ذرائعُ العدوان على اليمن تتساقط تباعاً: إقرارٌ سعوديّ بزيف دعاية “مواجهة النفوذ الإيراني”
||صحافة||
مثّل إعلانُ عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران السعوديّة دليلًا إضافيًّا على زيف كُـلّ الذرائع التي روّجها تحالُفُ العدوان ورعاته؛ لتبرير شن الحرب الإجرامية على اليمن؛ وفرض الحصار الوحشي على الشعب اليمني منذ أكثر من ثماني سنوات، وعلى الرغم من أن ذلك يُفترَضُ به أن يساعد على دفع الرياض نحو الاعتذار لليمنيين والاستجابة لمطالبهم، إلا أن الكثير من التساؤلات لا زالت تحيط بالموقف السعوديّ، خُصُوصاً في ظل استمرار محاولات الالتفاف على متطلبات الحل، الأمر الذي يؤكّـد أن السعوديّة لا زالت تتجنب الطريق الصحيح للخروج من مأزق اليمن، وهو ما يوجب التذكير بمحدّدات هذا الطريق، وعواقب تجاهلها.
سقوطُ ذرائع العدوان:
الإعلانُ عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعوديّة، أعاد التذكير مباشرةً بالذرائع الرئيسية التي استُخدمت قبل أكثر من ثمانية أعوام لـ “شرعنة” العدوان والحصار على اليمن، وأبرز تلك الذرائع كانت مواجهة العلاقات بين صنعاء وطهران، والتي اعتبرها تحالف العدوان ورعاته “تهديدًا للأمن القومي” آنذاك.
وبالتالي فَـإنَّ هذا الإعلان يمثل فضيحة تاريخية لا يمكن تجاهُلُها فيما يتعلق بالعدوان على اليمن، خُصُوصاً أنه يأتي بعد سقوط ذريعةٍ أُخرى رئيسية هي ذريعة “شرعية هادي” التي نسفتها السعوديّة نفسُها قبل قرابة عام، وبشكل فاضح أَيْـضاً.
سقوطُ هذه الذرائع وبهذا الشكل، يبرز مجدّدًا الأهداف الحقيقية للعدوان على اليمن، وهي الأهداف المتعلقة بالمطامع الاستعمارية لدول تحالف العدوان ورعاتها الغربيين، والتي يُعبر عنها عمليًّا اليوم من خلال المساعي المباشرة لاحتلال أجزاء كبيرة من البلد، ومن خلال الإصرار الإجرامي على مواصلة الحصار والحرب الاقتصادية ضد الشعب اليمني برغم انكشاف زيف كُـلّ المبرّرات.
وهذه الحقيقة تثبت مجدّدًا صوابية موقف الوطني المتمسك بضرورة إنهاء العدوان والحصار والاحتلال بشكل كامل ورفض أية مساومات بهذا الشأن، وهو ما يجب أن يدفع نحوه المجتمع الدولي والعالم بعد ثبوت زيف كُـلّ الذرائع التي يستندُ عليها موقفُ تحالف العدوان ورعاته.
وفي هذا السياق يؤكّـد عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، أن: “أكذوبة الخطر الإيراني كانت حجر الزاوية للعدوان على اليمن، والاتّفاق (السعوديّ الإيراني) يُسقِطُ حُجَّـةَ الأعداء، ويوجب الاعتذارَ لليمن، وتسريع إنهاء العدوان والحصار، وإعادة الإعمار”.
تصوُّراتٌ سعوديّةٌ خاطئة:
الواقعُ على الأرض لا يحمل أية مؤشرات تدل على وجود نوايا لدى السعوديّة أَو لدى المجتمع الدولي للبناء على التقارب الإيراني السعوديّ؛ مِن أجل تحقيق السلام في اليمن وفي المنطقة؛ فبالرغم من أن هذا التقارب “قد يمثل فاتحة خير نحو تبريد الصراعات الإقليمية”، بحسب تعبير عضو الوفد الوطني عبد الملك العجري، لا يزال موقف الرياض بعيدًا تماماً عن تحقيق هذا الهدف وخُصُوصاً فيما يتعلق باليمن، إذ لا يزال هناك تجنب واضح للطريق التمهيدي للحل والمتمثل بمعالجة الملف الإنساني.
وبالتالي فَـإنَّ “إيجابية” الاتّفاق الإيراني السعوديّ هي في الأَسَاس محصورة بالعلاقات الثنائية بين طهران والرياض، بحسب ما يؤكّـد العجري.
لكن المشكلة هي أن السعوديّة قد تحاول -بحسب مراقبين- استثمارَ اتّفاقِها مع إيران بشكل سلبي؛ اعتمادًا على تصوراتها الخاطئة بشأن العلاقات بين صنعاء وطهران، حَيثُ تعتقد الرياض أن الجمهورية الإسلامية تمتلك “تأثيرًا” على قرارات صنعاء، وهو تصوُّرٌ سبق أن حاولت المملكة الاعتمادَ عليه في مراحلَ سابقة بدون جدوى.
ربما لهذا وجد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أنه من الضروري توضيحُ الصورة لقراءة الاتّفاق الإيراني السعوديّة بشكل سليم، حَيثُ أكّـد أن الاتّفاق: “لن يكونَ على حساب الشعب اليمني، ولا على حساب محور المقاومة”، في إشارة واضحة إلى أن أية محاولة من جانب السعوديّة لاستثمار عودة علاقاتها مع إيران بشكل يخرج عن إطار ثنائية الاتّفاق ستكون محاولةً فاشلة.
وبعبارة أُخرى: إن عودةَ العلاقاتِ السعوديّة الإيرانية يمكن أن تكونَ بدايةً إيجابية لـ”عودة العلاقات الطبيعية بين دول المنطقة” واستعادة الأمن الإقليمي، بحسب إشارة رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، لكن هذا مشروطٌ بأن تتعاطى السعوديّةُ مع الاتّفاق كمدخل لاحترام سيادة دول الجوار والتوقف عن الممارسات العدوانية، وليست المسألة أن الاتّفاق السعوديّ الإيراني سيؤثر على مواقف الأطراف التي تريد السعوديّة التأثير عليها وسيحقّق لها المصالح التي تريدها.
والحقيقة أنه –حتى الآن- لا توجد أيةُ مؤشرات على أن السعوديّة تنظر إلى التقارب مع إيران من زاوية إيجابية فعلية؛ إذ توجد قائمة طويلة من الأهداف المشبوهة التي يرجِّحُ مراقبون أن السعوديّة تأمل تحقيقها من خلال هذا التقارب، ومن تلك الأهداف محاولة ممارسة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية؛ لكي “تحسّن” علاقتها بالمملكة؛ حفاظًا على مصالحها، ولن يكون من الغريب أن تتضمن القائمة وهم ممارسة ضغط على صنعاء.
محدِّداتُ السلام في اليمن ثابتة:
بالنظرِ إلى التصورات السعوديّة الخاطئة التي يرجَّحُ أن السعوديّة لا زالت تعتمد عليها، كان من الضروري أَيْـضاً تجديد التأكيد على الطريق الوحيد للسلام في اليمن، حَيثُ أكّـد عضو الوفد الوطني عبد الملك العجري أنه “بالنسبة لليمن فَـإنَّ استجابة دول العدوان للمطالب العادلة والمحقة للشعب اليمني، وفي مقدمتها القضايا الإنسانية ورفع الحصار وإعادة الإعمار، هي المدخَلُ المنطقي والوحيدُ لإعادة تطبيع العلاقات الأخوية بين اليمن والسعوديّة، وعلى أَسَاس الندية والمصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”.
هذا التأكيد الواضح يغلق الباب أمام أية آمال تغذيها السعوديّة؛ للتأثير على موقف صنعاء من بوابة التقارب مع إيران؛ لأَنَّه بتقارب أَو بدون تقارب سيبقى قرارُ صنعاء في صنعاء، وستبقى محدّداتُ السلام الفعلي ثابتةً بلا تغيير.
وبحسب تحذيراتِ القيادة الثورية والسياسية والعسكرية خلال الفترة الأخيرة، فَـإنَّ السعوديّة ستختبر بنفسها هذه الحقيقةَ إذَا أصرت على المماطلة ورفض تنفيذ المطالب الإنسانية للشعب اليمني، وأصرت على التماهي مع التوجّـهات العدوانية الأمريكية؛ لأَنَّ التقارُبَ مع إيران لن يعيقَ -بأي شكل من الأشكال- خيارات صنعاء لردع الاعتداءات أَو لكسر الحصار أَو لاستكمال تحرير البلد.
إجمالًا، قد يشكّل التقارب السعوديّ الإيراني بوابةً للسلام في اليمن فقط إذَا نظرت إليه السعوديّة كخطوة أولى لتصحيح تصوراتها الخاطئة تجاه دول الجوار، أما إذَا اعتبرته فُرصةً للتأثير على موقف صنعاء؛ فَـإنَّها سترتكب خطأ آخرَ قد يكلّفها الكثير.
صحيفة المسيرة