ما أكثر ما يسخر البعض من أشياء تقي الإنسان من العذاب والحسرة والندامة يوم القيامة

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (الزمر:56) كنت في الدنيا من الساخرين، وما أكثر ما يسخر بعض الناس من أشياء كثيرة هي مما تقي الإنسان من عذاب الله ومن الحسرة والندامة يوم القيامة.

بل إن حالة السخرية هي مما يبعد الإنسان عن الاهتداء. قد يكون هناك من يسخر باجتماع كهذا؛ لأنه في نفسه في حالة شعور بسخرية هل هو سيأتي؟ لا؛ يمشي: [اترك أبوهم] ما هكذا يقول؟ سخرية، الساخر لا يهتدي، الساخر يحول بين نفسه وبين مصادر الهداية، وبين مجالس الهداية أليس هنا يتحسر، ويتندم. {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} كنت في الدنيا ممن يسخرون.

عرض عدة حالات من حالات الندم والتحسر {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}، {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (الزمر:57) ليت أن الله هداني، {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} حالة تمني، ليت أن الله هداني؛ “جوّب” عليه هناك: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا} (الزمر: من الآية59) ليؤكد الله لعباده بأنه لا يأتي من جانبه تقصير أبدًا، بل ولا يخاطبهم بالحد الأدنى، يكرر ويعمل على ترسيخ هدايته، يوضح، يبين، يكرر، يؤكد، يقسم. وليس فقط يحدثنا بالحد الأدنى، أو بالشيء الذي يكفي فقط.

{لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}؛ لماذا لم يقل: [لكنت من المؤمنين]؟ رأى أهوالًا شديدة قد يكون في الدنيا كان مؤمنًا بها، مؤمنًا بجهنم؛ أليس الناس مؤمنين بهذه؟ لكن هل هم متقون؟ قليل. ليتني اهتديت وأنا في الدنيا، وليت أن الله هداني، فانطلقت لوقاية نفسي وأنا في الدنيا مِن أن أصل إلى هذه الحالة السيئة. أي: هـذه هي محطة تأمل لنا جميعًا أن يقول ذلك الإنسـان – ونعوذ بالله من أن نكون ممن يقولها في يوم القيامة – {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} أليس في ذلك المقام وهو يتندم يفكر فيما كان يمكن أن يصنع له وقاية من جهنم ومن تلك الحالة السيئة حالة الندم، أو هو قال: [لكنت من المؤمنين]؟ قد ربما كان من المؤمنين بمعنى المصدقين باليوم الآخر، وأن هناك جنة ونار، لكن لم يصنع في الدنيا ما يقيه منها، وما أكثر هذه الحالة لدينا، ولهذا يخاطبنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بمثل عبارة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} (آل عمران: من الآية102) أليس يخاطبك بأنك مؤمن؛ أنت مؤمن لكن اتق الله، يعني: أنت آمنت فانطلق في أن تصنع لنفسك الوقاية مما توعد الله به المقصرين، مما توعد الله به المجرمين.

نحن آمنا بالله؛ أليست هذه واحدة؟ إذًا فلننطلق في أن نعمل، لأن إيماننا بالله أنه ماذا؟ غفور رحيم وأنه شديد العقاب؛ أليس كذلك؟ أن لديه جنة ولديه نار. أنت آمنت فانطلق لتقي نفسك من عذاب الله. أنت آمنت بالنار فانطلق لتقي نفسك من النار.

{أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الزمر:58) أو تقول نفس؛ لأن الكلام عن النفس {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى}،{أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي}، {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} أي: ليت لي كرة: رجعة إلى الدنيا {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}. عرف أيضًا هناك أن ما يقي من جهنم من العذاب هو: أن يكون من المتقين، وأن يكون من المحسنين. رأى أن الوقاية من العذاب كانت تتجلى في أن يكون على هذا النحو: متقيًا لله ومحسنًا.

طيّب وأنت هنا في الدنيا فلنرجع جميعًا إلى ما به يكون الإنسان متقيًا، أنا قد أكون مؤمنًا لكن مطلوب مني أن أكون متقيًا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} (آل عمران:102) أليست هذه من التقوى؟ وإلا فيمكن أن تكون أنت من {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فقط، فيأتي يوم القيامة وأنت كنت فقط من المصدقين، لكن ليس لديك ما تقي نفسك به من عذاب الله.

كنت وأنت تحت اسم [الإيمان] تنطلق في الأعمال – سواء ما كان بشكل أفعال أو ما كان بشكل تقصير عن أعمال أخرى – أنت تنطلق في طريق جهنم وأنت تحمل اسم إيمان، وتحمل اسم [مؤمن].

{مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ما ذكره الله في مواضع كثيرة هي مواضع عملية تتعلق بالجهاد في سبيل الله، وبالإنفاق في سبيله وبالاهتمام بأمر عباده، وبالاهتمام بصورة عامة بأمر دينه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69) ألم يسمِ المجاهدين محسنين؟ وهنا يقول صاحبنا هذا: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ} (آل عمران: من الآية123 – 134) ماذا وراءها؟ {يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران: من الآية134) ألم يعرض صفات المحسنين؟ إنفاق في حالات السراء والضراء، وكظم الغيظ، وعفو عن الناس وجهاد في سبيله؛ أليست هذه من مواصفات الناس الذين يؤهلون أنفسهم فعلًا لأن يكونوا ممن أعدت لهم الجنة، وممن وقوا أنفسهم من عذاب الله من النار ومن هذا التحسر.

أريد أن أقول: أن ما يقوله الله سبحانه وتعالى عن أولئك الناس إنما يقوله بعدما تتجلى حقائق لديهم في المحشر، فكأننا ونحن هنا في الدنيا اطلعنا على ما سيعرض في المحشر يوم القيامة.

تلك الآيات التي قرأناها بالأمس كيف يتحسر هؤلاء، كيف يلعن هؤلاء هؤلاء، المضلين المضلين، كلهم يشكون من المضلين؛ أليس كذلك؟ تجلى لهم الأمر: بأن ما يؤدي بالإنسان إلى النار هو الضلال، وأن الضلال يأتي من أطراف أخرى؛ من هم؟ هذا يلعن قرينه، وهذا يلعن الأمة الأولى التي كان يدافع عنها ويقدسها، وهذا يبحث أين هم {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} هذا نفس الشيء؛ تجلت الأمور بشكل واضح، يوم القيامة يوم تتبين فيه الحقائق.

ولم يتركنا الله ونحن في الدنيا عن أن يوضح لنا تلك الحقائق، فعندما يقول هذا الإنسان: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ولم يقل [من المؤمنين] ولم يقل بعبارات أخرى. عرف بأن كان أكثر ما يؤدي به إلى جهنم أو ما جعله يصل به الأمر إلى أن يكون من أهل جهنم هو: حالات تفريط، تقصير، ابتعد عن أن يصنع لنفسه وقاية، لم ينقصه تصديق بجهنم وهو في الدنيا كان يؤمن بجهنم، نقصه حالة الوقاية من جهنم {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.

أيضًا رأى الأعمال التي عرضت وأنها هي الأعمال التي يسمى صاحبها بالمحسن أي أعمال إحسان، هي نفسها التي كان لها أثر كبير في الوقاية من جهنم، عندما رأى أولئك نجو من جهنم وساقتهم الملائكة إلى الجنة رآهم نوعية أخرى ممن كانوا مجاهدين، ممن كانوا منفقين، ممن كانوا صابرين، ممن كانوا متقين ومحسنين.

ورأى عنده الكثير هو، الكثير ممن سيساقون إلى جهنم أنهم كانوا وهم اسمهم مؤمنون، ولكن لم ينفع اسم [إيمان] وإلا فقد كنا مؤمنين، بمعنى: مصدقين باليوم الآخر وبالنار، لكن أولئك الذين يساقون إلى الجنة متقين محسنين، ألم يقل هناك: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} في الجنة {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وهو يتحدث عن صفاتهم.

{بَلَى} (الزمر: من الآية59) أليس هنا يتمنى؟ {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} (الزمر: من الآية59) في الدنيا، آيات كثيرة في القرآن الكريم، ليس هناك أعظم من القرآن الكريم من كل الكتب التي نزلها الله إلى عباده، وليس هناك أعظم منه في مجال البيان للناس، وبيان صادق لا يمكن أن تقول: هذا الحديث قد يكون موضوعًا، أو هذا الحديث قد يكون معارض بأقوى منه، أو عبارات من هذه.

آيات صريحة جاءتك آياتي التي تبين لك كيف تكون من المتقين، وكيف تكون من المحسنين، وكيف تنطلق في العمل فيما يرضي الله فتكون بعيدًا عن التفريط في جنب الله، وكيف تكون ممن يحرص على الهدى، وليس ممن يتحول إلى ساخر. {قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} لكن أنت الذي كذبت {فَكَذَّبْتَ بِهَا} (الزمر: من الآية59).

هذا التكذيب لا يلزم فيها أن تقول: كذب. هل نحن نقول في القرآن: كذب؟ لا أحد منا يقول: كذب أبدًا، لكن في واقعنا كالمكذبين، أعمال مهمة تتوقف عليها نجاتنا لا نكاد نعد أنفسنا لأن نصغي للحديث عنها أو لأن نسمعها، ومتى ما سمعناها نكون محاولين كيف نتخلص منها، تعامل من هو مكذب والأصل هو العمل، وإلا فمجرد التصديق باللسان قد لا ينفع.

هل التصديق بالله سبحانه وتعالى والإيمان بالله بمجرد كلام ينفع؟ ألم يقل عن أولئك أنهم كافرون به؟ وهو من حكى عنهم بأنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزخرف: من الآية87) أليسوا معترفين بالله؟ ومؤمنين بالله؟ ومصدقين بوجوده، وأنه إله؟ الإيمان كله عملي في الإسلام كله، في القرآن كله، الاعتقادات عملية، الإيمان عملي، أما مجرد إيمان لا يتبعه عمل تعتبر كمن ليس بمؤمن.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

معرفة الله- الدرس الحادي عشر

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 30/01/2002

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا