أهدافُ الاحتلال الأمريكي من السيطرة على المنطقة

||صحافة|| المسيرة – ناصر قنديل*

نحن نعيشُ في رحاب الذكرى الثانية عشرةَ لبدء الحرب التي شُنَّت على سوريا في ربيع 2011م، وعشية الذكرى الثامنة لبدء العدوان على اليمن.

في هاتين المناسبتين لا بُـدَّ من وقفة تأملية هادئة.. هل فعلاً أن الذي شهدته سوريا كان مُجَـرّد التقاء بين أسباب داخلية، ومواقع إقليمية استثمرت على الأزمة السورية، لعب الأتراك فيها دوراً محوريًّا، كما هو الحال بالنسبة إلى اليمن بعض الأطراف الداخلية التي استثمرت على محيط إقليمي بقيادة السعوديّة؟!

في الحقيقة يكون ساذجاً من يقبل بمثل هذا التحليل، لا الحرب على سوريا، ولا الحرب على اليمن كانتا ترجمة لقرار محلي إقليمي، بل إن المحلي والإقليمي كانا في خدمة قرار دولي: قرار أمريكي واضح منطلق من محاولة إعادة ترتيب جغرافيا المنطقة، وصناعة شرق أوسط جديد.

المفهوم الأمريكي الاستراتيجي للمنطقة يقوم على ثلاث ركائز: الركيزة الأولى هي: الإمساك بمنابع أَو ممرات الطاقة وخُصُوصاً النفط، الثانية هي: حماية أمن إسرائيل، الثالثة هي: تأمين أنظمة تابعة رخوة ضعيفة يمكن التحكم بها.

انطلاقاً من هذه العناصر الثلاثة اقتنع الأمريكيون، وتيقنوا من أن سوريا، والنهضة الثورية في اليمن، والمقاومة في لبنان، والمقاومة في فلسطين، ملامح تبلور المقاومة العراقية، ما تمثله إيران، مجموع هذه الركائز تسير باتّجاه لا يمكن السيطرة عليه، سوف يبلغ في مرحلة متقدمة القدرة على تهديد المشروع الأمريكي؛ فكانت الحروب الاستباقية، سواءً عبر العقوبات التي تعرضت لها إيران، أَو عبر الحصار الذي فُرض على لبنان، أَو الهمجية الوحشية التي قوبل بها الشعبُ الفلسطيني، ولكن كانت هناك حربٌ حاسمةٌ فاصلةٌ في سوريا، وتبعها عدوانٌ غاشِمٌ على اليمن.

عندما نتطلَّعُ إلى مسارِ هاتين الحربين اللتين كتبتا مستقبلَ المنطقة وحاضرَها، وكانت للمقاومة البطولية للشعب اليمني، وللصمود الأُسطوري للشعب السوري الدورُ الحاسِمُ في تغيير وجهة الأحداث بعكس ما رمت إليه الخطة الأمريكية.

طبعاً وقف الحلفاء إلى جانب الشعب اليمني بحدود ما هو متاح، وما هو مستطاع، ووقف الحلفاءُ إلى جانب سوريا وصمودها وثباتها بحدود ما هو متاح، وما هو مستطاع، لكن الذي تم حشده للحرب على اليمن وللحرب على سوريا هو أضعاف مضاعفة عن المقدرات التي تمكّن الشعب السوري، والشعب اليمني، مع ما بلغهما من مساعدة ومؤازرة من تأمينه في مواجهة هذه الحرب.

في الحقيقة كان الصمود، وكان الثبات، وكان القتال سواءً في اليمن، أَو في سوريا، في وجه المشروع الأمريكي، كان بالحلم الحي كما يقال، كانت الروح هي التي تقاتل، كانت الإرادَة والعزيمة هما اللتان تصنعان هذه الأُسطورة، وهذه الإنجازات العظيمة.

إذا قرأنا مسارَ هذه السنوات؛ فسوف نكتشف أن الأمريكي وصل في مرحلة قبل سنتين إلى يقين بأن حربه في سوريا ميئوس من إمْكَانية تحقيق النصر فيها، وأن حربه في اليمن يعني 2019م بدأ الثبات بعد ضربة أرامكو، والتيقن من لا أمل يرتجى من إمْكَانية تحقيق انتصار في اليمن.

