصالح البسيطة جدًا، فيقف موقفًا باطلًا، يبيع دينه بثمن بخس؛ لأنه رأى هذا الشيء القليل هو أكبر من الجنة.

أليست الجنة أكبر نعيم؟ (موضع سوط في الجنة – كما روي في الأثر – أفضل من الدنيا وما فيها) موضع سوط في الجنة، لا، الجنة هذه صغيرة، نحن في الواقع نرى الجنة صغيرة، ونرى النار صغيرة، ونرى الله صغيرًا، ونحن بحاجة، الإنسان بحاجة دائمًا إلى أن يذكِّر نفسه بأن الله أكبر، بأن إلهه أكبر، فإذا ما رُغّب في الدنيا يتذكر بأن ترغيب إلهه أكبر، إذا ما رُهِّب من قبل طواغيت الدنيا يتذكر بأن ترهيب إلهه أكبر.

فجاء التكبير في الصلاة هو أول ذكر تفتتح به الصلاة، وجاء التكبير من الأذكار المشروع للإنسان أن يرددها دائمًا: [سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر] كم تقول من تكابير داخل الصلاة! تكبيرة الإحرام، تكبيرة الركوع، تكبيرة القيام من الركوع، تكبيرة السجود، الاعتدال، السجود مرة أخرى، كم تكبيرات يقولها الإنسان داخل الصلاة! ثم نصلي عامًا بعد عام، ولا نلمس أثرًا للتكبير، لذكر واحد من أذكار الصلاة في نفوسنا! لا نلمس أثرًا لهذا الذكر!

أليست التكبيرة وحدها، لو كنا نعي معناها، لتحول الناس تحولًا كبيرًا، لانطلقوا كالصواريخ؛ لأنهم يخافون الأكبر، ويرغبون فيما عند من يقولون إنه أكبر من كل كبير. يخيفنا مدير ناحية يخيفنا محافظ، يخيفنا رئيس، يخيفنا يهودي، يخيفنا أبسط الأشياء؛ لأن كل شيء نراه من هذه الأشياء التي ليست بشيء أمام عذاب الله، هي في الواقع ننظر إليها أكبر من ذلك الوعيد.

الإنسان بعد أن يقول: الله أكبر، يقف قائمًا، والمطلوب أن تكون في وقوفك، وفي الصلاة كلها خاشعًا، والخشوع أيضًا في شكلية وقوفك أمام الله سبحانه وتعالى، وفي سكونك، وأفضل وقفة خشوع هي الوقفة التي نقف عليها نحن في صلاتنا بإرسال أيدينا.

عندما نتأمل وقفة الوهابيين مثلًا في صلاتهم، هي وقفة أُبَّهة، وكبرياء، ليست وقفة خشوع. يفك رجليه، ويبرز بطنه، ويضم يديه، [ويقْعَل] رأسه، ويقول: [الله أكبر]! الضم أساسًا هو وقفة أبهة، ليست وقفة خشوع، يصلح أن تضم عندما تخطب. لاحظ، جرب أنت من نفسك، عندما تجعل يدك فوق يدك، وأنت تدخل في مجلس، ماذا سيقول الآخرون؟ يعتبرون أنك وقفت وقفة [مِنَخِط]، جرب أن تدخل على ناس في مجلس كهذا، في الباب تقف كوقفة الوهابي في صلاته، وانظر ماذا سيقول الآخرون عندما يرونك؟ [اليوم أنت مِنَخِط يا خبير].

إنها ليست وقفة خشوع، هي وقفة أبَّهة، ووقفة نخيط، تصلح إذا أنت تخطب، إذا أنت تخاطب جماهير، إذا أنت [تِتْحَاول] إذا أنت تريد [تنخط]، تعمل هذه، هي من الآداب في حالة مثلًا الخطاب، من الآداب أن تضع يدك على يدك مثلًا؛ لأن الخطيب المطلوب فيه أن يقف وقفة أبهة أمام الآخرين، أمام الناس، شخصية وهو يخاطبهم. لو يدخل جندي على ضابط بالشكل الذي يكون عليه الوهابي عندما يقف في الصلاة لصفعه في وجهه.

كيف التحية العسكرية للضباط؟ أليست هكذا، إرسال؟ كيف الوقفة لِلعَلَم؟ أليست إرسال؟ كيف الوقفة للنشيد الوطني؟ أليست إرسال؟ تشاهد في التلفزيون عندما تأتي تحية، عندما يعزف النشيد الوطني، أليسوا كلهم يقفون مرسلين؛ لأنها وقفة يعتبرونها وقفة إجلال، وخضوع للنشيد الوطني، الذي يعبر عن الوطن بكل ما يعنيه النشيد، ووقفة للعَلم أيضًا، تكون كل وقفة خشوع، معروف حتى عسكريًا، لا بد أن تكون الإرسال.

