29 عاما على مجزرة الحرم الإبراهيمي.. شهادة حية وعدوان صهيوني متواصل
موقع أنصار الله – متابعات – 5 شعبان 1444هـ
تصادف اليوم 25 شباط/ فبراير الذكرى السنوية الـ29 لمجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل التي ارتكبها الإرهابي اليهودي، باروخ غودلشتاين، التي أطلق فيها الرصاص بشكل مباشر نحو المصلين العُزّل وهم سُجَّد، أسفرت عن استشهاد 29 مصليا، وإصابة 150 آخرين داخل الحرم.
وفي وقت لاحق استشهد آخرون برصاص جنود العدو الصهيوني خارج الحرم في مدينة الخليل أثناء تشييع جنازات الشهداء، ما رفع مجموع الشهداء إلى 50 شهيدا.
وفي اليوم ذاته، تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية، وبلغ عدد الشهداء الذين ارتقوا نتيجة المواجهات مع جنود العدو إلى 60 شهيدا ومئات الجرحى.
أحد المصلين داخل الحرم الإبراهيمي الذين شهدوا المجزرة، المعلم المتقاعد خميس قفيشة (62 عاما) قال لـ”وفا” إن مجزرة الحرم الإبراهيمي لم تكن قرارا آنيا من قبل المستوطن الإرهابي غولدشتاين، كما هي مجزرة نابلس التي نفذها الاحتلال، الأربعاء الماضي، وأسفرت عن استشهاد 11 فلسطينيا وإصابة 100 آخرين، بل هي ثمرة تخطيط وتدبير من قبل مجموعة مستوطنين، وبمشاركة جيش الاحتلال، الذي تغيّب عن نقاط تمركزه على مداخل الحرم وقت المجزرة، فقبل المجزرة بيوم حدثت مناوشات بين المصلين والمستوطنين، خلال صلاة العشاء التي سبقت المجزرة، وشهدنا خلال صلاة الفجر غياب كامل لقوات الاحتلال عن مواقعهما المعتادة، وهو ما يؤكد تورطها بالمجزرة.
وتابع قفيشة، الذي اعتاد أن يُصلي الفجر خلال شهر رمضان في الصف الأول خلف الإمام مباشرة، نظرا لأنه كان يقطن حينها بمحاذاة المسجد “فجر يوم المجزرة تأخرت قليلا فالتزمت الميمنة مبتعدا قليلا عن الإمام، وخلال سجود التلاوة في الركعة الأولى، سمعت صوتا قويا، فظننت أن زلزالا وقع، لكنها كانت أسلحة أوتوماتيكية وإطلاق رصاص مباشر صوب المصلين، ولمّا رفعت رأسي من السجود قليلا، وقعت عيناي على مستوطن يطلق النار من بندقية ومسدس صوب المصلين.
ورجّح قفيشة وجود شركاء من المستوطنين أطلقوا النار مع المستوطن المذكور، نظرا لكثافة الرصاص الذي تم إطلاقه ومحاولتهم فتح أحد الأبواب الخلفية للمسجد بعد نفاد ذخيرته، في محاولة لتهريبه، لكنّ المصلين، نجحوا في الإمساك به وقتله.
وبين قفيشة أن أغلب الشهداء كانوا من الذين توسّطوا الصفوف خلف الإمام، وبينهم أطفال ومسنون قائلا “رأيت بِركة من الدم على سجاد الصلاة، وجماجم مفجَرة ومصلين يلفظون أنفاسهم، بينهم طفل لم يتجاوز 11 عاما، وجرحى يستغيثون، المشهد كان مؤلما حقا ولا يقدم على ارتكابه إلا وحش مسعور”.
وأضاف: خرجت من الحرم واذا بسماعات مساجد الخليل تستغيث للنفير صوب الحرم، والحزن عم كل أرجاء المدينة والوطن، ساعدتُ في نقل الشهداء والجرحى، عبر مركبات خاصة ومركبات إسعاف، حتى غرقت ملابسي بالدماء”.
وأشار إلى أن أحداث المجزرة، سبقتها ممارسات واعتداءات متواصلة بينها قيام مستوطنين بإحراق نسخ من القرآن الكريم، وسجاد الحرم، وإلقاء مواد كيميائية عليه، وإدخال الكلاب والاعتداء على المصلين وضربهم، كما حصل معه عدة مرات، مشيرا إلى أن هذه الاعتداءات على الفلسطينيين والحرم ما زالت متواصلة.
من جانبه، قال مدير عام أوقاف الخليل نضال الجعبري، لـ”وفا”، إن الاحتلال الإسرائيلي يواصل فصول مجزرته بحق الفلسطينيين في الخليل والحرم الإبراهيمي منذ احتلال المدينة عام 1967، وكانت مجزرة الحرم الفصل الأبشع في سلسلة جرائمه المتواصلة، حيث لم يكتف بتنفيذ المجزرة بل ذهب إلى أبعد من ذلك حينها باتخاذه إجراءات تقسيم الحرم واقتطاع أكثر من نصفه لصالح المستوطنين، وكذلك الاستيلاء على مساحات واسعة من البلدة القديمة في الخليل وأماكنها التاريخية التراثية، ونصب شمعدان على سطح الحرم، ونصب البوابات الإلكترونية والحديدية لعرقلة وحرمان الفلسطينيين من الوصول إليه وإقامة الصلاة فيه، ومنع رفع الأذان في غالب الأوقات تماشيا مع مطالب المستوطنين من أجل تهويد الحرم بالكامل.
وتابع الجعبري أنه “في إطار تغيير معالم الحرم التاريخية والعبث به، شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 10-8-2021، بتنفيذ مشروع تهويدي على مساحة 300 متر مربع من ساحات المسجد الإبراهيمي ومرافقه، يشمل تركيب مصعد كهربائي، لتسهيل اقتحامات المستوطنين، حيث تم تخصيص 2 مليون شيقل من حكومة الاحتلال لتمويله، بذريعة استغلاله للحالات الإنسانية، في محاولة لإضفاء الطابع الإنساني على تدخلها السافر بشؤون الحرم، ولخداع العالم وصرف الأنظار عن الجوهر الحقيقي لذلك، وهو المساس بتاريخه العريق وبهويته الإسلامية تمهيدا للهيمنة عليه وتهويده”.
وطالب الجعبري المؤسسات الدولية الحقوقية والإنسانية في العالم بالعمل على لجم الاحتلال ومستوطنيه، وشدد على أهمية وقوف الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها وتطبيق قرار منظمة “اليونسكو”، الذي صدر في تموز عام 2017 “باعتبار الحرم الإبراهيمي الشريف موقعا تراثيا فلسطينيا”، الأمر الذي يلزم الأطراف الدولية بالتصدي لكل الممارسات التهويدية التي تمارسها سلطات الاحتلال تجاهه، حتى بات يخضع بشكل كامل لسيطرتها وسيطرة مستوطنيها.
ودعا أبناء محافظة الخليل بشكل خاص، وأبناء شعبنا، إلى النفير العام وتعزيز التواجد في الحرم الإبراهيمي والصلاة فيه، مشيرا إلى أهمية الزحف صوب الحرم سواء خلال الصلوات المفروضة، أو فيما بينها، لمنع الاحتلال ومستوطنيه من تنفيذ جرائمهم وانتهاكاتهم المتواصلة بهدف فرض سيطرتهم الكاملة عليه.
وأكد أن القيادة، ووزير الأوقاف والشؤون الدينية، يعملون بخطى حثيثة لإعادة الحياه في الحرم، من خلال دروس الوعظ والإرشاد، وتنظيم نشاطات بشكل شبه يومي واحتفالات دينية، حيث أقر مؤخرا إقامة أكبر مسابقة لترتيل القرآن كاملا في الذكرى 29 لمجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف، يشارك فيها ما يزيد عن 70 حافظا وحافظة للقرآن، تجمعوا من كل أنحاء الضفة الغربية وهدفهم تسميع القرآن في جلسة واحدة بترتيل متواصل يعيد للمسجد المكلوم فرحته، وهي أول مسابقة من نوعها مستوى الضفة الغربية وعنوانها “قُرّاء في محراب إبراهيم”.
وحسب علماء الشريعة الإسلامية، يعتبر الحرم الإبراهيمي الشريف المسجد الرابع في الأهمية والمكانة الدينية بعد المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، ففيه مرقد نبي الله إبراهيم، وابنه اسحق، وأحفاده، وزوجاتهم جميعا عليهم الصلاة والسلام.
ولم تتوقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذ مخططاتها الخبيثة فيه منذ احتلال الخليل عام 67، فعلى سبيل المثال لا الحصر منعت دائرة الأوقاف الإسلامية من فرشه بالسجاد في تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، وبعد أقل من شهر أدخلت إليه خزانة حديدية فيها أدوات عبادة يهودية، ثم أدخلت كراسي خاصة بهم إلى القاعة الإبراهيمية في حزيران/ يونيو 1968، وبتاريخ 25/9/1968 سمحت سلطات الاحتلال لفئة يهودية بالصلاة فيه، في تحدٍّ سافر لمشاعر المسلمين، وبعد أقل من شهر نسفت سلطات الاحتلال درع الحرم الإبراهيمي والبوابة الرئيسية المؤدية إليه وهما أثران تاريخيان.
وبتاريخ 11/10/1971 أدخل المستوطنون طاولة خشبية إلى القاعة الإبراهيمية، وفي 9/9/1972 مُنع المصلون المسلمون من أداء صلاة العصر في الحرم لأن المستوطنين كانوا ينشدون الأناشيد الدينية بأصوات مرتفعة وينفخون في البوق، وفي 17/12/1972 أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي أوامره بإغلاق الباب الشرقي للحرم الشريف.
وبتاريخ 1/10/1973 سمح الحاكم العسكري في الخليل بإدخال 50 كرسيًّا خشبيًّا إلى القاعة اليعقوبية من الحرم الشريف، وقامت سلطات الاحتلال بتغطية صحن الحرم 10/11/1973 في محاولة لتغيير معالمه الإسلامية.
وفي حزيران/ يونيو 1974 قامت سلطات الاحتلال بسلسلة من الحفريات في محيط الحرم الإبراهيمي، وأسفل الباب الثلاثي إلى الداخل، وإلى الغرب منه، وأسفل المدرسة الحنفية.
وفي مطلع عام 1976 اقتحم ثلاثة مسلحين يهود الحرم برفقة سبعة مستوطنين وعبثوا بمحتوياته، وبتاريخ 16/3/1976 منع المستوطنون المسلمين من أداء الصلاة في القاعتين اليعقوبية والإبراهيمية.
وفي 21/10/1976، حول جنود الاحتلال قسما من الحرم إلى ثكنة عسكرية ووضعوا فيه أسرَّة وأمتعة للنوم، وفي 2/11/1976 اعتدى مستوطنون على الحرم وداسوا نسخا من القرآن بأقدامهم، واعتدوا على المصلين بالضرب، وفي 18/11/1976 أعلن الحاخام المتطرف مائير كهانا أنه سيحوِّل الحرم الإبراهيمي إلى قلعة للمتطرفين اليهود بهدف ترحيل المواطنين الفلسطينيين من مدينة الخليل.
وفي 8/3/1977 أعلنت الهيئة الإسلامية عن اختفاء مفقودات ذات قيمة بعد فترة من منع المسلمين دخول الحرم الشريف، وبتاريخ 16/5/1977 اقتحم عدد من المستوطنين الحرم برفقة الحاخام ليفنجر وقاموا بالرقص داخل القاعة الإبراهيمية، وأشهر أحد المستوطنين مسدسه تجاه عدد من المصلين أثناء صلاة الظهر بتاريخ 4/7/1977.
وفي 27/2/1978 اقتحم أحد المستوطنين الحرم وعبث بمحتوياته، وفي 24/4/1978 أدخل مستوطنان إليه نسخة جديدة من التوراة وأقاما احتفالا كبيرا بحماية جنود الاحتلال.
وفي 31/05/1979 اقتحم جنود الاحتلال القاعة الإبراهيمية، ووضعوا فيها الكراسي، ومنعوا المسلمين من الوصول إلى الحرم، وفي 27/2/1979 اقتحم 20 مستوطنًا الحرم وهم يرفعون الأعلام الإسرائيلية، وفي 24/6/1984 أجرى المستوطنون ختان طفل في القاعة الإبراهيمية، وفي 11/9/1984 قام الجنود بتركيب عدسات تلفزيونية داخل الحرم لمراقبة المصلين.
انتهاكات وممارسات سلطات الكيان الصهيوني الغاصب وأذرعها المختلفة في مدينة الخليل لم تتوقف، فقد زرعت فيها عددا من البؤر الاستيطانية وأغلقت شوارعها، وارتكبت فيها أفظع الانتهاكات لحقوق الإنسان، من قتل وتدمير، وحظر للتجول، وحصار اقتصادي متواصل أدى إلى شلّ الحركة التجارية في أسواقها القديمة، كما تستمر الاعتداءات على ممتلكات أهلها بهدم المباني الأثرية والتاريخية في أبشع مذبحة تستهدف طمس معالمها الحضارية وتغيير هويتها العربية الإسلامية، وبشق طريق استيطاني يربط بين مستوطنة “كريات أربع” والحرم الإبراهيمي الشريف وجميع البؤر الاستيطانية، بهدف تهويد المدينة.