سقطت الحربُ من جهة وظيفتها الإيجابية، من وجهة نظرهم طبعاً، هي دائماً وظيفتها سلبية بالنسبة لنا، لكن إمْكَانية تحقيق أهدافها انتهت لم تعد للحرب قضية، لكن كان القرار الأمريكي هو المضي قدماً في توريط وتشجيع المشاركين والمنخرطين في هذه الحرب للمضي بها لتقديم المزيد من أسباب زعزعت الاستقرار، والإرباك، والإشغال، والحصار، والإنهاك، والإضعاف، أملاً أن يتمكّن من أن يقود المفاوضات سواءً في اليمن، أَو في سوريا بما يضمن له حَــدّ أدنى من رؤيته لكيف يمكن أن تكون عليه سوريا، وكيف يمكن أن يكون اليمن؛ لهذا مضى الأمريكي في إبقاء قواته في سوريا، وشجّع الجماعات الكردية المسلحة على بلورة ما يشبه الكانتون الانفصالي، الذي يملك الكثير من عناصر القدرة على الحياة، من خلال نهب الثروات النفطية، ونهب الثروات الزراعية.

والأمريكي كان يقومُ مباشرةً بعملية النهب، ولا يزال حتى اللحظة، مانعًا إمْكَانية أي نهوض لسوريا اقتصاديًّا؛ لأَنَّ الطاقة هي المورد الرئيسي لحركة الاقتصاد، ولعجلة الاقتصاد، ولدورة الحياة، وحرمان السوريين من موارد الطاقة، سواءً بنهب ثرواتهم النفطية، أَو من خلال الحصار الذي يمنع وصول أي موارد من المساعدات، أَو من المشتريات النفطية إلى السواحل السورية، يشبه تماماً ما رمى إليه الحصار المفروض على اليمن.

عندما بدأ التموضع لدى الحلفاء الذين كانوا قاعدة أمريكا في خوض حربها، تركيا بالنسبة لسوريا، والسعوديّة بالنسبة لليمن، عندما بدأ الحلفاء يستشعرون بأن الأمريكي عاجز عن وعدهم بتحقيق نصر، ليس مستعداً لأن ينخرط مباشرةً في دفع أثمان المواجهة، يتكئُ عليهم، ويحملهم التبعات في أن يكونوا هم حلف الخاسرين، لا يبدي أي استعداد للتشارك في تفاوض يمكن أن يؤدِّيَ إلى صيغةِ تسوية يمكنُ أن يقبلَها السوريون واليمنيون.

بدأ هؤلاء الحلفاء، كُلٌّ على طريقته، السعوديّة على طريقتها، وتركيا على طريقتها يبحثان عن مخارج، طبعاً ليست هذه المخارج منصفة بالنسبة لليمن ولا بالنسبة لسوريا، لكنها خطوات أكثر اقتراباً من فكرة الاستبدال للاستثمار على الحرب بالتفكير الجدي بالذهاب إلى التسوية.

نحن نقف اليوم أمام تحولات كبرى عنوانها روسيا تمكّنت من أن تجذب تركيا إلى مساحة متقدمة نحو فكرة التسوية، لكن هي ليست الفكرة التي يمكن أن ترضي سوريا.

كذلك تمكّنت الصين أن تجذب السعوديّة نحو مساحة متقدمة نحو فكرة التسوية بما هو أبعد من حدود اليمن، تسوية على مستوى الإقليم، سواءً من خلال اللقاء السعوديّ الإيراني، والتفاهم على استعادة العلاقات الدبلوماسية، أَو من خلال ما هو ثابت، ومعلوم، ومصرح به بأن إيقاف الحرب في اليمن هو الامتحان الأَسَاسي لنجاح الثلاثية الصينية، السعوديّة، الإيرانية.

دخل الأمريكيون هنا على الخط؛ للتخريب، ولقطع الطريق على أن تنعطف السعوديّة وتمضي قدماً، ولأن تنعطف تركيا وتمضي قدماً؛ ولذلك لا نزال في مرحلة ارتباك سعوديّ، وارتباك تركي انطلاقاً من الضغوط الأمريكية.

يريد الأمريكيون انتزع اعتراف بشرعنة بقائهم في سوريا، وامتلاك قواعد عسكرية في اليمن انطلاقاً من ذات المفهوم، ما هو مفهوم تقديم الدعم والمؤازرة والحماية لأمن إسرائيل، ومفهوم السيطرة على موارد وممرات النفط والطاقة في المنطقة.

ما بلغه اليمنيون والسوريون بالعنفوان، والعزة، والكرامة، والاستثمار على التضحيات لا يسمح على الإطلاق بالتسامح مع مثل هذا التوجّـه العدواني الأمريكي.

لذلك كان الكلام الواضح لسماحة السيد عبد الملك الحوثي، قائد المقاومة، وقائد أنصار الله في اليمن، وكان الكلام القاطع، والواضح، والثابت للرئيس بشار الأسد بالوجهة ذاتها، لن نقبل بقاء أي جندي أمريكي فوق أرضنا، سوف نقاتل هذا الاحتلال بكل أشكال المقاومة المتاحة.

على الأطراف الإقليمية ألا تشتركَ مع الأمريكي في حرب قادمة؛ لأَنَّه سوف يحملها هي التبعات، وسوف تنزف وتدفع أثماناً باهظة، ثم يحزم الأمريكي حقائبه، ويرحل كما في أفغانستان.

لذلك نحن أمامَ لحظة دقيقة حساسة، الموقف الثابت للشعوب، وللنخب إلى جانب القيادات، ووراءها؛ لحماية ظهرها في هذه المواقف التاريخية، موقف السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وموقف الرئيس بشار الأسد، يجب أن يحظيا بكل الدعم، من كُـلّ شرائح اليمنيين والسوريين، ونخبهم، وقاداتهم، وأحزابهم، وعشائرهم، وقيادتهم السياسية والثقافية.

ليسمع الأمريكي من فمهم الآن أنه سوف ينزف دماً إذَا ما قرّر البقاء في الأرض اليمنية، وانتزع قواعد عسكرية يتحكم من خلالها بموارد الطاقة، وممراتها ويوفر من خلالها الأمن لإسرائيل، وكذلك بالنسبة لسوريا.

موقع اليمن، وموقع سوريا محسومان في قيادة طليعية في محور المقاومة؛ إذ ليسوا مُجَـرّد أطراف، هم مؤسّسون وأركان في هذا المحور، ومواقفهم سابقة بأن فلسطين هي البُوصلة، وأن أمن “إسرائيل” لا يمكن أن يخدم لا أمن اليمن، ولا أمن سوريا، وأن الأسلحة، والإمْكَانات، والمقدرات التي يملكها اليمنيون، والتي تملكها سوريا ستكون حتماً جزءًا من أية مواجهة يخوضها محور المقاومة في مواجهة إسرائيل، في أية لحظة قادمة يستدعيها الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني؛ مِن أجل حريته ونيل حقوقه.

لذلك نحن نؤكّـدُ على ضرورة أن تكون المواقفُ واضحةً قاطعةً، بتبني ما قاله سماحة السيد عبد الملك الحوثي، وما قاله سيادة الرئيس بشار الأسد، أن مفتاح الاستقرار في اليمن، هو الوضوح القاطع برفض أي شكل من أشكال المساومة مع الأمريكي.

كما أن الاستقرارَ الثابت والناجز لحماية وحدة وسيادة سوريا يبدأ مباشرةً من التمسك بحقيقة لا رجعة عنها تطلب الرحيل الفوري للقوات الأمريكية، وتحرير ثروات النفط والغاز التي ينهبها الأمريكيون.

عندما يخرُجُ الأمريكي من المعادلتين اليمنية والسورية سوف يكون سهل التقدم نحو الحلول السياسية؛ لأَنَّ الذين يستثمرون على الدور الأمريكي سوف يعلمون عندها أن موازينَ القوى لا تسمح لهم لا بالمضي بالحروب، ولا بتعطيل التسويات، وسوف تكون الطريق سالكة إلى تفاهمات تحفظ سيادة اليمن، تحفظ سيادة سوريا، تحفظ وحدة اليمن، تحفظ وحدة سوريا، وتحفظ حُسن الجوار مع الذين أوغلوا بدماء اليمنيين، والسوريين؛ لأَنَّ لا سوريا تريد ثأراً من تركيا، ولا اليمن يريد ثأراً من السعوديّة.

 

* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية

(ورقة عمل مقدمة لندوة اتّحاد الإعلاميين اليمنيين.. السبت 18 مارس 2023م).

قد يعجبك ايضا