الصلاة لا بد أن تكون فيها خاشعًا، فأن تقف وقفة ليست وقفة خشوع أنت لا تفهم الصلاة. نحن نقول: الضم لا أساس له؛ لأنه واقعًا ليس وقفة خشوع، حقيقة ليس وقفة خشوع، ونشاهد، ونلمس من أنفسنا، الجندي يدخل على الضابط في التحية العسكرية، هل العسكري ممكن يضم، ويقف كوقفة الوهابي أمام ربه، يفتح رجليه، ويبرز بطنه، ويضم، [الله أكبر]. هذا ليس خشوعًا؛ ولهذا تجد صلاتهم لا تساوي شيئًا.

الخشوع في الصلاة: سكون، وخضوع أمام الله سبحانه وتعالى؛ لأنك أنت عبد لله، وأنت في مقام وقفة بين يدي الله، ويساعد هذا على ماذا؟ يساعد على أن تستفيد من معاني الصلاة، أن تتفهم أكثر، تذكرك لله سبحانه وتعالى؛ لأن الصلاة من غاياتها بصورة عامة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} أنا خاشع، وساكن، أنا خاضع، وذليل أمام إلهي، وسيدي، ومولاي، أمام ربي ومالكي.

ثم يبدأ الإنسان يقرأ: سورة [الفاتحة]. سورة الفاتحة، أليست لا بد من قراءتها في الصلاة، هذه السورة بالذات لا بد من قراءتها في الصلاة، هذه السورة أساسًا هي أول سورة نزلت من القرآن الكريم، أول سورة نزلت من القرآن الكريم، ومن يقول لكم بأنها سورة [اقرأ] ليس صحيحًا، ليس صحيحًا، وكثير من الأئمة، ومن العلماء، يقولون: بأنها سورة [الفاتحة] منهم: الإمام القاسم بن إبراهيم، وأبو الفتح الديلمي، وغيرهم، أن سورة [الفاتحة] هي أول سورة نزلت من القرآن الكريم.

هذه السورة فيها خلاصة القرآن، خلاصة القرآن، ولب القرآن في هذه السورة؛ ولهذا قال الله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (الحجر87). هذه السورة لا بد من قراءتها، مهمة جدًا.

أنت تبدأ في أولها: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة1) وهي الآية التي تبدأ بها أول سورة في القرآن. كل السور في القرآن الكريم ما عدى سورة واحدة – كما يقولون – بـ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.

الآخرون يصلون ولا يقرؤونها! هم لا يفهمون ماذا يعني {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، إن تشريع الله لعباده قائم على أساس أنه رحيم بهم، أنه رحمن رحيم، تدبيره لشؤون خلقه من منطلق أنه رحمن رحيم، تشريعه، هدايته، تدبيره لشؤون مخلوقاته كلها من منطلق أنه رحمن رحيم.

ألم يقل عن القرآن الكريم: {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (فصلت2)؟ ألم يقل عن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء107) فرسوله، كتابه، هدايته، تدبيره لشؤون خلقه، لشؤون ملكه كلها، من منطلق أنه رحمن رحيم.

فنحن نقول: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}؛ لأننا باسمه سنقرأ كتابه، باسمه سنثني عليه، نقول: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة2) الحمد هو: الثناء لله سبحانه وتعالى، هو الثناء لله، الثناء على الله، من يستحق الثناء الكامل هو الله وحده، وهو رب العالمين.

يأتي من جديد: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة3)؛ لأن ربوبيته من منطلق رحمته، وهو يربي عباده، وهو يربي كل مخلوقاته، هو ربهم، أي: يربيهم. أليس رزقنا من عنده؟ أليست حياتنا من عنده؟ أليس الوجود كله من عنده؟ كل شيء من عنده، هو الذي يسبغ النعم، هو الذي يعطي كل شيء خلقه، هو الذي يهدي كل شيء، هو الذي كل خير من عنده، وكل الوجود مصدره من عنده، وكل شيء هو من منطلق رحمته.

