ما بعد وفد أبين القبلي؟!
موقع أنصار الله ||مقالات ||توفيق الحميري
تزامناً مع تقدم وتراوح المفاوضات بين الوفد الوطني ودول تحالف العدوان جاءت خطوة تحَرّك وفد قبلي من وجهاء ورجال محافظة أبين نحو العاصمة صنعاء لمطالبة القيادة السياسية والثورية بإطلاق الأسير اللواء ركن فيصل رجب المحسوب على تحالف العدوان، والذي تنصل عنه وألغى المطالبة به مفاوضو العدوان، بل استبدلوه باسم حفيد عفاش بحسب مصدر من أروقة مفاوضات صفقة الأسرى.
لقد اعتقد وظن ممثلو العدوان ومرتزِقته المفاوضين عن الأسرى أن إبقاء فيصل رجب أسيراً في صنعاء واستبعاده من كشوفات صفقة التبادل الأخيرة خطوة سينتج عنها زيادةً في الفُرقة والضغينة بين صنعاء أبين، ولكن خابت آمالُهم سريعاً من خلال ردة فعل أبناء أبين وعدد من أبناء المحافظات الجنوبية الذين بادروا بالتوجّـه إلى صنعاء للمطالبة به، وفعلاً وصل الوفد المجتمعي والقبلي صنعاء، ورأينا ما قوبل به الوفد من الترحيب والاستقبال والاستجابة وحسن وكرم الاستضافة لتمثل بعداً جديداً وهاماً، فهذه البادرة القبلية المجتمعية الناجحة والمفاجئة والخارجة عن حسابات الإمارات والسعوديّة والصليب الأحمر والمندوب الأممي والسياسيين والأدوات المفندقة، تكسر حالة انحصار الادِّعاء بالتمثيل لأبناء المناطق والمحافظات المحتلّة من قبل عملاء وأدوات (رباعية العدوان) وتكشف زيف ادِّعاءها التحكمي بقرار أبناء المناطق الواقعة خارج سيطرة قوات حكومة الإنقاذ الوطني.
وبنجاح هذا التحَرّك القبلي وتحقّق الاستجابة لمطالبه هناك أبعاد هامة جِـدًّا لا بُـدَّ من الوقوف عندها والحديث عنها على المستوى السياسي والوطني وعلى المستوى التفاوضي أَيْـضاً، فهذه الخطوة تمثل ثبات الإرادَة والمنعة الوطنية الجامعة في رفض أية ممارسات خارجية لمصادرة قرار اليمنيين، وأن الواقع اليمني يسوده التمرد على الأجندات التمزيقية وعلى دخلاء الارتهان والمسوقين للوصاية الخارجية بشقيها الصريح والضمني.
ومن هذه الخطوة يقف مجدّدًا الواقع الشعبي على طاولة المفاوضات معلناً التعزيز لموقف وفدنا الوطني الرافض لأية محاولة فرض أجندات خارجة عن اللحمة الوطنية لكل أبناء وأرجاء الجمهورية اليمنية..
لقد وصل وفد أبين إلى صنعاء ليعلن تساقط أهم أوراق تحالف العدوان التي كان يصنفها ويعتبرها من أوراقه الضاغطة والتي يراهن عليها وهي ورقة “تأزيم الداخل وحقنه بصراعات مضافة لتقسيماته السابقة حزبية ومناطقية وفكرية ومسميات مطلبية”، وورقة استخدام أبناء الوطن القاطنين في الجزء المحتلّ وتسخيرهم كمخزون تحشيد وتجنيد مقاتلين في صف الاحتلال والارتزاق يوجههم حينما وحيثما يشاء وليس باتّجاه صنعاء فحسب.
وتناسوا أَو لم يحسبوا مَا الذي تحمله القبيلة اليمنية ومَا الذي تُخبئه لأعداء الوطن في جعبتها؟!
لقد لاح الجديد في ملحمة الصمود الشعبي المواجه لقوى الغزو والاحتلال، وبان ما بعد وفد أبين، وهو أن القبيلة اليمنية ستتخذ مواقفها وستعقد حوارات وتصالحات وتسويات وبأجندات الحكمة اليمانية الخالصة والبعيدة عن المطامع السياسية والخارجة عن سيطرة أحزاب اللجنة الخَاصَّة السعوديّة، وأن مزايدات العدوان وأدواته ورهاناته عليها لا محل لها في الإعراب السياسي.
فقد أكّـدت الخطوة عمليًّا أن قبائل وأشراف أبين وشبوة وحضرموت ويافع ولودر ولحج والمهرة لا يمكن أن تقبل ببقاء قرارها ومصيرها رهينة لبريطانيا وأمريكا وأدواتهما ولا يمكن أن تقبل ببقاء الاحتلال الإماراتي والسعوديّ للأراضي اليمنية بأية ذريعة كانت.
ووجهت رسالة واضحة عنوانها أن اليمنيين ليسوا بحاجة إلى مصلح خارجي لمشاكلهم، بل إن التدخل الخارجي هو مشكلتهم وأثبتوا أنهم أقدر على لملمة جراحاتهم وبطريقتهم اليمنية بخصوصيتها المبنية على تجذر القيم الدينية ومكارم الأخلاق التي لا يمتلك مثلها أي شعب بالعالم.
ويسرني أن أنقل إليكم جملة قالها أمس أحد حكماء أبين الوافدين ضيوفاً إلى صنعاء أثناء تبادل الحديث معه وهي جملة معبرة وأصدق إنباءً بالقادم القريب، لقد قال “عندما قرّرنا الذهاب إلى صنعاء كان مطلبنا تحرير الأسير اللواء فيصل رجب، وعندما وصلنا صنعاء وكيف استقبلنا أهلها وبعد الذي شاهدناه وسمعناه من قيادات صنعاء تأكّـد لنا أن الأسير الأكبر الواجب تحريره هي مناطقنا القابعة تحت احتلال التحالف”.
ما بعد وفد أبين هو التالي:
قبل رمضان كانت السعوديّة توهم نفسها بأنها لا تزال تمتلك ورقة القدرة على استنفار عشرات الآلاف من مرتزِقتها لتقاتل بهم وتضغط وترد بهم على خيارات صنعاء المفروضة على واقع الميدان والطاولة، ولكن بعد رمضان أَو بعد وفد أبين بتعبير أدق أنْ يأتي هذا التحَرّك المجتمعي ومن وسط أبين تحديداً؛ فهو يعني انهيار أهم أوراق ورهانات رباعية العدوان الأمريكي البريطاني السعوديّ الإماراتي.
وأخيراً لقد نجح رهان وفد أبين وانكشفت أوهام السعوديّة والإمارات، وهذا النجاح يعني أن الواقع الشعبي داخل المناطق المحتلّة يمتلك خياراته الوطنية وليس مكبلاً بتوجيهات قيادات الأحزاب المفندقة ولا متأثراً بتحليلات قنوات الفتنة ولا يصدق أخبار مواقع التفرقة ولا يقبل بمعسكرات الدفع المسبق.
هذا النجاح يعني أن خطوط الإرادَة الشعبيّة الطاردة للمحتلّ والعملاء في عدن وأبين وشبوة وحضرموت وتعز والمهرة تلتقي مع خيارات صنعاء ولم يعد لتحالف العدوان القدرة والاستطاعة على وضع العراقيل أمامها.