ليس المقصود إثارة الآخرين بقدر ما المقصود تصحيح الخطأ والتقرب من الله أكثر
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
هذا هو العمل الصحيح للتوحد، وكل من يريد أن ينقد كلامنا من جِهة أنه قد يثير آخرين نقول له: ليس المقصود إثارة الآخرين بقدر ما المقصود تصحيح الخطأ، وأن نقترب من الله أكثر، أن نعمل على إحياء ما نعلم أنه من دينه، ما يجعلنا منشدِّين أكثر إليه، ونحيي كتابه بين أظهرنا. نحن نحاول أن نقترب من الله، وليس فقط لمجرد الإثارة، أن نثير الآخرين، كان بإمكاننا أن نثير الآخرين، وأن نكون على ما نحن عليه، نقرأ (أصول الفقه) و(علم الكلام) ونقول: زيدية، ونحن زيدية، والقرآن تكون نظرتنا إليه كنظرتنا السابقة، ونهاجم الآخرين على هذا النحو.
لكن المهاجمة لا تجدي شيئًا، نحن نقول: نريد أن نعود إلى الله سبحانه وتعالى بجدية من خلال كتابه، وأن نهاجم الأخطاء باعتبارها معصية لله سبحانه وتعالى، وبالشكل الذي يوحي للآخرين أنه لا يمكن أن تجتمع كلمتنا بشكل صحيح يكون فاعلًا ومؤثرًا، بل لا يمكن أن نحظى بتأييد الله ونصره، إلا إذا تخلينا عن هذه الأخطاء.
أوَليس الناس كلهم، والطوائف كلهم يقولون: (إن المعاصي تؤثر فيما يتعلق بالحصول على نصر الله)؟ المعاصي المعروفة لدينا، وقد يكون أكبرها في الواقع يبدو هينًا أمام أخطاء رهيبة جدًا في اعتقادات كثير من المسلمين، هي المعصية الكبرى بعينها، وهذا ما أكده الإمام الهادي (عليه السلام) أن نسبة الفواحش إلى الله، نسبة القبيح إلى الله، نسبة الظلم إلى الله معصية تقريبًا لا أكبر منها، بل يقولون عنها: إنها أكفر الكفر، وأشرك الشرك.
إذًا فهل يمكن أن نثور على معاصٍ مُعيَّنة، ونترك المعاصي الكبرى التي تحول دون أيِّ تأييد من جانب الله، بل التي تكون سببًا لبقاء الانتقام الإلهي قائمًا ضد من يعتقدون هذه العقائد، أو ينظرون هذه النظرة؟
نصحح عقائدنا، نصحح أخطاءنا في ثقافتنا، وأن نعمل أيضًا على أن نكون بعيدين عن المعاصي بشتى أنواعها، حتى تكون هذه الأمة، وتكون هذه الفئة، أو هذه الطائفة جديرة بنصر الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله لا يخلف وعده {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} كيف تنصره؟ ألست تنصر دينه؟ نصرك لدينه، هل يعد ناصرًا لدينه من يعمل على إيصال العقائد الباطلة، أو الثقافة المليئة بالأخطاء إلى الآخرين؟ هل هو ينصر دين الله، أو يشوه دين الله؟ إن الله يعلم دينه كيف هو، وما هو، هو الذي نزله، فإذا جهلت أنا أن هذا ليس من دينه فالله ليس يجهل، الله لا يجهل، هو يعلم، ووعده مرتبط بمن نصر دينه، وعده مرتبط بمن نصر دينه.
وعندما يريد لعباده أن يتحركوا كمجاهدين في سبيله؛ لإعلاء كلمته، ليس فقط هو لمجرد ضرْب الآخرين، بل ليحملوا دينه للآخرين، فليكونوا على مستوى حمل دينه للآخرين، ومتى يكونون على مستوى حمل دينه؟ عندما يصححون أخطاءهم أولًا داخلهم {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} هذه هي نظرة القرآن: تصحيح الخطأ الداخلي، أن نصحح وضعيتنا أولًا حتى نعلم أن ما نعتقده، وما نسير عليه، وما نتحرك به، وما نقوله هو دين الله، وحينئذٍ يتحرك الناس، وحينئذٍ سيحظون بنصر الله سبحانه وتعالى.
ولاحِظوا، وأكرر أن هذا – فيما أعتقد – هو الذي قعد بالإمام علي عن المشاركة في الفتوحات، وأن تلك الفتوحات نفسها ألم تكن توسيعًا للدِّين على هذا النمط الذي نشكو منه؟ ألم تصبح الأمة هذه بكلها عبئًا على بعضها بعض؟ عبئًا على بعضها بعض، ملايين من البشر، وكلهم يقولون: يريدون أن يتحركوا على أساس إسلامي، وينصروا الإسلام، وكل من يتحرك سيتحرك على خطئه! ألم يصبحوا عبئًا على بعضهم بعض؟ أليس الآن المطلوب أمة تعود إلى نهج صحيح حتى وإن كان بعضًا من شعب واحد؟ وأن هؤلاء سيعملون عملًا كبيرًا، أمَّا بقية الأمة فإنما أصبح عبئًا؛ لأن تلك الفتوحات هي أوصلت الدِّين إلى تلك المناطق بشكل منقوص، وفيه الكثير من التشويه.
فما كان لمثل الإمام علي (عليه السلام) أن ينطلق ليشارك في فتوحات أو قتال هو إيصال لدين ناقص على هذا النحو، هو يعلم أن الصراع في الإسلام، أو أن الجهاد في الإسلام، أو أن القتال في الإسلام ليس هو ذلك الذي كان معروفًا عند العرب سابقًا، قتال لمجرد قتال، بل هو عمل لحمل رسالة، يجب أن تكون هذه الرسالة نظيفة، وأن من يحملونها هم يحملون تلك الرسالة النظيفة النقية، وإلا فهم أول من يعتدي عليها، وهم من سيكثرون الأخطاء بكثرة عدد من يعتنقونها، وهذا هو ما حصل وشهد على هذا أننا الآن كم! مليار ومائتي مليون مسلم؟ أليسوا الآن غثاء كغثاء السيل؟ هم غثاء كغثاء السيل، من أين؟ حينما اتسع الإسلام داخلهم بشكل منقوص، في عقائد باطلة تتعلق بالله، وتتعلق برسوله، وتتعلق بأعلام دينه، وبكتابه، وباليوم الآخر، وبالحياة، وبالأمة كلها، عقائد باطلة في كل مجال من المجالات.
هذا ما كنا نريد أن نقوله على أساس حديث عام وليس كدرس، ويمكن أن نستغني بهذا الكلام باعتبار أننا تناولنا فيه أشياء يجب أن نفهمها نحن؛ لأنه قد يقال لي، وقد يقال لك إذا ما سرت إلى هناك، أو هناك، أو التقيت بالعالِم الفلاني، أو بالمتعلم الفلاني، قد يقول لك: (هذا كلام مثير، وهذا خفة عقل، هذا إثارة للفُرقة، وهذا عصبية مذهبية، وهذا، وهذا)! قد تسمع كلامًا من هذا فيجب أن تكون فاهمًا على النحو الذي قلناه، أو إذا التبست الأمور على أحد منا أن يستفسر، وأن يتفهم أكثر؛ لأنه فعلًا لا يكون لمجموعة تأثير إلا إذا كان لديها فهم واحد، وتوجُّه واحد، تعيه من كل جوانبه؛ لأنه نفس التثبيط، الكلام الذي يشوه هذا العمل، أو هذا الشخص لديك، لن يكون من جانب أشخاص ممن نسميهم منافقين، بل قد تسمعه من جانب علماء أيضًا!
والتاريخ يشهد بهذا، والعصر الحاضر يشهد بهذا، ما من أحد يتحرك من علماء، أو يحمل علمًا إلا ويُعارَض من قِبَل علماء من داخل طائفته وخارجها! الإمام الخميني شكا في وصيته شكوى مؤلمة من علماء كبار كانوا أشد عقبة، وأعظم عقبة أمامه!
اقرأ تاريخ الأئمة من أهل البيت، تجد أنهم كانوا يعانون من معارضين من علماء، وأن أولئك العلماء كانوا ينطلقون في أوساط الناس ليثبطوهم عن الوقوف مع ذلك الإمام، ومع ذلك المصلح، أو مع تلك الحركة. فإذا لم يكن وعي الناس إلى درجة ألاّ يؤثر فيهم حتى من يحمل اسم عِلْم، وإذا لم يكونوا يفهمون بأنهم سيسمعون كلامًا مثبطًا من جانب علماء، فليعرفوا بأنهم ليسوا بمستوى أن يعملوا للإسلام شيئًا، هذا ما أريد أن أقوله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
الوحدة الإيمانية
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 4/2/2002م
اليمن – صعدة