فمهم جدًا، هذه قاعدة مهمة جدًا: أن يفهم الإنسان، أن يفهم أن هذه قاعدة إلهية: أن كل تشريعه هو ينطلق من أنه رحيم؛ فلهذا في مقام الجهاد، ألم يقل الله لعباده: جاهدوا؟ إنه رحيم بنا وهو يأمرنا بأن نجاهد، هل نفهم هذه؟ نتصور بأن هذه الأشياء أعمال شاقة، قد يأتي شخص يخوفك عن أن تستجيب لأن تجاهد في سبيل الله، أو تقف موقفًا، يخوفك من منطلق أنه رحيم بك، سواء أمك، أو أبوك، أو أي شخص قريب لك، قد يخوفك، ويطلب منك أن تترك هذا الأمر، وتتخلى عن هذه القضية، ويقول: اترك هؤلاء؛ لأنه رحيم بك، ويخاف عليك.

الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين بك، ولأنه يعلم أن من منطلق رحمته هو أن نعمل في مواجهة أعدائه؛ لأنه حينئذ سيكون كل شقاء علينا من قبل أعدائه، إذا لم نقاومهم، وعندما يقول لنا: قاوموهم، جاهدوهم، قاتلوهم، يقول: أنا سأقف معكم، سأؤيدكم، سأنصركم، سأكف أيديهم عنكم، سأملأ قلوبهم رعبًا. ألم يذكر في القرآن الكريم أشياء كثيرة من هذا؟

فلأنه رحيم بعباده، هو يعلم أنه إذا ما تمكن هؤلاء الذين يقول لك: جاهدهم، وقاتلهم، إذا ما تمكنوا هم من سيجعلون حياتك كلها شقاءً، وذلًا، وخزيًا، فمن منطلق رحمته بك يقول: ادفع هؤلاء عنك، وأنا سأساعدك على دفعهم عنك، سيحولون حياتك كلها إلى شقاء.

ألم يقل عن الجهاد: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} بل سماها تجارة: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الصف10- 11) ألم يقل هكذا؟ سماه تجارة، أي: أعمال رابحة، هو ربح، أنك عندما تجاهد، عندما ينطلق الناس ليصدوا هذه الفئة التي هي شرٌّ كلها، ماذا ربحنا؟ ربحنا عزة، واستقامة، وسعادة، وربحنا أن صرف عنا كل شر من جانب هؤلاء. أليس هذا ربحًا؟

قد يأتي شخص يقول لك: [بطِّل أنابوك، مالك حاجه، أو خَلّهم وبطِّل، وما لك حاجة، وما انت الذي ستصفِّي الإسلام، و…، و] وواحد آخر مثله، وواحد قالت له زوجته، وواحد قال له أبوه، وواحد صديقه.

مثلما عملوا بالإمام زيد (عليه السلام) أليس هذا الذي يحصل؟ عندما خرج الإمام زيد خرج معه كثير من الناس، قالوا: كانت المرأة تلحق ابنها وتقول: ارجع، ما بلاّ أنت وحدك، كم يا ناس كثير، ليسوا بحاجة إليك، ارجع. وفي الأخير رأى أنه لم يعد معه إلا عدد قليل، عملوا هذه مع الحسين، وعملوها مع مسلم بن عقيل، عندما أرسله الإمام الحسين إلى الكوفة، تجمَّْع معه كثير، ثم راحوا على واحد واحد، وعملوها مع الإمام زيد.

ما الذي حصل لأهل العراق عندما لم يقفوا، ويقاتلوا مع الإمام زيد فيقهرون عدوهم، فتكون الغلبة لهم، وتكون الدولة لهم، ويكونون هم أعزاء، أقوياء، لا يظلمون، ولا يضطهدون أبدًا، فما الذي حصل؟ كل واحد نصحته أمه، أو جدته، أو أي واحد من أقاربه، أو عنده هو [هذه مشاكل ما نريد مشاكل] وذهب! استحكمت دولة بني أمية، وظُلموا جيلًا بعد جيل، قُتلوا، وعُذبوا، وأُهينوا، وحياة كلها، كلها، الموت عدة مرات أشرف منها.

فمن يقول لك من منطلق أنه يرحمك: لا تقف هذا الموقف، لا تدخل في هذا، ستجلب على نفسك المشاكل، وستخسر حقك، وبا.. وبا.. تذكَّر {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، تذكر أن رب العالمين هو الرحمن الرحيم، وأنه عندما يقول لي: أعمل كذا، هو ما يزال رحيم بي، وأن من رحمته بي أن وجهني إلى أن أعمل هكذا.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

أقم الصلاة لذكري

دروس من هدي القرآن

ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 1423هـ

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا