إنجازاتٌ صامتةٌ تُخرِجُ الحديدةَ من الظلام
||صحافة||
غمرتِ الفرحةُ سُكَّانَ عددٍ من مديريات محافظة الحديدة؛ بسَببِ وُصُولِ التيار الكهربائي إلى مناطقهم لأولِ مرة منذُ سنواتٍ كثيرة؛ وبوصولِ الكهرباء؛ فَـإنَّ ذلك يعني إنقاذَهم من حر الصيف اللاذع، وإخراجهم من الظلام الدامس.
يقول أحد المواطنين: “لا أصدق أن الكهرباء وصلت إلى منطقتنا؛ فقد كان الكثيرون في سنوات الأنظمة السابقة يأتون إلى هنا، ويسجّلون أسماءَنا، لكنهم لا يعودون أبداً، بينما نظل نرزحُ تحت حرارة الصيف الساخنة”.
مواطنٌ آخر يتذكَّرُ الماضيَ بأسًى ويقول: “كان المئاتُ من سكان المدينة وأهاليها يعيشون في ظلال المباني، وتحت الأشجار، وجميعهم هاربين من الحر الشديد، حَيثُ لا يستطيعون المكوث في منازلهم؛ بسَببِ الكهرباء المنقطعة”، مُشيراً إلى أنها لم تكن حياة، وكانوا كُـلّ يوم يموتون عشر مرات.
ويدفع الانقطاعُ المتكرِّرُ للتيار الكهربائي سكانَ الحديدة للخروج ليلاً إلى الساحل، في حين تخصِّصُ بعضُ الأسر خِياماً للمبيت داخلها، كما يتوزع الرجال خارجَ الخيام.. يبدو المشهد كما لو أن كارثة حلت بالمدينة!
تزداد معاناةُ المواطنين بمحافظة الحديدة غربي البلاد مع قدوم فصلِ الصيف، وَإذَا صادف عدمُ وجود كهرباء خلال هذا الفصل، فَـإنَّ حياةَ الناس تتحوَّلُ إلى جحيم لا يطاق؛ فدرجة الحرارة تتجاوز 40 درجة وقد تزيد.
وفي فصل الصيف أَيْـضاً يفضّل اليمنيون قضاءَ الإجازة أَو العطلة الصيفية في محافظة الحديدة ضمن حركة السياحة الداخلية، حَيثُ تمتلئ الفنادقُ بالزائرين، وتصلُ إلى ذروة زحمتها حداً يصعُبُ على الكثير الحصول على جناح أَو غرفة، حتى في أقل الفنادق جودة وخدمة، وَإذَا كانت هذه الفنادق لا توفر الكهرباء ووسائل التكييف فَـإنَّ الحياة لا تطاق.
ويقول أحد المواطنين بأنهم وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي لا يستطيعون الصبر أبداً داخل المنازل لأكثر من ساعة، وأنهم يفضلون الخروج سريعاً خارج المنزل، فالبقاء داخلها يعني البقاء في لهيب الحر.
لقد ظلت مشاكلُ الكهرباء في تهامةَ لسنوات بلا حلول حقيقية فاعلة، فالمدينة عانت الكثير من الإهمال في كافة المجالات على مدى الحكومات والعقود السابقة، وكانت الكهرباء الوجهَ “الصيفي” الأسوأَ لمأساة سكان تهامة، ومن المؤكَّـد أن تراكماتِ الأخطاء والفساد الإداري الذي نهشَ مؤسّسات الدولة كان أعظمَ سبب للأزمة في وجوهها المتعددة، وحال دون تأسيسِ بنية خدمات قوية وقادرة على التخفيف عن المواطنين في مثل هكذا ظروف.
أزمةُ الكهرباء المتكرّرة واحدةٌ من أبرز مظاهرها، وهي اليوم تعود إلى الواجهة من جديد، وقد تفاقمت لا شك جراء ظروف العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ، لا سيَّما مع الأزمات المتكرّرة للوقود التي أبرز مظاهرها طوابير المواطنين أمام محطات الوقود في كُـلّ المحافظات.
ويروي سامي، وهو أحد سكان الحديدة، معاناته وجيرانه جراء انقطاع الكهرباء، ويقول: “إن الحرَّ كان يتسبب بأمراض كثيرة، من بينها أمراض جلدية تنتشر بين صغار السن والنساء بشكل كبير”، مُشيراً إلى أن “عشرات الأسر في الحي كانت تعاني بشدة من أمراض مختلفة تعجز عن معالجتها ما يتسبب بمضاعفات خطيرة”.
مشاريعُ غيرُ معلَنة
وإزاء ما يكابدُه سُكَّانُ الحديدة، لا تغفلُ القيادة السياسية عن هذه المعاناة، وقد وجّه الرئيس مهدي المشاط، مطلعَ صيف عام 2021 بوضعِ حلولٍ عاجلةٍ تستهدفُ الأسرَ الأشدَّ فقراً وتضعُ حدًّا لمعاناتهم.
ومن فوره، شرع صندوقُ تنمية الحديدة بمسح ميداني استهدف في أولى مراحله مديريات (الميناء، الحَوَك، والحالي).
وَوفقاً لجدولِ مهامِّ اللجان الميدانية؛ يتم النزول إلى المواقع وفقاً للتقسيم الإداري بشكل تنازلي، وعليه يتم جمع المعلومات عبر استمارة بيانات موضوعة بدقة وبطريقة مؤتمتة وفق خارطة إلكترونية للمنطقة الممسوحة، ومن ثم يتم الرفع بالتقارير اليومية المنجزة إلى غرفة عمليات تشرفُ على اللجان مباشرةً، وتقومُ بالتنسيق لهم مع الجهات الأُخرى ذات الصلة، وقد أسفرت المرحلةُ الأولى للمسح الميداني عن توفيرِ بياناتٍ لعدد 54 أسرةً تم الوصولُ إليها في المديريات الثلاث المستهدَفة.
وفي غضون أَيَّـام قليلة وبعد عمليات المسح الميداني تم ربط بيوت ومساكن الفقراء بالكهرباء.
ويقول أحد المستفيدين معبّراً عن تفاجُئِه من الخدمة: “لم نكن نتوقع أن تصدقوا في المشروع، نحن اعتدنا على تسجيل أسماءنا لمُجَـرّد التسجيل من قبل جهات عدة تأتي لتدوّن أسماءَنا وتذهب، دون أن يصدقوا في أيٍّ من وعودهم، وهكذا كُـلّ مرة قد كنا يائسين”.
لم تكن مُجَـرّد كهرباء وصلت تلك البيوت المستضعفة بقدر ما هي ربطت قلوبَ ساكنيها بالفرحة، وأذهبت عنهم غمَّ الحر الشديد، ومعاناته الموسمية، ولعل ما ميّز المشروعَ وأكسبه القبولَ الواسع والترحيب من قبل الأهالي المستفيدين هو الخدمةُ المجانية؛ فصندوقُ دعم وتنمية الحديدة تكفّل بدفع رسوم الخدمة بالكامل، بدءًا من الاشتراك ورسوم التوصيل وحتى الفواتير الشهرية.
عاقل حارة مستفيد من المشروع يتصدى لنا في أحد الأزقة، طالباً تسجيل رسالة شكره العميقة، حسب قوله للرئيس المشّاط، مؤكّـداً أن الخدمة في سرعتها ومجانيتها دليلٌ على مصداقية الرئيس وصدقُ توجُّـهه، مُضيفاً أن دعوات المستفيدين من فقراء الحديدة تتصاعدُ لكل من أسهم في إنجاح المشروع وتفاعل معه.
ووفقاً للمسؤولين فَـإنَّ كلفة المشروع في مرحلته الأولى بلغت 420 مليون ريال الذي يغطي 7325 أسرة.
لقد وضع المشروع حلاً مستعجلاً كما ذكرنا في البداية، لكن الأهم هو توجيه السلطات العليا للبدء في وضع حلول استراتيجية كبرى للمشكلة تقفز على عوائق الحصار والعدوان وتضع حدّاً للأزمة بموازاة تحديث وتطوير شبكة الكهرباء لمدينة الحديدة بكافة مديرياتها الشمالية والجنوبية.
وَوفقاً للمسؤولين فَـإنَّ أحدَ الحلول الموضوعة والتي يجري تنفيذُها حَـاليًّا هي مزارعُ منظومات الطاقة الشمسية، وإحداها مزرعةٌ عملاقة يجري العمل عليها في بيئة مناسبة داخل إحدى المديريات الشمالية، ومن المتوقع أن تغطّيَ المزرعةُ كاملَ مديريات الحديدة مع سلسلة أفكار هندسية قابلة للتطوير وتوسعة المشروع واستنساخه.
صحيفة المسيرة