عنوان الإيمان.. بين خداع المنافقين ودعوى الأعراب
وعلى كُلٍّ نحن عندما نأتي إلى العنوان المهم، وهو: عنوان الإيمان، عنوانٌ عظيم، وعنوانٌ مهم، وعنوانٌ مقدس، وعنوانٌ حاضرٌ وموجود في ساحتنا الإسلامية، لربما كل من ينتمي إلى الإسلام، سيقول عن نفسه أنه من الذين آمنوا، وأنه من المؤمنين، وأنه ينتمي للإيمان، وأنه يتشرف بهذا الشرف وبهذا الانتماء الكبير والعظيم والمهم.
والقرآن الكريم يقدِّم لنا حتى ما يبين لنا أنه ينتمي بالقول وبالمزاعم وبالادعاء بهذا الانتماء الكثير من الناس ممن هم حتى بعيدون عنه، ولا مصداقية لهم عندما يدَّعون ذلك، الله -جلَّ شأنه- قال في القرآن الكريم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة: الآية8]، الله -سبحانه وتعالى- يخبرنا أنهم يدَّعون أنهم من الذين آمنوا بالله وباليوم الآخر،
وأنهم يقولون ذلك بشكل عنوان رئيسي لديهم، قد يتحركون تحت هذا العنوان في طبيعة نشاطهم في المجتمع، في طبيعة نشاطهم في الساحة، قد يجعلون منه عنواناً رئيسياً لبعضٍ حتى من الأنشطة التضليلية، الأنشطة الهدَّامة، الأنشطة التخريبية، الأنشطة المفسدة، وهم يحاولون أن يتحركوا فيها تحت هذا العنوان بنفسه، إلى هذه الدرجة، بينما الله -جل شأنه- يقول عنهم: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}، فينفي نفياً قاطعاً أن يكونوا من المؤمنين، بما يبين لنا أنه لا يكفي في هذا العنوان أن يقوله الإنسان، وأن يدعيه، وأن ينتمي إليه بالكلام، وليس بالانتماء الصادق والواعي الملتزم.
هذه الفئة تحدث عنها القرآن الكريم كثيراً، هي فئة موجودة بشكلٍ كبير في أوساط المسلمين، منتشرة في الساحة الإسلامية، وهم كما سمَّاهم القرآن الكريم بالمنافقين، المنافقون فئة تنتمي للإسلام، تدَّعي الإيمان، تتحرك في أوساط الأمة، ولكنها بعيدةٌ في مصداقيتها؛ لأنها أخلت في هذا الانتماء إخلالاً رهيباً جدًّا في مبادئ أساسية، وعناوين أساسية، والتزامات عملية أساسية، ومبادئ مهمة، وكان إخلالها بتلك المبادئ، بتلك القيم، بتلك الالتزامات العملية، يمثِّل ضربةً قاضية لمصداقيتها في ادعائها للإيمان، وفي انتمائها للإيمان.
أبرز خلل لدى المنافقين هو الخلل في ولائهم، المنافقون أكبر خللٍ يجمعهم ويجمع كل فئات النفاق هو الخلل في الولاء، الله -جلَّ شأنه- قال عنهم: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[النساء: 138-139]، فئة تتجه في علاقاتها وروابطها ومواقفها اتجاهاً سلبياً، ليس لصالح دين الله، ليس لصالح الأمة،
ليس لصالح المسلمين والمؤمنين؛ إنما تنحرف في مواقفها وفي ولاءاتها، وتقف الموقف الذي هو لخدمة أعداء الأمة، وتظهر في علاقات وروابط ومواقف منسجمةً مع أعداء الأمة من الكافرين، كما نشاهده في زمننا هذا بوضوح في اتجاه بعض الأنظمة والكيانات من أبناء الأمة في ولائهم الواضح، وارتباطاتهم المكشوفة، وعلاقاتهم المفضوحة، ومواقفهم المنحرفة مع أمريكا ومع إسرائيل، وفي المقابل مواقفهم العدائية ضد أبناء الأمة، سواءً عندنا في اليمن، أو في فلسطين… أو في أقطارٍ أخرى من أبناء الأمة، وتجاه الكثير من أحرار الأمة، الذين صدقوا في مواقفهم، ووقفوا المواقف المنسجمة إيمانياً مع هذا الانتماء المهم والعظيم.
فإذاً هناك فئة تتحرك في الساحة وتحمل هذا العنوان، وتكرره، وتجعل منه غطاءً لكثيرٍ من أنشطتها في الساحة، وتتظاهر فيه بالشكليات، وقد توظف حتى المنبر الديني والخطاب الديني، وحتى المسجد، وحتى الصلاة، وحتى الشعائر الدينية قد توظفها لذلك، كما ورد في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ}[التوبة: من الآية107]،
وهذا ما نراه اليوم متمثلاً بكثيرٍ من أبناء الأمة، الذين انحرفوا هذا الانحراف في مواقفهم وفي ولاءاتهم، وباتوا بكل وضوح تحت الراية الأمريكية، وباتوا بكل وضوح في موقف الولاء لأمريكا والولاء لإسرائيل، والمعية مع أمريكا، هم معها، معها في مواقفها، مع إسرائيل في توجهاتها، فكانوا بذلك مفضوحين ومكشوفين، {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[البقرة: الآية9]، هم في واقع الحال أصبحوا مفضوحين، فضحهم القرآن الكريم، فضحتهم الأحداث والوقائع والمواقف، فضحهم الواقع الجلي الذي كشف حقيقة ما هم عليه.
هناك أيضاً فئة أخرى أيضاً تنتمي هذا الانتماء، مثلما قال الله -جلَّ شأنه- في القرآن الكريم: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا}[الحجرات: من الآية14]، من أبناء الأمة فئة واسعة تنتمي الانتماء غير الواعي، الانتماء الناقص، الانتماء الذي فُصِّل بنمطٍ معين، وشُكِّل بشكلٍ معين وفقاً لهوى النفس، وفقاً للمزاج الشخصي، {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا}، الأعراب كان لهم هذا الادعاء، وكانوا يتحركون بهذا الانتماء: العنوان الإيماني، {آمَنَّا}، فيقدِّمون أنفسهم تحت هذا العنوان، ويؤكدون أنَّ هذا قد تحقق لهم، وأنَّ انتماؤهم هو انتماءٌ كامل، وانتماءٌ صادق، وانتماءٌ تام، لكن الله -جلَّ شأنه- ردَّ عليهم فقال: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} وهذا نفيٌ قاطع،
{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: من الآية14]، أنتم بعد لم تصلوا إلى هذا المستوى: أن يدخل الإيمان إلى قلوبكم؛ لأن الإيمان يجب أن يصل إلى القلب، لا يمكن أن يكون الإيمان مجرد قولٍ تقوله، ولا مجرد طقوسٍ وشكلياتٍ محدودة تلتزم بها بالمستوى الذي تريد، وبالمقدار الذي ترغب. |لا| الإيمان ليس على هذا النمط، ليس بهذه الشاكلة، ليس على هذا النحو. الإيمان منظومةٌ متكاملة، منظومةٌ مهمةٌ جدًّا مستَقَره القلب، ثم يتجسد في الواقع العملي التزاماً وعملاً ومسؤوليةً وقيماً وأخلاقاً وسلوكاً، منظومة متكاملة ويستقر في قلب الإنسان، أولاً يصل إلى القلب، ثم يترك أثره في روحية الإنسان، في سلوكياته، في أخلاقه، في معاملاته، في مواقفه، فتنطبع مسيرة حياة الإنسان المؤمن بهذا الإيمان الذي يربطه بالله -سبحانه وتعالى-؛ فيعبِّد نفسه لله -جلَّ شأنه-.
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا}، فهم حسبوا في تقديراتهم الخاطئة، في فهمهم الناقص، فهموا أنَّ مجرد الانتماء للإسلام والشهادتين، والالتزام ببعض الشعائر الدينية، والالتزام ببعض الأمور الدينية، أنَّ هذا أصبح يمثل انتماءً حقيقياً وصادقاً للإيمان، فالله -جلَّ شأنه- ردَّ عليهم في ذلك، {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}، لا بأس، انتماؤكم هذا للإسلام خروجٌ من حالة الشرك، انتسابٌ لهذا الدين، دخولٌ في إطار هذه الملة، {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، أنتم أسلمتم بالدخول في الإسلام، لكن لم ترتقوا بعد إلى مستوى الإيمان، {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[الحجرات: 14].
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
من كلمة : ذكرى جمة رجب 1441 هـ